«سراييفو» التي قبضتْ على الجمر
«سراييفو»
التي قبضتْ على جمرِ الحقيقةِ
منذ أحقاب الدُّجَى الأولى،
وخبَّأَتِ الزهورَ البكرَ في بحرٍ من الأشواكِ
— لم تأمن سواهُ —
فما طفا منها؛ تمصُّ النارُ أعْيُنَهُ،
وتحسو الجنُّ سَوْسَنَهُ،
ومن يرفع من المستنقعِ الموَّارِ رأسًا؛
كي يقول: الله.
أو يستنشق الحُرِّيةَ؛ انسحقت دماهُ
على نيوب الغولِ.
كيف تمرَّدت هذي الغزالة وانتمت للحبِّ
نافرةً تطاردها الوحوشُ،
وأورقت في غابة الدَّيْجُورِ،
وانتصرت على الطوفان،
وامتشقت مآذنها تفيض: «اللهُ أكبرُ»
في مدى البركانِ
وسط جهنم العَجَم،
وما زالت سفينتُها
تجوبُ المستحيلَ المرَّ في بحرٍ من الظلماتِ،
باحثة عن «ابن زياد»،
تبرقُ من غياهبِ سجنها سُوَرًا لقرطبةٍ،
وآياتٍ إلى الأممِ؟!
•••
«سراييفو»
لأنتِ الطفلةُ العصماءُ،
عاشت في صحاري التيهِ أحقابًا بلا أبوَيْنِ،
في كَبْت بلا رئتينِ،
حافظةً طفولتها، بكارتها، حضارتها.
وسمَّتْ نفسها «إيمان».
تغنِّي رغمَ قبضةِ خانقِيها،
رغم قسوةِ قاتلِيها أخلدَ الألحان.
هي اللغةُ التي قد هاجرتْ يومًا وما هجرَتْ،
فأهل الكهفِ قد ناموا وما نامت،
وقد صامت، وقد صانت
على وعدٍ بعودٍ يَوْمَ نصرِ الله والفتح.
•••
«سراييفو» حمامةُ حُبِّنا
ظلت رهينةَ قلعةِ الشيطانِ،
تبحث عن سلامٍ غاربٍ فيها،
وعن غصنٍ يظللها ويؤويها،
وعن عشٍّ بلا ثعبان،
وعن بحر بلا قرصان.
•••
«سراييفو» التي ضجَّت من الصمتِ،
«سراييفو» التي وُلِدَتْ من الموتِ،
تنادي نخوةَ الإنسانِ
أن يحمي هويتها وبسمتها وقُبلتها،
وقِبلتها من الطغيان.
فيا قلبي على الإسلام بعد الهَيْضة الكأداءِ
من ذئبٍ بحجمِ الكون يرصدُنا،
وتنِّينٍ يحوِّم حولَ مسجدِنا،
ويا لهفي على صفٍّ أمام اللهِ
في قلبٍ يُوحِّدُنا.