رحيقٌ، ونار الهَزَار
مهداة إلى الصديق الشاعر: علي الدكروري
أيُّهذَا الهَزَار
الذي روَّع القلبَ،
ما أروعه!
•••
كلُّ شيءٍ — سوى أغنياتك عندي —
ما أضيَعه!
•••
فاهجر الشكَّ والشَّوكَ،
وامرح على خلجات الزهورِ،
ورفرفْ بنور انعكاس مراياك نحوي،
فنارُك في الصَّدر بالثلج تهوي،
وكأسٌ من الحنظل المحتوي بسماتكَ يروي؛
فنفِّض خلاياك؛
ينهمرِ الشعرُ من ثرَّة اللاشعورِ،
ويَنْعَتِقِ الحرفُ بالصدقِ حريَّةً،
نخلةً هُزَّها بنشيدك؛
يَسَّاقطِ الحبُّ في مهجتي رطبًا، رُطَبًا،
قُبُلًا من رحيقٍ ونار.
•••
أيُّهذا الهزار الذي يحتويني،
وفي قفص الحبِّ أدخلتُ نفسيَ طوعًا؛
لعلِّي أراه
يبثُّ الحياةَ ويروي المياه،
ونحو الجروح يمدُّ الشفاءَ يَدًا،
ثم يمزج ألحانه في مدى لؤلؤات النَّدَى.
فإذا ما
سما للسماء،
وأصبحَ حادي السحاب؛
استجاب لأحضان أرضي،
وراح يبلُّ الصدى لتباريح روضي،
وذاب بنَبْضي
أُغرودة الارتواء،
وزغرودة الانتماء.
•••
فيا لحنَ غيثِ العطاء،
ويا أيُّهذا الهزار الشرود،
دومًا تجود؛
فكيف تعودُ
لتسلبني ما تغلغل فيَّ،
وأنْبَتَ منك الورود،
وتحرمني من عبير الخلود؟
•••
وكيفَ تمردتَ — هَوْنًا وهَوْلًا — على الحبِّ،
واستمرأتْ شفتاك الصُّدود؟!
•••
وخفْتَ على اللَّحن أن يُستبى
حين أرجعتني خائبًا،
إنَّ شدوك في مهجتي
بصمةٌ،
بسْمةٌ أشتهيها،
ووشم الزمان بكلِّ الخلايا التي ذُبْتَ فيها،
وشمسك لا تستطيعُ
الملائكُ والإنسُ والجنُّ أن تستبيها.
•••
أترضى إذا ما وضعْتَ بمشكاة عينيك
عينيْ ملاكٍ — بديلًا —
وغيَّرْتَ لون دماك،
ورُمْتَ سوى قلبك المحتويك دليلًا؟
•••
وكيف مصيرُ الذي يسرقُ
الكهرباءَ، الصواعقَ، والنار؟!
•••
يا أيهذا الهزار،
يا حاضنَ الطيف،
يا عاشقَ السيف،
يا ساحر الفُلِّ،
يا آسر الجُلَّنار،
ويا «سندباد» العذارى،
ونجم الحيارى،
تحرَّرْ،
وغرِّدْ ورفرفْ بكُلِّ الحنايا،
ولا تحبس النفْسَ في حجرةٍ كلُّها من مرايا،
وَبُثَّ الأهازيجَ في كلِّ دار،
أمن يُؤثر اللحنَ منكَ على لحنهِ،
مَنْ يحب ظلالَك عن ضوئِهِ،
ويُنمي نخيلَك في عينهِ،
ثم يرعي يراعك في قلبِه،
هل تُراك تخافُ على أغنياتك
من حُبِّهِ؟!
أيُّهذا الهزار،
لحونك — ملءُ المدى —
أَنْجُمٌ أَسْتَحِمُّ بنهر ضياها،
وتفاحةٌ من جنانك أو من جنونكَ،
لكنني في يميني حلالٌ سواها،
ولستُ شقيًّا بغير فؤادي الأبي،
ولست «معاوية» يا «عليُّ»؛
فكيف لسرِّك، عَهْدِك، جُرْحِكَ، لا تصطفيني،
وتطعنني في وتيني؟!
•••
فرُحماك:
إني حملتُ الأمانةَ حين «أبتها»،
إني تساميتُ فوقَ اصطيادِ انبهارِ القصائد،
عِفْتُ نزيفَ اشتهاءِ الموائد،
إني تمرَّدت فوقَ القلائدِ والغيدِ والناهداتِ الحسان،
وما رمت إلا البراءةَ والحبَّ أجنحةً لوجودي،
وليس ادعائي لغير وليدي،
وإن تساميت فوق السِّماك بجيدي،
فرُحماك بالسيف يا شهريار.