زعيم الإنكا … يصل!
كانت الطلقات تعني: «الاتجاه إلى الشرق» … ولذلك، فقد أطلق «أحمد» طلقةً أخيرةً في اتجاه الشرق … اختفى الاثنان، وأخذا طريقهما إلى حيث الاتفاق …
كانت الطلقات التي تتالت قد أصابت الرجال بالذعر، فوقفوا لا يدرون ماذا يفعلون، في نفس الوقت الذي كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى الشرق …
بدأ القمر يختفي، وبدأ ظلام ما قبل الفجر يحطُّ على الأشياء … وكانت برودة خفيفة قد بدأت تهز «باسم»، وبرغم التعب فقد ظلَّ يجري حتى يشعر بالدفء. وشيئًا فشيئًا، أخذ ضوء الفجر يظهر … ومن بعيد، لمح «باسم» «أحمد» يأخذ طريقه إلى نفس النقطة التي فكَّر فيها … ولم تمضِ ساعة، حتى ظهرت الشمس، وبدأت تُرسل أشعتها لتدفئ الكون …
مضت نصف ساعة … قبل أن يُصبح «باسم» و«أحمد» وجهًا لوجه … كانا قد اقتربا من نهر صغير ينبع من قمة الجبل، وينساب في تعرُّجات هادئة إلى أسفل … نظرا لبعضهما، ثم ابتسما، وألقيا بنفسيهما على العشب الأخضر الذي لا يزال مبلَّلًا بالندى، زحف «أحمد» إلى النهر، حتى أصبح على شاطئه، ثم ألقى برأسه في المياه الباردة … شعر بالانتشاء، فرفع رأسه إلى «باسم»، وقال مداعبًا: صباح الخير أيها السيد «باسم» …
قال «باسم» مبتسمًا: صباح الخير أيها السيد «أحمد» …
أحمد: هل تجرب ماء النهر؟
ذهب «باسم» يغسل وجهه وشعره … ظل «أحمد» يرقبه مبتسمًا في هدوء … التفت «باسم» فرأى «أحمد» يرقبه، فابتسم. ومرة أخرى ألقى «أحمد» برأسه في مياه النهر، التي أصبحت دافئة بفعل حرارة الشمس، وغسل شعره ووجهه، ثم وقف في نشاط …
قال «باسم»: إن علينا أن نحضُر اجتماع الليلة …
أحمد: هذا ما أفكِّر فيه.
رد «باسم»: هل تشعر بالجوع؟
أحمد: نعم، غير أن معي غذاء!
نظر له «باسم» لحظة، ثم قال: من أين؟
أخرج «أحمد» بعض الحبوب الطبية، وقال: هذا غذاؤنا!
قال «باسم»: لا بأس. إنه إفطار طبي لا يضر …
تناول «باسم» حبتين ابتلعهما مع بعض الماء. ثم سأل: والآن ما هي خطتنا؟ …
أجاب «أحمد»: يجب أن نذهب إليهم. يمكن أن نقطع طريقنا على مهل، حتى نصل إلى هناك …
بدأت رحلة العودة … كانا يشعران بالنشاط، وإن كانت حرارة الشمس تشتدُّ مع مرور الوقت، وعندما أصبحت الشمس في منتصف السماء، جلسا في ظل صخرة، وأخرج «أحمد» جهاز الإرسال، وبدأ يرسل رسالةً إلى «خالد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س». أين أنتما؟»
انتظر الرد، غير أن جهاز الاستقبال لم يستقبل شيئًا … علت الدهشة وجه «أحمد»، لاحظ «باسم» ذلك، وقال «أحمد»: لا بد أن شيئًا قد حدث!
باسم: ماذا؟
أحمد: إن «خالد» لا يرد!
أسرع «أحمد» إلى جهاز الإرسال، يرسل رسالةً سريعة إلى رقم «صفر»: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»، «خالد» لا يرد!»
جاء رد رقم «صفر»: «أليس معكم؟»
أخبر «أحمد» رقم «صفر» بما حدث، وأجاب رقم «صفر»: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» سنعيد الاتصال بكما …»
استغرق «أحمد» في التفكير، ثم قال ﻟ «باسم» وهو يستعد للنهوض: يجب أن نستمرَّ بسرعة … فوقف «باسم» وبدآ يتقدمان …
عند العصر، كانا يقفان على مشارف مدينة «ماهشوبيكشو»، ورأى الشياطين أسفل المدينة التي تقع على قمة جبل، مجموعة تضم حوالي مائة من الشرفات الحجرية التي بُنيت بطريقة جميلة، يبلغ طول كل منها عشرات الأمتار، وبعدها مزرعة هائلة على سفح التل، تمتد حتى الأفق، وفيما وراء الشرفات كانت هناك عجائبُ أخرى، ما زالت أجزاء منها مختفية تحت الأرض. وحول «ماهشوبيكشو» صفٌّ من الأسوار المخروطية الرائعة، وهناك أكثر من مائة طريق صغير، والشارع الرئيسي يقود إلى بداية المدينة، ويمر بعشرات المنازل. أما الشوارع الجانبية فتتفرع على مستويات مختلفة، وبعض هذه الشوارع التي تتألف من ست أو ثماني أو عشر درجات، تؤدي إلى المنازل التي نُحتت من كتلة واحدة من الجرانيت، وهناك مجموعة ضخمة من نافورات المياه التي صنعت ببراعة لتجلب الماء من قمة الجبل … كان المنظر رائعًا … حتى إن «أحمد» و«باسم» وقفا صامتين يرقبان تلك المدينة الأسطورية …
لم تكن هناك حركةٌ تُنبئ عن شيء … لم يكن فيها إنسانٌ يمشي، وكأنها مدينة للأشباح، أو كأنها مدينة مهجورة، وكأن ما حدث بالأمس لم يكن سوى حلم من الأحلام. نظر الاثنان لبعضهما … وقال «أحمد»: كم هي رائعة مدينة «ماهشوبيكشو» وكم تُخفي من أسرار!
لم يكد «أحمد» يُنهي جملته، حتى شاهد مجموعة من الرجال تأخذ طريقها إلى المدينة …
نزل الاثنان عن القمة المرتفعة التي يقفان خلفها، وأخذا طريقهما إلى المدينة … قال «أحمد»: من الضروري أن يكون الاجتماع داخل المدينة، وليس خارجها …
ظلَّا في طريقهما في اتجاه المدينة على حذر، وعندما وقفا عند إحدى بواباتها الصخرية، قال «أحمد»: ينبغي أن نبقى هنا حتى يحل الليل …
ظلوا يرقبون الطبيعة الرائعة حولهما … ولم تمضِ لحظات حتى سمعا أصواتًا تمر قريبة منهما، ثم بدأت الكلمات تسمع: إنني أشمُّ رائحةً غريبةً هنا! …
نظر «أحمد» إلى «باسم» الذي همس: «ينبغي أن ندعك أنفسنا بالعشب، إنه الرائحة الطبيعية هنا!» بسرعة … بدآ يجمعان الأعشاب ويدعكان بها ملابسهما، ووجههما وأيديهما، ثم استقرَّا قرب البوابة … مرت جماعةٌ أخرى، وسمعا جملة من أحدهم: من الضروري أن يظهرا! … إننا قبضنا على الآخرين …
نظر «باسم» إلى «أحمد» الذي قال: لقد توقعت ذلك … يبدو أنهم قبضوا على «هدى» و«خالد» في الليل، قبل أن يغادرا الفندق!
باسم: لا بأس. وهما لا يستطيعان أن يتصرفا قبل أن يعرفا كل شيء عنا … ولا أظن أن «خالد» أو «هدى» يمكن أن يفعلا ذلك …
صمت الاثنان … بدأت عتمة الليل تزحف، أصبح الليل حالكًا، ثم ظهرت المشاعل داخل المدينة. كان المنظر لا ينسى ومجموعات المشاعل الضخمة تُضيء ساحة المدينة التي كانا يريانها من خلال البوابة المفتوحة …
كان هناك بعض الحرَّاس حول بوابة المدينة … دار «أحمد» و«باسم» بعيدًا عن البوابة، وبدآ يبحثان عن مكان يمكن أن يدخلا من خلاله. فقد كان السور عاليًا جدًّا. قال «باسم»: طريقة الخنجر!
ابتسم «أحمد» وبدآ يتسلقان السور بطريقة الخناجر كما فعلا في السجن الحجري … وعندما أصبحا عند قمة السور، شاهدا الساحة ممتلئةً بالرجال، ومن بينهم، عرفا «هام» و«جاكو» و«كيلاك» …
كان من الصعب عليهما أن ينزلا الآن وسط هذه الأضواء الساطعة … وفكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: هل لديك فكرة ما؟
لم يجب «باسم» ومرت لحظات صامتة بينهما. قال «باسم» فجأة: هيا نعود. يجب أن ندخل المدينة من منطقة مظلمة …
نزل الاثنان بسرعة، ثم أسرعا في الدوران حول السور، كانت كل الأماكن مضاءة … قال «باسم»: ينبغي أن نشتبك مع الحراس، هذه هي الطريقة الوحيدة.
أسرعا في الجري مرةً أخرى، حتى اقتربا من بوابة مغلقة … قال «أحمد»: قد نستطيع الدخول من هنا! …
صعدا السور بسرعة البرق، وعندما أصبحا عند قمته، أبصرا بعض الحراس عند البوابة المغلقة … ظلَّا يرقبان حركة الحراسة … كان الحراس أربعة … أخرج «أحمد» مسدَّسه ثم أطلق إبرةً مخدرةً في نفس اللحظة التي أطلق فيها «باسم» إبرة أخرى ثم اختفيا … سقط الحارسان، وأصاب الآخرين الذعر وإن كانا قد اتجها إلى زميليهما يريان ما حدث …
بعد لحظة أطلق الاثنان إبرتين مخدِّرتين، فسقط الحارسان الآخران بجوار زميليهما، وأسرع الشياطين بالقفز … ورغم ارتفاع السور إلا أنهما استطاعا ذلك، وأسرعا إلى بناء ملاصق للسور، واختفيا خلفه … سمع «أحمد» صوتًا يتحدث، فأخرج سماعة مطاطية ألصقها بجدار المبنى، فسمع الصوت واضحًا … كان الصوت ﻟ «خالد» فشعر «أحمد» بالفرح، وهمس ﻟ «باسم» يُخبره. دقَّ «باسم» على الجدار دقات فجاءه الرد عليها … كانت دقات «باسم» تقول: نحن هنا … بيننا وبينكما الجدار … وكان ردُّ «خالد»: نحن بخير … فقط نريد الخروج!
دقَّ «باسم» مرةً أخرى: انتظر قليلًا. كيف حال «هدى»؟
دقت «هدى»: بخير. كيف حالكما أنتما؟
دقَّ «باسم»: بخير أيضًا …
أبصر «أحمد» بعض الحرَّاس يقتربون، أشار إلى «باسم» ثم أسرعا بالاختفاء … اقترب الحراس من البوابة المغلقة، فوجدوا المصابين، وسرت همهمةٌ بينهم، وأخذوا يتلفَّتون، ولم يكن أحد أمامهم … دوت صَفَّارات الحراس تعلن عن وجود غُرباء في المكان، وجاء حراس كثيرون … لكن «أحمد» و«باسم» كانا قد اختفيا تمامًا، لقد جريا مسرعين بعيدًا عن المكان، وكانت الأصوات تأتيهما فسمعا من بينها: هؤلاء شياطين! شياطين!
قال آخر: والاثنان اللذان في السجن؟
أسرع «أحمد» وباسم مبتعدَيْن … كان هناك مبنًى ضخم، تُضيئه المشاعل وحوله الحراس … اقتربا منه في حذر، سمعا أحد الحراس يقول لزميله: إنهم في انتظار الزعيم … وقال آخر: أخيرًا … عاد زعيم الإنكا …
كان الحرَّاس يقفون حول المبنى كله، لا يفصل بين الحارس والآخر سوى أمتار قلائل، همس «أحمد»: إن السر كله يكمن في هذه القاعة الآن!
لم تمر لحظات حتى سمعا صياحًا، ثم فُتحت البوابة المغلقة، وظهر موكب مَهيب. كان هناك رجلٌ ضخم الجثة يتقدم، وقد ظهرت على وجهه علاماتُ الجِدِّ الشديد، وحوله حاشية ضخمة، كانوا يسيرون في خُطًى عسكرية. وصل الرجل إلى القاعة، فعرف «أحمد» أنه زعيم الإنكا وكانت الحاشية حوله، لا تزال تتوافد في نفس المشية العسكرية، وعرف «أحمد» من بين الحاشية «هام» و«جاكو» و«كيلاك» …
قال «أحمد»: ينبغي أن نُخرج «خالد» و«هدى» الآن، إننا معًا يمكن أن نفعل شيئًا، وسط هذا الحشد الهائل من الحراس …
باسم: سوف أحاول، وراقبْ أنت الموقف هنا.
أسرع «باسم» متلصصًا في اتجاه المبنى، مبتعدًا بقدر استطاعته عن الحراس، حتى أصبح قريبًا من المبنى. كان الحرس قد تغيَّر، وأصبح أكثر عددًا، وفكَّر «باسم»: إنها مسألةٌ شائكةٌ الآن …
وقف قليلًا يرقب الموقف، ثم فجأةً، رأى «هام» على رأس مجموعة من الحرس يتقدم في اتجاه المبنى الذي يضمُّ «خالد» و«هدى» …
وقف «هام» أمام الباب، ثم تقدَّم أحد الحراس فأدار آلة حجرية، فتح الباب على أثرها، ودخل «هام» ثم اختفى، وفجأة، بدأ الصياح، وجرى الحراس إلى داخل المبنى …