مقدمة
أعتقد أن من أعظم ما حقَّقته في حياتي تلك الجولات التي قُمتُ بها في ربوع القارة الأوروبية حتى تمكنت من زيارة جميع دولها — باستثناء روسيا — فلقد تعلَّمتُ كثيرًا ودرست كثيرًا في هذه الأسفار، لا شك أنني أفدت منها أكثر من المدرسة.
إنني لم أكن أقنع في أسفاري بأن أَمُرَّ بالعواصم أو المُدُن الكُبرى أو الأماكن الجديرة بالزيارة في الدولة التي أزورها، وإنما كنت أهتم بأن أتغلغل إلى داخل الحياة نفسها، وأدرس طباع الناس وعاداتهم، وأتعرف برجل الشارع وأتحدث إليه وأسأله رأيه في مُختلف المسائل، وكثيرًا ما كنتُ أُقابل بعد ذلك بعض الرجال الرسميين فأتحدث إليهم من جديد في نفس المسائل.
ومن أعظم ما كان يُساعدني في أسفاري أنني كنت لا أحل بدولة من الدول إلا بعد أن أكون قد قرأتُ عنها الشيء الكثير، وكان يطيبُ لي بعد أن أحل بها أن أُقارن بين ما قرأت وبين ما أراه بعيني أو أسمعه بأذني! وكانت هذه القراءات خير مُساعدٍ لي على الاستمتاع بالرحلة إلى أقصى حدود الاستمتاع.
وقد وجدت المكتبة العربية في حاجة إلى كتاب يَضُمُّ هذه الدراسات للدول المختلفة ليقرأه السائح قبل السفر أو أثناء السفر، فيعرفُ شيئًا عن الدولة التي يزورها وشيئًا عن أهلها، ورأيت أن أضم إلى هذه الدراسات الأماكن الجديرة بالزيارة في كل دولة من دول أوروبا، وخير ما يمكن أن يُشترى منها.
وجدير بنا، وقد زالت قيود السفر، وأصبح الاتصال بالخارج أسهل مما كان قبلًا، أن نهتم بالأسفار ونوليها عناية كبرى، بل ويجدر بنا، قبل أن نُسافر، أن نقرأ ونتدبر ونقارن حتى يمكن أن نفيد من السفر وننال من ورائه ما نرجو من نفع ومتعة.