مكة ومصيفها
مكة المكرمة عاصمة الإسلام وبلد الله الحرام الآمنة المطمئنة، والطائف مصيفها. وبمكة يجتمع المسلمون بسبب الحج، وهو موسم الإسلام. بلد الرفادة والوفادة والسفارة والإيلاف. مصيفها الطائف، وما أبهج الرحلة إليه في تلك القوافل، المزدانة هوادجها ومحاملها بالجوخ الأحمر والبسط الفارسية الجميلة، وما أبهى مراحلها وخيامها والاجتماع بها.
تخرج القوافل عادة من مكة، إذا قصدت الطائف، بعد غروب الشمس، إلى الزيماء أو سولة المرحلة الأولى، كي تقطعها في براد الليل، فتصل إلى الزيماء أو إلى سولة بعيد الشروق، فتجد خيامها وقد بنيت على العين وسط البساتين الخضراء، فتقضي بها زهاء سبع ساعات، ثم تسافر بعد الظهر بثلاث ساعات آمة المرحلة الثانية، وهي ذات عرق تعرف اليوم بالسيل، وهذه المرحلة في طرف السراة، حكمها حكمه في لطافة هوائه وبرده وشجره، فتصل إلى السيل مع الشروق. والسيل هذا نهير يجري دائمًا ولا ينقطع. وبعد أن تأخذ القسط من الراحة، وتعلو الدواب وتتغدى، يستأنف السفر بعيد الظهر، فتصل الطائف قبل الصبح، وهما أطول مرحلة. وفي القفول من الطائف إلى مكة، يكون السفر منه في ضحوة النهار، ليدخل المسافرون مكة في منتصف الليل، بعد مسير يومين. وفي هذه المرحلة المتعة الممتعة للصبيان، فيركبون أنواع وسائل السفر، من جمال عراب عليها المحامل الظريفة، إلى بغال فارهة وخيل أصيلة وذلائل عمانيات، أو ركاب أحرار عليها رحال الميس، وفوق هذه الفرصة التحرر من الدرس.
أقمنا على هذه الحالة، من طلب للدراسة الابتدائية ورحلات مسرة، حتى عام ١٣٠٩، فطلب الوالد إلى الأستانة، لاختلاف حدث بينه وبين عمه أمير مكة المرحوم عون الرفيق بن محمد، وبهذا ختمت الدورة الأولى لي ولإخوتي في وطننا الحجاز الأقدس، الذي لا شبيه له في الأوطان، لنستأنف الدراسة في الأستانة، عاصمة آل عثمان.