في سنة لم تكن قطُّ في التاريخ
… في تلك الدقيقة ظهرت مِن وراء أشجار الصفصاف صبية تجر أذيالها على الأعشاب ووقفت بجانب الفتى النائم ووضعت يدها الحريرية على رأسه فنظر إليها نظرة نائم أيقظه شعاع الشمس، فرأى ابنة الأمير واقفة حذاءه فجثا على ركبتيه مثلما فعل موسى عندما رأى العلَّيقة مشتعلة، ولما أراد الكلام أرتج عليه فنابت عيناه الطافحتان بالدمع عن لسانه.
ثم عانقته الصبية وقبَّلت شفتيه، وقبَّلت عينيه راشفة المدامع السخينة وقالت بصوت ألطف من نغمة الناي: قد رأيتك، يا حبيبي، في أحلامي ونظرت وجهك في وحدتي وانقطاعي، فأنت رفيق نفسي الذي فقدته، ونصفي الجميل الذي انفصلتُ عنه عندما حُكم عليَّ بالمجيء إلى هذا العالم، قد جئت سرًّا يا حبيبي لألتقيك، وها أنتَ الآن بين ذراعَيَّ فلا تجزع. قد تركتُ مجد والدي لأتبعك إلى أقاصي الأرض وأشرب معك كأس الحياة والموت.
قم، يا حبيبي، فنذهب إلى البرية البعيدة عن الإنسان.
ومشى الحبيبان بين الأشجار تخفيهما ستائر الليل، ولا يُخفيهما بطش الأمير ولا أشباح الظلمة.