وفهم «باسم» معنى الطلقات!
بدأ المسجل يُسجِّل معنى الكلمات، ومعنى مفردات اللغة العربية، وعندما انتهى، كانت نهاية الرسالة: «الرجال يشكُّون فيكم. تصرفوا بسرعة!»
انتهت الرسالة، فقال «باسم»: ينبغي أن نتصرف بسرعة فعلًا …
تحسَّس الجدار القريب منه، ثم أخرج خنجرين من ملابسه، ودقَّ أحدَهما في الحائط، ثم بدأ يصعد … كان يغرز الخنجر حتى إذا ارتفع جسمه، غرز الآخر أعلى قليلًا … وهكذا ظلَّ يصعد ويصعد حتى أصبح عند قمة الجدار، فجلس فوقه وأشار ﻟ «أحمد»، كان «أحمد» يراه بعيدًا … أخرج خنجريه، ثم بدأ يصعد على طريقة «باسم» حتى أصبح بجواره … نظر الاثنان، لم يكن هناك ما يُنبئ عن شيء وكما صعدا، نزلا خارج السجن … وعندما استقرا على الأرض، أخذا طريقهما في نفس الاتجاه الذي جاءا منه مع السائق … كانت الصخور حولهما في كل اتجاه، لكن … كانت طرقات ضيقة تظهر تحت ضوء القمر. قال «باسم»: هيَّا نصعد أحد هذه الجبال … فربما دلتنا على شيء.
بدآ يصعدان أحد الجبال، حتى اقتربا من قمته … لكن فجأة انقضَّ عليهما جسم بشري ثقيل، أطاح بهما في الهواء … وعندما استقر «أحمد» في منطقة قريبة، شاهد عملاقًا أسود، يطير في الهواء ويضرب «باسم» بقدمه … جرى «أحمد» وطار في الهواء حتى نزل فوق العملاق الذي كان «باسم» قد أمسك بقدمه … ضربه «أحمد» ضربة قوية، وعاجله «باسم» بضربة أخرى … لكن لم تمضِ لحظة حتى كان الجبل قد أضاء … كان الضوء يزحف بما يعني أن هناك قادمًا في الطريق … زحف الاثنان حتى اختفيا خلف صخرة وانتظرا، حتى اقترب صوت القادمين أكثر، ثم بدأت أشباحهم تظهر، كانوا أربعةً … اقتربوا حتى التفُّوا حول العملاق الواقع على الأرض … أدهش «أحمد» أنهم بدءوا يتشمَّمون الهواء، ثم يتجهون إلى نفس الاتجاه الذي يختفي فيه الشياطين … زحف الاثنان من خلف الصخرة، في اتجاه مختلف، غير أن الرجال الأربعة غيَّروا اتجاههم أيضًا. لقد كانوا يعتمدون على حاسة الشم. بدا واضحًا للشياطين أنهم سيقعون في أيديهم، فوقفا في مكانهما، وأخرج «أحمد» إبرة مخدرة ثم أطلقها من مسدسه، وفعل «باسم» نفس الشيء … لحظة، ثم سقط اثنان منهما. وقفا الآخران ينظران حولهما في دهشة وارتفعا بقامتيهما، وتنفسا بعمق، ثم انطلقا في سرعة مجنونة في اتجاه الشياطين …
دارت معركة بين «أحمد» وباسم والرجلين، استطاع «أحمد» أن يتخلص من غريمه، واستدار ليجد الرجل الثاني يضرب «باسم» بوحشية فاتَّجه نحوه، ولكن فجأةً … وصلت إلى أذنيه صرخاتٌ وكلماتٌ، فأخرج مسدسه بسرعة، ثم أطلق إبرةً مخدرةً جعلت الرجل يسقط مغشيًّا عليه …
اقتربت الأصوات أكثر … كانوا يقولون: لا بد أنها عصابةٌ ضخمةٌ! الويل لهم …
فكَّر «أحمد» بسرعة، هل يقف مكانه، أم يحاول الهرب مؤقتًا، حتى يمكن أن يستدعيَ «خالد» و«هدى»، وأسرع في اتجاه «باسم» الذي كانت الدماء تسيل من رأسه، وقد فقد وعيه … حاول أن يُفيقه، إلَّا أن «باسم» لم يتحرك، في نفس الوقت الذي كانت الأصوات تقترب منه أكثر … قال في نفسه: «هل من الخير أن يجدوا «باسم»، وأن يكون بينهم» … في تلك اللحظة، تألم «باسم» بصوت مسموع، هزَّه «أحمد» ففتح عينيه المتعبتين، وقال: أين أنا؟
أحمد: قم بسرعة … إننا قد نضيع لو تأخرنا لحظة …
نظر «باسم» حواليه، وبدأ يدرك كلَّ شيء … قال «أحمد»: إنهم يقتربون منا تمامًا …
أسرع «أحمد» و«باسم» بالجري مختفين تحت صخرة مرتفعة. كانت الأصوات تبتعد وتبتعد، ولم يكن أيهما يدري أين هو الآن، ولا إلى أين هو ذاهب، لكنهما في النهاية كانا يريدان الهرب مؤقتًا، أمام ذلك الجمع الضخم الذي جاء يطاردهما.
قال «أحمد»: يجب أن نبتعد نهائيًّا … فإنهم يعتمدون على حاسة الشم، ويبدو أنها قويةٌ تمامًا …
ظلَّا يجريان ليبتعدا، ثم تسلَّقا جبلًا … وبرغم إجهاد «باسم» إلا أنه كان يتحمل الصخور المدببة التي كان يدوس عليها، حتى إن حذاءه لم يكن يفيد كثيرًا … ظلَّا يصعدان الجبل حتى وصلا إلى قمته … كان القمر قد أصبح في منتصف السماء، فيغطي ضوءُه كلَّ شيء، ومن بعيد شاهدا الجمع يحمل المصابين … ابتسم «أحمد» وقال: معركة طيبة … انتصرنا فيها …
قال «باسم»: لكن الإصابة كانت قوية …
أحمد: لا بأس. لا توجد معركة بلا خسائر …
ابتسم الاثنان، وبدءا ينزلان، غير أنهما شعرا بالتعب فجأةً، فقد سارا كثيرًا، وأنهكهما الصراع … ظلَّا يبحثان عن مكان يأويان إليه، حتى وجدا كهفًا أسفل أحد الجبال قال «باسم»: أعتقد أننا يمكن أن نقضيَ بعض الليل هُنا …
أحمد: لا بأس. فنحن متعبون جدًّا …
دخلا الكهف، وما إن أصبحا في منتصفه، حتى ألقى «باسم» بنفسه على الأرض، كان يتألم، فسأله «أحمد»: هل تشعر بألم حاد؟
باسم: إنني متعبٌ فقط، بجوار أنني أشعر بصداع رهيب …
أخرج «أحمد» من جيبه زجاجة صغيرة، ثم دهن جبهة «باسم» بدهان نفاذ الرائحة، جعلته يشعر ببعض التحسُّن.
قال «باسم»: أعطني حجرًا أضعه تحت رأسي، فإنني لا أستطيع النوم بلا وسادة …
ابتسم «أحمد» في ظلام الكهف، وقال: يبدو أن الوسادة جافة قليلًا …
ابتسم «باسم» ثم استغرق في النوم مباشرةً … نظر له «أحمد» قليلًا، كانت الدماء الجافة تغطِّي شعره، وكان يبدو حزينًا، حتى وهو نائم …
فكر «أحمد» قليلًا، ثم أخرج جهاز إرساله، وبدأ يُرسل رسالةً إلى «خالد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» هل أنتما بخير؟ …»
بعد قليل … جاءه الرد: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، نعم … أين أنتما؟»
أرسل «أحمد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، اتركا الفندق إلى آخر بسرعة وقبل أن يطلع النهار!»
أجاب «خالد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، لماذا؟»
أرسل «أحمد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» سوف نتحدث فيما بعد!»
قال «خالد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»، عُلِم، وسوف ننفذ.»
أخفى «أحمد» الجهاز، ثم استلقى بجوار باب الكهف كان ضوء القمر يضيء الأشياء في الخارج، وكانت بعض النباتات الجبلية تنبت قريبًا. أزهار صغيرة لها ألوان متعددة بعثت الراحة في نفسه. ظل يرقبها، حتى استغرق في النوم.
مرَّت ساعات … ثم استيقظ «أحمد» فجأةً … كانت هناك أصواتٌ تقترب، ركَّز سمعه عليها، تأكد أنها فعلًا أصوات لبعض الرجال. قال في نفسه: إنهم يبحثون عنَّا.
فكَّر قليلًا: هل أُوقظ «باسم»؟ أم أتركه نائمًا، وأبدأ معهم لعبة؟ …
زحف حتى خرج من الكهف، ثم توقَّف قليلًا … كانت الأصوات تقترب … أسرع إلى صخرة مرتفعة فأبصرهم … وفي لمح البصر، أبصر واحدًا من بينهم يُشير في اتجاهه … ابتسم وقال في نفسه: «هذا ما أريده بالضبط» … ظلَّ واقفًا في مكانه. فجأة، دوَّت طلقةٌ ناريةٌ مرَّت بجواره، فألقى بنفسه على الأرض، ثم زحف مبتعدًا … كانت الأصوات تقترب، وتصبح ضجيجًا. ظهر مرة أخرى، ثم جرى في الاتجاه المعاكس للكهف. رآهم يتبعونه. ظل يجري، وهم خلفه. كان يفكِّر وهو يجري: ألا توجد كلاب في المنطقة؟! … ألا يوجد لديهم أي حيوان مطارد …
كانت الأصوات تقترب … اختفى خلف صخرة، وانتظر، أخذ يستمع إلى الأصوات، ثم سمع أحدهم يصيح: لا بد أنه شيطان … ها هو في الجانب الآخر!
دوَّت طلقات الرَّصاص في الفضاء … فكَّر: هل ظهر «باسم»؟ بدأ يرفع رأسه في حذر، حتى أصبح يقف نصف وقفة، ومن بعيد شاهد «باسم» فوق صخرة مرتفعة، لكنه اختفى مباشرة، عرف أن «باسم» قد استيقظ على صياحهم، وأنه تصرَّف التصرُّف الصحيح …
«كان لا بُدَّ من تصرف سريع، قبل أن يقع أحدنا في أيدي هؤلاء الرجال». أخرج مسدسه، ثم أطلق طلقة ضوئية خضراء، أضاءت الجبل، فوقف الرجال ينظرون للضوء الأخضر، وهم يصرخون: إنهم شياطين حقًّا!
وابتسم ابتسامةً هادئةً … ثم أطلق عدة طلقات متتالية، لم يفهمها الرجال … ولكن «باسم» فهم ما يعنيه «أحمد».