رحلة إلى مدينة غامضة!
وصلت الشياطينَ برقيةٌ عاجلةٌ: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»، انتظروا رسالةً بعد نصف ساعة.»
وكان «أحمد» في حجرته عندما تلقَّى هذه الإشارة، وكان بقية الشياطين في مدينة «ليما» يشاهدون معالمها، بعد تلك الرحلة الطويلة الشاقة، وانتهاء مغامرتهم مع الرجل الخفي … أخرج «أحمد» خريطةً لجمهورية «بيرو»، وفردها أمامه، ثم جرت أصابعه على جبالها حتى وقفت عند قمة جبال «الأنديز»، حيث تقع قمة «كوزكو» العالية.
طرق الباب بهدوء، وسمع «أحمد» أصوات الشياطين يتحدثون.
دخل «خالد» أولًا، ثم «هدى» و«باسم». قال «خالد»: لقد كانت رحلةً طيبةً في أرجاء «ليما».
قال «أحمد»: وصلت برقيةٌ من رقم «صفر»، الاجتماع بعد نصف ساعة لنتلقَّى منه رسالة، لعل لها علاقةً بالرجل الخفي، فهذه المغامرة لم تنتهِ بعد … ولعل لهذه البرقية عَلاقةً ما توضح سرَّ اختفاء الرجال النابهين الذين لم نكشف سرَّهم بعد.
عاد الشياطين، والتفُّوا حول «أحمد» الذي ترك الخريطة، وبدأ يستعد لاستقبال الرسالة من رقم «صفر» والتي منها تبدأ المغامرة الجديدة … ومن جهاز الاستقبال، ثم أُضيئت لمبةٌ حمراء، وكان هذا يعني: استعدُّوا، فقد بدأت الرسالة.
ركَّز الشياطين أعينهم على الكلمات التي بدأت تظهر، وكانت الرسالة: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» … إنَّ مهمتكم الجديدة هي اكتشاف سر ذلك الذي يدور داخل تلك المدينة الأسطورية «ماهشوبيكشو».»
توقَّف الجهاز لحظةً، نظر الشياطين إلى بعضهم، وكانت أفكارهم تدور حول الرجل الخفي، وهل تكون له عَلاقةٌ بتلك المدينة؟
أُضيئت اللمبة الحمراء، ثم بدأت تكملة الرسالة: «إنَّ مدينة «ماهشوبيكشو» مثيرة حقًّا، وهي تقع في جبال «الأنديز»، حيث كانت توجد إمبراطورية الإنكا القديمة … وقد عاشت هذه الإمبراطورية منعزلةً تمامًا عن العالم، ولم يكن يصل إلينا عبر هذا التاريخ الطويل — الذي يرجع إلى مئات السنين — سوى حكايات متناثرة عنها … وجماعة الإنكا القديمة لم تكن لهم لغةٌ مكتوبة، وربما هذا ما جعل أخبارها تتضاءل، وآثارها تُصبح لُغزًا!»
توقفت الرسالة، فنظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «خالد»: هل حدث شيء؟
أحمد: لا شيء …
أضاءت اللمبة الحمراء، فتنفَّس «خالد» بعمق، ونظر إلى «أحمد» مبتسمًا، وجاءت بقية الرسالة: «إن المعلومات لدينا تقول: إن سكان «ماهشوبيكشو» لم يزد عددهم على ألف نسمة، وإن عدد بيوتها لم يزد على مائتين، وكان يعزِّز الحصونَ الداخلية للمدينة سورٌ خارجيٌّ، وآخرُ داخليٌّ وخندقٌ جاف، وتوحي هذه الحماية المتقنة بأن هذه المدينة كانت قاعدةً هامة للإمبراطورية.»
توقف الجهاز مرةً أخرى، لكن فترة توقُّفه لم تزد كثيرًا، فقد جاءت الرسالة بسرعة تقول: «انتظروا رسالةً أخرى!»
أطفئت اللمبة الحمراء، كانت حالة من الصمت تلف الشياطين.
قال «أحمد»: لعله الرجل الخفي فعلًا!
قالت «هدى»: بالتأكيد، هؤلاء الرجال النوابغ الذين اختفَوْا، لعلهم بقايا تلك الإمبراطورية المثيرة.
باسم: لكن، ماذا يريدون؟
أحمد: إننا حتى الآن لم نتأكد من شيء، وربما تكون بقية الرسالة هي المفتاح.
لم يطل انتظارهم طويلًا، فقد أُضيئت اللمبة الحمراء، وجاءت بقيةُ الرسالة: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»، إنَّ مهمتكم الجديدة المتعلقة بمدينة «ماهشوبيكشو» ترتبط بهؤلاء الرجال الذين كانوا يختفون من كل مكان في العالَم، لقد تجمَّعوا في المدينة، لكنْ لا أحدَ يدري لماذا، وهذه مهمتكم. إنكم لا تعرفون تفاصيل المدينة من الداخل. والمعلومات التي وصلتنا هي: «إن الطريق الرئيسي الذي يؤدِّي إلى المدينة، وطوله ستة كيلومترات ضيقٌ جدًّا، وبه انحناءة خطيرة، فهو يمرُّ من سطح جبال «الأنديز» حتى قمتها، حيث يقطع المدينة التي تقع عند قمة الجبل. وأنتم تستطيعون الركوب من مدينة «ليما»، وخلال ساعتين تصلون إلى مشارف المدينة.»» صمت رقم «صفر» قليلًا، ثم قال: «الآن، يمكن أن تبدءوا عملكم. فإذا جاءتنا معلومات أخرى، فسوف نرسلها لكم، إلى اللقاء.»
عندما أُطفئت اللمبة الحمراء، قام «أحمد» إلى النافذة يُطِلُّ منها، ها هي المغامرة قد بدأت.
قالت «هدى»: ما رأيكم في كوب شاي؟
باسم: أعتقد أنه ضروريٌّ الآن.
خالد: نعم، نحن في حاجة إلى لحظة هدوء.
خرجت «هدى» لطلب الشاي، في نفس الوقت الذي استغرق فيه الشياطين في التفكير، وكان «أحمد» لا يزال يقف عند النافذة، يرقب حركة الشارع في هذه الساعة المبكرة من الليل، تقدَّم «خالد» إليه ثم قال: بدأت الحركة تهدأ.
نظر له «أحمد» مبتسمًا وقال: بل إنها بدأت في النشاط.
فهم «خالد» ماذا يعني «أحمد»، فابتسم قائلًا: إنني لا أقصد حركتنا، أقصد حركة الشارع!
ابتسم «أحمد» وقال: نحن في حاجة إلى اجتماع سريع … ثم أخذ طريقه إلى مقعده، وجاءت «هدى» بالشاي فقدَّمته لهم، وقال «خالد»: أظن أننا في حاجة إلى الحركة إلى حيث المغامرة.
شرب الشياطين الشاي في هدوء، لم يكن أحد منهم ينطق بكلمة، ولم يكن يسمع سوى صوت رشفات الشاي … عندما انتهَوْا من شرب الشاي، قال «أحمد»: ينبغي أن ننام مبكرًا؛ حتى نبدأَ عملَنا في الصباح، إننا سوف نصل إلى مدينة مجهولة.
أخذ كلٌّ من الشياطين طريقه إلى حجرته، وعندما أطفأ «أحمد» نور الحجرة لينام، كان ضوء الشارع يُضفي على الحجرة إضاءةً خافتةً، جعلته يشرد قليلًا … كان يُفكِّر في تلك المدينة الأسطورية، ثم تذكر كتاب «التاريخ القديم للعالم»، الذي رآه في يد الرجل الخفي … فكَّر «أحمد»؛ لو أنه استطاع العثور على هذا الكتاب فإنه سوف يعرف الكثير عن هذه المدينة الغريبة وشعبها. وفي النهاية، كان سيعرف سرَّ هؤلاء الرجال.
كان النوم قد بدأ يتسلل إليه، تثاءب، ثم سحب الغطاء واستغرق في النوم.
كان الوقت مبكرًا تمامًا عندما استغرق الشياطين في النوم، لكنهم أيضًا وفي وقت مبكر تمامًا كانوا قد استيقظوا وفي نشاط ارتدَوْا ثيابهم، ثم التقوا في حجرة «أحمد» … قال «باسم»: لقد نمت نومًا يكفيني لعشرة أيام.
قالت «هدى»: لقد نمت نومًا مضطربًا، ولا أدري لماذا!
ضحك الجميع، ثم نزلوا إلى المطعم حيث تناولوا إفطارهم ولم تمضِ نصف ساعة حتى كانوا يأخذون طريقهم إلى الخارج.
أخذ الشياطين طريقهم إلى محطة «ليما» حيث استقلُّوا القطار إلى مدينة «لاباز»، التي تقع في جبال «الأنديز» … كان الطريق طويلًا يصل إلى ٨٠٠ ميل، ورغم أن هناك خطوطًا للطيران، إلا أن الشياطين فضَّلوا القطار؛ لأنه يعطيهم فرصة رصد المنطقة التي سوف يتحركون داخلها، بجوار أنه يعطيهم فرصة للتفكير أكثر، وكانت عجلات القطار بصوتها الرتيب تُعطي فرصة لكل منهم أن يفكِّر في هدوء؛ ولذلك فإن الصمت خيَّم عليهم جميعًا في مقاعدهم المتقابلة، وكان أمامهم رجل يقرأ صحيفة الصباح، ولم يكن وجهه يظهر تمامًا، وعندما أنزل الصحيفة تلاقت أعين الشياطين، فقد كان الرجل طويل القامة بشكل لافت للنظر، أسمر اللون، يبدو شاردًا، أو حزينًا …
نظر الرجل إليهم، فقد لفتت حركة التقاء أعينهم نظره، وحاول الرجل أن يبتسم، ثم ترك مكانه وترك فيه الصحيفة أيضًا … انتظر الشياطين قليلًا حتى اختفى الرجل، كانت المقصورة التي يجلسون فيها تتسع لستة أشخاص، غير أنه لم يكن معهم آخر … وقف «باسم» يرقب الرجل الذي أخذ طريقه مبتعدًا عنهم حتى دخل مقصورته في نهاية عربة القطار … التفت «باسم» إلى الشياطين وقال: لقد دخل في آخر مقصورة.
قال «أحمد»: ألا ترون أنه تصرَّف بطريقة مكشوفة! «خالد»: أعتقد ذلك.
هدى: ينبغي أن نتبعه.
أحمد: إننا لا نعرف المحطة التي سوف ينزل فيها! فقد ينزل في غير محطته؛ حتى لا ينكشف.
باسم: ألا ترون أننا ذهبنا بعيدًا، إن الرجال في «بيرو» لهم هذه الملامح. لماذا لا يكون رجلًا عاديًّا؟
أحمد: لا أظن … إن تصرُّفَه قد يكون تأكيدًا على أنه واحد منهم!
صمت الشياطين قليلًا؛ كان كلٌّ منهم يُفكِّر في طريقة. في النهاية قالت «هدى»: أعتقد أنه ينبغي أن يراقبه أحدنا …
أخرج «أحمد» خريطةً من جيبه ثم بسطها أمام الشياطين، وكانت الخريطة لجمهورية «بيرو»، ثم قال: إن كل واحد منا معه هذه الخريطة. ثم أشار بيده إلى الخط الحديدي الواضح على الخريطة، وقال: هنا في نهاية الخط مدينة «كوزكو». ثم أشار إلى رقم في قلب الخريطة، وقال: هذه بعض المعلومات عن مدينة «كوزكو».
أخذ يقرأ لهم ما هو مكتوب، وكانت المعلومات تشير إلى أماكن الفنادق والمطاعم في المدينة، وأقسام الشرطة، والإسعاف. أخيرًا قال: سوف ننزل في فندق «بونو»، والآن ينبغي أن نقسم أنفسنا، فالقطار يهدِّئ سرعتَه، وهذا يعني أنه يقترب من محطة ما!
كان القطار يُطلق صَفَّارته، وكأنه يُعلن عن وصوله.
قال «أحمد»: سوف أنزل أنا و«باسم» إذا نزل الرجل … و«خالد» و«هدى» يستمران إلى «كوزكو» … وينزلان في الفندق الذي اتفقنا عليه.
طوى «أحمد» الخريطة ثم وقف، فوقف «باسم». قال «أحمد»: إلى اللقاء.
ثم خرج، فخرج خلفه «باسم»، وأخذا طريقهما في اتجاه مقصورة الرجل، لكنهما لم يصلا إليها، فقد توقفا عند باب الخروج، وأبطأ القطار أكثر فأكثر، وشاهد «أحمد» — على رصيف المحطة الذي بدا — مسافرين كثيرين يحملون أمتعتهم، بينما كان «باسم» يُراقب مقصورة الرجل.
توقَّف القطار، وبدأ الركاب يدخلون القطار، والبعض الآخر ينزل، لكن الرجل لم يظهر من مقصورته.
بدأ القطار يتحرك حركة بطيئة، ويُطلق صَفَّارته التي يعلن بها عن رحيله … وفجأة ظهر الرجل على باب المقصورة، لكنه لم يتجه إلى باب النزول، فقد اتجه إلى بوفيه القطار.
نظر «باسم» إلى «أحمد»، وأخبره بخط سير الرجل، فقال «أحمد»: ربما انتقل إلى عربة أخرى، عن طريق ذلك الممر الصغير، الذي يربط العربات ببعضها. فقال «باسم»: فلنذهب إلى البوفيه. أخذا طريقهما إلى البوفيه. كانت سرعة القطار قد ازدادت، حتى أصبح من الصعب النزول من القطار، كان الرجل لا يزال يتقدَّم، ومن بعيد كان «أحمد» و«باسم» خلفه، يقتربان من عربة البوفيه، ودخل الرجل العربة، فأسرع الاثنان خلفه، وكان الممر خاليًا تمامًا، وكانت مقصورات القطار مغلقة.
دخلا البوفيه ولكنهما لم يجدا الرجل، ظلَّا يبحثان بأعينهما عنه في كل مكان، بلا جدوى، قال «باسم»: لقد اختفى! … إنه رجلٌ آخر منهم!
لم يردَّ «أحمد»؛ كان يفكر بسرعة، وأسرع في مشيته بين الركاب الذين كانوا يملئون البوفيه، كان الباب الآخر للعربة قريبًا، فاقترب «أحمد» منه وخلفه «باسم» … كان «أحمد» يفكر هل يستطيع الرجل أن يقفز من القطار وهو على هذه السرعة؟
وفجأة … أصبح واضحًا أنهما قد يبدآن معركة مباشرة.