نفسي مُثقلَة بأثمارها
نفسي مثقلةٌ بأثمارها؛ فهل من جائِع يجني ويأكل ويشبع؟
أليس بين الناس من صائمٍ رؤوف يفطِرُ على نِتاجي ويُريحني من أعباء خصبي وغزارَتي؟
نَفسِي رازخةٌ تحتَ عبءٍ من التِّبْرِ واللُّجَيْنِ فهل بين الناس مَن يملأُ جُيُوبه ويخفف عني حملي؟
نفسي طافحة من خمرةِ الدهور؛ فهل من ظامئ يسكب ويشرب ويرتوي؟
هو ذا رجل واقف على قارعة الطريق يبسط نحو العابرين يدًا مُفْعَمَةً بالجواهر ويناديهم قائلًا: ألا فارحموني وخذوا مني. أشفقوا عليَّ وخذوا ما معي. أما الناس فيسيرون ولا يلتفتون.
ألا ليته كان شحاذًا متسولًا يمد يدًا مرتعشةً نحو العابرين ويرجعها فارغة مرتعشة. ليته كان مقعدًا أعمى يمر به الناس ولا يَحفلونَ.
هو ذا مُثرٍ جواد نَصَبَ خِيامَهُ بين مَجَاهِلِ البيداء ولحفِ الجبلِ، يوقِدُ نار القِرى كل ليلة ويبعث عبيده ليرصُدوا السبل لعلهم يقودون إليه ضيفًا يقربه ويكرمه، ولكن السبل بخيلة لا تجود على هباته بمرتزقٍ، ولا تبعثُ إلى هباته بطالب.
ألا ليته كان صعلوكًا منبوذًا!
ليته كان عَيَّارًا متشردًا يطوف البلاد وفي يده عكازٌ وفي كوعه دَلوٌ، فإذا ما جاء المساء جَمَعَتْهُ ملتوياتُ الأزقة بزملائه العيارين المتشرِّدين فيجلس بقربهم ويقاسمهم خبز الصدقة!
هو ذا ابنة الملك الأكبر قد استيقظت من رقادها وهبَّت من مضجعها، وقامت فتَرَدَّتْ بأرجوانها وبرفيرِها، وتزينت بلؤلؤها وياقوتها، ونثرت المسك على شعرها، وغمست بذَوْبِ العنبر أصابعها، ثم خرجت إلى حديقتها ومشت وقطرات الندى تُبلِّل أطراف ثوبها.
في سكون الليل سارت ابنة المَلك الأكبر في جنتها تبحث عن حبيبها. ولكن، لم يكن في مملكة أبيها من يحبها.
ألا ليتها كانت ابنة زراع ترعى أغنام أبيها في الأودية وتعود مساءً إلى كوخ أبيها وعلى قدميها غبار المُنْعَكَفات وبين طيات ثوبها رائحة الكروم. حتى إذا ما جَنَّ الليل ونام سكان الحي اختلست خطواتها إلى حيث يترقبها حبيبها.
ليتها كانت راهبة في الدَير تحرق قلبها بخورًا فينشر الهواء عطر قلبها. وتوقد روحها شمعًا فيحمل الأثير نور روحها. وتركع مصلِّية فتحمل أشباح الخفاء صلواتها إلى خزائن الزمن حيث تُصان صلوات المتعبِّدين بجانب حَرقَةِ المحبين وهواجِسِ المستوحدين!
ليتها كانت عجوزًا مُسِنَّةً تجلس مستدفئة في أشعة الشمس بمَن تقاسموا صِباها، فذاك خير من أن تكون ابنة الملك الأكبر وليس في مملكة أبيها من يأكل قلبها خبزًا ويشرب دمها خمرًا!
نَفسِي مثقلة بأثمارها، فهل في الأرض جائع يجني ويأكل ويشبع؟
نفسي طافحة بخمرها؛ فهل من ظامئ يسكب ويشرب ويرتوي؟
ألا ليتني كنت شجرة لا تزهر، ولا تثمر، فَأَلَم الخصب أمرُّ من ألم العقم، وأوجاع ميسور لا يؤخذ منه أشد هولًا من قنوط فقير لا يُرزق.
ليتني كنت بئرًا جافَّةً والناس ترمي بي الحجارة، فذلك أهون من أن أكون ينبوع ماء حي والظامئون يجتازونني ولا يستقون.
ليتني كنت قصبة مرضُوضة تدوسها الأقدام، فذاك خير من أن أكون قيثارة فضية الأوتار في منزل ربُّهُ مبتور الأصابع وأهله طُرشَان!