الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
«وحريٌّ بنا هنا أن نُلقي نظرةً إلى خُلاصةِ ما انتهى إليه التقريرُ العربي الأول للتنمية الثقافية، والذي يَعرض الحصادَ الثقافي العربي لعام ٢٠٠٧م؛ إذ يؤكِّد أن المُناخ السياسي المتَّسِم بالاستبداد والقهر وغياب الحُريات أدَّى إلى انتعاش الظلامية والأصولية والتطرُّف. ونعرف أنه مُناخ ممتدٌّ على مدى قرون. وطبيعيٌّ أنه مسئول عن انصرافِ الإنسان العربي عن ثقافة تحصيل العلم، وعن الاهتمام بالقراءة العِلمية والبحث، والعجز عن التغيير، وهو ما يتجلَّى في مجال النشر تأليفًا وترجمة.»
يُميِّز «شوقي جلال» بين نوعَين من الثقافات: «ثقافة الوضع»، وهي ثقافةٌ قانعة بحالها، راضية برصيدها التاريخي الموروث، عازفة عن الإبداع والتجديد؛ و«ثقافة الموقف»، وهي ثقافةُ إرادةٍ واختيار، عازمة على التجديد والتغيير وفَهم مجريات الأحداث والظواهر. ومن ثَم يتَّخذ من الترجمة مُؤشِّرًا رئيسيًّا لقياسِ واقع الثقافة والإنتاج المعرفي في العالَم العربي؛ فموقفُنا من الترجمة تعبيرٌ عن موقفنا من المعرفة إنتاجًا وإبداعًا. كما يُورِد إحصاءاتٍ مُفصَّلةً ومُقارِنةً بين واقع الترجمة في مختلِف البلدان، وتؤكِّد هذه الإحصاءات أننا مُنصرِفون عن القراءة، وعن المعرفة الحضارية العِلمية المعاصرة، وأننا لا نزال نعيش عصر المُشافَهة، ولا سبيلَ إلى الارتقاء بمستوى الترجمة من دون إعادة تنظيم البِنية الذهنية للإنسان، بحيث يكون فُضولُه المعرفي مُوجَّهًا نحو تحصيلِ معارفَ لازمةٍ لبناء المجتمع بعبقريته وإنجازاتِ أبنائه عن الذات، وعن الحاضر والمستقبل.