عودة القرصان!
انتهت التدريبات الصباحية للشياطين اﻟ «١٣» … وكان «عثمان» و«خالد» في انتظار ملاحظة من رقم «صفر» وكانا يعرفان أن الملاحظة سوف تصلهم خلال الميكروفون أو في رسالة قصيرة، فلم يكن من المتوقع أن يعقد رقم «صفر» اجتماعًا للشياطين في هذا اليوم …
خرجوا من قاعات تدريبات إطلاق الرصاص على البنادق الخفيفة والمسدسات، ومن قاعات الكاراتيه، إلى حمام السباحة الرئيسي في طرف المقر السري … وهو حمامٌ كبيرٌ مغطًّى بسقفٍ من الزجاج، ويمكن كشفه، إذا لم يكن هناك طائرات تمر بسماء المنطقة.
انهمك الشياطين في السباحة … كان «قيس» يجرِّب طريقة جديدة في السباحة، هدفها تضليل الخصم في حالة المطاردة في المياه، وتعتمد على تغير الاتجاه والغطس بسرعة … وأخذ الشياطين يراقبونه وهو يجرب طريقته الجديدة، وقالت «إلهام» معلقة: إنه يشبه الدرفيل … فهو أقدر الحيوانات البحرية على تغيير اتجاهه لمرونة جسمه.
ظهر أحد المدربين الأشداء على حافة حوض السباحة، وانحنى على «خالد» الذي كان قريبًا منه، ثم همس في أذنه بكلمات سريعة واختفى، وسرعان ما كان «خالد» ينقُل الكلماتِ إلى بقية الشياطين … «اجتماع عاجل قبل الغداء!»
كان «خالد» يفكِّر في تدريبات اليوم، وأن الاجتماع لا بدَّ سوف يدور حولها، ولكن بعض الشياطين فكروا أن اجتماعًا قبل الغداء معناه اجتماع عاجل، ومعناه أيضًا أن هناك مغامرة في الطريق.
بعد ساعة في حمام السباحة، أخذ الشياطين طريقهم إلى غرفهم، وفي الساعة الواحدة بالضبط أضيئت أنوار صغيرة متقطِّعة في الغرف، عَرَفَ الجميع منها أن الاجتماع بعد ربع ساعة … وسرعان ما كانوا يتجهون إلى قاعة الاجتماعات الرئيسية.
سمعوا خُطُوات رقم «صفر» الثقيلة، ثم احتلَّ الكابينة الزجاجية التي يستطيع من خلال زجاجها أن يرى الشياطين دون أن يرَوْه … ثم قال: لقد أخطرتني إدارة التدريبات اليوم بأن أحد الشياطين لم يوفَّقْ في إصابة أكثر من ٩٨ نقطة في الضرب بالبندقية القصيرة العيار.
ضغط «عثمان» على أسنانه، كانت الملاحظة موجَّهةً له … وانتظر «خالد» الملاحظة الثانية، وجاءت سريعًا … ولكن رقم «صفر» قال: هذا يعني احتمال فشل مهمة خطيرة، أو وفاة واحد أو أكثر منكم … إنني لا أقبل نسبة كفاءة في أي شيء أقل من ١٠٠٪.
وظن «خالد» أنه نجا من ملاحظة موجَّهة إليه، ولكن رقم «صفر» قال: وفي الكاراتيه، فإن قفزات أحدكم غير دقيقة … وكما قالوا لي إن ذلك يعود إلى زيادة وزنه.
كانت هذه الملاحظة موجهة إلى «خالد» … وقال رقم «صفر»: بالطبع إن كلًّا من صاحبي هاتين الملاحظتين يعرف نفسه.
ثم أكمل على الفور: بعد هذا ننتقل إلى العمل …
وسمع الشياطين صوت بعض الأوراق، ثم قال رقم «صفر»: تذكرون أن العالم شهد ظهور العصابات التي تعمل في البحر منذ زمنٍ بعيدٍ … وأن هذه الظاهرة انتشرت في القرنِ الثامنَ عشرَ، خاصةً في منطقة البحر الكاريبي، وهو البحر الذي يقع بين أمريكا الشمالية والجنوبية.
وأُضيئت خريطة كبيرة للأمريكتين على الحائط … وأخذت المؤشرات تشير إلى البحر الكاريبي.
ومضى رقم «صفر» يقول: وعرفت مناطق معينة في هذا البحر كمأوًى لقرصان البحر … مثل «جامايكا» و«بربادوس» … واشتهرت أسماء القراصنة مثل «مورجان» و«بيتر بلود» … وكابتن «إرمسترنج» و«ذي اللحية السوداء» وغيرهم …
وأكمل رقم «صفر»: وظن الكثيرون أن هذه الظاهرة، ظاهرة قرصان البحر قد انقرضت مع ظهور السفن التي تسير بالبخار، وبالسولار، ثم بالذرة … ولكن …
وصمت رقم «صفر» لحظاتٍ ثم مضى يقول: ولكن يبدو أن نهاية القرن العشرين تشهد عودة ظاهرة السطو البحري … أو عودة «القرصان»!
ومرة أخرى أُضيء جانبٌ من الخريطة … هذه المرة في المنطقة المحيطة بشمال غرب أوروبا، وأخذت المؤشرات تحيط بمِنطقة معينة في بحر الشمال … وقال رقم «صفر»: لقد وقعت في هذه المنطقة أعمال لا تحمل سوى صنعة القرصنة … فقد تم السطو على عدة سفن، واستولى القراصنة على شحنات هذه السفن!
وصمت رقم «صفر» ثم مضى يقول: وهناك ملاحظتان هامتان حول هذا السطو البحري … الأولى: «أن من يقومون به يستخدمون سفينة حربية شديدة السرعة، ومجهزة بآخر المخترعات البحرية، سواء في مجال الهندسة البحرية، من رادارات وغيرها، أو نوعية التسليح.»
الملاحظة الثانية: «أنهم لا يسطون إلَّا على نوعٍ معينٍ من البضائع … المواد الذرية فقط، المواد المُشعَّة … وهي موادُّ غاليةُ الثمن.»
كان الشياطين يستمعون باهتمامٍ بالغٍ، وكان السؤال الذي يفكرون فيه هو: «ما دخل الشياطين اﻟ «١٣» في هذا الموضوع؟ فهذا كلُّه لا يخص البلاد العربية!»
وقد جاء الجواب سريعًا … قال رقم «صفر»: وبالطبع فإننا لا نتدخل في أعمال لا تمَسُّ مصالحنا … ولكن في الأسبوع الماضي قام هؤلاء القراصنة بالاستيلاء على شحنة من المواد المشعة، كانت مُصدَّرة من أحد موانئ «النرويج» إلى أحد البلاد العربية.
وأكمل رقم «صفر»: وقد أخطرت الدولة العربية بما حدث إلى مختلف أجهزة الأمن … ووصلني تقرير من الجهات المسئولة، وأصبح من اللازم أن يتدخل الشياطين اﻟ «١٣» في هذه العملية.
ارتفع صوت «إلهام» يقول: هل هناك معلومات عن طريقة السطو؟
رد رقم «صفر» على الفور: هذا سؤال هام … والواقع أن القرصان الجديد يستخدم — كما قلتُ لكم — أحدثَ الوسائل العلمية في عمليات السطو … فحسب الروايات التي حصلت عليها أجهزة الأمن، فإن سفينة القرصان تظهر في الضباب — وكما نعرف فإن منطقة بحر الشمال تكاد تكون منطقة ضباب كامل — فتطلق سفينة القرصان حولها سحابة من الدخان تختفي فيها، ثم تظهر فجأة من قلب الضباب وتنقضُّ على سفن الشحن، وتستولي على شحناتها، ثم تختفي في الضباب مرة أخرى …
زبيدة: ونوع السفينة؟
رقم «صفر»: إنها مدمرة، ولكن يبدو أنهم ركَّبوا عليها محركات بارجة … بالضبط كما تركب موتور سيارة سباق على سيارة عادية … إن سرعتها غير معقولة بالنسبة لحجمها!
عثمان: ينتج عن هذا أن لا أحد يستطيع مطاردتها.
رقم «صفر»: مطلقًا … إنها تظهر بسرعة، وتضرب ضربتها ثم تختفي في الضباب مرة أخرى.
وأضاف رقم «صفر»: ستكون عندكم معلومات عن أسلوب السطو، وطريقة الظهور والاختفاء، والأماكن التي يمكن فيها السطو، واحتمالات حدوث حوادث سطو أخرى.
أحمد: هل وضعت يا سيدي خطة للعمل؟
رقم «صفر»: نعم … هناك خطة … قد تكون فيها مخاطر كثيرة، ولكن لا بديل لها.
وقال «خالد»: ولكن هذه السفينة تحتاج إلى ميناء ترسو فيه وتتزود بالوقود والمؤن. كيف لم يتم اكتشاف هذا الميناء حتى الآن؟
رقم «صفر»: معك حق … وهناك احتمالان لا ثالث لهما … الأول أن تكون هذه المدمرة، مدمرة القرصان، تحمل أعلام دولة ما، فتدخل تحت اسمها إلى الموانئ المختلفة، أو أن لها ميناء خاصًّا بها في مكان مجهول.
أحمد: وقد تجمع بين الاحتمالين … أن تحمل أعلام دولة تدخل تحتها إلى موانئ العالم … وأن يكون لها ميناء خاص في نفس الوقت.
رقم «صفر»: إنه جمع بين احتمالين … ولا بأس به.
ريما: هل لهذا علاقة بكوننا نتمرن على مختلف فنون السباحة والغوص منذ أسبوع؟
رقم «صفر»: تمامًا يا رقم «١٠» … وفي الأيام الثلاثة القادمة ستتسلمون أسلحة أعِدَّت خصوصًا للاستخدام تحت الماء، وتدريبات خاصة على اكتشاف المواد المشعَّة بواسطة ساعات تبدو عادية، ولكن عقاربها تتحرك بطريقة خاصة عند الاقتراب من أي موادَّ مشعة.
ساد الصمت لحظات، ثم قال رقم «صفر»: هل هناك أسئلة أخرى؟
ولمَّا لم يتلقَّ إجابةً أضاف: ستكون الخطة جاهزة خلال ثلاثة أيام … في اليوم الرابع تبدءون مهمتكم.