طرقات على الباب المغلق
تكرر الإجهاض، فغلبها القلق: هل …؟
هزت رأسها، ترفض التفكير في السؤال.
المغص الحاد يفري بطنها، والألم أسفل ظهرها. ذعرت لرؤية قطع الدم المتجمدة تتساقط. عرفت الطريق إلى مستشفى الملكة نازلي. ترددت على العيادة الخارجية: تنزع ملاءتها، وشبشبها. تتمدد على سرير الكشف. يسألها الطبيب وهو يرفع فستانها. يجبرها على فتح فخذَيها. يدخل آلة معدنية، فتكتم ألمها. استمعت إلى نصائح الأطباء، فلزمت المستشفى يومين وثلاثة. حفظت التعريفات، وإن لم تعرف مرضها.
قال الطبيب: هل تعانين اضطراب الدورة؟
استطرد لعدم الفهم في عينيها: هل تتأخر الدورة الشهرية؟
– أحيانًا.
فاجأها بالقول: هل تكررت هذه الحالة من قبلُ في عائلتك، أو عائلة زوجك؟
عائلتها؟! عائلة زوجها؟!
لم تلحق بمعنى العائلة، عندما ألحقها أبوها بخدمة المستشار، ولا تعرف عن سيد إلَّا سيد. لم يحدثها عن أب أو أم أو إخوة، ولا عن عائلة.
قال الطبيب: هل تعانين من ضغط الدم المرتفع أو السكر أو التهاب الكلى.
وهي تدفع بيدَيها خطرًا غير مرئي: أنا لم أذهب في حياتي إلى طبيب.
زم الطبيب شفتيه في تفكير: لعلها حالة قصور في نمو الجنين … عيب خلقي.
وضع الطبيب — في مرة تالية — صورة الأشعة السوداء بينه وبين لوحة مضيئة. تأملها: هذه حالة اتساع في عنق الرحم.
وجرى بكلمات على الدفتر الصغير أمامه: سأعطيك بعض الأدوية … ربما لا يحتاج الأمر إلى عملية.
وهز يدَيه متحيرًا، في مرة تالية: هذه حالة إجهاض غير مسبَّبة.
همست بالخوف: ألا يوجد علاج؟
جرى قلمه بالكلمات في الكراسة الصغيرة. نزع ورقة، ودفع بها إلى أنسية: سنكتشف السبب بعد إجراء التحاليل.
قالت الداية زمزم: عليك بزيت الحلبة الأصلي … تبللين به قطنة، تدخلينها في المهبل بعد انتهاء الدورة … لا تخرجيها قبل ثلاثة أيام.
انتزعت ضحكة من أنفها: وإذا طالب الرجل بحقه؟
– اعتذري بأية حجة … قولي إن عليك العادة.
أطالت تأمل سيد، الساكن في جلسته على الكنبة. ابتسمت لتذكرها نصيحة الطبيب بأن تعتذر لسيد عن الجماع، حتى لا يسقط الحمل. لم يناقش سيد ما نقلته عن الطبيب، واختار كنبة الصالة لنومه.
منذ صحبها محمود الخوالقة إلى بحري، وتركها، أدركت أن عليها أن تواجه الأمور، وتتصرف. كانت تحرص أن يطول لقاؤهما. تلجأ إلى أعوامها الماضية، منذ صحبها محمود الخوالقة إلى بحري. تعطيه ليعطيها. ترتعش، تتأوه، تزم شفتيها تأكيدًا لمداراة الإحساس باللذة. لم يكن بلوغ الإشباع هدفها. تساوى الوقوف على ضفة الشاطئ، أو الخوض في الأمواج حتى الغرق. ألفت نهاية الاتصال دون أن يلامسها الارتواء. إذا هم بانتزاع نفسه، أحاطته بساقيها. لفت ساعديها حول رقبته. تحاول أن يظل داخلها. ربما أفلتت الثمرة قبل أن تصل إلى موضعها. نصيحة الكودية نظلة. لم تصارحه بها، وإن حرصت عليها.
النساء يحبلن ويلدن. أجسامهن تلتقط الهواء، وتبقيه فلماذا هي؟!
قهرها الإحباط، فهمست لنفسها: عندما كنت حرة، كان كل الرجال ملكي … وبعد أن أصبحت زوجة استعبدني رجل واحد!
ورنت إليه بنظرة مستغيثة: قالت لي زمزم الداية إن السبب قد يكون لخلاف مع إخوتي، وعليَّ أن أصالحهم.
قال بلهفة: لو احتاج الأمر، أذهب بك إلى سحالي.
– لماذا؟
– لتصالحي إخوتك.
– المرأة تقصد بسم الله الرحمن الرحيم.
صحبها سيد إلى الشيخ مكي قارئ سيدي نصر الدين. تردد عليه الكثير ممن أضر بهم السحر، والعين، واللمس، والمس الشيطاني. يجيد التعامل مع الجن والشياطين، ويفك عقدة السحر، ومن شر النفاثات في العقد.
نصح الشيخ مكي بقراءة القرآن. يغيب الشيطان تمامًا إذا قُرئت آياته. ونصح بزيت الزيتون. تأثيره على الجان مزلزل. ونصح بالماء، لأنه يخمد النار، والشيطان خلق منها. إذا نزلت البحر، زال تلبس الجان لجسمها في طهارة الماء.
وعادت إلى البيت بست بيضات مسلوقة، مغموسة في الفلفل الأسود، قرأ عليها الشيخ، وتلا أدعية.
قال سيد وهما يغادران الجامع: يا أنسية … المثل يقول: إن ما كانش لك أهل، ناسب.
واتجه إليها بملامح متأثرة: أنا وأنت بلا أهل … وطفلنا الذي نأمله هو نسبنا!