المنقذ الأعظم في عمان ومبايعة جلالته بالخلافة
في يوم الجمعة ١١ جمادى الثانية ١٣٤٢ الموافق ١٨ كانون الثاني ١٩٢٤ شرَّف جلالة المنقذ الأعظم مدينة عمان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسين بن
علي
الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله أفضل الصلاة والتسليم وعلى آله وصحبه وكافة أنبيائه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
أما بعد فإني أسأله الرأفة والرحمة بعباده والتوفيق، وأن يجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين، فإنه هو الرحيم المنان الكريم. ثم إنه لما كانت الإمامة الكبرى والخلافة العظمى نظام عقد الأمة وسند قوام الملة، وكان أمر صيرورتها وكيفيتها وما جرى فيها مدونًا ومنقولًا عمن تلقينا عنهم ديننا القويم، وكان كل ما جرى من بعد عهدهم السعيد في كيفية حقوقها وصلاحيتها وسائر معاملاتها إلى يومنا هذا موضحًا في تواريخ العالم الإسلامي وسيره المثيرة، فإقدام حكومة أنقرة على ذلك المقام المكرم كيفما كان شكله، جعل أولي الرأي والحل والعقد من علماء الدين المبين في الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى وما جاورها من البلدان والأنصار يفاجئوننا ويلزموننا بيعتهم بالإمامة الكبرى والخلافة العظمى، حرصًا على إقامة شعائر الدين وصيانة الشرع المبين أبسطه لعدم جواز بقاء المسلمين أكثر من ثلاثة أيام بلا إمام كما يفهم صراحة من توصية الفاروق الأكرم رضي الله عنه لأهل شورى البيعة بعده كيفما كانت صيغة تلك الإمامة وأشكالها إلى الآن.
وعليه ولما كانت المملكة الهاشمية والقطعة المباركة الحجازية مهد الإسلام ومحل ظهوره ومطلع نوره، وكانت مصونة بعنايته تعالى من كل شائبة في حالتيها السابقة والحاضرة، ولا سيما العمل فيها بأحكام كتاب الله وسنة رسوله بجميع خصوصياته وعمومياته وانطباق حكم البيعة المشروعة من المبايِع والمبايَع له انطباقًا لا يتصور حصوله في أي مملكة أخرى في الوقت الحاضر، كان حقًّا علينا إجابة ذلك الطلب الديني المشروع بعد الاتكال على الله سبحانه واستمداد روحانية نبيه ﷺ.
لذلك قبلنا البيعة متوكلين عليه عز وجل، مستمدين منه الغوث والعون والتوفيق لما يحبه ويرضاه، وإننا نرجوه سبحانه وتعالى أن يكون هذا الأمر الذي قضى في حكمته الأزلية وقدرته الصمدانية وأظهر حكمة قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ مضاعفًا إلهاماتنا باتباعنا مسلك السلف الصالح.
نعم إنا لم نعترض البحث في شؤون ذلك المقام الجليل إبان نهضتنا، لا بل إلى قبيل جرأة أنقرة على الكرامة كيفما كانت وضعيته، وذلك حذرًا من توسع شقة الاختلاف لئلا يتخذه أعداء الإسلام وسيلة للتعريض بمكانته، ولا نكلف سوانا بما لا يراه، عملًا بقوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ومع هذا فهو المسؤول أن يجعل هذه البيعة مدار ألفة للمسلمين تضم قاصيهم ودانيهم، وتسوقهم إلى حسن التآلف مع مجاوريهم من أبناء دينهم وسكان بلدانهم من أهل الكتب السماوية وسائر مواطنيهم، بما ألقته إليهم الشريعة الإسلامية، وتطبيق ما فرض في أمر «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» وكل ما أوجبه عليهم من المنكر، مؤملين منهم حسن القيام بكل ما هو في معنى هذا مما أوجبه الله عليهم فردًا فردًا وجماعة جماعة، وبالأخص العلماء والأعلام في أقطار الإسلام كافة.
وإنه لما كانت العائلة العثمانية ممن سبقت لها خدمات لا تنكر ومفاخر لا تستحقر للإسلام والمسلمين، ولما كان الحكم الأخير عليهم مما تتفتت له الأكباد وتتفطر منه المهج، رأينا من واجب أخوة الإسلام أن تهيِّئ لها ما يساعدها بما يقوم بأودها ويدفع عنها الغائلة في أمر معاشها.
فمن أحب الاشتراك في هذه المثوبة العظمى من سائر أرباب الشهامة، فعليه أن يشعر رئاسة وكلائنا بمكة المكرمة بما يريده؛ والله جل شأنه وتعالت قدرة سلطانه يعلم أن غايتي الوحيدة هي خدمة الإسلام وأقوامي أبناء الجزيرة خصوصًا والمسلمين عمومًا، فهو المسؤول وحده لا شريك له وأن يجعل لنا وإياهم منه وليًّا ويجعل لنا من لدنه نصيرًا، وهو المستعان وهو ولي التوفيق ولا حول ولا قوة إلا به، والصلاة والسلام على خير خلقه وآله وصحبه أجمعين.