مهمةٌ ليلية
كانت المسافة من مجموعة المنازل الصغيرة الجديدة الواقعة عند سَفح تلَّة شول إلى مركز الشرطة في نهاية شارع هاي ستريت لا تَستغرِق سوى بضعِ دقائقَ فقط سيرًا على الأقدام. كان مالاليو سريع الخُطى، وقطع هذه المسافة بأقصى سرعته. ولكن خلال تلك الدقائق القليلة توصَّل إلى استنتاج، وذلك لأنه كان سريع التفكير مثلما كان سريع الخُطى.
لقد قتل كوذرستون كايتلي بالتأكيد. كان ذلك مؤكَّدًا. كان قد بدأ يشُك في ذلك ما إن سمع بجريمة القتل؛ وقد صار مُقتنعًا به بمجرَّد أن ذكر بينت الشاب أن كوذرستون ترك ضيفَيه لمدة ساعة بعد العشاء. لقد فقَد كوذرستون عقله بلا شك وارتكب هذه الفعلة الحمقاء! والآن لا بد من حماية كوذرستون وتأمينه؛ وإن احتاج إبعادَ الشكوك عنه أن تُقلَب السماء على الأرض، فلا بدَّ من ذلك. لأن أي شيءٍ يُمكن أن يحدث لكوذرستون، سيطوله أيضًا، وقد كان مالاليو عازمًا على الاعتناء بنفسه جيدًا. بصرف النظر عما سيحُل بشخصٍ بريء، لا بد أن يفلت كوذرستون من أي عقاب.
وكان أوَّل شيء يجب عليه فعله هو التوجُّه إلى الشرطة، واستخدام نفوذه، وتدبير الأمور. بصرف النظر عن مدى إيمانه ببراءة هاربورو؛ فقد كان هو الرجل المناسب … في الوقت الحالي. لا بد أن يكون التركيز مُنصبًّا عليه، وعليه وحده. لا بدَّ من فعل أي شيءٍ مهما كان، وبأي ثمن حتى وإن كان منافيًا للأخلاق والأمانة لتحويل الشبهة بعيدًا عن ذلك الأحمق كوذرستون! هذا إذا لم يكن الأوان قد فاتَ فعلًا. ما جعل مالاليو يسرع في طريقه إلى الشرطة كان رغبته في التأكُّد من أنَّ الأوان لم يفُت بعدُ، ورغبته في أن يكون سبَّاقًا. كان يعرف مكمن قوته؛ فقد كان يتمتع بثقةٍ مطلقة في قُدرته على تدبير الأمور، وقد كان عازمًا على تكريس جهوده في هذه الليلة لتنفيذ المُخطَّط الذي كان يتأجَّج بالفعل في عقله الخصب، عوضًا عن أن تسلك العدالة ما من شأنه أن يَعتبره مسارًا خاطئًا.
بينما كان يجلس صامتًا ويُنصِت باهتمام إلى قصة بينت عن الجريمة، كان مالاليو — الذي كان يتمتَّع بالقدرة على التفكير والاستماع وإيلاء كامل انتباهه لكلتَي العمليتَين العقليتَين دون السماح لإحداهما بأن تُؤثِّر على الأخرى — قد تصوَّر في ذهنه جريمة القتل. كان يَعرف كوذرستون جيدًا؛ لم يكن أي شخصٍ آخر يعرفه بنَفس القَدْر. كان كوذرستون داهيةً، كما كان مالاليو يطلق عليه؛ فقد كان بارعًا وواسع الحيلة ومبدعًا. مما لا شك فيه، أن كوذرستون قد فكَّر مليًّا في الساعات الأولى من المساء في الأمر برمَّته. كان على درايةٍ جيدة جدًّا بعادات ضحيته المحتملة. ويَعرف بالضبط متى وأين يتربَّص بكايتلي. كانت سرقة قطعة الحبل من اللفافة المعلقة على جدار سقيفة هاربورو تصرُّفًا ذكيًّا، بل جهنميًّا، هكذا فكَّر مالاليو، الذي كان يُعجَب إلى حدِّ الولَع الشديد بأي نوعٍ من الذكاء يتوافَق مع مهاراته وأساليبه الخاصة. كان من السهل فعل ذلك، ويا له من أمرٍ بالغ الأهمية! بالطبع كان كوذرستون يعرف كل شيء عن أدوات هاربورو وتجهيزاته؛ فقد كان يمرُّ في كثيرٍ من الأحيان بمنزل جزَّار الخنازير — لا بد وأنه رأى عَبْر سياج الحديقة لفائف الحبال المشحَّمة تتدلى من المسامير التي عُلِّقَت عليها أسفل سقف الشرفة، أجل، لا بدَّ وأنه رآها ألف مرة. وما أسهلَ التسلُّل إلى حديقة هاربورو عَبْر الغابة المُجاورة، وقطْع جزء من الحبل واستخدامه، وتركَه كدليلٍ أول ضد رجلٍ له سجلٌّ عام مشكوك فيه. يا لها من خطةٍ شديدة الذكاء بحق! فقط ليت كوذرستون نجح في التغلُّب على مخاوفه، ولم يَسمح لما يعتمل في ضميره بالظهور على وجهه! ويجب أن يساعد — على الرغم من شعوره ببراءة هاربورو، يجب أن يُوجِّه مسار الأمور ضده؛ فقد كانت حياته بلا قيمة مقابل سلامة مالاليو وكوذرستون.
دخل مالاليو مركز الشرطة ليجدَ أن الرقيب عاد لتوِّه ويتشاور مع المفتش، الذي كان قد استدعاه لسماع تقريره. التفَت كلاهما نحو العمدة بتساؤل.
قال مالاليو وهو يندفع بصخبٍ متقدمًا نحوهما: «لقد سمعتُ كل شيء عما حدث.» وتابع: «أخبَرني السيد بينت. والآن، أين ذلك الحبل الذي يتحدَّثون عنه؟»
أشار الرقيب إلى اللفافة والجزء المقطوع، الذي كان موضوعًا على ورقةٍ بنية كبيرة على طاولةٍ جانبية، تمهيدًا لغلقها بإحكام. عَبَر مالاليو نحو الطاولة وأجرى فحصًا قصيرًا لهذَين الدليلَين؛ ثم التفت إلى المُفتِّش بحزم.
وقال: «هل اتَّخذتم أي إجراء؟»
أجاب المفتش: «ليس بعدُ يا سيدي العمدة.» وأضاف: «كنا نتشاوَر للتوِّ بشأن الإجراء الأفضل.»
أجاب مالاليو: «أظنُّ أن الأمر واضح.» واستطرد: «لا بد أن تبدءوا العمل! يوجد شيئان لا بد أن تقوموا بهما الآن. أولًا، اتَّصلوا هاتفيًّا بنوركاستر، وثانيًا، بمحطة قطارات «هاي جيل». أعطوهما وصف هاربورو؛ فربما يكون قد ذهب إلى مكانٍ أو آخر، ليَهرب بالقطار. واطلبوا منهم في نوركاستر أن يُعيروكم بضعة رجال بملابسَ مدنية عادية، وأن يُرسلوهم إلى هنا على الفور بالسيارة، فلا قطارات آتية حتى الصباح. ثُمَّ أَرسِلوا كل رجالكم إلى الخارج حالًا! وأَبعِدوا الناس عن الدروب في تلك الغابة، وضَعوا مراقبةً على منزل هاربورو، في حال تجرَّأ وعاد إليه — إنه وقحٌ بما يَكفي — وبالطبع، إذا جاء، فسيُلقون القبض عليه. افعلوا كل هذا الآن — على الفور!»
قال المفتِّش: «أتظنُّ إذن أن هاربورو هو الجاني؟»
أجاب مالاليو قائلًا: «أظنُّ أن لدينا ما يُسمِّيه أهل القانون «حال أدلةٍ ظاهرة الوجاهة» ضده.» وتابع: «واجبكم هو القبض عليه على أي حال، وإذا تمكَّن من تبرئة ساحته فيُمكنكم إطلاق سراحه. هيا باشروا اتِّصالاتكم الهاتفية، وكونوا محدَّدين بشأن المساعدة من نوركاستر؛ فعدد العاملين هنا قليل كما هو معروف.»
سارع المفتش بمغادرة مكتبه واستدار مالاليو إلى الرقيب.
وقال: «فهمتُ من السيد بينت أن مدبِّرة منزل كايتلي قالت إنه ذهب إلى البنك ظهر اليوم لسَحب بعض المال! هل هذا صحيح؟»
أجاب الرقيب: «هذا ما قالَتْه، سيادتك.» وأردَف: «ذهب لسَحب معاشٍ أو شيء من هذا القبيل، كان يَسحبه كل ثلاثة شهور. ولكنها لم تكن تعرف كم المبلغ.»
سأل مالاليو: «ولكنَّها تصوَّرتْ أنه كان معه عندما هوجم، صحيح؟»
أجاب الرقيب: «قالت إنه كان من نوعية الرجال الذين دائمًا ما يحملون نقودهم معهم.» وأردَف: «فهمنا منها أن هذه كانت عادته. قالت إنه دائمًا ما كان يحمل معه مبلغًا كبيرًا، كقاعدةٍ عامة. وبالطبع، إن كان قد سحَب أكثر اليوم، فقد يكون من المُمكن أنه كان يحمل الكثير من المال.»
قال مالاليو: «سنَكتشِف ذلك قريبًا.» وأضاف: «سأذهب إلى مدير البنك وأُوقِظه. والآن اجمع رجالك؛ فهذا ليس وقت النوم. لا بدَّ أن تنشر بعض رجالك فوق تلَّة شول الآن.»
قال الرقيب: «لقد تركتُ رجلًا عند كوخ كايتلي يا سيدي، وآخر بالقرب من منزل هاربورو، في حال عودته أثناء الليل.» وأضاف: «لدينا شرطيان آخران بالقرب من المحطَّة. سأُحضرهما.»
أمره مالاليو قائلًا: «افعل هذا الآن.» وأردف: «سأعود بعد قليل.»
هُرع بالخروج مرةً أخرى، وتَوجَّه بسرعة إلى شارع هاي ستريت ومنه إلى المبنى القديم الطراز بالقُرب من مجلس البلدة حيث يُوجد البنك الوحيد الذي كان يخدم البلدة الصغيرة، والذي كان يعيش فيه مدير البنك. كان الشارع خاليًا تمامًا من المارة، وبدا أن صوت قرع جرس باب البنك، والذي صاحبه مالاليو بطَرقٍ صاخب، كانا يُصدِران أصداءَ صوتٍ لا حصر لها. وعلى الرغم من أن مالاليو كان يَعتقِد أنه يتمتَّع بثباتٍ انفعالي لا تؤثِّر فيه مثل هذه الأشياء التافهة، فقد أجفل عندما فُتحَت فجأةً إحدى النوافذ فوق رأسه.
وقف مدير البنك المذهول، الذي كان قد هُرع بالنزول إلى ضيف منتصَف الليل مرتديًا لباس نومه ونعاله، مذعورًا بعدما أدخل العمدة وعرف سبب زيارته.
وقال: «بالتأكيد!» وتابَع: «لقد كان كايتلي في البنك اليوم، وقتَ الظهر تقريبًا، وقد تولَّيتُ أمره بنفسي. كانت تلك هي المرة الثانية التي يأتي فيها إلى هنا منذ مجيئه إلى المدينة. كان قد أتى هنا بعد يوم أو يومَين من استلامه لمنزله لأول مرة من السيد كوذرستون، لصرف كمبيالةِ معاشِه التقاعدي ربع السنوية. عرَّفَني بعد ذلك بنفسه. هل تعرفه؟»
أجاب مالاليو: «على الإطلاق»، وقد كذب بسهولةٍ تامة لأنه كان مُستعدًّا تمامًا للسؤال الذي كانت هذه هي إجابته. وأردَف: «لم أكن أعرف أي شيء عنه.»
قال مدير البنك: «لقد كان محقِّقًا سابقًا.» وتابع: «كان متقاعدًا، بالطبع، وكان يتقاضى معاشًا جيدًا. هذا ما أخبَرني به؛ وأعتقد أنه كان يحصل على معاشه لقاء أربعين عامًا من الخدمة في الشرطة. يا إلهي! كم هذا محزن! ويُؤسفني أن أقول إنني أستطيع أن أخبرك بالمزيد عن ذلك.»
سألَه مالاليو، وقد ظَهرتْ عليه الدهشة ولم يتمكَّن من مغالبة نفسه: «ماذا؟»
قال مدير البنك وهو يهز رأسه: «لقد ذكرتُ هاربورو.»
قال مالاليو: «حسنًا؟» وأردَف: «ماذا إذن؟»
أجاب مدير البنك: «كان هاربورو موجودًا عند شبَّاك الصرَّاف عندما كان كايتلي يتسلَّم نقوده.» وتابع: «كان قد أتى لتغيير ورقةٍ نقدية من فئة الخمسة الجنيهات.»
تبادل الرجلان النظرات في صمتٍ لبعض الوقت. ثم هزَّ مدير البنك رأسه مجددًا.
وتابع: «لا يمكن لأحدٍ أن يتصوَّر أن رجلًا معه ورقةٌ نقدية بقيمة خمسة جنيهاتٍ جاء لتغييرها يُمكن أن يقتل رجلًا آخر من أجلِ ما يُمكن أن يحصل عليه.» وأضاف: «ولكن كايتلي أخذ معه قدْرًا كبيرًا من المال، وكان يرتدي ساعةً وسلسلةً ذهبيتَين قيِّمتَين للغاية، وقد كان مولَعًا بالتباهي بهما في المدينة، و… ماذا؟»
قال مالاليو: «إنه أمرٌ يُثير الريبة.» وتابع: «هل تقول إن هاربورو رأى كايتلي وهو يأخذ نقوده؟»
أجاب مدير البنك: «بلا أدنى شك.» واستطردَ: «كان يقف إلى جانبه. وضع العجوز نقوده من الأوراق النقدية والذهب في جيبٍ داخل صدريته.»
تريَّث مالاليو، كما لو كان يفكر، وهو يَفركُ ذَقَنه ويحدِّق في السجادة. وقال أخيرًا: «حسنًا، ذلك دليلٌ إضافي نوعًا ما.» وأردَف: «يبدو أن وضع هاربورو سيِّئٌ جدًّا.»
أشار مدير البنك قائلًا: «لدينا الأرقام المُسلسَلة للأوراق النقدية التي سلَّمتُها إلى كايتلي.» وتابع: «قد تكون مفيدة عند أيِّ محاولة لصرف أيٍّ منها، كما تعلم.»
هَزَّ مالاليو رأسه.
أجاب: «أجل، إنها كذلك.» وأضاف: «ولكن أظن أنه لن تحدُث أي محاولات … ليس الآن. إنها مسألةٌ غريبة، أليس كذلك؟ ولكن، كما قلتُ، تُوجد أدلة ضد هذا الرجل، ويجب أن نُحاول القبض عليه.»
خرج بعد ذلك وعَبَر الشارع إلى منزل الطبيب؛ فقد كان يرغب في معرفة كل شيء قَدْر استطاعته أثناء وجوده في الجوار. واستغرق وقتًا أطول بكثير عند الطبيب مما أمضى في البنك، وعندما تركَه كان يَشعر بحَيرةٍ شديدة. وهذا لأنَّ الطبيب قال له ما سبق أن قاله لكوذرستون وبينت وبقية المجموعة في الغابة؛ أنَّ من خنق كايتلي، أيًّا كان، كانت لديه خبرةٌ سابقة في هذا النوع من الأعمال القذرة، أو أنه كان بحارًا لديه خبرة في ربط العُقَد. بحلول ذلك الوقت، كان مالاليو متأكِّدًا أكثر من أي وقتٍ مضى من أن كوذرستون هو القاتل، وكان واثقًا من أن كوذرستون لم يكن لديه أيُّ خبرةٍ في هذا النوع من الأعمال.
وبينما كان يسير عائدًا إلى مركز الشرطة، تمتَم محدثًا نفسه: «لقد نُفِّذَت الجريمة بحركةٍ واحدة فقط!» وأردَف: «أجل، أجل! ذلك يبدو أنه يَعكس معرفةً كافية. ولكن ليس شأني تتبُّع ذلك الآن؛ فأنا أعرف ما شأني، ولا أحد يَعرفه أفضل مني.»
كان المفتش والرقيب يعطيان الأوامر لشرطيَّين ناعسَين عندما انضمَّ مالاليو إليهما. انتظر حتى غادر رجال الشرطة لتنفيذ دورياتٍ في تلة شول، ثم تنحَّى بالمفتش جانبًا.
وقال: «لقد سمعتُ المزيد من الأخبار التي تُدين هاربورو.» وأضاف: «لقد كان في البنك هذا الصباح، أعني صباحَ أمسِ، كما هي الحال الآن، عندما كان كايتلي يسحب أمواله. قد لا يعني ذلك شيئًا ذا بال، وقد يعني الكثير. على أيِّ حال، كان يعلم أن الرجل العجوز كان يحمل معه مبلغًا كبيرًا من المال.»
أومأ المفتش برأسه، ولكنَّ أسلوبه كان مُتشكِّكًا.
وقال: «حسنًا، ذلك دليل، بالطبع؛ مع أخذ الملابسات في الاعتبار.» وأردَف: «ولكنَّك تعلم مثلما أعلم، يا سيدي العمدة، أن هاربورو لم يكن يومًا بحاجة إلى المال. يَعتقد كثيرٌ من أهل البلدة أن لديه ماله الخاص؛ فقد كان دائمًا غامضًا بعض الشيء بقَدْر ما أتذكر. لقد استطاع تحمُّل تكاليف تعليم ابنته تلك تعليمًا جيدًا، كالذي تحصُل عليه أيُّ سيدةٍ شابة، كما أنه ينفق الكثير من المال، ولم أسمع عنه مطلقًا أنه كان مدينًا بأي شيء. إنه غريب الأطوار، بكل تأكيد، ونَعلم أنه صائدٌ غير قانوني، وكلُّ ذلك، ولكنه ماهر جدًّا في ذلك لدرجة أننا لم نتمكَّن من الإمساك به مطلقًا. ليس بوسعي أن أتصوَّر أنه المذنب، ومع ذلك …»
قاطعه مالاليو قائلًا: «لا يمكنك التهرُّب من الحقائق.» وتابع: «يجب البحث عنه. إذا اختبأ … إذا لم يعُد إلى المنزل …»
وافقه المفتِّش قائلًا: «آه، سيكون ذلك ضده بالتأكيد!» وأضاف: «حسنًا، إنني أفعل كل ما في وسعي. أرسلنا رجالنا للبحث عنه، ويُوجد ثلاثة ضباطٍ قادمين من نوركاستر بالسيارة؛ إنهم في طريقهم الآن.»
قال مالاليو: «استَدعِني إن حدث أي شيء.»
سار ببطء إلى المنزل، وعقلُه لا يزال مشغولًا بالاحتمالات المُمكنة. وفي غضون خمس دقائقَ من استيقاظه في ميعاده المعتاد في السادسة صباحًا، كان عقله مشغولًا مرةً أخرى وفضوليًّا. وكونه هو وكوذرستون كانا رجلَي أعمالٍ صارمَين يؤمنان بالإشراف المُستمر على عمَّالهما، فقد اعتادا على الاجتماع في الفِناء في الساعة السادسة والنصف من صباح كل يوم، صيفًا أو شتاءً، وقد كان يتساءل في نفسه عما كان شريكه سيقوله ويفعله، وكيف كان سيبدو.
كان كوذرستون في الفِناء عندما وصل مالاليو. كان يعطي بعض الأوامر إلى سائقِ عربة، وأنهى ما كان يفعله قبل أن يذهب إلى مالاليو. بدا كالمعتاد إلى حدٍّ كبير في ضوء الصباح الباكر الخفيف، ولكن مالاليو لاحظ عليه التعب مُتمثلًا في لونٍ داكن أسفل عينَيه وتَوترٍ مكتوم في صوته. هو نفسه ظل صامتًا ومنتبهًا، وتَرك كوذرستون يتكلم أولًا.
«ماذا، إذن؟» هكذا قال كوذرستون وهو يقترب من مالاليو وهما يقفان في مكانٍ فارغ خارج المكتب. وأردَف: «ماذا؟»
أجاب مالاليو: «ماذا؟»
بدأ كوذرستون في العبث بتململٍ ببعض دفاتر الحسابات والأوراق التي كان قد أحضَرها من منزله. استرق النظر إلى شريكه بمكر؛ بينما نظر إليه مالاليو بثباتٍ وانتباه.
قال كوذرستون بعد فترة صمتٍ محرج: «أظن أنكَ سمعتَ كل شيء عن الأمر، صحيح؟»
أجاب مالاليو بطريقةٍ جافة: «أجل!» وأردف: «أجل، سمعتُ.»
نظر كوذرستون حوله. لم يكن يُوجد أحد بالقرب منه، ولكنه أخفض صوته لدرجة الهمس.
تمتَم، وهو يُلقي نظرةً جانبية أخرى على مالاليو: «ما دام لم يكن أحد غيره يعرف، وما دام لم يَقُل أي شيء لأي شخص، ولا أظن أنه فعل، فنحن … في أمان.»
كان مالاليو لا يزال يُحدِّق بهدوء في كوذرستون. وبدأ كوذرستون يزداد توترًا في ظل تلك النظرة الثابتة المُتشكِّكة.
قال مالاليو أخيرًا: «أوه!» وتابع: «حقًّا؟ هل هذا ما تظنُّه؟ آه!»
صاح كوذرستون في غضبٍ مفاجئ: «يا إلهي، لا تظنَّ أنت هذا!» وأضاف: «عجبًا …»
ولكن عندئذٍ، ظهر شرطيٌّ آتيًا من شارع هاي ستريت إلى الفِناء، ورأى الشريكَين، فتوجَّه إليهما وهو يلمس خوذته مُحييًا.
وسأل مالاليو قائلًا: «هل يُمكن لسيادتك أن تأتيَ إلى مركز الشرطة؟» وتابع: «لقد قبضوا على هاربورو، والمفتِّش يَرغب في التحدُّث معك.»