ماذا بالملف؟
تراص الشياطين أمام أجهزة الكمبيوتر في غرفة الاجتماعات الإلكترونية، واستدعوا ملف عملية «مستعمرة الأوغاد».
كانت صور زعيم الأوغاد في الجزيرة — ويدعى «هينو» — تتصدر الملف … إنه رجل أصفر، حاد الملامح، قصير القامة، ضيق العينين، خبيث النظرات.
ونائبه «روما» … رجل مفتول العضلات، أشقر، صارم.
وابتسمت «ريما» وقالت تعليقًا على ما ترى: ألا ترون تناقضًا بين مظهرهما ومنصبهما؟
أحمد: تقصدين أحجامهما؟
ريما: نعم.
إلهام: هل رأيت الدهاء والخبث البادي في عينَي الزعيم؟
ريما: لقد تعودنا أن يتمتع المعاونون بالدهاء لا القادة.
فقال «أحمد» مصححًا: هذا في زعامة الأمم لا في زعامة العصابات.
مرة أخرى عادوا إلى الملف وقرءوا: «هينو» ملك التايكوندو … قبرصي من أصل تايلندي. كان طالبًا مثاليًّا ورياضيًّا فذًّا … غير أنه كان معتدًّا بنفسه إلى حد الغرور … إلى أن فقد اتزانه تمامًا بعد حصوله على بطولة العالم ﻟ «التايكوندو» … وهطول الأموال عليه تباعًا من الإعلانات والبرامج التليفزيونية … فرأى في نفسه ما ليس فيها … وشجَّعه على ذلك المحيطون به … إلى أن اصطدم بمدربه أثناء التمرين … ورفض آراءه واستخفَّ بتعليماته … فهاجمه المدرب هجومًا شرسًا وهو بين زملائه، وحطَّ من قدره وحذَّره من السقوط في هاوية الفشل الذريع إن لم يتواضع ويعود كما كان لاعبًا مطيعًا لمدربه … فثار عليه «هينو» ثورةً عارمة، ودخل معه في عراك شرس … شعَر المدرب معه أنه ينوي قتله … ولكنه كان شعورًا متأخرًا … فقد عاجله «هينو» بضربة كسرت عنقه … ففارق الحياة في الحال.
ودخل بعدها السجن … وفي السجن انحدر مستواه كلاعب تايكوندو لعدم التمرين وسوء التغذية … ولفقدانه لمهارته وضآلة حجمه أصبحَ بحاجة إلى قوة أخرى تحميه … فعمِل على تنشيط ذكائه ودهائه نشاطًا تمكَّن معه من رسْم الخُطط العديدة لهروب الكثير من المسجونين … وأعدَّ لهم خُطط العودة إلى الجريمة مرة أخرى … حتى تمكَّن هو من الهرب أثناء إعادة محاكمته … وقد أدين للمرة الثانية … وأثناء ترحيله إلى السجن من مبنى المحكمة تمكَّن مِن الهرب.
وهنا علَّق «أحمد» قائلًا: معنى هذا أن «هينو» يعيش الآن وسْط رجاله.
وفهِم «عثمان» ما يقصده «أحمد»، فقال له: تقصد أن كل من عاوَنهم في الهروب من السجن لجَئوا إلى «مستعمرة الأوغاد»؟
أحمد: نعم … وهذه المستعمرة يجب أن تختفيَ من الوجود قبل أن يعلم عنها أحدٌ من قادة المافيا أو السوبر تكنولوجي شيئًا.
مصباح: تقصد أنهم يمكنهم تجنيدهم؟
أحمد: لا … بل عقد اتفاق معهم وتزويدهم بما يشاءون من عتاد وأسلحة وأموال، وبعدها سيصعب السيطرة على الأمر.
إلهام: وهل نحن نعرف الصعب يا «أحمد»؟!
أحمد: أعلم ذلك، ولكن … مَن يعيشون على الجزيرة الآن وجودهم غير شرعي، وطردهم منها أمرٌ مشروع … ومحاربة الفساد على الجزيرة الآن أمرٌ مشروع. أمَّا إذا تدخَّلت المافيا … فستتمكن بنفوذها من شراء الجزيرة … وقتها لن نتمكن من حربهم عليها … وقد تُعينهم دول كبرى بحجة أنهم أصحاب حق.
بو عمير: إذَن فسرعةُ التحرك هي أهمُّ عناصر نجاح أهدافنا.
قيس: هذا صحيح، ولكن ما هو هدفنا؟
أحمد: هدفنا هو إسقاط «هينو» و«روما»، وبعده سيمكننا ترحيل سكان الجزيرة إلى بلادهم.
عثمان: وعملاؤهم في الدول المجاورة؟
أحمد: سيسقطون جميعهم بسقوط «هينو».
إلهام: وكيف سنتمكن من دخول الجزيرة؟ إن صغر مساحتها سيجعل مراقبة حدودها أمرًا هينًا عليهم.
أحمد: لقد دخَّلنا أحد رجالنا من قبل.
إلهام: كيف؟
أحمد: كانت هذه الجزيرة لا يعلم عنها أحد شيئًا … حتى وقع حادث قتل على سطح أحد القوارب الرأسية على شاطئ «مرسى مطروح» ورآه أحد رجالنا بالمصادفة … فطارد الرجل … الذي فرَّ منه واختبأ في أحد الكهوف البحرية … ثم ما لبِث عند حلول الليل أن خرجَ مِن مكمنه ظنًّا أن مطارده رحل … واستقلَّ قاربه وانطلق مغادرًا «مرسى مطروح»، ولم يَكُن يعرف أن رجلنا مختبئ في مكمنه حتى استشعر الأمان، فقام بالتسلل إلى الجزيرة … وعندما عاد نقل لنا كل ما عرَفه عنها.
عثمان: هل هذا يعني أن لديك خُطة لدخولها؟
أحمد: نعم.
بو عمير: هل سنحاربهم حربًا مباشرة؟
ريما: هل ستقدم على هجرة؟
ابتسم «أحمد» وقال لها مداعبًا: وسأصطحبك معي.
ثار «عثمان» وقال يؤنب «ريما»: ليس هذا وقت مزاح يا أستاذة … فليس لدينا وقت.
عاد «أحمد» يخبرهم عمَّا يدور برأسه قائلًا: سنجعلهم يأخذوننا عَنوةً.
إلهام: تقصد اختطافًا؟
أحمد: نعم.
ريما: فكرة جيدة، ولكن كيف؟
أحمد: سنستعين بأحد يخوت المنظمة … ونُضفي عليه سمات الفخامة وعلامات الثراء.
هدى: حصان طروادة آخر؟
أحمد: قد يكون كذلك … مع تعديل مهم … فنحن سننشئ عَلاقات مصلحة بيننا وبينهم … وﻟ «إلهام» دور خطير في هذه العملية … ﻓ «زينا» زوجة «هينو» عنصر مهم لنجاح العملية؛ لأنها تكرهه وتكره أعوانه.
إلهام: تقصد إن اكتسبتُ ثقتها؟
أحمد: نعم … وعلينا الآن إبلاغ رقم «صفر» بذلك … كي نبدأ التحرك.
عثمان: أنا أرى أن خُطة المنظمة أيضًا تعتمد على فكرة «حصان طروادة».
أحمد: لذلك سيوافقون على خطتنا.
كانت الفكرة الرئيسية لخطة المنظمة وخطة الشياطين واحدة … لذلك … حازت هذه الخُطة القَبول … وتم إبلاغهم بذلك … وإبلاغ الإدارة الهندسية في نفس الوقت بالعمل على تحويل أحد يخوت المنظمة إلى يخت ملكي … يسيل له لعاب «هينو» ورجاله … وفي نفس الوقت تلغيمه بأحدث تقنيات العصر من أجهزة التنصُّت صوت وصورة، وأجهزة التفجير الذاتي … والأسلحة الخفيفة المتنوعة.
وصباح يوم مشرق وجميل … استقبل ميناء «الإسكندرية» الثري العربي الأمير «أحمد بن بلال» وزوجته «إلهام» والقبطان «عثمان» وحاشيتهم … حيث استقلوا اليخت الأبيض اللامع الفخم الذي شغل عيون وقلوب كل الموجودين بالميناء.
وفي نفس اليوم كانت إحدى القنوات الفضائية قد أذاعت أنباء عن اليخت وعن الرحلة التي ينوي الأمير «أحمد» القيام بها إلى موانئ بعض دول أوروبا المُطلَّة على البحر الأبيض. فمن الذي سرَّب هذه الأنباء للقناة الفضائية؟ وما المقصود من تسريبها؟
كان هذا سؤال «إلهام» عندما رأت صورتها على شاشة التليفزيون في قُمْرتها الفاخرة، وكانت الإجابة من «أحمد» الذي كان يعاين اليخت في هذا الوقت، فقال لها: بالطبع المنظمة هي المسئولة عن هذه الأخبار … فعمليتنا سرية للغاية … أمَّا هذا الخبر … فلن يهتم به الكثير إلا رجال «هينو» هنا وعلى الجزيرة.
غادر اليخت الميناء … واستيقظ في ذاكرة «إلهام» استفهام مُحيِّر، وهو: ألم تخطط المنظمة لاقتناء السيارة «الهامر» من أجل هذه العملية؟ أين هي إذَن؟!
ها هم يغادرون «الإسكندرية» على سطح يخت … نعم إنه ضخم وفخم … غير أنه ليس هناك السيارة «الهامر» التي سافرت خصوصًا لشرائها من أجل مهام كهذه.
وخلف «أحمد» خرجت من القُمْرة وهي تسأله: أين «الهامر» يا «أحمد»؟
نظر لها «أحمد» متأملًا، فقد تَذكَّر شيئًا مهمًّا للغاية.
فأعادت «إلهام» سؤالها، ولكن بصيغةٍ أخرى، قائلةً: ألم نشترِ هذه السيارة لأجل هذه المهمة؟
أحمد: نعم … وأنا مثلك مندهش لعدم وجودها معنا … فإذا كانت الأحداث قد شغلتنا … فكيف لا تنتبه الإدارة المسئولة لذلك؟
إلهام: ألا نتصل برقم «صفر»؟
أحمد: ليس الآن … ولم تَعُد المحاولات تُجدِي، فقد غادرنا الميناء وقطعنا شوطًا لا بأس به.
وفي هذه اللحظة لحِق بهم «عثمان»، فبادرهم قائلًا: عندي لكم مفاجأة قيمة.
وكأنما كانت تتوقع ما سيقوله «عثمان»، فقالت تسأله: وما هي؟
عثمان: رفيق كنتما تتمنيان أن ينضم لنا في هذه العملية.
ولم تتمالك «إلهام» نفسها، فقالت تسأله في لهفة: السيارة «الهامر» … أليس كذلك؟!
وفي أناةٍ شديدة قال لها: نعم، هي.
– ابتسمت «إلهام» في سعادة وتبادلت نظرات الرضا مع «أحمد» الذي تنفَّس بعمق ممتنًّا للمنظمة التي لم ولن تخذله.
إذَن «الهامر» موجودة … ويجب إعداد خُطة للاستفادة منها في أرض العملية وإعداد الخُطة، ويلزم أن يكونوا بداخلها … لذلك اصطحبهم «عثمان» إلى أقصى يمين سطح اليخت … حيث بدا لهم جسد كبير مغطًّى … ظنوه قبل ذلك قارب النجاة … إلا أن «عثمان» أزاح عنه غطاءه … فلم يكن إلا «الهامر».
أكثر من ساعة قضوها ثلاثتهم داخل السيارة … ولم يشعروا بالوقت إلا عندما سمعوا طرقات مريبة على سطح اليخت … من أقصى اليسار تقافزوا في خفَّة ورشاقة حتى وصلوا إلى مكان الصوت … فلم يجدوا شيئًا غير معتاد.
وعندما هموا بالانصراف سمعوا أصوات تحركات حذِرة تتوقف عندما تتوقف حركتهم … فعادوا إلى السيارة «الهامر»، واختبئوا فيها وفي نيتهم مفاجأة صاحب الخطوات الحذِرة.
مرة أخرى عادت أصوات الأقدام … فأصاخوا السمع، وأرهفوا حواسَّهم والصوت يعلو شيئًا فشيئًا … حتى اقترب منهم وأصبح بالكاد بجوار «الهامر»، فأطلَّ «عثمان» في خفَّة من زجاج «الهامر» وأطلق ضحكة جزلى … وقال من وسط ضحكاته: لم أرَ في حياتي مغامرًا مثل هذا!
وأطلوا جميعًا من زجاج السيارة … فابتسموا حينما رأوا طائرًا كبير الحجم يمسح سطح اليخت ببصره جيئةً وذَهابًا بحثًا عن … عن ماذا؟
هذا ما قالته «إلهام» متسائلة: عن ماذا يبحث هذا المتطفل؟
أحمد: إنه يحب ما يلقيه له البحَّارة من بقايا طعام وبعض الحلوى.
علَّق «عثمان» قائلًا: لقد رأيت غرابًا ضخمًا على الشاطئ يقف على كيس مقشرات يأكل منه في نَهَم. وفي حنان الأنثى، قالت «إلهام» مشيرةً إلى الطائر: يجب أن يكون لدينا ما نقدِّمه له.
وانتبه الكابتن «عثمان» القبطان الرسمي لليخت، وقال لها: بالطبع لدينا ما نُقدِّمه له على أن يكون لديه نقود كافية.