لا شهادات أخرى
بينما كان مالاليو محتجزًا في معقل الآنسة بِيت الحصين، كان كوذرستون يُعاني من نوع مختلف تمامًا من الاحتجاز في زنزانات الحجز بسجن نوركاستر. لو كان كوذرستون يعرف مكان وجود شريكه، وتحت أيِّ ظروف نجا مالاليو من الاحتجاز خلف قضبان السجون الرسمية، فلربما كان سيهزأ به ويسخر من حماقته. في الواقع، كان كوذرستون يدعو مالاليو بالأحمق منذ الليلة السابقة، عندما أخبره رجال الشرطة، وهم يَنقلونه إلى نوركاستر، بهروب العمدة من مبنى البلدية. لا يمكن لأحد سوى شخص أحمقَ تمامًا، هكذا ظن كوذرستون، أن يفعل شيئًا كهذا. كان كوذرستون يرى أنه لن يلوذَ بالفرار سوى مَن كان لديه سببٌ لذلك، وفي اعتقاده أن تسعةً وتسعين شخصًا من كلِّ مائة شخص في هاي ماركت كانوا سيُشاركونه هذا الرأي. الآن كان مالاليو سيُعتبر مذنبًا، وسيقولون إنه لم يجرؤ على مواجهة الأمور، وإنه كان يعلم أنه هالكٌ لا محالة، وإن هروبه كان تصرفًا يائسًا من مجرم يعي جريمتَه. يا له من أبله! — هكذا قال كوذرستون، بقدرٍ من البهجة الشامتة: يجب ألا يكون لدى أيٍّ منهم سببٌ ليقول أشياءَ كهذه عنه. لن يُقْدِم على أي محاولة للفرار؛ لن يفعل، حتى لو تركوا بوابة سجن نوركاستر مفتوحة على مصراعَيها أمامه! لا بد أن يكون شغله الشاغل أن يُبَرَّأ بصورة قانونية، ويجب أن تكون تبرئته علنيةً تمامًا كالإجراءات القضائية التي كانت قد جرَت للتو. خرج من قفص الاتهام وهو عاقد العزم على ذلك؛ ووضع هذه الفكرة نصب عينيه وهو في الطريق إلى زنزانته في نوركاستر؛ وعندما استيقظ في الصباح، كانت أقوى من ذي قبل. قرر كوذرستون أنه، بدلًا من أن يُولِّيَ الأدبار، سيُقاتل، سيقاتل بنفسه.
بصفته مجردَ سجين رهنَ الاحتجاز، كان كوذرستون يتمتَّع بامتيازاتٍ حرَصَ على الاستفادة منها. كان يرغب في رؤية أربعة أشخاص، ولا بد أن يراهم على الفور، في يومه الأول في السجن، وأفصح عن رغبته في الحال. كان أولهم — وأهمُّهم — محاميًا بعينه في نوركاستر، كان يتمتع بسمعة طيبة باعتباره داهيةً في تلك الأمور. وثانيهم — وهو على نفس القدر من الأهمية تقريبًا — كان محاميًا يقيم في نوركاستر، وعُرِفَ عنه على مدار جيل كامل أنه نجح في إعادة دمج عدد من المجرمين في المجتمَع أكثرَ من أي شخص في مهنته في ذلك الوقت. والاثنان الآخران هما ابنته وويندل بينت. لا بدَّ أن يراهما، ولكن لا بد أن يرى رجلَي القانون أولًا.
عندما جاء المحاميان، تحدث كوذرستون إليهما كما لم يتحدَّث أبدًا مع أي شخص في حياته. سرعان ما أوضح لهما أنه أرسل في طلبهما لأمرَين محدَّدين؛ الأول هو أن يُخبرهما بوضوح ألَّا يضَعا أيَّ اعتبار للمال فيما يخص مسألةَ الدفاع عنه، والثاني أنهما جاءا ليَسمعا ما سيُمْليه عليهما بشأنِ ما عليهما أن يفعَلاه. أنصَتا إلى كوذرستون وهو يتحدث، وعندما انتهى من سردِ كل شيء لهما، شعر كوذرستون بالرضا إذ رأى انبهارًا تامًّا في أعينهما وهما يُغادران. عاد إلى زنزانته من الغرفة التي أجريت فيها هذه المقابلة مهنِّئًا نفسه على براعته.
طمأنَ نفسه قائلًا: «سأخرج من هذا المأزق، وسينتهي كلُّ شيء، بعد أسبوع من اليوم!» وأردف: «سنرى أين سيكون ذلك الأحمقُ مالاليو بحلول ذلك الوقت! لن يبتعد كثيرًا، ولن يختبئ ثلاثين سنةً أخرى هذه المرة.»
انتظر بشيء من القلق رؤيةَ ابنته، ليس لأنه لا بد أن يراها داخل جدران سجن، ولكن لأنه كان يعلم أنه بحلول ذلك الوقت ستكون قد عرَفَت أسرارَ ذلك الماضي الذي كان قد أخفاه عنها بحرص. مع أنها كانت ابنتَه الوحيدة، كان يشعر أن ليتي كانت مختلفةً عنه تمامًا؛ كان قد لاحظ كثيرًا أنها كانت ذاتَ عقلية مختلفة عن عقليته، وأيضًا أنها كانت، في بعض النواحي، غامضةً على فهمه إلى حدٍّ ما. كيف ستتلقَّى كل هذا؟ ماذا ستقول؟ وماذا سيكون تأثيرُه عليها؟ فكر كوذرستون في هذه كل الأسئلة بقلق بينما كان ينتظر زيارتها.
ولكن لو كان كوذرستون يعلم ما خفي عنه، ما كان سيقلق بشأن ليتي بالمرة. كان قد وقع على عاتق بينت أن يُطلِعَها على الأخبار المحزنة بعد ظهر اليوم السابق، وتوسَّل إلى بريريتون أن يُرافقه إلى المنزل. كان بينت منزعجًا؛ أما بريريتون فقد كرهَ هذه المهمة، ومع ذلك فقد شارك فيها طوعًا. ولكنهما، هما أيضًا، لم يكونا بحاجةٍ إلى القلق. فقد استمعَت ليتي بهدوء وصبر حتى انتهيا من قصتهما، ولم تُظهر أيَّ ذعر أو سخط أو انفعال؛ وكانت رِباطةُ جأشها مدهشةً حتى لبينت، الذي كان يظن بعد سنةٍ من خِطبتهما أنه يعرفها جيدًا.
«إنني أفهم تمامًا»، هكذا قالت ليتي، عندما تبادلا إطلاعها على كل شيء، مع التركيز بخاصةٍ على رواية والدها للأمور. وتابعت: «بالطبع، كل هذا مزعج جدًّا، ولكن الأمر بسيطٌ للغاية، أليس كذلك؟ بالطبع، كان السيد مالاليو هو المذنبَ طَوال الوقت، وقد استدرج والدي المسكين إلى هذا الأمر. ولكن بعد كل ما أخبرتُماني به، ألَا يجب أن يُعرَض هذا كله على — مَن المعنيُّون بذلك؟ — قُضاة التحقيق؟ القُضاة؟ وبعد ذلك بالطبع سيُبرِّئون أبي تمامًا، وسيُشنَق السيد مالاليو. ويندل، سيتوجَّب علينا تأجيل الزفاف طبعًا، أليس كذلك؟»
وافقَها بينت قائلًا: «أجل، بالتأكيد!». وأردف: «لا يُمكننا إقامة الزفاف حتى ينتهيَ هذا الأمر برمَّته.»
قالت ليتي: «سيكون ذلك أفضلَ بكثير.» وتابعت: «فقد كان التعجُّل يُشكل ضغطًا مُريعًا.»
نظر بريريتون إلى بينت عندما غادَرا المنزل.
وقال: «أهنِّئك على خطيبتك راجحةِ العقل، يا صديقي!» وأردف: «كان ذلك مبعثَ … راحة!»
أجاب بينت: «أوه، ليتي فتاةٌ تتمتَّع بطبع فريدٍ من نوعه، يَمتزج فيه الهدوء والاتِّزان.» واستطرد: «إنها لا تَنزعجُ بسهولة، وهي بارعةٌ في تقييم الأمور. وأرى، يا بريريتون، أنني يجب أن أفعلَ كل ما بوُسعي من أجل كوذرستون، كما تعلَم. ماذا عن دفاعه؟»
قال بريريتون: «أتصوَّر أن كوذرستون بالفعل يُرتِّب دفاعه بنفسه.» وأضاف: «لقد أدهشني أثناءَ حديثنا هذا الصباح في مكتب تالينجتون بقُدرته على الاعتناء بنفسه، يا بينت، وأظن أنك ستجدُ عندما تزورُه أنه قد رتَّب أموره بالفعل. لعلك لن تفهمَ السبب لما سأقوله، ولن أشرحَ لك الآن، ولكن هذا الفرار الأحمق لمالاليو، الذي من المؤكَّد أنه سيُقبَض عليه، في مصلحة كوذرستون جدًّا. سأُدهَش كثيرًا إن لم تجد كوذرستون في حالة معنوية جيدة للغاية، وإن لم تحدُث تطوُّرات في هذا الشأن خلال يوم أو اثنَين ستُدهَش البلدة بأكملها.»
في اليوم التالي، عندما زار بينت السجين بصُحبة ليتي، وجد تنبؤات بريريتون صحيحة. فعندما سمع كوذرستون من ابنتِه وجهة نظرها في المسألة، واطمأنَّ أن كل شيء كان على ما يُرام بينها وبين بينت، لم يُصبِح واثقًا فحسب، بل مُتباهيًا بابتهاج. سينال حُريته، وسَتُبرَّأ ساحته بعد أسبوع من ذلك اليوم، وقال إنه ليس آسِفًا على أن كل هذا قد انكشَف أخيرًا؛ لأنه الآن سيكون قادرًا على التخلُّص من كابوسٍ كان قد أثقلَ كاهلَه طيلة حياته.
علَّق بينت، قائلًا: «إنك شديدُ الثقة كما تعلم.»
أكَّد كوذرستون بإصرار: «ليس في حدود المعقول.» واستطرد: «انتظِر حتى الغد!»
سأله بينت: «ما الذي سيحدث غدًا؟»
أجاب كوذرستون: «غدًا سيُعقَد التحقيق حول مقتل ستونر.» وأضاف: «احرِص على حضوره وشاهِد واسمع ما سيحدث.»
حضر كلُّ سكان هاي ماركت الذين تمكَّنوا من الاحتشاد في محكمة التحقيق في الوفَيات في اليوم التالي عندما عُقِد التحقيق المؤجَّل حول وفاة الكاتب. لم يكن لدى بينت ولا بريريتون ولا تالينجتون أيُّ فكرة عن المسار الذي سيتَّبِعه كوذرستون ومستشاروه، ولكن تالينجتون وبريريتون تبادلا النظرات عندما أُحضِرَ كوذرستون في عُهدة سجَّانَين من نوركاستر، وعندما قدَّم المحاميان من نوركاستر نفسيهما بعد ذلك بوقت قصير.
همس تالينجتون: «لقد بدأتُ أتوقَّع ما نحن بصدده.» وأضاف: «يا له من ذكاء! ذكاء شيطاني!»
وافقه بريريتون، بإيماءة جانبية أشار بها إلى المقاعد القريبة المزدحمة: «بالضبط.» وتابع: «ويوجد شخص ما مهتمٌّ لأنه سيكون ذا ذكاءٍ شيطاني؛ ذلك المدعو، بِيت!»
كان كريستوفر بِيت حاضرًا في كامل حُلَّته، مرتديًا قبعتَه الحريرية وزوجَيْ قفازاته الجلدية السوداء، ولم يخشَ من إظهار فضوله المهني. كان الفضول هو السِّمَة السائدة في ذلك اليوم؛ فقد أراد كلُّ من كان حاضرًا، أيًّا كانت درجةُ ذكائه وقوةُ ملاحظته، أن يعرف المغزى من وجود كوذرستون، أحدِ الرجلَين المتهمَين بقتل ستونر. لكن كان أمام الحاضرين قليلٌ من الوقت قبل أن يُشبع أيٌّ منهم فضوله. فنظرًا إلى كونه تحقيقًا مؤجَّلًا، كان لا بد من أخذِ معظم الشهادات المتاحة، وبما أن مجال استدعاء الشهود أمام محقِّق الوفَيَات كان واسعًا، فقد قُدِّمت أمامه هو وهيئة محلَّفيه شهاداتٌ أكثرُ من تلك التي قُدِّمت أمام قضاة التحقيق. بالطبع، كان مايلر وبيرسي العجوز حاضرَين، وكذا الحبيبان: وكان يوجد شهودٌ آخَرون، من العاملين بالسكك الحديدية، والأطباء المخضرمين، ومن سكان البلدة الذين تمكَّنوا من الإسهام في الشهادات بحصة صغيرة. ولكن كل هذه الشهادات صارت طيَّ النسيان عندما أخيرًا دخل كوذرستون بعزمٍ منصةَ الشهود — بعدما حذَّره محقق الوفَيات على نحوٍ وافٍ قائلًا له إن لم يكن بحاجةٍ إلى أن يُدلي بأي شهادة على الإطلاق — وأقسمَ قسمًا غليظًا على أنه كان شاهدًا على جُرْم شريكه.
لم يَنجح أيُّ شيء في زعزعة شهادة كوذرستون. فقد روى قصةً واضحة ومباشرة من البداية إلى النهاية. لم يكن يَعلم أي شيء على الإطلاق عن اكتشاف ستونر لسرِّ قضية ويلشستر. ولم يكن يعلم أي شيء عن ذَهاب ستونر إلى دارلينجتون. في يوم الأحد كان كوذرستون قد ذهب إلى الأرضِ السبخة في نزهةٍ هادئة. عند الأيكة المُطلَّة على محجر هوبويك رأى مالاليو وستونر، ولاحظ على الفور أنهما كانا يتَشاجران. رأى مالاليو يضرب ستونر بقوةٍ بعَصا البلوط، ورأى مالاليو، في فورة انفعالٍ مُفاجئة، يَركل العصا لتسقطَ من فوق حافة المحجر، وشاهده وهو ينزل إلى المحجر ويُغادره في النهاية. وروى أنه ذهب بنفسه بحثًا عن العصا، وأنه وجدها وأخذها إلى البيت، وأخيرًا أخبر الشرطةَ بمكانها. لم يتحدَّث أبدًا إلى مالاليو في ذلك اليوم، ولم يرَه سوى في الواقعة التي حَكاها بالتفصيل.
لم يُزعج المحامي الماهر الذي مثل كوذرستون القاضيَ وهيئة المحلفين كثيرًا بطرح أسئلة على مختلِف الشهود. ولكنه استخلص بهدوءٍ من جميع الأطباء رأيًا قاطعًا بأن الوفاة نجمَت عن ضربة. وعندما انتهت شهادةُ كوذرستون، أصرَّ المحامي على استدعاء الحبيبَين، وحصل على معلومات من كلٍّ منهما على حدةٍ (إذ كان أحدهما يُصطحَب إلى خارج قاعة المحكمة بينما يُقدِّم الآخرُ الأدلة) تُفيد بأنهما لم يُشاهدا مالاليو وكوذرستون معًا، وأن مالاليو كان قد غادر المحجر قبل أن يُشاهدا كوذرستون ببعض الوقت، وأنه عندما مرَّ مالاليو أمامهما بدا ثائرًا وكان يُتمتم في نفسه، بينما لم يُلاحظا أي شيء جدير بالملاحظة في تصرفات كوذرستون.
رأى بريريتون، وهو يُراقب الوجوه الجادةَ والقلقة لأعضاء هيئة المحلَّفين وجميع تجَّار البلدة، التأثير الذي كان تُحدثه شهادة كوذرستون والشهادتين الأخريَين اللتين قدَّمَهما الحبيبان. ومع تجمُّع غسَق وقت العصر، لم يُفاجَأ بريريتون ولا تالينجتون — ولا السيد كريستوفر بِيت بكل تأكيد — عندما انتهى التحقيق إلى إصدار حكم بالقتل العمد على أنطوني مالاليو.
قال تالينجتون لمحامي نوركاستر، معلقًا، عندما التقيا في غرفة الانتظار: «موكلك يُبلي بلاءً حسنًا.»
أجاب الآخر بفظاظة: «موكلي سيُبلي بلاءً أفضلَ من ذلك عندما يَمثُل أمامك مجددًا.» وأردف: «سترى!»
قال تالينجتون بهدوء «إذن ذلك هو المسار الذي تسلكُه؟» وأردف: «مسار جيد … له.»
أجاب المحامي قائلًا: «كل امرِئ مسئولٌ عن نفسه.» وتابع: «مالاليو لا يَعنينا؛ ما يعنينا هو أنفسنا. أراك عندما يَمثُل كوذرستون أمام سيادتك يوم الثلاثاء المقبل. وبيني وبينك! لن يَستغرقَ الأمر طويلًا، عندئذٍ.»
ولكن سواءٌ كان الأمر سيَستغرق وقتًا طويلًا أو قصيرًا، فقد اكتظَّ مبنى بلدية هاي ماركت بالناس حتى أبوابِه، عندما وُضِع كوذرستون مجددًا في قفص الاتهام، بعد احتجازه الذي دام أسبوعًا. هذه المرة، وقف هناك بمُفرده، ونظر حوله بثِقة وارتسمت على وجهه أماراتٌ واضحة تنمُّ عن شعوره بانتصارٍ وشيك. استمع بابتسامةٍ هادئة بينما كان محامي الادعاء — الذي أُرسِل خصِّيصى من لندن لتولِّي القضية — يُناقش مع قُضاة التحقيق مسألةَ هروب مالاليو، وأبدى اهتمامًا أكبرَ عندما سمع بعض المعلومات من رجال الشرطة حول كيفية تنفيذ عملية الهروب، وإنه حتى ذلك الحين لم يكن يُعرَف أي شيء عن الهارب ولم يُعثَر له على أثر. وبعد ذلك، عندما انحنى محامي الادِّعاء لتبادُل حديثٍ هامس مع كاتب العدل، استدار كوذرستون عمدًا، باحثًا عن المكان الذي جلس فيه بينت وبريريتون معًا، وحبَاهما بنظرةٍ غريبة. كانت نظرةَ رجل يرغب في أن يقول «قلتُ لكما! والآن ستَرَيان أنني كنتُ على حق!»
همس بريريتون قائلًا: «سنَسمع شيئًا … الآن!»
اعتدل محامي الادِّعاء في وقفته ونظر إلى قُضاة التحقيق. بدا عليه ترددٌ لحظي؛ بينما ارتسمَت نظرةُ توقعٍ على وجوه الجالسين على منصة القضاء؛ وحلَّ صمتٌ تام في القاعة المزدحمة. كانت الكلمات القليلة التي خرجَت من فم محامي الادِّعاء حادةً وحاسمة.
قال: «لن يُستمَع إلى مزيدٍ من الشهادات بحق السجين الماثل الآن في قفص الاتِّهام، يا حضرات السادة القضاة. لقد قرَّر مُمثل الادِّعاء سحبَ الدعوى.»
وفي خضمِّ ضجيج الإثارة الذي أعقب ذلك، كاد صوت رئيس الجلسة المسنِّ ألَّا يكون مسموعًا وهو ينظر إلى كوذرستون.
قال باقتضاب: «أُخلي سبيلُك.»
استدار كوذرستون وغادر قفص الاتهام. وللمرة الثانية نظر إلى بينت وبريريتون نفس النظرة الفاحصة الغريبة. ثم، وسط صمت تام، غادر قاعة المحكمة.