الجيش العربي
حين تشكيل إدارة شرق الأردن، جرى الحديث بين رشيد بك طليع والسير وندهام ديدس السكرتير العام لحكومة فلسطين حين ذاك، عن إيجاد قوة لتأمين الأمن الداخلي في البلاد وعلى حدودها، بعد ما دار من حديث بيننا وبين مستر ونستون تشرتشل. وكنت رأيت لزوم تشكيل فرقة نظامية بما تحتاج من الصنوف العسكرية المقبولة حين ذاك، من مشاة ومدفعية وخيالة، وأن تكون مركبة من ثلاث كتائب، كل كتيبة مركبة من ثلاثة أفواج، وكل فوج مركب من ثمانمائة نفر، مع ما يتبع هذه الكتائب من مدفعية جبلية ومدافع ميدان ورشاشات، وأن يكون فوج فرسان مركب من ألف وخمسمائة رمح أو سيف أو فلنته (بنادق صغار) مع السيف أو الرمح فقط.
ولما جرى البحث بين رشيد بك طليع والسير وندهام ديدس، لم تقرب الحكومة البريطانية إلى تأييد هذا بالمرة، معتلة بفداحة المصاريف، ولكن رضيت بأن تُضمم القوة التي جاءت معي من معان وهي مركبة من متطوعين نظاميين إلى القوة السيارة، وهي قوة فرسان كانت موجودة في شرق الأردن بقيادة الكبتن بيك وهو (الفريق بيك باشا أخيرًا) ورضوا بأن تكون معها بطارية جبلية وأن تتكيف من قوة درك في المناطق الثلاث: عجلون والبلقاء والكرك، هذا عدا قوة البوليس.
فدأب الكبتن بيك بصفته مفتش الجيش وساعده فؤاد بك سليم وعبد القادر باشا الجندي ومحمد علي بك العجلوني وغيرهم من حضرات الضباط العرب، وكانت هذه القوة جديرة بالإعجاب في سرعة تنظيمها وتدريبها وفي لباسها وسائر مقتضياتها.
ولقد قامت بواجبها أثناء حركة الكورة بسير جبريٍّ من الكرك إلى عجلون، فوصلت سيرًا على الأقدام في أربعين ساعة، وتمكنت من إرضاخ كليب الشريدة ومن معه وانصياعهم إلى القانون. ثم كانت موفقة أيضًا أثناء حركة البلقاء المعروفة وبعدها.
وفي عهد الكولونيل كوكس، يوم أن كان لورد بلومر مندوبًا ساميًا وكان المستر سايمس سكرتيرًا عامًّا، وبين يدي المعاهدة الأردنية الإنجليزية، أنقصت من قوة الجيش العربي قسم المدفعية وأنشئت قوة الحدود، وكانت هذه عملية غير متناسية بالنسبة للقرارات الأولى.
ثم تعين كلوب بك قائدًا لقوة البادية، بعد أن تحقق فعلًا عدم اقتدار قوة الحدود على أي شيء يودع إليها في نواحي البادية. فبنشاط كلوب بك وبالقابلية الحربية في البدو ظهرت قوة البادية بالشكل الموجب للفخر.
وبعد أن أُسندت قيادة الجيش للقائد الحاضر وحدوث الحرب الحاضرة وثبوت صداقة شرق الأردن وإخلاصنا لقولنا وعهدنا، توسع الجيش العربي الحاضر فأصبح مفخرة للبلاد، ولا ينقصه من الأسلحة الجديدة سوى قسم الطيران والمدفعية الثقيلة. وإن للفريق كلوب باشا الهمة والجهد المخلص في هذا الباب. فقد قام هذا الجيش إبان مضاعفات الحرب الحاضرة لعملية مهمة في العراق وبمساعدات قيمة أثناء طرد فرنسا الفيشية من سوريا.
يا صاحب السمو المعظم
الآن وقد رجع الفريق كلوب باشا وفرقة جيشكم العربي إلى عمان، بعد قضائهم ذلك الأمد القصير المظفر في العراق، أجد لزامًا عليَّ أن أسجل الشرف العظيم الذي تولاني بانضمامي إلى رجالكم البواسل في المعركة. وليس ذلك فحسب وإنما تقديري الشديد لعملهم الباهر كجنود.
إن أعمال قوة الجيش العربي الناجحة في اجتياز الصحراء في مقدمة خطوطنا الميكانيكية، وتدميرها لمواصلات العدو وقطعها السكك الحديدية، وصيانتها لمواصلات أحد خطوطنا المستقلة من الهجوم الخلفي، كل ذلك جعلني أقدر أياديها العسكرية العديدة حق التقدير.
إن تقدم تلك القوة وعزمها وبشاشة رجالها في شتى الأحوال بعثت في النفس أعظم السرور للانضمام إليها في ميدان المعركة.
فاسمحوا لي يا صاحب السمو أن أهنِّئ سموكم على الفعالية التي قامت بها هذه القوة الممتازة، وأملي الوحيد أن يسعدني الحظ فأنضم إليها وإلى قائدها الشهير في الأعمال الحربية المقبلة. ولي الشرف أن أبقى خادم سموكم المطيع عن قيادة قوات الحبانية: ١ حزيران ١٩٤١.
صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله — عمان
بمناسبة عودة قوة البادية من العراق أحب أن أبعث إلى سموكم بأحر تهانيَّ، على العمل الباهر الذي قاموا به لقيادة قائدهم وجميع الضباط والرجال في الواجب النبيل لاستعادة الحرية والحكومة الدستورية.
صاحب السمو المعظم أمير شرق الأردن
هل لي أن أعرب لسموكم عن تقديري وشكري، للخدمات القيمة الباسلة الممتازة التي قامت بها قوة البادية من الجيش العربي وقائدها في العمليات التي أنجزوها في العراق بمؤازرة الجيش البريطاني وسلاح الجو.
إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله المعظم — عمان
لقد قامت أمس قوة البادية الأردنية في السخنة بقيادة كلوب باشا، بأعظم عملية ناجحة؛ فقد أسرت ثمانين أسيرًا وست سيارات مصفحة واثني عشر متراليوزًا. فأقدم لسموكم تهانيَّ مشفوعة بكل احترام، على روح العمل وصفات القتال في قواتكم.
•••
صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين أمير شرق الأردن
يا صاحب السمو
بمناسبة الانتهاء الظافر للحرب في أوربا، أشعر بأنه من واجبي أن أقدم إلى سموكم بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن الجيش البريطاني في الشرق الأوسط تشكراتي الخالصة على الخدمات الجلّى التي قدمتها شرق الأردن والجيش العربي للقضية المتحدة.
إن البسالة والثبات اللذين أبداهما سموكم في السراء والضراء طيلة سني هذه الحرب الطويلة، كانتا محل إعجاب القادة البريطانيين في الشرق الأوسط.
إن موقف سموكم كان بدون ريب الملهم لجنودكم؛ وعندما كانت بريطانيا في سنة ١٩٤١ في موقفها الحرج، وقف الجيش العربي وقفة صادقة بجانب حلفائه البريطانيين. وقد قام جنود سموكم بدور هام في عمليات العراق وسوريا، ولولا مساعدتهم في عمليات العراق لكان من الممكن أن تتخذ هذه العمليات شكلًا آخر. وإنه لمما يؤسفني ويؤسف سموكم أيضًا كما أنا متأكد أن الفرصة لم تتح لجنود سموكم بالاشتراك في العمليات الحربية في أوربا. إن بقاء قواعد الشرق الأوسط في قبضة الحلفاء كان على كل حال عاملًا رئيسيًّا في كسب الحرب، وإن جنود سموكم في هذه السنوات الخمس قد لعبت دورها الهام في هذا الواجب الحيوي.
إن نظام الجيش العربي قد استوجب احترام القادة البريطانيين الذين كان هذا الجيش يعمل تحت إمرتهم. وقد كانت علاقاتهم بالجيوش البريطانية دائمًا علاقات الزمالة العسكرية المخلصة.
وإني أود أن أبين تقديري لموقف الصداقة والمساعدة الذي وقفته حكومة سموكم والشعب الأردني تجاه القوات البريطانية التي كانت في البلاد. وإني على يقين بأن روابط العطف والزمالة التي وجدت في وقت الحرب بين الجيش البريطاني والشعب الأردني ستستمران أثناء سنوات السلام التي نأمل أنها أمامنا.
لي الشرف أن أكون خادم سموكم المطيع.