مرثيةُ الجروحِ العصية
مهداة إلى روحِ أختي سعاد
استغاثة
لو أنني عمياءُ؛
لاستنفَرْتُ آمالي،
وقُدْتُ الناسَ نحو مصَحَّتي،
وأضأت للدنيا شموسَ بصيرتي،
لكنني — وعموديَ الفقريُّ محطومٌ ويأسي جامحٌ —
لا أستطيعُ سِوى الإشارةِ بالبنانِ إلى السماء.
القصيدة
إنَّ جذب الأرض للأشياءِ
ناموسٌ، وسرٌّ أزلي؛
لا تُراعِي،
واعلمي أن الخلايا قد تلين
حينما يطغى الحنين،
واشتياقُ الطينِ فينا لأديمِ الأرضِ
حبٌّ عبقريٌّ،
يرتمي فيه الوفاء
بين أحضانِ البلاء.
•••
صَبْوتي والقلبُ مهدٌ؛ فارقدي،
واعذريني حين أثني جرحَكِ المشتاقَ
للأرضِ التي تغوي الجروح؛
فأديمُ الأرضِ يغلي بالقروح،
وكلانا — مَحْضُ رُوح —
احترقنا بالألم،
ودمانا صارعت فينا العدم،
وتشبَّثْنا بظلٍّ بين أهداب الحياة.
•••
حينما حاولتُ يومًا أفتديكِ؛
كانت الأقدار أقوى.
أخطبوط هاج في الدنيا وماج،
قبضة الفولاذ دكَّتْ كلَّ حي،
واشرأبَّ الموتُ من تحت الثرى،
ضلت الأشلاءُ دربَ الموتِ،
عادتْ غافلتْ دربَ الحياة،
حيث لا ترياق يُجدي أو مياه،
كل ما نلناهُ يا أختاه
ظلٌّ بين أهدابِ الحياة.
حلمكِ الورديُّ ضاع
في زمانٍ ليس يُغْني
والتئامٍ للنخاع
واستحالاتِ التمنيِّ
كل أوْجٍ صارَ قاع
وتخلَّي الحظُّ عني
وسط غابات الصراع
حطَّم الإعصارُ لحني
يا غرامًا لا يُباع
للمآسي، لا تدَعْني
وسطَ تابوتٍ وثيرٍ ترقدين،
والثواني
تسكبُ الأيامَ في بحرِ السنين،
والحياة استُنْزِفت
إلا من الأنفاسِ لَهْثًا،
تشحذُ الدَّقاتِ رَهْقًا؛
تَكْتَري شُحَّ السنين
يا زمانَ المعجزاتِ استسلمتْ بلوَاك للهولِ الرهيب،
قوضتْ باليأسِ أعصابَ الطبيب،
أمنياتُ الحبِّ سارتْ لانتهاءٍ وانتهاء،
وانتظارٍ للوداع،
جرعة من كأسِ موتٍ لا تُميت،
تجعل المقتولَ مصلوبًا،
جبالُ الصبرِ تذوي تحتهُ،
لكنهُ روحٌ معنَّاةٌ تمنَّتْ لو تموت،
صولجانُ الموتِ قزْمٌ لا يُهاب،
لم يواجهنا، ولكن حين واجهناهُ فَرَّ،
لم يدعنا، إنما بثَّ الرزايا حولنا،
سمَّمَ الدنيا بأشباحٍ وأمراضٍ، ومَرَّ
إنما المأساةُ أن لا ليل يبدو أو نهار،
والجراثيمُ استباحت محنةَ الزهرِ العليل؛
فانشدي الصبرَ الجميل،
انشدي الصبرَ الجميل.