سيارة خطر!
كانت فكرةُ حضور «أحمد» معرِضًا مهمًّا للسيارات مثل هذا المعرِض فكرةً رائعة على حدِّ تعبيره. وكان اقتراح «إلهام» له … اقتراحًا له وجاهته؛ ذلك أن «إلهام» كانت ترغب منذ وقتٍ طويل في تجربة ركوب سيارة صارت شهيرةً هذه الأيام … إنها «الهامر الأمريكية»؛ سيارة ذات إمكانيات خاصة جدًّا … فقد صُنعت خصوصًا للجيش الأمريكي لحماية ضباطه الكبار أثناء تحرُّكهم في أرض العمليات … أي إنها سيارة المهام الصعبة.
وكان ﻟ «أحمد» اقتراح أَسرَّ به ﻟ «إلهام» قائلًا.
إلهام: وماذا أكثر من ذلك؟
أحمد: يجب أن تكون سيارة مهام مستحيلة.
ابتسم «أحمد» وقال لها: هل تسير هذه السيارة في حقول الألغام مثلًا؟!
إلهام: لا أعرف، ولكنها قد تكون كذلك.
أحمد: إنها لن تحتمل انفجار لغم أرض أسفلها.
إلهام: أنا لن أسير بها فوق الألغام.
أحمد: أنا أحترم رغبتك في اقتنائها … ولكن علينا أولًا أن نرجع إلى مركز بحوث المقر لنعرف ماذا يمكن أن يضاف إلى هذه السيارة ونحتاجه نحن.
لم يرَ «أحمد» في عينيها الرضا عما قاله … فقرَّر الاتصالَ برقم «صفر»، وعرَض الأمرَ عليه … فطلب منه رقم «صفر» أن يُمهلَه بعضَ الوقت لعرض الأمر على رؤسائه، ولم تمضِ أكثر من ساعة … عندما تلقَّى «أحمد» اتصالًا من رقم «صفر» يقول له فيه: لقد أنجزنا المهمة.
أحمد: هل وافقتم على شراء السيارة؟
رقم «صفر»: بل اشتريناها بالفعل.
فسأله في دهشة: متى؟! وكيف يا زعيم؟!
رقم «صفر»: التجارة الإلكترونية.
أحمد: وهل سنتسلَّمها هنا؟
رقم «صفر»: الإدارة الآن تُنهي إجراءات شحنها إلى «مصر» … وبمجرد وصولها سيقومون بإنهاء ترخيصها.
لم يكن وقْعُ الخبر سعيدًا على «إلهام» فقط … بل على «أحمد» أيضًا، الذي لم يَكُن يعرف أن المنظمة كانت تخطط لضم هذه السيارة لأسطول سياراتها التي يستعين بها الشياطين في أداء مهامهم بالذات، والعملية التي ينوون تكليفهم بها … تقع في مكان مشتعل … يَكثُر فيه الإطلاق العشوائي للنار … كذلك تفجير السيارات المفخخة؛ لذلك قال «أحمد» يسأل رقم «صفر»: هل حدَّدتم موعدًا لبَدْء العملية الجديدة يا زعيم؟
رقم «صفر»: سنعقد اجتماعًا فور عودتكم إلى «مصر» غدًا … أتمنَّى لكم رحلةً سعيدة في «مصر». وفي المقر السري الصغير ﺑ «الهرم»، وفي قاعة الاجتماعات الإلكترونية انطلق صَفير حاد متقطِّع يُعلِن أن هناك رسالة مهمة يجب تلقيها على البريد الإلكتروني.
وفي الوقت نفسه انطلقت الوخزات من ساعات الشياطين تحثُّهم على تلقي الرسالة … فممن كانت تحمل هذه الرسالة؟ … ولمن؟
إنها من رقم «صفر» … تعلن الجميع بميعاد الاجتماع القادم في الثامنة من مساء الغد.
وبالمصادفة … كان الشياطين جميعهم يجلسون أمام شاشات الكمبيوتر في قاعة الاجتماعات الإلكترونية … يبحثون عن المزيد من المعلومات عن أرض العملية الجديدة … عندما تلقَّوا تنبيهًا رقم «صفر» … فأدهشهم قرار عقد الاجتماع دون وجود «أحمد» و«إلهام» … وعندما صرَّح «عثمان» بذلك، قالت له «ريما»: ومن قال لك ذلك؟ … قد يكون «أحمد» الآن في طريقه إلى مصر ومعه «إلهام».
وهنا علَّق «مصباح» قائلًا يُذكِّرها: لقد سافر منذ يومين فقط.
ريما: إنهما في مهمة عمل … وطبيعة هذه المهام أنها تكون عاجلة.
كان «عثمان» في هذه الأثناء مُمسكًا بتليفونه المحمول يُجري اتصالًا ﺑ «أحمد» الذي تَهلَّل عندما رأى رقمه على الشاشة، ومعه اسمه يظهر ويختفي … فضغط زر الاستجابة، وقال له: ألا زلت مستيقظًا يا «عثمان»؟
ضحك «عثمان» وقال له: كيف الأحوال عندك؟
أحمد: جيدة.
عثمان: هل أنهيتم مُهمَّتكم بنجاح؟
أحمد: بمعاونة الزعيم.
عثمان: لقد أبلغنا الزعيم بموعد الاجتماع القادم.
أحمد: غدًا إن شاء الله.
عثمان: إذَن ستحضر الاجتماع في «مصر».
أحمد: نحن نستعد للسفر الآن من أجله … و«إلهام» تُهديكم السلام … كان وقعُ الخبر جيدًا على الجميع … وفي اليوم التالي وقبل الثامنة بوقتٍ كافٍ … كانت «اللاندكروزر» تقطع الطريق من المطار عبْر شارع «العروبة» إلى شارع «صلاح سالم» … ومنه إلى «كوبري عباس» إلى «الجيزة» إلى شارع «الهرم»، دون أن تتوقف مرة واحدة … لماذا؟ ومَن ذلك القائد الذي تخضع له إشارات المرور … وتُفسح له السيارات الطريق كي ينطلق هكذا؟!
كان القائد هو «عثمان» … وكان يعرف كيف يتعامل مع إشارات المرور، وكيف يستفيد من الشوارع الجانبية الموازية … ومن إمكانيات السيارة … ومن سارينة الطوارئ، وعندما اعتدل الجميع أمام شاشات الكمبيوتر … كان «أحمد» يقف بالباب وبجواره «إلهام»، وقبل أن ينطلق هرج ترحيبهم بهما … انطلق صفير مُتقطِّع يُعلن بدايةَ الاستعداد للاجتماع … وما إن ظهَر شعار المنظمة على شاشاتهم صغيرًا … كان «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» قد اتخذوا أماكنهم أمامهم … ونما الشعار حتى ملأ الشاشة ثم اختفى وظهر بدلًا منه وجه رقم «صفر» مبتسمًا حتى ملأ الشاشة واختفى، وظهر بدلًا منه وجه رقم «صفر» مقسمًا لمربعات صغيرة تتحرك مغيرة مواقعها في أجزاء من الثانية … مما لا يعطيهم الفرصة حتى يُكوِّنوا في ذاكرتهم صورة كاملة عنه.
وقد علَّق «عثمان» على هذا ضاحكًا بقوله: ألن تسمح لنا بفك شفرتك يا زعيم؟
فقال رقم «صفر» مبتسمًا: أترون في ذلك فائدة لكم؟
انطلقت «ريما» تقول في حماس: بالطبع نحن نحب أن نراك يا زعيم.
وبحكمة القائد قال لهم: حتى لو كانت هناك ضرورات أمنيَّة تمنع ذلك؟
وهنا تَدخَّل «أحمد» معبرًا عن رأي كل زملائه قائلًا: نحن نرضى بعَلاقتنا على هذا النحو يا زعيم … ولك في مُخيِّلتنا صورة اتفقنا جميعًا على ملامحها. أثارت هذه الفكرة رقم «صفر»، فقال لهم: إنها فكرة جيدة ما دامت ترضيكم.
تدخلت «إلهام» تقول في حماس: نعم يا زعيم إنها ترضينا للغاية. وقد فتحنا لها ملفًّا يحوي صورًا كثيرة تخيلية لهذه الملامح الافتراضية التي ارتضيناها جميعًا لك.
رقم «صفر»: هل يمكنني الاطلاع على هذا الملف؟
رد «أحمد» في حماس: بالطبع يا زعيم!
ورأى الزعيم أن ينتقلوا إلى جدول الأعمال … فقال محادثًا «إلهام»: أسعيدة لأجل ضم السيارة «الهامر» لأسطول المنظمة؟
ردت «إلهام» في امتنان قائلة: بالطبع يا زعيم!
وهنا طرح «أحمد» سؤالًا أجَّله كثيرًا … فقال: هل كانت إدارة المنظمة تنوي ضم «الهامر» إلى أسطولها لأجل عمليتنا القادمة؟
وكانت إجابة هذا السؤال هي مدخل رقم «صفر» للحديث عن العملية القادمة … فقد قال: ما تقوله صحيح … فالعملية القادمة تقع في جزيرة على حافة الانفجار … فهي مستعمرة تعجُّ بالشر والأشرار … إنها مفرخةٌ للإجرام … منها يخرج القتَلة واللصوص والمُدمِنون وتجار المخدرات … وفيها تُعقد الصفقات المشبوهة … وتوقع الاتفاقات الدموية … إنها مستعمَرة للشر … وكما يُطلق عليها … «مستعمَرة الأوغاد».
نفسًا عميقًا أخذه رقم «صفر» قبل أن يُكمل حديثه قائلًا: كان نشاط هذه المستعمرة مقصورًا على المناطق المحيطة … وكانت شراسته محدودةً إلَّا أن رجلين خطيرين فرَّا من سيارة الترحيلات أثناء نقلهما إلى السجن بعد محاكمتهما وإدانتهما في جرائم سرقة بالإكراه وقتل في جزيرة «قبرص»، وتَمكَّنا من الهرب عبر البحر إلى أن وصلا إلى هذه الجزيرة … وهما يجمعان عدَّة مجرمين تحت جلودهما … فهما قتلة ولصوص وراشون وتجار مخدرات وسارقو أطفال … لقد تحولَّت الجزيرة بعدها إلى بركان شر.
والقضية أن هذا الشرَّ يَطولنا ويَطول دول شمال «أفريقيا» المُطلَّة على البحر الأبيض المتوسط … لأن هذه الجزيرة تقع بالقرب منها.
والآن … الآن فقط … علينا أن نتدخَّل لإنهاء تاريخ الإجرام على سطح هذه الجزيرة وبَدْء مرحلة جديدة.
ورأى «أحمد» أن الوقت قد حان لطرح أسئلتهم … فقال للزعيم: ألا ترى يا زعيم أن محاربة جزيرة بمن عليها يحتاج إلى جيش؟
رقم «صفر»: يا «أحمد»، إنها جزيرة صغيرة، وليس لديها جيش ولا قوات ولا أسلحة، هذا من ناحية … أمَّا من الناحية الأخرى … فنحن لن ندخل في صراع مع كل أهل الجزيرة … بل صراعنا سيكون مع المجرمين الهاربين … وسنحاول الاستعانة بأهل الجزيرة في هذا الصراع.
عثمان: كيف وكل أهل الجزيرة من الخارجين على القانون في بلادهم؛ ولذلك فروا إلى هذه الجزيرة؟!
رقم «صفر»: عندما وصلا الرجلان إلى الجزيرة … قاما بقتل كبيرهم … ونصَّبا نفسَيهما عليها حاكمًا ونائبه … ثم استقطبا زعماء الشر عليها من الأقوياء القساة وضموهم إليهما … أمَّا الضعفاء والشيوخ والنساء فقد عاملوهم بقسوة وقلة رحمة.
وقام هذا الزعيم بالزواج عَنوةً من زوجة الزعيم الذي قتله … وكانت هذه المرأة تحب زوجها جدًّا … فملأها الغيظ والكره لأهل الجزيرة لأنهم لم يحموها ولم يحموا زوجها من قبل … فحنقت عليهم وساعدت هذا الزعيم الجديد على التنكيل بأهل الجزيرة … وازدادت عنفًا وقسوةً وشرًّا … غير أنها تكرههم وتعيش مع هذا الرجل على مضض … وتتمنى أن يأتيَ اليوم لتتخلص منه … وهي ستكون قابلة لأن نستقطبها، ونأخذها في صفنا … كذلك الفقراء والعجائز والنساء الذين يكرهون زعامة هذا الرجل … فهو يُهينهم في أعمال مرهقة كالصيد في أكثر الأوقات برودةً أو حرارة … وتجميل المكان حول قصره أو قصور أعوانه وأصفيائه وخلانه … وإفراغ حملة مراكبهم مما يسطون عليه من البلدان القريبة منهم.
تدخلت «ريما» تطلب التعليق … فسمح لها رقم «صفر»، فقالت: كيف يمكنهم التسلل إلى المياه الإقليمية لأية دولة دون اعتراض الأجهزة الأمنية لهم؟
رقم «صفر»: إنهم يخرجون في مراكب صيد مرخصة تارة … وفي يخت لرجل ثري تارة أخرى … ويعاونهم في ذلك بعض الخارجين على القانون من أهل هذه البلاد … هناك خُطة شاملة أعدَّتها إدارةُ العمليات، ستجدونها على ذاكرة الكمبيوتر المركزي تحت اسم «مستعمرة الأوغاد» … برجاء دراستها دراسة تفصيلية … وإبداء أية ملاحظات ترونها، يجب أن يكون في خلال يومين على الأكثر … وفقكم الله!