البوصيري: رباعية بحري ٣
«انطلقت أمامه — بلا حدود — عوالم التجلِّي والمكاشفة والطوالع واللوامع والتمكين، احتوته تمامًا، وإنْ فضَّل أن ينسحب على نفسه. وقف عند حظه من رحمة الله تعالى في مقام المعاملة والرياضة. مجرَّد سالك لا تؤهله ذاته لمشيخة ولا ولاية.»
لما كان المكان هو العنصر الفاعل في «رباعية بحري»، فقد عُني «محمد جبريل» في هذا الجزء بمنطقة ميدان المساجد التي يقع فيها جامع «البوصيري»، جاعلًا منها عالَمًا روائيًّا رحبًا يَسحرك؛ فتداعب أنفَك رائحةُ المِلح واليود والطحالب والأعشاب قادمةً من الميناء الشرقي، وتُصغي أُذناك إلى صوت مدِّ البحر وجَزره، وتتجوَّل قدماك في شوارع «حي الأنفوشي» العتيق، وتأخذ مَقعدًا في قهوة «المهدي اللبان» متفرِّسًا في وجوه الجالسين بها. وفي قلب هذا المكان يعزف التصوُّف ألحانًا تُسكِر أرواحَ سكَّانه الذين تَأنس بصُحبتهم؛ فتشارك «عبد الله أفندي الكاشف» وَحْدته التي تَنهش روحه بعد خروجه على المعاش، وتبحث مع «نجلة عباس» عن الحب، وتتفاعل مع شعبية حزب «الوفد» الساحقة في الانتخابات.