إعلان استقلال شرق الأردن
أيها الشعب الكريم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قد بعث محمدًا والعرب منكمشون في جاهليتهم المظلمة وماضون في حروبهم الداخلية والطوائل والأحقاد مستحكمة في أفئدتهم، فوحد كلمتهم، وألف بين قلوبهم وجمع بين أهوائهم وقادهم إلى ما فيه طريق رشادهم وأخرجهم من الضلال إلى الهدى وملكهم الدنيا وهم آبون كارهون، ورُبَّ قوم يقادون بالسلاسل إلى الجنة. وتركهم على خير ما ترك نبي أُمَّتَه، فجزاه الله عن العرب خيرًا ﷺ. ثم خلف من بعده الخلف الصالح وهم الخلفاء الراشدون، فاتبعوا سنته وفتحوا الفتوح وأسسوا دعائم الدولة العربية وشادوا لهم من المدنية صرحًا، فبه ﷺ وبهم رضي الله عنهم، كان للعرب ما كان من المفاخر المادية والمعنوية حتى أصبحوا مصابيح الوجود ونباريس الكائنات. وكلكم تعلمون ماضي دولكم من أمويين وعباسيين وأندلسيين وفاطميين، كل ذلك كان بالاقتداء بتعاليمه ﷺ وبالاعتصام بالوحدة في الرأي والعمل، وبالائتمار بأوامر من كانت بيده مقاليد الأمور وبني عليه الأمل.
ثم شاءت الأقدار الصمدانية للحكمة الأزلية أن يقلب الدهر للعرب ظهر مجنه، ويصحبهم بكوارثه ومحنه، فأصابهم ما أصاب غيرهم من الأمم وضرب التخاذل بينهم بجرانه، وعمت التفرقة وانتشرت الفوضى وتسلطت الأعاجم على أهم أمورهم ومراكز إدارتهم وشؤونهم، فوقع على الدولة العباسية ما وقع وأضاع العرب ما اكتسبوه بالأنفس والنفائس، وظلوا بعدها كما تعلمون إلى أن أذن الله بالحرب العامة في أثناء انتباه الأفكار العربية وسعيها لإعادة مجدها السابق وعزها الغابر، فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قوامًا لها وقائدًا لأمورها، فنادى إلى الحق فأيقظ الهاجد في عماه، ونبَّه الغافل في كراه، وخاض غمار الحرب العامة في أشد أوقاتها خطرًا متكلًا على الله وعلى قومه، والنصر من عند الله، فكلل جميع أعماله بالنجاح لائتمار العرب أثناء الحرب بأمر واحد واتباعهم مركزًا واحدًا.
ثم إني لا أرى هنا حاجة لذكر ما عقب الهدنة من الاستعجال المشمومة منه رائحة الانقسام، والذي أدى لمصابنا في أهم أجزاء وطننا وأحبه، والذي أخر النتيجة المطلوبة، مما يجب أن يكون محلًّا للانتباه والحذر من الآن فصاعدًا، ويوجب الاستمساك بوحدة الرأي والعمل؛ كل ذلك كان من الأقدار الإلهية، حرسنا الله مما فيه غضبه ووفقنا لما فيه رضاه.
وإنني في هذا الموقف بعد الشكر لله سبحانه وتعالى، أخبركم بما تم على يد صاحب الجلالة الهاشمية وصاحب الحشمة الإمبراطورية البريطانية من العهد الضامن إن شاء الله لكل الرغائب، وأشترك معكم بكل سرور في هذه الحفلة بما كان قد تم في أثناء وجودي في لندن من اعتراف الحكومة الفخيمة البريطانية باستقلال هذا القسم من المملكة العربية. ولا شك بأن ذلك أيضًا من نتائج السياسة الحكيمة التي اتبعت هنا ومعاضدة الحكومة البريطانية العظمى.
ويسرني جدًّا أن أعلن شكري لحضرات المستشارين والذوات الذين ساعدوني على السير في هذه الخطة الحكيمة، وللشعب المتمسك بحبال وطنيته الصادقة وأمانيه الحقة وسيره الحكيم والطاعة لأولي الأمر والثقة بأعمالهم المعقولة التي تكللت بالنجاح. وإنني لا أشك في أنه سيثابر على سيره بعد الآن كما سار بالأمس، وإننا نبشره بأن حكومتنا ستشرع في إعداد القانون الأساسي للمنطقة وتعديل قانون الانتخابات بما يوافق روح البلاد وطبقتها وبيئتها.
وبهذه المناسبة لا يمكننا أن نغفل عن الشكر للحكومة البريطانية العظمى، حليفة العرب وعضدهم القوي في السياسة العربية منذ النهضة العربية المباركة حتى الآن. ولا ريب أن العرب أثبتوا في جميع الظروف والأحوال حسن ولائهم وصداقتهم لحليفتهم العظمى، كما أنه لا يسعهم إلا أن يكونوا مدينين لها بالشكر الجزيل لاعترافها لهم باستقلال البلاد العربية كافة وتعضيد العرب على تأليف وحدتهم وفاء بعهودها. وإني لآمل أن يكون موقف الدولة الفرنسية الفخيمة تجاه قضيتنا العربية المقدسة وتجاه القسم الشمالي الباقي من وطننا المحبوب آخذًا بها إلى عهد جديد كاف للدلالة على احترام أبناء الثورة الفرنسية لحرية الأقوام واستقلالها.
وإن المساعدات التي قام بها شخصيًّا كل من فخامة المندوب السامي المحترم وسعادة كبير المعتمدين المستر فلبي الموقر نحو هذه المنطقة، لجديرة بالإطراء. وإننا ننوه هنا بذكر الهيئات الوطنية والشيوخ والوجوه كافة والرجال العاملين الذين عضدونا في السير إلى هذه الخطوة المحمودة، وآزرونا في السعي خلال عامين في هذه المنطقة، موآزرة اعترف البعيد والقريب بصلاح نتائجها وشهد آثارها الجميع.
وإني لآمل أن يكون هذا اليوم يومًا سعيدًا للأمة تتخذه عيدًا تظهر فيه سرورها وحبورها. ومنه تعالى نستمد العون ونسأله أن يطيل بقاء وتوفيق جلالة أمير المؤمنين مولانا الحسين بن علي بن محمد بن عون. والله ولي التوفيق.
إني أرغب بالنيابة عن جلالة الملك جورج الخامس وحكومته، أن أقدم أصدق التهاني لسمو الأمير عبد الله وأهالي شرق الأردن، وبالحقيقة إلى جميع العرب بمناسبة هذا العيد السعيد.
إننا ندخل اليوم في طور عظيم الأهمية في تاريخ الأمم الكبير. فبعد أن كان للعرب عصر مجيد اشتهر بالإدارة والآداب والفنون والعلوم تقهقروا تحت اضطهاد دولة دخيلة غير راقية، ولكن الحرب الكبرى منحتهم فرصة لتحرير أنفسهم؛ فقد اشتركت جيوش بريطانيا العظمى تساعدها الجيوش العربية بقيادة أنجال شريف مكة المكرمة مع القوات العثمانية في حرب طال أمدها، وتكللت الثورة العربية ضد تركيا بالتعاون مع حملة الحلفاء بنجاح تام. وقد مهدت السبل الآن لنهضة عربية يتوقف انتشارها وأهميتها على العرب أنفسهم.
إن فصل هذه البلاد عن المملكة العثمانية وضع على عاتق بريطانيا العظمى مسؤولية تجاه عصبة الأمم، الجمعية الجليلة القدر التي تمثل رأي القسم الأكبر من العالم المتمدن، وستنجز الوعود التي أعطيت لجلالة الملك حسين في أثناء الحرب، ووفقًا لهذه الخطط أعترف بشريف مكة ملكًا مستقلًّا. وقد نصب جلالة الملك فيصل ملكًا على العراق وأعطي سلطات فعلية. وقد عقدت معاهدة مع الملك حسين حديثًا وستعلن نصوصها قريبًا، وهي تدل على أن النهضة العربية قد دخلت في طور جديد.
وها نحن نحتفل الآن بالاتفاق الذي عقد مع سمو الأمير في أثناء زيارته لجلالة الملك جورج والحكومة البريطانية، ولا يخفى عليكم أن الاتفاق ينص على اعتراف حكومة جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الأردن برئاسة صاحب السمو الأمير عبد الله بن الحسين، شرطًا أن توافق جمعية الأمم على ذلك، وأن تكون حكومة شرق الأردن دستورية تمكن حكومة جلالة الملك من القيام بتعهداتها الدولية فيما يتعلق بتلك البلاد، وذلك بواسطة اتفاق يعقد بين الحكومتين.
ولم تنقض سنتان على استلام الأمير إدارة شرق الأردن، حتى خرجت من طور التشويش واختلال النظام إلى طور سلام وتقدم متزايد. فاستفاد من هذا التحسين جميع الأهالي على اختلاف طبقاتهم سواء في المدن والقرى أو بين الفلاحين والبدو. والأمل وطيد بأن التقدم سيثمر بدرجة متزايدة. والفضل في ذلك يعود أيضًا إلى المستشارين الذين اختارهم سمو الأمير، وأخص بالذكر منهم مظهر باشا رسلان الذي أرغب أن أقدم له التهاني الخالصة لنيله هذه الرتبة الجديدة.
إن الحكومة البريطانية تفتخر أنها استطاعت الاشتراك في ذلك التقدم باذلة لحكومة الأمير مساعدة فعلية معنوية. وقد تمتعت هذه الحكومة بمساعدة مالية أيضًا مما سهل إيجاد قوة سيارة منظمة ووحدات أركان الأمن العام في هذه البلاد. وقد وضعت طيارات وسيارات مصفحة تحت تصرفها إذا دعت الحاجة إليها، وقدم لها مستشارون سياسيون وعسكريون عند الاقتضاء. وسعت حكومة جلالة الملك في الوقت نفسه ألَّا تتدخل في الإخلال في إدارة الأمير، وقد أصبح استقلال إدارة الأمير أمرًا حقيقيًّا.
واسمحوا لي أن أذكر في هذا المقام عظيم تقديري لأسباب شخصية للصداقة التي استحكمت حلقاتها بيني وبين سمو الأمير؛ ويسرني أني تمكنت بالفعل من تعضيد التطورات التي جرت مؤخرًا، سواء كان فيما يتعلق باستقلال شرق الأردن أو التقدم الناشئ عن المعاهدة مع الحجاز.
وأنا آمل من صميم الفؤاد أن الحزم السياسي وروح التساهل وحسن تدبير الأمور الإدارية التي امتازت بها حكومة الأمير ستدوم طويلًا بعناية الله تعالى، لتعكس ضياءً جديدًا على سموه وتؤدي إلى دوام خير ونجاح الأهالي الذين تحت سلطته.