انعتاقٌ إلى القيود
أتهاوى في دوَّامة هذا الكونِ؛
فيجذبني كذُبَابة.
•••
أتَخبَّطُ عند سفوحِ الأرضِ،
وأسعى محكومًا بلزوجةِ أقداري،
تشهقُ أُغنيتي إذ تخرج من قُمقمها؛
فالناسُ عطاشى لرحيقٍ من فمِها،
وبذورٍ تحفرُ قلبَ الطاغوتِ المظلِم،
وحروفٍ تصعقُ أربابَ الحبِّ المبهم.
•••
منصهرًا في بوتقةِ الكونِ الثلجيَّة،
ممزوجًا برحيقِ الأمواجِ الناريَّة،
أبحث للحبِّ التائهِ عن أيَّة عينٍ وهويَّة،
طفلًا يحبو فوقَ اللهبِ المسنون
حبًّا — محصورًا بين الكافِ وبينَ النون —
تسكنهُ أنثى ساحرةٌ،
ترضعني ترياقَ هواها،
وتكفِّرني بسواها،
تشهدُني أنَّ النارَ لديها أَبْرَدُ من شهد الجنَّة،
تستنزفُ أحلامي الحُبلى،
وتعري الجبلَ الهائل عن بركانِ الذكرى،
وتجرر طاقاتي الغضَّة فوق دروبِ العطش المرِّ،
تستدرجُ إيماني للوحلِ المجهولِ الأعماق.
•••
يا أرضًا تُنْبتني، وتمصُّ دمائي،
تكسوني، وتقدُّ ردائي،
يا قيدي الناعم،
يا خاتميَ السحريَّ،
يا أمًّا ترضعني حبًّا وحياةً من دمها،
هل عَدْلٌ
أن يحيا رَجُل بالحبلِ السُّرِّي؟!
ما زال يعاتبني ميلادي،
ويسائلني: أين الجنَّةُ؛
حتى أختاركِ من بين بناتِ الحور؟
•••
قَدَري أنْ أغوتنا التفاحة،
ذنبي أنْ ذُقْنا فيها شبَقَ العصيان،
فظَلِلنا نجْرَعُ منها أبدًا نَهْرَ الحرمان،
أوليست كلُّ ثمارِ وصخرِ وقهرِ الأرض؛
وكلُّ دماءِ الناس … عصيرَ التفَّاحة؟
•••
والخلق جميعًا نُسَخٌ من «قابيلَ» «وهابيل»
والغربان انقرضت؛ يا ويلاهُ!
فكيف أواري قلبي؟!
أو أنفخ روحًا من روحي فيه؟
كم من آمالٍ تُذبحُ باسم الحبِّ!
وزهورٍ تُقبرُ في بطن الجُبِّ!
وبرغم دماءِ الغدرِ ﻓ «يوسف» لم يأكلْهُ الذئب،
يا زمنَ البسماتِ الصفراء،
والجلدِ الأملسِ والأضواء،
قلبي يتمرَّغ فوق الموجِ
ينوءُ بكلِّ اثنين نقيضينِ.
لا أبغي لبنَ العنقاء
أو حبًّا من قلبِ الإنسانِ الآلي؛
فامنحْني الصدقَ الأبدي.
•••
أتعذَّب وحدي،
وأصبُّ عذاباتي في قُمقُم وجدي،
فدموعي تحرق مملكتي إذ تفضحني،
وعذابي يتضخَّم لو يعرفه الناس.
•••
يا صبوةَ أحلامي الثَّكْلى،
أهواكِ كمن يغلبُهُ
النوم على الأرصفةِ الموحشةِ الرطبة،
أو من يرتاحُ على أنفاسِ الخوفِ بحضنِ الغول،
أو من يغمرهُ الفرحُ فيبكي،
أو يقهرهُ الحزنُ فيضحك،
أشحَذُ طيفكِ
حين تجفُّ بحورُ الشوقِ وتصمتُ أوتاري؛
فأراك تحيلينَ القلبَ حياة
تتمخَّض بالأشعارِ وبالأنهارِ وبالثورةِ والنارِ.
وأنا ما زلت أسائل نفسي:
إن كنت أحبك؛
لكني أوقن أني
أستلهم كلَّ حروفي من وجهكِ.
١٩٨٠م