وجهٌ آخر
مهداة إلى وجهي الآخر
الصديق الفنان: ماهر داوود
الصديق الفنان: ماهر داوود
العقربُ يلهثُ نحوَ الحدِّ الفاصل،
والساعةُ سيِّدةُ الموقف،
والناسُ جميعًا — لَهْفى — ينتظرون؛
لتُكسَر أطباق الماضي،
ولِتُرمى في الطرقات — وفوق رءُوسِ التعساءِ —
كئوسُ الخمرِ الجوفاء،
ولتُحطمَ أكوابُ الذكرى؛
لتُبَعثرَ حباتُ البلَّور بغير هُدًى،
ويُراقَ ضميرُ الليلِ سُدًى!
•••
الكونُ يضجُّ
طبولًا وغناءً،
موسيقى وبكاءً،
أضواءً وعطورًا،
وزهورًا وبخورًا،
وشموعًا ودموعًا،
ويعجُّ بأكوامِ الحلوى وخرافاتِ الأطفال،
وخمور تنبعُ من آبارِ الجنِّ،
ويموجُ ويصخبُ في فوران الكأس،
والكأس تدورُ،
الأشجار الحمراءُ تبدَّتْ،
وشموس الليلِ تدلَّتْ،
والأرجوحةُ لا تهتزُّ ولا تتوقف،
لا يدري أحَدٌ ما الحدُّ الفاصل فيها،
كُرةٌ تحملُ قشرتُها
ألبابَ المعتوهينَ وأحلام العُقلاء،
وتخبِّئُ في مركزها المجهولِ
حصادَ الدنيا المصهور.
•••
والكونُ المجنونُ يعربدُ فوقَ النار،
وينبشُ في جُبِّ الأسرار،
لا يعرف أيَّانَ تقوم قيامتُهُ،
أجراسُ كنائسِ هذا العالمِ
تصرخُ في آنٍ واحد.
•••
انفضَّ السامرُ في لحظة،
اختلطت أوراقُ اللَّعِب،
وتعثَّرَ في الميدان النَّرْد،
وتَوَلَّى شبق الحلم.
•••
انْسَلَخَ الماردُ من قشرتِهِ،
من لحظاتٍ كان جنينًا،
والآن بَدَا ثعبانًا ضَخْمًا
يزحفُ نحو الأزلِ المجهول
منتشيًا من
تصفيقِ الجمعِ،
وشلالِ الخمر،
ولألأةِ الأضواء.
•••
يرقصُ في ثوبٍ أرقط
تتقاطعُ فيه خطوطُ الأيامِ،
وزركشةُ الساعات.
•••
يحملُ فوق الجلدِ الأملسِ من يتشبَّث،
والزئبق يهوِي فوق زجاجٍ مائل!
•••
في كلِّ زمان
الزمنُ الساحرُ يصنع ثعبانًا
من لحم الأيام؛
فيزَكِّيه، ويربِّيه،
ويتوِّجُه، ويمُجِّدهُ؛
كي ينْحَرَهُ تحت الأقدام!
•••
واختار الحبُّ الزائفُ
أن يصبح جلدًا للثعبان؛
ليمْرُقَ من عنق الأشياء،
ويعبرَ فوق الأشلاء،
ويدخلَ في التاريخِ المغلوبِ على أمرِه،
ويساومَ — إن شاء — على قلبِه،
منبهرًا
بِسرابٍ يصدُرُ عن عينيه،
وخداعٍ يَلْمَعُ في فودَيْه،
طمَّاعًا يحلم بالكنزِ نظيرَ رغيفٍ مسموم،
غدَّارًا يفتقدُ الأمنَ على ظهرِ أسيرٍ مهزوم.
بعثرَ في الأوهامِ شعورَه،
وانهارت فيه الأسطورَة.
•••
قالوا من كذبوا:
«الوجهُ جديد،
والحظُّ فريد،
والنجمُ سعيد.»
•••
قالوا:
«هذا عامُ الحبِّ؛
بُرْجُ «الحَمَلِ» الآن يعانق بُرْجَ «الجدي»،
ويحلِّقُ في الأنْسام،
ويَرْفُلُ في وردِ الأحلام،
والسعد يحفُّ الروحين،
والحبُّ يضمُّ القلبين.»
•••
لكنَّ القلبَ الصامتَ يمضغ صَمته،
يجترُّ عذابَ الوحدةِ في هذا الحشدِ المجنون،
يحملُ أكثرَ من «أيُّوب»،
يعبُد تمثالَ الحبِّ المقلوب،
النبضُ صداهُ يذوب،
ورمالُ الصحراءِ قلوب،
والقطراتُ الحيرى في أمواجِ البحر قلوب
القلبُ الصامتُ يمضغُ صمته،
والصخبُ القابعُ فيه
بركان مكتوم.
•••
همساتُ الحبِّ تلاشَتْ وسطَ ضجيجٍ محموم،
طفلُ الحبِّ التائه داسته خيولُ الظَّلماء،
وعقودُ الحبِّ انفطرت،
والسعرُ ابتلعته الكلماتُ الجوفاء،
وزهورُ الحبِّ الغرقى
ماتت ظمأى للماء.
•••
منتظرًا
كنتُ أحس طلوعَك بالبشرى،
وأرى ميلادك مزدانًا بالفرحِ،
ومَهْدَك محفوفًا بالأزهار،
أترقَّبُ أن ينفتحَ البابُ،
ويغفلَ عني السجَّانُ؛
لكي أدخل،
أتمتَّع بالحريةِ خلفَ القضبان،
وأغنِّي في قفصي أشهى الألحان،
فالكونُ الواسعُ ضاقَ بقلبي،
والبينُ يزلزلُ حبي،
وتلالُ الثلجِ تحاصرُ جمرَ الأشواق؛
فإلام أصير شقيًّا
لا ألمسُ أثوابَ الراحة؟
ولماذا أجترُّ عذابي،
والعالمُ حولي يُعلن أفراحَه؟
أكلوها،
ومضت كل الأجيالِ؛
لماذا جئتُ أنا؛
كي أدفع عنهم ثمن التفاحة؟
•••
منتظرًا كنتُ،
وكنتَ صديقًا لا يُخلف وعدًا،
كنت
شعاعًا يهديني،
ورحيقًا يرويني،
وأديمًا يؤويني،
وجناحًا يحملني،
وشراعًا ينقلني؛
فلماذا
أغفلتَ عذابي؟
وسفحتَ شبابي؟
وعبثتَ بشريان حياتي؟
وطمسْتَ سريعًا في ركب الفوضَى،
وأنا لا أقدر أن أتشبَّثَ أو أتزاحم،
لا أقدر أن أتسلَّقَ أو أتَملَّقَ،
أو أصبح ذيلًا للثعبان؟!
فأنا الإنسان.
•••
منتظرًا كنت
لنفْحةِ حبك،
ولبسمة وجهك.
•••
لكنك جئتَ غريبًا في وجهٍ آخر،
اصطرعتْ فوق لساني
أمطارُ الشَّوق وأمواج الحنظل،
واشتجرت في وجداني
أشباحُ الوحلِ وأطياف المرمر.
•••
فاخلع عنك قناعَك، واختر
أيَّ الوجهين.