تعديل في خطة رقم «صفر»!
ابتعد الشياطين الخمسة، دون أن يعرفوا إلى أين سيتجهون … كان في إمكان «بو عمير» و«فهد» و«قيس» العودة إلى الفندق، ولكن كان هناك احتمال استجوابهم بواسطة رجال الشرطة، ما دام الخمسة ينزلون معًا … وكان القرار الوحيد الصحيح، هو الاختفاء حتى ركوب «الوايت إيجل»، التي ستقوم بالتجربة في بحر الشمال.
قال «أحمد» فجأة: في إمكان الشرطة أن يوقفونا عن ركوب السفينة … فمن المؤكد أنهم سيبلغون المطارات والموانئ، فنحن متهمان بالقتل … والحل الوحيد هو أن نذهب إلى الميناء الآن، فنأخذ قاربًا ونبتعد به حتى الفجر، وعندما تأتي «الوايت إيجل» نركبها ونرحل، من خارج الميناء.
كان رأيًا معقولًا، بل كان هو الرأي الوحيد … وهكذا اتجه الجميع إلى الميناء، وأخذوا يتسللون خلال الأرصفة المهجورة، حتى وصلوا إلى مرسًى صغيرٍ قد رُبِط فيه قاربان صغيران … قاموا بالاتجاه إلى المرسى في شكل مروحة، حتى إذا ظهر أن هناك حراسًا، أو سقط أحدهم استطاع الباقون التصرف …
ولكن المكان كان خاليًا، فاختاروا أكبر القاربين، وفكُّوه من مربطه، وأخذ «قيس» و«عثمان» مكانهما من المجاديف، وسرعان ما كان القارب الصغير يبتعد عن الميناء تحت جنح الظلام.
كان الجو باردًا، بل شديد البرودة … وكان الحل الوحيد للتغلب على هذا الجو البارد هو تبادل التجديف، فمع الحركة يأتي الدفء … وأخذوا يبتعدون عن الميناء وعن الأضواء، حتى لا يلفتوا الأنظار، حتى وصلوا إلى طرف الميناء، حيث توجد مجموعة من الصخور، فربطوا القارب فيها، ووضعوا جدولًا للحراسة، وحاول كل منهم أن ينال قسطًا من الراحة.
كانت المعلومات التي سمعها «أحمد» و«عثمان» من «جانسن» أثناء استجواب الرجال الثلاثة له في المخزن، ذات أهمية كبرى، فقد أكد وجود ميناء خاص لسفينة «القرصان»، ميناء في مكان مجهول، ولكن قريب من جزر «شتلند»، الواقعة غرب «النرويج» وشمال اسكتلندا، فهي في نقطة محصورة بين منطقة مجموعة الشياطين «أ»، التي تضم «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» و«فهد» و«قيس»، وبين مكان مجموعة الشياطين «ب» التي تضم «إلهام» و«هدى» و«ريما» و«باسم» و«رشيد»، والتي اختارت ميناء «وبك» في شمال اسكتلندا مقرًّا لها.
كان «أحمد» يفكر في كل ما حدث … لقد أصبح عليهم واجبان؛ الأول كشف عصابة «القرصان»، والثاني تسليم قتلة «جانسن» العجوز إلى الشرطة، ومن ثم إسقاط التهمة عنهم … وكان «أحمد» قد اختار مقدمة القارب، وانكمش داخلها بثيابه الثقيلة محاولًا النوم. ومع اقتراب الفجر اشتد البرد، وبدأ الجميع ينظرون في ساعاتهم، وأخذ «عثمان» ينظر خلال نظارته المكبرة، ثم صاح: سفينة تقترب … إنها تسير في خط سير «الوايت إيجل»، كالمتفق عليه.
خطف «أحمد» النظارة، وألقى نظرة سريعة ثم قال: إنها «الوايت إيجل» فعلًا. هيا بنا. عملت المجاديف سريعًا في المياه، وأخذوا يقتربون من السفينة البيضاء الرشيقة، التي كانت تتهادى وهي تدخل ميناء «برجن» الكبير.
استطاع الشياطين الخمسة أن يصلوا إلى السفينة قبل أن تدخل الميناء، وصعدوا إلى السطح، وقدموا أوراقهم إلى القبطان، الذي رحَّب بهم كثيرًا.
وطلب «أحمد» من القبطان أن يسمح له بلقاء خاص، وسرعان ما كان الاثنان يجلسان في كابينة القبطان … كان «أحمد» يأكل وهو يتحدث فقد كان جائعًا … قال «أحمد» للقبطان: أنت بالطبع تدرك مهمتنا.
قال القبطان «يروف»: نعم … إن عندي تعليمات من رئاستي أن أكون تحت أمركم.
أحمد: شكرًا لك … لقد تعرَّضْنا لبعض المتاعب في «برجن»، وللأسف فنحن متهمون في جريمة، نحن أبرياء منها … لهذا فإننا لا نريد أن نظهر في «برجن» مرة أخرى، لحين إثبات براءتنا.
قال القبطان «يروف»: يجب أن ندخل الميناء للتزود بالوقود … ولكن عليكم فقط أن تَلْزَموا قُمْراتِكم، ولا أظن أن رجال الشرطة سيصعدون للسفينة لتفتيشها.
أحمد: اتفقنا … ونحن في حاجة إلى الراحة، فسننام فترة دخول السفينة وتموينها، وعندما تعودون إلى عُرض البحر مرة أخرى … أيقظونا.
القبطان: اتفقنا.
تناول الشياطين طعامًا ثقيلًا لتعويض الليلة الباردة، ثم أوى كل منهم إلى فراشه، وعندما استيقظوا، كانت السفينة «وايت إيجل» تشق طريقها في بحر الشمال، وقد ارتفعت الأمواج، واشتدت الرياح … وكان الشياطين الخمسة يتناولون الشاي في صالون الباخرة ويتناقشون، وقد وضع «أحمد» أمامهم تصوراته، فقال: إن عندنا معلومات، وإن كانت غير دقيقة إلا أنها تشير إلى مكان القرصان … إنه موجود في جزيرة صغيرة قرب جزر «شتلند»، ومما يؤكد صحة هذه المعلومات ما فعله الرجال الثلاثة مع «جانسن»، فلو أن معلوماته غير صحيحة لما اهتموا بتعقبه، وقتله.
وافق بقية الشياطين على هذا الاستنتاج، وقال «أحمد»: وفي هذه الحالة، فإنني أعتقد أن علينا أن نضع خطة معدلة لخطة رقم «صفر»، التي تقوم على فكرة التسلل إلى سفينة «القرصان» … إننا سوف ننقسم مرة أخرى إلى قسمين … أحد القسمين سيذهب للبحث عن مأوى «القرصان»، والباقي سينتظرون في السفينة، فإذا ما هاجمهم «القرصان»، فعليهم أن يحاولوا التسلل إلى سفينته … ومعنى هذا أننا سنقوم بمحاولتين وليس محاولة واحدة.
وصمَتَ «أحمد» لحظات ثم قال: إن معي تعليمات سرية من رقم «صفر»، وأحب أن أقولها لكم … إن السفينة التي نركبها الآن، ليس عليها أي مواد ذرية.
تركزت أنظار الشياطين الأربعة على «أحمد»، الذي استمر يقول: لم يكن من المعقول أن يضع رقم «صفر» شحنة من المواد الذرية في السفينة، ويقدمها ﻟ «القرصان» على صينية من الفضة … إن السفينة محملة بكمية من الرصاص والحديد … وبها كمية محدودة جدًّا من المواد المشعة، لا تساوي بضع ألوف من الجنيهات.
وصمت «أحمد» لحظات ثم قال: فإذا وقعت السفينة في يد «القرصان» — وسوف تقع طبعًا؛ لأن الخُطة تعتمد على ذلك — فلن يستولي «القرصان» على شيء ذي قيمة.
قيس: قد يتعرض ركابها للانتقام.
أحمد: إنها سفينة شحن، وليس عليها من الركاب سوانا، والبحارة من الرجال الأشداء، الذين اختيروا بعناية، والقبطان «يروف» من ضباط الأمن … لهذا فلن يُخشى على أحد … كما أن «القرصان» لن يعرف حقيقة الشحنة، إلا بعد نقلها … فهي مُغلَّفة بنفس تغليف المواد الذريَّة.
وافق الشياطين على خُطة «أحمد» الذي قال: سوف أنزل أنا و«عثمان» في قارب صغير قرب جزيرة «شتلند» وسنبحث عن جزيرة «القرصان» التي وصفها «جانسن» … وسنتفق على موعد ومكان معينَيْن نلتقي فيهما.
قيس: وإذا استطعنا التسلل إلى سفينة «القرصان» وبالتالي وصلنا إلى الجزيرة المجهولة … فما هي الخطة بعد ذلك؟
أحمد: التعليمات ذات شقين … الأول هو محاولة الاتصال بأقرب دولة إلى الجزيرة، وهي في هذه الحالة «النرويج» أو «اسكتلندا» … أو الهرب بالمعلومات … أو نسف سفينة «القرصان» في الميناء.
قيس: لن يتمكن ثلاثة فقط من عمل كل هذا!
أحمد: في هذه الحالة، يمكنكم الاتصال بالشياطين الخمسة، في ميناء «وبك» وسوف يصلون إليكم سريعًا.
بو عمير: أعتقد أن القبطان «يروف» يجب أن يعلم بخُطة اللقاء، فهو أفضل منا في تحديد المكان والزمان للقاء، بحكم مهنته كضابط بحري.
أحمد: تمامًا … وسوف نعقد اجتماعًا معه.
انفضَّ اجتماع الشياطين قرب العصر، وفي المساء عقدوا اجتماعًا مع القبطان «يروف» واتفقوا على أن تذهب السفينة «وايت إيجل» إلى جزر «شتلند»، عند الطرف الجنوبي منها، بعد ثلاثة أيام من سطو «القرصان» على الشحنة.
وعندما هبط الظلام، اتخذت السفينة «وايت إيجل» مسارها في اتجاه جزيرة «القرصان»، حسب رواية «جانسن»، وعندما اقترب منتصف الليل، قال «أحمد» للقبطان «يروف»: لا تقترب أكثر من ذلك وأعِدَّ لنا القارب.
وبعد نصف ساعة كان القارب يقل «عثمان» و«أحمد» … وقد أخذا يجدِّفان في الظلام بحثًا عن الجزيرة المجهولة … جزيرة «القرصان».