سوريا
أليس من العجيب أن ترفض سوريا كل انتداب على أثر انتهاء الحرب العظمى الأولى، وتعلن وحدتها وتختار ملكها وتصر على مبدأها وتقاتل عنه، فتهاجم فيقضى عليها وتدار أمورها مدة ما بين الحربين بأيدٍ أجنبية وبوحي أجنبي، فتثور ثورتها المعروفة وتجاهد جهادها القويم، ثم تأتي اليوم تخالف ذلك المبدأ فترضى بالتجزئة وتسعى لإبقاء الحالة الراهنة كما هي، ضاربة بالشعور الماضي عرض الحائط تاركة ميثاقها القومي؟! تالله إن هذا لأمر عجيب!
إن التجزئة الحاضرة هي بعينها تطبيق عهد سايكس بيكو بعينه، زد على هذا الآن سعي إنكلترا لإحلال النظام الذي أخلَّت به فرنسا في سوريا باعتدائها الأخير. فبريطانيا التي تعلن أنها نصحت للجانبين السوري والفرنسي بأن يتساهلا فيتعاقدا على عهد يحفظ الوداد بينهما ويعطي سوريا استقلالها ويعطي فرنسا مركزها الممتاز، جاءت هي فكبلت أيدي الفرنسيين وحلت قيود الوطنيين واستولت بجيوشها على سوريا تديرها لتعيد النظام. وستظل كذا حتى المؤتمر الثلاثي وحتى تعاهد سوريا ولبنان فرنسا، ولا يعلم أحد متى وكيف يتم هذا.
يا قوم لا حياة لسوريا وهي مجزأة. يا قوم إن حياة الفرد قصيرة وإن حياة الأمم طويلة. يا قوم ألا تتعظوا بما هو واقع نصب أعينكم؟ لقد حرص هتلر على أن يكون أبرز شخصية في تاريخ البشر، فدعا أكبر أُمة في أوروبا ليقودها فاستقادت له فخر صريعًا في جداله الظالم وخرت صريعة معه، فلم يُغْنِ عنه حرصه شيئًا، ولم تُغْنِ عنه تلك الأمة العظيمة، لأن عمله عمل باغٍ ومسعاه لنفسه لا لأمته وشعبه.
يا قوم، أنتم الذين جئتم لإعادة الحياة البرلمانية إبان الحرب الحاضرة وفي وقت بعد فيه ميدان الحرب نوعًا ما عن الشرق الأوسط، فقبلتم ما عرض عليكم بحرص شخصي ورغبة ذاتية، لتحكموا فتأمروا وتنهوا متكئين على حراب معادية أُثبتت تحت أقدامكم، إن تحركتم عليها خرجت من رؤوسكم.
يا قوم، لِمَ تبوأتم مراكزكم قبل أن تضعوا أيديكم على ما هو لكم، ولقد نصحكم الناصحون حينذاك لقد خدعتم — يا قوم — أو تخادعتم، إنها يا قوم صفقة خاسرة. فيا هل ترى ماذا أنتم صانعون؟! إن لفرنسا حقًّا ممتازًا، تقول إنكلترا إنها لم تنكره، وتقولون أنتم لا تقبلونه، وأنتم والفرنسيس اليوم في قبضة إنكلترا التي اشترطت لخروج جيوشها ما يرفضه الجانبان.
يا قوم لا مخرج لكم اليوم من هذا المأزق بغير إعلان الوحدة وتنفيذها؛ فإن هذا العمل يجعل قضية بلاد الشام في يد جانبين: العرب أهل الحق، ودولتي الغرب إنكلترا القوية وفرنسا الخاسرة. وعالم اليوم ليس هو بعالم الأمس، والحق لصاحب الحق …