ونستون تشرشل وبريطانيا العظمى والعرب
أود أن أتكلم عن هذا الرجل الذي قام في الحربين بما يدهش العالم، وبالسياسة التي سار عليها في وزارة لويد جورج في القضية العربية يوم أن كان وزيرًا للمستعمرات.
ونستون تشرشل هو سعد بريطانيا وحظها ورجلها الفذ في العصر الأخير فقد قيض له أن ينجو بالمملكة المتحدة وبالإمبراطورية بما يشبه المعجزة.
لقد تحمل هذا الرجل عبء المسؤولية وهو يعلم ما عليه. لم يجهل تشرشل ما كانت عليه ألمانيا من استعداد عظيم مفاجئ، وما يكنه صدر كل ألماني من حقد على بريطانيا في الدرجة الأولى قبل سواها؛ ويعلم ما كانت عليه المملكة المتحدة من عدم استعداد جرته عليها الوزارات والبرلمانية البريطانية السابقة، منذ سقوط وزارة لويد جورج حتى وزارة تشمبرلن وكانت الحرب الأخيرة في عهدها.
ولكم حذر قومه من ألمانيا، وكم خطب، وكم أنب؛ فشاء الله القدير أن يقع هو تحت عبء ما حذر قومه منه، وينجو ببريطانيا وبالعالم على الشكل المعلوم، وبعد المحن والمشاق التي مرت على الإنكليز في هذه الحرب الضروس. ولكن لولا الإنكليز وإخلاص كل إنكليزي وإنكليزية لوطنهم وسعيهم، ماذا كان يستطيع أن يعمله تشرشل؟! فإنكلترا بلد كفء لتحمل كل ملمة وكل كارثة مفاجئة، وتشرشل أثبت أنه الكفؤ لقيادة هذه الأمة الوادعة، القاسية، المترفة، الناعمة، الشجاعة.
فإنكلترا وحدها، ورئيس وزرائها وحده، هما اللذان مثلا للعالم مثال الوطنية والصبر والجدال عن الحق، وبذل الأنفس والأموال لسلامة الوطن وعز القومية وصيانة الشرف؛ فحازت بريطانيا عن جدارة واستحقاق غار الظفر، وفاز تشرشل بالقيادة المشرفة لهذه الأمة.
إن في تراجع دنكرك مثال الشجاعة والصبر، وفي هجوم الأسطول البريطاني على وهران، وفي تدمير الأسطول الإيطالي في معقله، وفي عمل ويفل وهزيمة غرازياني، وفي القضاء على الجيوش الإيطالية في الحبشة والإرتريا، وفي الاستعدادات في بريطانيا لتلقي الغزو الألماني، وفي شجاعة وتضحية سلاح الطيران الملكي في الدفاع عن بريطانيا، وفي الهجوم على الأعداء في كل محل، ما يثير الإعجاب والدهشة؛ مع أن هذه الأعمال المجيدة ليست في ميدان واحد، بل هي واقعة في ميادين مترامية متناثرة في بحار الله وأرضه، تلطم أعداءها حيث تراهم، وفي حيث تجدهم، بشجاعة وتمكين متزايدين.
تالله إنها لمن المعجزات المحيرات، وإن في وقوف بريطانيا تقاتل المحور البطاش وحدها قبل أن تدخل أمريكا الحرب باعتداء اليابان عليها، وقبل أن يحارب هتلر روسيا، القول الفصل لمن يقول كلمة الحق عن إنكلترا ورئيس وزارتها. وما ثنى عنان الغزو الألماني إلى روسيا إلا عنف الدفاع في بريطانيا، وظن الزعيم الألماني أن المخرج في روسيا؛ وما النصر إلا من عند الله.
ومستر تشرشل هو الذي حضني على أن أسعى لأخي فيصل في أن يكون ملكًا على العراق، فأحل في شرق الأردن وأعمل بالحسنى لاستعداد وحدة سوريا؛ وهو الذي سعى كل السعي في أن يحل الوئام محل الخصام بين الوالد المرحوم وابن سعود. وإنني في هذه الكلمة أطوي شعوري عن الزعيم وهذه الأمة التي تتعامل مع العرب.
فيا أيها العرب! اعلموا أن في مصاحبة إنكلترا وجوب الاستعداد وفي مخالفتها ما عجزت عنه الأمم الكبار، وحاذروا. فإن إنكلترا لا تقيم لأحد وزنًا إن لم يكن كفؤًا، وإنكلترا لا تصاحب الكذوب ولا الجبان ولا النوام، وإنكلترا لا تبني سياستها على العاطفة ولا على ما قدم لها من مساعدة في حلف ما أو حرب ما، بل إنكلترا أمة المثابرة والدوام، تحترم القوي وتحب أن تضمه إليها، وتكره التخاذل وتبتعد عنه. فكونوا أقوياء حذرين أوفياء يقظين، تكن معكم بريطانيا وتوليكم اعتمادها.
وأخيرًا تحياتي وإعجابي وأحسن تمنياتي لبريطانيا ومليكها ولزعيمها تشرشل.