مبارزة ومفاجأة!
كان الرجل الواقف أمامهم صورة طبق الأصل من الكابتن «هنري مورجان»، الذي رددت قصص القراصنة سيرته المهولة … نفس القوام الضخم، والوجه ذو التقاسيم البارزة، واللحية الحمراء، وخصلات الشعر المتدلية تحت القبعة … شيء لا يمكن تصوُّره … وحتى وقفته كانت تُشبه وقفة «مورجان» عند السارية الرئيسية في مركب «القرصان».
وضحك الرجل وقال: إنني من أحفاد «كابتن مورجان» … «القرصان» المشهور … الذي ترك القرصنة، وعمل في خدمة جلالة ملكة «إنجلترا»، وحصل على لقب «سير» … ثم أضاف بعد أن التقط أنفاسه، وأشعل غليونه الكبير: لقد ظنَّ الناس أن عهد «مورجان» قد ولَّى إلى الأبد، ولكني قررتُ أن يعود «مورجان» مرة أخرى.
أحمد: ولكن كيف لم يكتشف أحد هذه الجزيرة حتى الآن؟
مورجان: لسبب بسيط جدًّا، إنها جزيرة ظهرت حديثًا، نتيجة اضطرابات قشرة الأرض في هذه المنطقة … ونحن نساعد على التمويه بالضباب وغيره، ولحسن الحظ أنها بعيدة عن الخط الملاحي للسفن التجارية … وفي منطقة يخشى كل قباطنة السفن الاقتراب منها.
عثمان: إنك شديد الثقة بنفسك يا سيدي … إنك تتحدث إلى غرباء عنك!
ضحك «مورجان» ضحكة مدوية ثم قال: لأن ما تسمعانه الآن، لن يسمعه منكما أحد، فلم يقدر لمخلوق أن دخل هذه الجزيرة وخرج منها … وإنني أضع أمام ضيوف هذه الجزيرة حلين لا ثالث لهما … إما أن يعملوا معي أو يموتوا … ولكما أن تختارا.
عثمان: لا أحد يحب أن يموت.
مورجان: هكذا تعلَّمت … إنهم جميعًا يفضلون العمل عندي … فإذا ثبت ولاؤهم عاشوا حياة رائعة، وسافروا إلى أي مكان في العالم يختارون … فأثبتا ولاءكما.
لم يرد «أحمد» ولا «عثمان» فقال «مورجان»: كيف حضرتما إلى هنا؟ لقد علمت من رجالي أنكما جئتما في قارب.
أحمد: إننا صحفيان، سمعنا عن عمليات القرصنة التي تتم في بحر الشمال، فجئنا إلى «برجن»، حيث قابَلَنا رجل يُدعى «جانسن» …
ضحك «مورجان» ضحكته المدوية وقال: ذلك البحار العجوز … إنه لن يتحدث مرة أخرى.
أحمد: نعم … وللأسف نحن المتهمان بقتله، رغم أن رجالك هم الذين قاموا بهذه العملية المخزية … وقد جئنا للبحث عنهم.
تجهَّم وجهُ «مورجان» لأول مرة وقال: لعلك كنت تفضل أن يُقضى على عملي، من أجل بحَّارٍ عجوزٍ مُخرِّف.
لم يردَّ «أحمد»، وقال «مورجان»: إنني لا يهمني لماذا أتيتما … المهم أن تثبتا أنكما قويان، وقادران على خدمتي … وإلا …
ثم دار في حركة تمثيلية، وفتح الباب، وتبعه «أحمد» و«عثمان»، ومشي «مورجان» حتى وصل إلى مبنى من الخشب، وسمع «أحمد» و«عثمان» صهيل الخيل … وقال «مورجان»: إنني ما زلت مصرًّا على التقاليد القديمة، فلا أركب سوى الخيول … هل تستطيعان ركوبها؟
ردَّ «أحمد»: سنحاول.
كانا طبعًا مدربين، وسرعان ما اعتليا صهوتي جوادين، وانطلقا خلف «مورجان»، نحو المروج الخضراء التي تُغطي الجزيرة … كان المشهد غريبًا، فقد كان الميناء جنوب الجزيرة على أحدث طراز، وكذلك بقية المساكن … أما في شمال الجزيرة، حيث كانوا يتجهون، فقد كانت حياة أخرى مختلفة، كأنها جزيرة من جزر البحر الكاريبي، في القرن الثامنَ عشرَ … الأكواخ … والمراعي … والخيول … وكل شيءٍ كما يتخيله المرء من الحياة قديمًا وكما تعرضه السينما أحيانًا عن الحياة منذ مائتي سنة.
سرعان ما وصلوا إلى مزرعة، وظهر مجموعة من الرجال الأشداء يحملون البنادق، ومن المدهش أن بعضهم كان يحمل الخناجر والسيوف، ويلبسون ملابس القراصنة … ونزل «مورجان» ونزل «أحمد» و«عثمان».
وتقدم الرجال من الكابتن ذي اللحية الحمراء فقال: أين «بلود»؟
قال أحدهم: إنه موجود يا سيدي.
«مورجان»: استدعه فورًا.
وأسرع الرجل يدخل أحد الأكواخ، وعاد ومعه رجل مفتول العضلات، عاري الصدر، رغم البرد القارس، وصاح به «مورجان» مبتهجًا: «بلود» … ما رأيك في مبارزة بالسيف؟
ردَّ «بلود» بفخرٍ: إنني جاهز يا سيدي.
«مورجان»: إذن أَحضِرْ سيفين وتعالَ هنا.
في لحظات كانت ساحة المزرعة قد أُعِدَّت للمبارزة، ولم يدُرْ بخَلَدِ «أحمد» أو «عثمان» أن هذا الاستعداد كان لهما … وكم كانت مفاجأة لهما أن قال «مورجان»: يجب أن تثبتا أنكما قادران على الحرب … وإلا انضممتما إلى الأتباع والخدم. ثم ألقى بأحد السيفين إليهما، وكان «أحمد» أقرب فالتقطه، ثم خلع جاكتته الثقيلة، واختبر السيف … ولم تمضِ لحظات حتى كان السيفان يتلامسان، وقد أراد «بلود» أن يثبت جدارته، فهاجم «أحمد» بسرعة وبقسوة، ولم يكن يدرك أي خصم يلاعبه، فقد صمد «أحمد» للهجوم، ولم يتزحزح عن مكانه … ثم التحما في صراعٍ عنيفٍ، خفق له قلب «عثمان» … فقد كان «بلود» كالثور الهائج، يحاول إصابة «أحمد»، ولكن الشيطان رقم «١» ثبت في المعركة، وأخذ السيفان يرنان في الصمت الذي خيَّم على المكان، وعشرات العيون تراقب الصراع.
كانت الشمس قد بزغت للحظات، وقرَّر «أحمد» الاستفادة من هذه الميزة، فحاور «بلود»، حتى وضعه أمام الشمس، ثم أدار سيفه بحيث انعكست الشمس على عيني «بلود»، فأغشتهما لحظة كانت كافية لكي يهجم «أحمد»، وبضربة قوية أطار السيف من يد «بلود»، الذي وقف مذهولًا، بينما ارتفعت الصيحات، وبينها «مورجان»، الذي قال: يا لك من مبارز عنيد، إنك أول شخص في هذه الجزيرة يهزم «بلود»!
في هذه اللحظة ارتفع صوت كقصف الرعد … ثم تعالت الأصوات، وبدا واضحًا أن الجزيرة تتعرض لسيل من قنابل المدفعية الثقيلة، وصاح أحد الرجال: إننا نتعرض للهجوم يا كابتن.
لم ينتظر «مورجان» لكي ينهي الرجل جملته، فقد أدرك أن جزيرته العزيزة قد هوجمت من عدوٍّ قويٍّ … وقفز «القرصان» ذو اللحية الحمراء على ظهر جواده، وهو يصيح غاضبًا: إنكما جاسوسان … كان يجب أن أعرف هذا من البداية.
كانت لحظات حاسمة لا بد أن يتصرف فيها «أحمد» و«عثمان» سريعًا، وإلا تعرضا للموت من أعوان «مورجان»، الذي ابتعد سريعًا … وقد تصرفا بسرعة … فقد قفز «عثمان» على أحد الحراس وضربه بقدمه في وجهه، وأمسك بمدفعه الرشاش قبل أن يسقط على الأرض وفي نفس الوقت استخدم «أحمد» السيف في ضرب أحد الحراس على ذراعه، والتقط سلاحه … وبالمدفعين سيطرا على الموقف، وأمر الرجال جميعًا بدخول مبنى المزرعة، ثم أغلقا عليهم الباب الحديدي الكبير، وقفزا على جوادَيْهما وانطلقا مسرعين.
لقد أدركا أن الشياطين الثلاثة «بو عمير» و«فهد» و«قيس» قد اتصلوا بإحدى الدول التي يقوم أسطولها بمهاجمة الجزيرة … ولكن المهم، أين سفينة «القرصان»؟
أخذا ينهبان الأرض نهبًا، حتى أشرفا على الميناء، كانت سفينة «القرصان» تقف هناك، وشاهداها تتحرك وقد أطلقت حولها سحابة من الدخان، وفي نفس الوقت شاهدا على خط الأفق بارجة تطلق مدافعها على الجزيرة … نزلا من على الجوادين وأسرعا إلى الميناء، كانا يحاولان بكل الطرق اللحاق بسفينة «القرصان»، التي أخذت تبتعد داخل سحابة الضباب الصناعي … وكان السؤال الذي قفز إلى ذهنيهما هو … هل الشياطين الثلاثة على ظهر سفينة «القرصان»؟ أم هم في البارجة؟ أم ذهبوا إلى مكان ثالث لا أحد يعرفه؟
لم يكن في إمكانهما عمل شيء … فقد أخذ أعوان «القرصان» يركبون القوارب ويفرون في كل اتجاه … وأسرع «أحمد» إلى مركز قيادة الميناء، واقتحم محطة اللاسلكي، وطلب من العامل المذعور أن يتصل بالبارجة.
تم الاتصال سريعًا وقال «أحمد»: كفوا عن الضرب … لقد هرب «القرصان» في غلالة من الضباب، ومن الأفضل أن تتبعوه!
أجابت البارجة: إنه يبتعد بسرعة في اتجاه مضاد … ولن نستطيع اللحاق به، سفينته أسرع.
أحمد: إذن اقتربوا … هل معكم ثلاثة من زملائنا؟
ردت البارجة: لقد أخطرنا القبطان «يروف» أن زملاءكم الثلاثة تسللوا إلى سفينة «القرصان».
وأحس «أحمد» بقلبه يقع في صدره … لقد أخذ «القرصان» رهينة ثمينة … لقد سقطت جزيرته المجهولة حقًّا، ولكنه استطاع الفرار، ومعه ثلاثة من الشياطين … فكيف يتصرف؟
أسرع خارجًا، وقابل «عثمان» في طريقه … وحكى له الأحاديث التي تبادلها مع البارجة التي أخذت تقترب … ووقف الاثنان يرقبان في وجوم الجزيرة التي هجرها سكانها والبارجة الضخمة وهي تقترب من الميناء.