بعض من عرفت من الإنكليز إذ ذاك
استمرت الحالة بعد ذلك، من الضغط على الخط الحديدي الحجازي بلا انقطاع، فشلَّت حركات النقل سنة ١٩١٦ و١٩١٧ وبدأت القيادة التركية تخرج المدنيين إلى الشام؛ وأول ما أخرجت الشريف حيدر بن جابر الذي عينه السلطان أميرًا على مكة عند إعلان الثورة العربية. وكان مركز الأمير فيصل — كما مر — بالوجه، ومركز الحركة في موقع جيداء وما جاورها. وكانوا حاولوا من ناحيتهم أيضًا الضغط على الخط الحديدي من العلا إلى حيث يستطيعون نحو الشام.
ثم لما انبعثت الحركة في الجيش الشرقي الذي أقوده، أُلحقت بنا مفرزت تخريب فنية يقودها ضابط بريطاني برتبة ميجر — ثم رقي فصار كولونيلًا — واسمه «دافنبورت» وهو رجل دمث خلوق لا يهمه سوى عمله؛ طويل بالنسبة للعرب لا للإنكليز، عريض المنكب أحمر اللون كستنائي الشعر أزرق العينين، وكان قد أسبل لحيته بسبب الحرب. وممن كان في معيته من الإنكليز الكابتن «غارلند» وهو من محبي العرب، مخلص شديد الإخلاص، وكان من الساعين للعمل مع المخلصين من العرب للعرب، وليس هو من الذين يسعون لإيجاد أحد ممن يسعى لمنفعته الذاتية فيخدم عن غش غير أمته، وقد ينسى أن مَن غش نفسه لا ينصح للآخرين. ثم كان من الرجال الإنكليز الذين عرفتهم بطيبة النفس والإخلاص الكابتن «غولدي» وهو رجل نحيف طويل معروق الوجه أخضر العينين بشوش هشوش. ثم عرفت أيضًا من الإنكليز عام ١٩١٦ و١٩١٧ الكولونيل «نيوكمب» — وهو ما يزال حيًّا يرزق — وهو ممن يتظاهر بمحبة العرب في كل محل، ومن كثرة أحبابه ظل في عمله.
وممن عرفت منهم الميجر جويس أو الكولونيل جويس أو جويس بك، وهو من أخلص الناس للإنكليز والقضية العربية، وقد خدم أكثر من لورنس خدمة حقيقية قاسى فيها أنواع الشدائد، من حرارة مواسم الحجاز في الذهاب والإياب في العمل. هذا ما يمكنني أن أقوله عن أصدقائنا الإنكليز حين ذاك.