الحبل
منذ أن غادروا المنزل الواقع عند سفح غابة الصنوبر، كان بريريتون يشعر بجوٍّ نفسي غريب، يتمحور حول كوذرستون. ولقد ازداد قوةً مع تطوُّر الأحداث؛ وكان لا يزال أشدَّ قوة الآن وهم يقفون خارج كوخ الرجل الميت، والضوء القادم من الباب المفتوح والنافذة ذات الستارة البيضاء يسقُط على وجه كوذرستون المنفعل. بدا لبريريتون أن كوذرستون كان مُتلهفًا أكثر من اللازم لشيءٍ ما، حتى إنه كان يُمكن القول إنه كاد أن يكون مبتهجًا. كان سلوكه كله غريبًا. لقد صُدم بالتأكيد عندما اندفَع جارثويت ومعه خبر مقتل كايتلي، ولكن هذه الصدمة لم تَبدُ عادية. لقد بدا وكأنه سيفقد الوعي، ولكنه عندما استعاد زِمام نفسه، كان مسلكه كله (هكذا بدا الأمر لبريريتون على أي حال) مسلك رجلٍ شعر براحةٍ كبيرة لتوِّه. لحصر الأمر برمته في نطاق ضيق، بدا كما لو أن كوذرستون كان مسرورًا لسماعه، ثم لاحقًا اكتشافه دون شك، أن كايتلي قد مات. والآن، بينما كان يقف ناقلًا نظره بين أحد الشابَّين والآخر، وعيناه تلمعان كما لو كان مستمتعًا بالأمر تمامًا؛ وهو ما ذَكَّر بريريتون بذلك النوع من روَّاد المسرح الذي يُصِر على الإشارة إلى المؤثِّرات المسرحية وهي تحدُث أمام عينَيه، فارضًا إعجابه بها على باقي المشاهدين الذين يتمتَّعون بأعينٍ ثاقبة كعينَيه.
كرَّر كوذرستون نفس العبارة ثانية قائلًا: «دليلٌ قوي!» وأضاف: «دليلٌ جيد! وإن كان صحيحًا، فستتَّضح الأمور.»
سأله بينت: «ما هو؟» بدا أنه هو أيضًا قد لاحظ أن ثَمَّةَ شيئًا غريبًا في حَمِيه المستقبلي، وكان يُحدِّق فيه بتأمُّل كما لو كان مندهشًا. وأردَف: «أي نوعٍ من الأدلة؟»
قال كوذرستون بصوتٍ غريب وشبه ضاحك: «من العجيب أنه لم يخطر على بالي، ولا على بالك أنت أيضًا، في البداية.» وأردف: «ولكن ما دام خطر على بال شخصٍ ما، فلا فارق، أليس كذلك؟ أن يخطر على بال أحدنا كأن يخطر على بال الآخر. ألا يمكنك تخمين ما هو؟»
أجاب بينت، وصبره يكاد أن ينفد: «لا أعرف ما الذي تُفكِّر فيه.»
أطلق كوذرستون ضحكةً مكتومة لا تخطئها أذن ردًّا على ذلك، وأشار إليهما أن يتبعاه إلى داخل الكوخ.
قال: «تعالَيا وانظرا بنفسَيكما، إذن.» وأردف: «ستَكتشفانه. ولكن، على أيِّ حال، لا يمكن توقُّع أن يكتشفه السيد بريريتون؛ نظرًا لأنه غريب عن البلدة.»
دخل الرجال الثلاثة إلى غرفة المعيشة في الكوخ؛ وهو مكانٌ قديم الطراز جيد الحجم وسقفه ذو روافدَ خشبية داعمة، حيث كانت نيران المدفأة مشتعلة، وعلى جانبَيها كرسيان مريحان بذراعَين. وأمام أحد هذَين الكرسيَّين، كان خُفٌّ موضوعًا بحيث يشير من ناحية الأصابع إلى الأعلى في مقابل المدفأة؛ وعلى طاولةٍ قريبة، كان يُوجد صندوقُ تبغٍ قديم من الرصاص، محاط بغليونٍ طويل الساق، وزجاجة خمر، وكأس، وطبقٌ موضوع عليه سكر وليمون؛ واعتبر بريريتون أن في هذه الأشياء دلالةً على أنَّ كايتلي، بعدما كان يَنتهي من تمشيته المسائية، كان معتادًا على تدخين الغليون في هدوء واحتساء مشروبٍ دافئ قبل الذهاب إلى الفراش. وبعدما أخذ ينظر حوله أكثر، لاحظ وجود بابٍ مفتوح — الباب الذي اتجهَت نحوه السيدة بيت ثم اختفت — وسريرٍ بالداخل كان كايتلي يَرقد عليه الآن، والدكتور روكليف وعريف الشرطة منحنيان عليه. وقف رجال الشرطة الآخرون بجانب الطاولة في غرفة المعيشة، وهمس أحدهم — وهو الشُّرطي الذي حمل دفتر الجيب — بصوتٍ مسموع إلى كوذرستون عندما دخل هو والشابان.
قال، وهو يومئ برأسه إيماءةً ذات مغزًى: «الطبيب يخلعه عنه. أُراهن بأي شيءٍ على أن الأمر كما أقول، يا سيد كوذرستون».
وافقه كوذرستون وهو يفركُ يدَيه وقال: «يبدو كذلك.» واستطرد: «يبدو كذلك بالتأكيد يا جورج. ولكنها قوةُ ملاحظةٍ منك أن تنتبه إلى ذلك، على أي حال.»
اعتبَر بريريتون أن هذه المحادثة تشير إلى الدليل الغامض، وتأكَّدتْ شكوكه بعد لحظة. دخل الطبيب والرقيب إلى غرفة المعيشة، والطبيب يحمل شيئًا في يده وضَعَه على المنضدة المركزية على مرأًى من الجميع. ورأى بريريتون بعد ذلك أنه كان قد نزع عن عنق القتيل الحبل الرمادي الطويل الذي خُنقَ به.
كان ثَمَّةَ شيءٌ شِرِّير للغاية في مجرَّد وَضْع هذا الحبل أمام أعين هؤلاء الرجال الأحياء. فقد تسبَّب في موت رجلٍ آخر كان قبل ساعة مفعمًا بالحياة مثلهم تمامًا؛ واستخدَمه رجل، على نفس القَدْر من الحيوية، أداةً لجريمة قتلٍ شنيعة. مع أن الحبل في حد ذاته كان عديم الأهمية؛ فهو مجرَّد قطعةٍ من خيوط القنَّب المغزولة والملفوفة بقوة، ولكنه كان موحيًا بغرابة؛ وعلى أي حال، لرجلٍ واحد، من بين أولئك الذين وقفوا ينظرون إليه، كان ذلك الحبل بمثابة تذكيرٍ بأنه لا بد أن القاتل الذي استخدَمه يخشى الآن من حبلٍ آخر أقوى نُصْب عينَيه.
أشار الطبيب فجأةً وهو يلقي نظرةً سريعة إلى رجال الشرطة: «اعثُروا على صاحب ذلك الحبل، وقد تصلون إلى شيءٍ ما.» وأردَف: «هل تقول إنه حبلُ جزَّار؟»
أومأ الرجل الذي همَس لتوِّه إلى كوذرستون برأسه موافقًا.
وأجاب: «إنه حبل يستخدمه الجزَّار مع الخنازير، يا سيدي.» وتابع: «إنه ما يربط به الجزار الخنزير كي يُثبتَه على الوشيع.»
«وشيع؟ ما هذا؟» هكذا سأل بريريتون الذي كان قد اقترب من الطاولة لفحص الحبل، ورأى أنه على الرغم من كونه رفيعًا، فقد كان قويًّا للغاية، وأليافُه منسوجة بإحكام. وأردَف: «هل تقصد شيئًا مثل الألواح الخشبية التي كان قديمًا يُربَط فيها المحكوم عليه بالإعدام ويُجَر إلى مكان تنفيذ الحكم؟»
وافقه الشرطي، قائلًا: «أجل يا سيدي.» وأردَف: «إنه نوعٌ من أنواع الألواح الخشبية، على أربعة أرجل. يضعون عليه الخنزير، ويربطونه بحبل من هذا النوع؛ لقد كان هذا الحبل يُستخدَم لذلك الغرض؛ فهو يصبح دُهْنيَّ المَلمَس مع طول الاستعمال.»
قال الطبيب: «وقد قُطعَ من لفيفةٍ أطول، بالطبع.» وأضاف: «هذه الحبال طويلةٌ جدًّا، أليس كذلك؟»
أجاب الرجل: «إنها طويلة يا سيدي، وتكون على هيئة لفائفَ عادية، مثل …». انحنَى هو الآخر ونظر إلى طول الحبل الموضوع أمامه. وأردَف وهو يشير إلى إحدى نهايتَيه: «يمكن قول إنه قد قُطعَ حديثًا.»
«وقُطعَ بسكينٍ حادٍّ أيضًا.»
نظر رقيب الشرطة إلى الطبيب كما لو كان يَطلب نصيحته حول كيفية التعبير بالكلمات عن أفكاره.
«حسنًا؟»، هكذا قال الطبيب بإيماءةٍ موافقة. وتابع: «بالتأكيد، في ذهنك شيءٌ ما أيها الرقيب، صحيح؟»
أجاب قائلًا: «حسنًا، يُوجد رجلٌ يذبح الخنازير ولديه حبال كهذا، ويعيش بالقرب من هنا أيها الطبيب.» وأضاف: «أنت تعرف مَن أقصد؛ إنه الرجل الذي يُسمُّونه «جاك النبيل».»
قال الطبيب: «هل تقصد هاربورو؟» وأردَف: «حسنًا، من الأفضل أن تسألوه عما إذا كان يعرف أي شيء. ربما سرق شخصٌ ما أحد حباله. ولكن يُوجد جزارون آخرون يذبحون الخنازير في البلدة، بالطبع.»
علَّق شرطيٌّ آخر قائلًا: «ليس في هذه الجهة من البلدة، لا يُوجد آخرون هنا.»
تابع الطبيب، وهو يَنظر إلى كوذرستون والآخرين: «الواضح أن كايتلي قد خُنقَ بهذا الحبل، وأن كل شيء قَيِّم كان يحمله قد سُرِق. من الأفضل أن تكتشفوا ما كان بحوزته، أو ما كان من المُحتمَل أن يحمله معه. اسألوا مدبِّرة المنزل.»
أتت الآنسة بيت من الغرفة الداخلية، حيث كانت قد بدأَت بالفعل استعداداتها لتجهيز الجثمان. كانت هادئةً كما كانت عندما أخبرها بينت لأول مرة بما حدث، ووقفَت عند نهاية الطاولة، والحبل بينها وبين مُستجوبيها، ولم تُظهِر أي تأثر أو دهشة مما حدث.
سألها الرقيب: «هل يُمكنك أن تخبرينا بأي شيء عن هذا يا سيدتي؟» وتابع: «كما تَرينَ، لقد لقي سيدك حتفه على يد شخصٍ ما، ولا يوجد شك في أنه تعرَّض للسرقة أيضًا. هل يتصادف أنكِ تعرفين ما كان يحمله معه؟»
وضعَت مدبرة المنزل، التي كانت تحمل بين ذراعَيها كومةً من الملاءات والمفارش، حملها على مَنْشَر الملابس أمام المدفأة قبل أن تَرُد. بدا أنها تُفكِّر بعمق، وعندما استدارت مرةً أخرى، كان ذلك لِتهُز رأسها الملفوفة بالمنديل المزخرف الغريب.
أجابت: «حسنًا، لا يمكنني القول بالضبط.» وأضافت: «ولكنَّني لن أندهش إن كان يحمل الكثير؛ مقارنةً برجلٍ مثله، كما تعلم. كان بالفعل يحمل مالًا؛ فلم يكن يعاني من نقص المال أبدًا منذ عرفتُه، وأحيانًا كان يحمل مبلغًا معقولًا في جيوبه؛ إنني أعرف ذلك، بالطبع؛ لأنه كان يُخرِج المال من جيوبه، فَكَّة نقود من عملاتٍ ذهبية وفضية ونحاسية، وقد رأيتُه يأخذ أوراقًا نقدية من دفتر جيبه. ولكنه على الأرجح كان يحمل مبلغًا كبيرًا أكثر من المعتاد الليلة.»
سأل الرقيب: «لماذا؟»
أجابت الآنسة بيت: «لأنه ذهب إلى البنك هذا الصباح لسحب معاشه.» وتابعَت: «أجهل مقداره، مثلما أجهل مصدره. لقد كان رجلًا كتومًا، ولم يُخبر أي شخصٍ أبدًا أكثر مما يرغب في الإفصاح عنه، ولم يُخبرني أبدًا أي شيء عن ذلك. ولكنَّني أعلم أنه كان ما يُمكن أن تطلق عليه مبلغًا لا بأس به، لرجلٍ يعيش في كوخ. لقد ذهب إلى البنك ظهر اليوم؛ وكان دائمًا يذهب مرةً واحدة كل ثلاثة أشهر، وقال بعد ظهر اليوم إنه سيذهب لدفع إيجاره للسيد كوذرستون هذا …»
تمتَم كوذرستون: «وقد فعل.» وأردَف: «أجل، فعَل ذلك.»
تابعَت مدبرة المنزل: «حسنًا، كان يَحمل كلَّ ما تبقى من نقوده معه.» وتابعَت: «وكان يحمل مبلغًا مثل الذي كان يحمله من قبلُ؛ لأنه كان سيحصل على أموالٍ إضافية غير معاشه. وأقول لك إنه كان من الناس الذين يحملون نقودهم معهم؛ لقد كان أحمقَ لهذه الدرجة. وكان معه ساعة وسلسلة ثمينتان للغاية، أخبَرني أنهما كانا بغرض الوجاهة، وأنهما كلَّفاه ما يَقرُب من مائة جنيهٍ إسترليني. وبالطبع، كان يحمل دفتر جيب مليئًا بالأوراق.»
سألها الرقيب: «دفتر الجيب هذا؟»
وافقَت الآنسة بيت قائلة: «أجل، هذا هو.» وأضافت: «ولكنه دائمًا ما كان مليئًا بقِطَع من الرسائل والأوراق. هل تقصد أنكَ وجدتَه فارغًا؟ هل فعلتَ؟ حسنًا إذن، أنا لست حمقاء، وأقول إنه إن كان قد قُتِل، فقد كان ثَمَّةَ سببٌ ما يتجاوَز سرقة ماله وما كان بحوزته! الشخص الذي أخذ أوراقه، أيًّا كانت هُوِيَّته، كان يرغب في الحصول عليها بشدة!»
قال الرقيب متجاهلًا تلميح الآنسة بيت: «والآن ماذا تعرفين عن عاداته؟» وأردَف: «هل كان يذهب للتمشِّي على تلَّة شول كل ليلة؟»
أجابت: «أجل، بانتظامٍ كالساعة.» وتابعَت: «كان يقرأ ويكتب كثيرًا في المساء، ثم يضع كل كتبه وأوراقه جانبًا ويتناول عَشاءه، ويخرج ساعةً للتمشي هنا وهناك. ثم يعود ويلبس خُفَّه — ها هو هناك، موضوع لتدفئته من أجله — ويُدخِّن غَلْيونًا واحدًا، ويَحتسي كأسًا واحدة من شراب التودي الساخن — ها هي هناك أدوات إعدادها — ثم يأوي إلى الفراش. كان أكثر شخصٍ منظَّم عرفتُه في حياتي، في كل شيءٍ يفعله.»
سألَها بينت، الذي رأى أن الرقيب لم يعُد لديه المزيد من الأسئلة: «هل تأخر الليلة أكثر من المعتاد؟» وأردَف: «بدا أنكِ تُلمحِين إلى ذلك، عندما أتينا.»
اعترفَت الآنسة بيت قائلة: «حسنًا، لقد تأخر أكثر قليلًا الليلة.» وأضافت: «كان الوقت الذي يَستغرقه يختلف بالطبع. ولكنه كان يستغرق نحو ساعة. كان يَصعد التل ويهبطه، ويمشي بجانبه، ويسير عَبْر أجمات الأشجار ذهابًا وإيابًا. لقد حذَّرتُه أكثر من مرة.»
«ولكن لماذا؟» هكذا سأل بريريتون الذي كان فضوله يدفعه للمشاركة في هذه المأساة. وتابع: «ما السبب الذي دفعكِ لتحذيره؟»
استدارت الآنسة بيت ونظَرتْ بتمحيص إلى مستجوبها الأخير. أخذَت تراقبه بهدوء ودقة، وتَحوَّل التعبير الفضولي المُرتسم على وجهها إلى ما يشبه ابتسامةً مسترخية.
قالت: «أستطيع التكهُّن بمهنتك يا سيد.» وأضافت: «أنت رجلُ قانون! لقد رأيتُ أمثالك مرارًا. كما أنكَ دقيق الملاحظة أيضًا! حسنًا، وعلى الرغم من كونك شابًّا، فأنت ناضجٌ بما يكفي لأن تكون قد سمعتَ عن بعض الأشياء. هل سمعتَ من قبلُ أن النساء يمتلكن ما يفتقر إليه الرجال؛ الغريزة؟»
سألَها بريريتون: «هل حقًّا تقولين لي إن السبب الوحيد الذي دفعكِ لتحذيره من الخروج في وقتٍ متأخِّر من الليل هو الغريزة فحسب؟ لا تُمازحيني!»
فأجابت قائلة: «في المقام الأول الغريزة، على أي حال.» وأردفَت: «تتمتَّع النساء بنوعٍ من الحَدْس تجاه الأشياء لا يَتمتَّع به الرجال؛ على الأقل، لا أحد من الرجال الذين قابلتُهم. ولكن بالطبع كان لديَّ أكثر من ذلك. لقد كان السيد كايتلي من سكان المدينة؛ فقد كان من لندن. وأنا امرأةٌ ريفية. لم يكن يفهم، ولم أستطع جعله يفهم أنه ليس من المأمون السير في أماكنَ مُوحِشة في مناطقَ ريفية كهذه في وقتٍ متأخر من الليل. عندما أُتيح لي أن أتعرف على عاداته، تجادلتُ معه أكثر من مرة. أوضحتُ له أنه في أماكن كهذه، حيث لا يُوجد أي شيءٍ قريب منها إلا المنازل الواقعة أسفل التل من ناحية، وكوخ هاربورو من ناحيةٍ أخرى، وكلاهما على بعد ربع ميل؛ وحيث يُوجد كل هذه الأماكن المتوارية عن الأنظار والمُغطَّاة بأجمات الأشجار والصخور، لم يكن مأمونًا لرجلٍ مُسِن يَرتدي ساعة وسلسلة ذهبيتَين أن يذهب للتجوُّل في الظلام. دائمًا ما يُوجد الكثير من الأشخاص السيئين في الأماكن الريفية، المُستعدِّين لأن يَضربوا الملك نفسه على رأسه من أجل نفس قَدْر ما كان يَحمله السيد كايتلي، حتى لو لم يكن أكثر من سلسلة يُمكن لأي شخص رؤيتها! وقد حدث ما تنبَّأتُ به. ووقعَت الفأس في الرأس!»
قال بريريتون: «ولكنكِ قلتِ لتوكِ إنه لا بد أنه قُتِل لسببٍ آخر غير الأشياء الثمينة التي كان يحملها.»
ردَّت السيدة بيت قائلة: «قلتُ إنه إذا كانت أوراقه قد اختفت، فلا بد أن شخصًا ما كان يريدها بشدة.» وأضافت: «على أيِّ حال، ما حدث هو بالضبط ما شعرتُ أنه قد يحدث، وها قد لقي حتفه. وسأكون مُمتنة لمن سيُرسل منكم لإحضار امرأة أو اثنتَين لمُساعدتي في تجهيز جثمانه؛ لأنه لا يُمكن أن يُتوَقَّع مني أن أفعل كل شيء بنفسي، ولا أن أبقى في هذا الكوخ وحدي!»
خرج الرقيب تاركًا الطبيب واثنَين من رجال الشرطة لترتيب الأمور مع مدبِّرة المنزل، وتبعه الآخرون. ثم التفت إلى كوذرستون.
وقال: «أنا ذاهب إلى كوخ هاربورو، على الطرف الآخر من تلَّة شول.» وتابع: «لا أتوقع أن أحصل على أي معلومات هناك … ليس بعد، ولكني سأعرف، على أيِّ حال، ما إذا كان موجودًا في المنزل. إذ أراد أيٌّ منكم أيها السادة أن يرافقني …»
وضع بينت يده على ذراع كوذرستون ووَجَّهه في اتجاه منزله.
وقال: «سأذهب أنا وبريريتون مع الرقيب.» وأضاف: «لا بد أن تعود إلى المنزل؛ فليتي ستكون قلقةً بشأن الأمور. اذهب معه يا سيد جارثويت، سيُحيط كلاكما علمًا بالمزيد لاحقًا.»
كان مما أدهش بريريتون بشدة، أن كوذرستون لم يُبدِ أي اعتراض على هذه الدعوة السريعة للانصراف. ذهب هو وجارثويت في اتجاه، بينما اتجه الآخرون في الاتجاه الآخر، يقودهم الشرطي القوي الملاحظة الذي عثَر على دفتر الجيب الفارغ وتعرَّف على الخصائص الغريبة للحبل.
«إلى أين نحن ذاهبون الآن؟» تساءل بريريتون بينما كان هو وبينت يتبعان مرشدَيهما عَبْر الأشجار ونزولًا على منحدرات تلة شول.
أجاب بينت: «إلى كوخ جون هاربورو، على الطرف الآخر من التلَّة.» وتابع: «إنه الرجل الذي تحدَّثوا عنه هناك بالداخل. إنه شخصيةٌ غريبة الأطوار؛ جزَّارُ خنازير محترف، ويَمتهِن مهنًا أخرى أيضًا. إنه يمارس القليل من اصطياد الفئران والخُلد، والكثير من الصيد غير المشروع. في الواقع، إنه شخصٌ غريب تمامًا، ليس فقط من ناحية شخصيته، ولكن في مظهره أيضًا. والغريب في الأمر أن لديه ابنةً رائعة الجمال وناجحة للغاية، وهي فتاةٌ متفوِّقة بحق، تلقَّت تعليمًا جيدًا وتَكسب قُوتَها بالعمل مُربية في البلدة. إنهما ثنائيٌّ غريب إن رأيتهما معًا!»
سأل بريريتون: «هل تعيش معه؟»
أجاب بينت قائلًا: «أوه! أجل، تعيش معه!» وأضاف: «وأعتقد أنهما مخلصان جدًّا كلٌّ منهما للآخر، على الرغم من أن الجميع يتعجَّب من أن رجلًا كهذا لدَيه ابنةٌ مثلها. ثَمَّة لغزٌ ما بشأن هذا الرجل؛ فمع كونه شخصيةً غريبة، إلا أنه نشأ نشأةً حسنة، ويدعوه الناس في الجوار «جاك النبيل».»
أشار بريريتون قائلًا: «ألن يُخيف كل هذا ابنته؟» وتابع: «أليس من الأفضل أن يذهب شخصٌ ما بهدوء إلى كوخ هذا الرجل؟»
ولكنهم عندما وصلوا إلى كوخ هاربورو في الطرف الآخر من تلَّة شول، كان كل شيء مظلمًا.
فجأةً أشار الشرطي الذي كان يتمتَّع بموهبة قوة الملاحظة: «ومع ذلك، لم يخلدا إلى النوم بعدُ.» وأردَف: «تُوجد نارٌ مشتعلة في موقد المطبخ، ولن يتركاها هكذا. لا بد وأنهما بالخارج، كليهما.»
وجَّهَه الرقيب قائلًا: «اذهب واطرُقِ الباب بهدوء.»
تبِع الشرطي صعودًا على الممشى المرصوف الذي يقود إلى باب الكوخ، وتبعهما الآخران بعد قليل. في ضوء القمر نظر بريريتون إلى المنطقة المحيطة الجديدة، فرأى كوخًا قديمًا مسقوفًا بالقش، وسط حديقة بين الأشجار والشجيرات، له سقيفةٌ مائلة عند أحد أطرافه؛ والأهم من ذلك، كان جوٌّ من الصمت يعمُّ أرجاءه.
فجأةً انكسر الصمت. سُمعَ وقْع خطوةٍ خفيفة وسريعة على الممشى المرصوف من خلفهم، فأدار رجال الشرطة مصابيحهم في اتجاهه. وبعدما دقَّق بريريتون النظر فيما حوله، أدرك وجود فتاة تنظر إلى هؤلاء الزوار بعينَين رماديتَين جميلتَين متسائلتَين.