وزارات ومعتمد
ومما هو جدير بالذكر في صدد وزارة إبراهيم باشا الأولى، أنه قبل أن أعهد إليه بتأليف الوزارة، بعد إقالة الشيخ عبد الله سراج، كان المعتمد السابق — السير هنري كوكس — عندما سألني عن خلف الشيخ، ذكرت اسم المرحوم حسن خالد باشا، فلم يرعني إلا قوله: أرجوك أرجوك، لا أستطيع التعاون معه …
وأنا لم أقل له حسن خالد باشا، إلا لئلا يظهر عدم ارتياحه من إبراهيم باشا، لأنني كنت سمعت منه عن فلان وفلان أنهما أصلح من يكون لهذه الرئاسة، وقد صار أحدهما وزيرًا للداخلية ووزيرًا للدفاع في وزارة توفيق باشا أبو الهدى، وأما الآخر فلم يكن إلا نسخة ثانية من هذا الذي لمحت به.
ولم يعترض على ترئيس إبراهيم باشا هاشم، فجاء للوزارة بنشاطه المعروف، وصرف جهود الجبابرة، واستمر إلى أن تغلب عليه اليأس، حيث ضيق الميدان القيد الأجنبي الممل.
ولم تكن الحكومة الإنكليزية تعرف هذا، مع أنني لم أُخفِ متاعب رؤساء الوزارات من تدخل المعتمد السابق فيما ليس له فيه أي حق. وقد أخبرت بذلك المندوب السامي سير شانسيلور، وأعلمت السير آرثر واكهوب، وأخيرًا انتهت وظيفة السير هنري كوكس في عهد السير مكمايكل، وهي خير خدمة وقعت من مندوب لشرق الأردن. وأنا لا أقصد من هذا الحطَّ من قدر السير هنري كوكس، فإنه كان يحبني كثيرًا ويخلص في عمله لاعتقاده أنه يسدي الخير للناس رغم أنوفهم.
ثم استقال إبراهيم باشا وجاء إلى الرئاسة توفيق باشا أبو الهدى، وكنت أعتقد أنه يرضى بالتعاون معه الكولونيل كوكس، وإذا الأمر بالعكس؛ فإنني لما أردت تعيينه للسفر إلى لندن يوم تعديل المعاهدة، اعترض ورجح أن أُعين إبراهيم باشا لهذه المهمة، فأصررت على رأيي، ثم أوعز إلى السير مكمايكل أن يأتي ليحاول أن أغير رأيي، فجاء وحدثني فلم أُوافق.
وبين يدي سفر الباشا قال لي المعتمد: إن توفيق باشا أصبح لا يعتمد عليه، فقلت: عجيب! من أخبرك بذلك؟ إنه لدي في منتهى درجات الاعتماد.
وفي اليوم التالي حضر الباشا المشار إليه مع المعتمد، فقلت له: سافر يا باشا وثق بأنني معتمد عليك في كل أمر دَقَّ أو جَلَّ.
وبعد خروجهما زار المعتمد الباشا واعتذر إليه وقال إنه يحبه ويعده بالمعاونة النزيهة.
وعند سفر رئيس الوزراء كنت بالغور وكان المعتمد عندي فقال لي: أتسمح يا سمو الأمير لي بأن آخذ رسم توفيق باشا فمن الممكن ألَّا يعود من إنكلترا؟ فقال له توفيق باشا: خذ رسمي ولكن من الممكن أن أعود فلا أجدك هنا. وكان ذلك فجاء الباشا بالتوفيق وسافر المعتمد.
وجاءت الحرب ومضت، وقد تعب فيها توفيق باشا كثيرًا؛ وإنها لمهمة شاقة، وإن الباشا المشار إليه لمن خيرة رجال العرب، ومن الأشخاص الذين إذا صادقوا يصدقون وإذا عادوا لا يتسترون.
ثم استقال توفيق باشا، ولما لم يقبل إبراهيم باشا الوزارة أحببنا توجيهها إلى حامد الوادي باشا، فحالت بعض الظروف دون ذلك؛ فأولينا ثقتنا سمير باشا الرفاعي، وهو من نتاج شرق الأردن، حيث تمرن وتقلب من عهد الركابي باشا إلى أن نال الرئاسة وهو بالقرب من الرؤساء وليس بالبعيد منا؛ ولكن كانت مدة وزارته قصيرة، ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
وإنا لنرجو من الوزارة الحاضرة، المتحلية برئيسين سابقين التوفيق في كل الأمور وبالأخص في أمر الوحدة السورية التي بها يتم استقرار بلاد العرب، ودوام أمرها وسلامتها من الأخطار السياسية وما في التجزئة من وهن وضعف.