حرقة الشيوخ
يا زمان الحب، قد ولى الشباب
وتوارى العمر كالظل الضئيل
وامَّحى الماضي، كسطر من كتاب
خطَّه الوهمُ على الطِّرس البليل
وغدت أيامنا قيدَ العذاب
في وُجود بالمسراتِ بخيل
فالذي نعشقه يأسًا قَضَى،
والذي نطلبه مَلَّ وراح
والذي حُزْنَاه بالأمس مضى
مثل حلم بين ليل وصباح
•••
يا زمان الحب، هل يغني الأمل
بخلود النفس عن ذكر العهود؟
هل، تُرى، يمحو الكرى رسم القُبَلْ
عن شِفاه ملَّها وردُ الخدود؟
أو يدانينا وينسينا الملل
سكرة الوصل وأشواق الصُّدُود؟
هل يصمُّ الموت آذانًا وَعَتْ
أنه الظلم وأنغام السكون؟
هل يغشي القبرُ أجفانًا رأت
خافيات القبرِ والسر المصون؟
كم شربنا من كؤوس سطعت
في يد الساقي كنورِ القبَس!
ورشفنا من شِفاه جَمَعَتْ
نغمة اللُّطف بثغرٍ ألعَسِ!
وتَلَوْنَا الشِّعر حتى سمعتْ
زُهُرُ الأفلاك صوت الأنفس
… تلك أيامٌ تولت كالزهور
بهبوط الثلج من صدر الشتاء
فالذي جادت به أيدي الدهور
سَلَبَتْه خِلسةً كفُّ الشقاء …
لو عرفنا ما تركنا ليلةً
تنقضي بين نُعاس ورُقاد
لو عرفنا ما تركنا لحظةً
تنثني بين خلوٍّ وسُهاد
لو عرفنا ما تركنا برهة
مِن زمان الحب تمضي بالبُعاد
قد عرفنا الآن، لكن بعدما
هتف الوجدان: «قوموا واذهبوا!»
قد سمعنا وذكرنا عندما
صرخ القبر ونادى: «اقتربوا!»