سماسرة البحار!
رغم أن «أحمد» لم يُصدِّق ما قاله «مايكل» … إلا أنه انزعج كثيرًا عندما سمعه، فكيف يتأكد أنه جادٌّ في كلامه. غير أنه ولتعرضه لكثير من هذه المواقف … استطاع أن يخفيَ مشاعره … ونظر ﻟ «مايكل» نظرة حادَّة صارمة متسائلة … ثم قال له: سيد «مايكل» … ليس لدي وقت للعبث.
ازدادت ملامح «مايكل» جِدِّية، وأخرجَ من حنجرته صوتًا كحشرجة الموت، وقال له: أنا لا أعرف المُزَاح.
شعر «أحمد» أنه خرج من المهمة الرئيسية التي يتصدَّى لها … وانحرف إلى مواجهةٍ لم يحسب لها حسابًا … فها هو بائع روبابيكيا دولي يتاجر في كل شيء محرَّم بيعُه دوليًّا … ما بين آثار مهربة … ومرجانيات وأسماك نادرة، انتهاء بأسلحة نووية … ولأنه لم يُصدِّق الرجل … عاد يسأله من جديد قائلًا: وما السلاح الذي ستبيعني إياه؟
قال له «مايكل» في حزم: وهل ستشتري؟
ابتسم «أحمد» وهو ينظر إليه … لكي يشعر بالثقة ويتخلى عن غضبه؛ حتى لا يصطدم به مبكرًا … وقال له: سأشتري منك عندما يكون سلاحك جاهزًا للاستخدام … لكي يكون قابلًا للبيع … ولا تكون الصفقة خاسرةً بالنسبة لي.
انفرجت أسارير «مايكل»، وبدا عليه الرضا، رغم أنه حاول أن يُخفيَ ذلك، وفتح حقيبةً صغيرة في يده وأخرج منها رسومات وصورًا للرأس النووي الذي بحوزته … وبعض التقارير المفصلة عنه … وألقاها على المائدة المواجهة ﻟ «أحمد»، وقال له: ها هو السلاح النووي بين يديك … والكرة الآن في ملعبك.
أحمد: ماذا تقصد؟
مايكل: إن كان لديك العشرة ملايين فلنُنهِ الاتفاق … ضحِك «أحمد» ساخرًا، وقال له: هل أدفع عشرة ملايين في بضع صور؟
انزعج «مايكل» وبدا عليه الضيق … وقال يسأله في نفاد صبر: هل تريد رؤية الرأس النووي؟
أحمد: بالطبع.
نظر إليه «مايكل» نظرة قصيرة، ثم نهضَ واقفًا واختلى ببعض رجاله لدقائق، ثم عاد إليه مادًّا يده بالتحية … فظن «أحمد» أنه وافقَ ومدَّ يده يبادله التحية، فشدَّ الرجل على يده، وقال له: ستعود إلى يختك إلى أن نرى ما يمكن عملُه.
بدا على «أحمد» الأسف لهذه النتيجة … وقال يسأله: هل الرأس النووي ليس في حوزتك؟
هزَّ «مايكل» رأسه دون أن يعطيَ أيَّ انطباع ﻟ «أحمد»، وقال له: سيكون كل شيء على ما يُرام.
لم يفهم «أحمد» المقصود من الكلام، وقال له: هل أنت سمسار وتبيعها لصالح غيرك؟
التزم «مايكل» الصمت، وعاد للشد على يد «أحمد»، وقال له في إصرار شديد: ستعود إلى يختك وسنلتقي مرة ثانية … على أن يكون المبلغ في حوزتك … ومرة أخرى عاد «أحمد» إلى زملائه … وما إن أصبح بينهم حتى قال لهم: لا داعيَ لهذه النظرات الفاحصة، وسأخبركم بكل شيء دون ضغط.
ضحِكَت «إلهام» وقالت تسأله: هل هم من «الأوغاد»؟!
مسح «أحمد» جبينه بيده، وقال مفكرًا: إن لم يكونوا من «الأوغاد» فإنهم أخطر منهم.
ترك «عثمان» القيادة لمعاونه، وجلس ينظر له في شغف وهو يقول: كيف عرفت؟
أحمد: إنهم لصوص وسماسرة وتجار آثار وأسلحة و…
قاطعه «عثمان» يسأله قائلًا: كيف عرفت كل ذلك؟
أحمد: لقد عرضوا عليَّ شراء كل شيء نهبوه من بلدي … وأخيرًا عرضوا عليَّ أن أشتريَ سلاحًا نوويًّا.
صاح «عثمان» في انبهار قائلًا: إنها فكرة جبَّارة … سوق مُحرَّمة في عمق البحر … بعيدًا عن أي مياه دولية … أي لا يمكن لأية جهة أمنية ملاحقتهم … وبهذا تتم صفقاتهم دون خوف من ملاحقة أو تدخُّل.
أحمد: لذلك أضمن أنهم ليسوا من «الأوغاد» … لأنهم لم يحاولوا السطو على «اليخت» … أو على الأقل تجريدنا مما نملك.
إلهام: وهل كنا سنتركهم يفعلون ذلك بنا؟
أحمد: نعم لندخل المستعمرة في حمايتهم. أمَّا هؤلاء فهُمْ تجار … وبضاعتهم أكثرُ من خطيرة، وأرباحها ملايين كثيرة يدفع ثمنها البسطاء.
إلهام: هل تقصد أنهم عرضوا عليك صفقة نفايات ذرية؟
أحمد: لا يا «إلهام»، بل سلاحًا نوويًّا، وقد رأيت كتيبًا يحوي صورًا ورسومات هندسية لهذا السلاح، تشرح أجزاءه ومُكوِّناته.
عثمان: تقصد أنهم يبيعون أسرار تركيب القنبلة النووية؟
أحمد: هم لا يمكنهم الحصول على هذه الأسرار … وإن حدَث وحصلوا عليها فلن يبيعوها بأقل من مائة مليون دولار.
إلهام: وكم طلبوا منك ثمنًا لهذا الرأس النووي؟
أحمد: عشرة ملايين دولار.
وهنا سألته «إلهام» في لهفة وقلق قائلة: وهل ستعطيهم العشرة ملايين دولار؟
قال «أحمد» في جِديَّة شديدة: لو أملكها لأعطيتها لهم.
وفي دهشة سأله «عثمان» قائلًا: ولو أعطيتها لك؟
قال «أحمد» مبتسمًا: سأحتفظ بها وأبدأ بها حياتي.
قال هذا وشرَد بعيدًا … ففي رأسه ألف سؤال وسؤال … واحترم زملاؤه صمته وتركوه يفكر ويفكر … ففي ماذا كان يفكر؟ وما الذي يشغل باله غير صِدْق هذا الرجل من عدمه؟ فهل حقًّا لديه سلاح نووي، أم أنه نصَّاب كبير؟ وهل يعمل وحده مع معاونيه الموجودين معه على ظهر السفينة، أم أن له ظهيرًا من كبار رجال الحكم في بلادٍ عدَّة، وقيادات لعصابات شتى على رأسهم «المافيا» و«سوبتك»؟ إن القضية أصبحت خطيرةً، والعملية ازدادت اتساعًا باحتكاكهم بهؤلاء الرجال … وهنا … هنا فقط صرَّح بما يدور في رأسه لزملائه، وقال لهم يسألهم: هل سيمرُّ هذا الأمر بسلام، أم أن «مايكل» لن يتركنا نسير ومعنا ما نعرفه عنه من أسرارٍ ومعلومات خطيرة؟ وهل هي حقًّا معلومات خطيرة أم أنها هراءات من صُنعه يحاول بها النصبَ علينا والحصول على أكبر قدْرٍ من النقود؟
وكان ﻟ «إلهام» رأي في هذا، فقالت: لو كان لصًّا لاستعان بمن معه في السطو على اليخت وتجريدنا مما نملك. وكان ﻟ «عثمان» رأي آخر فعرضه قائلًا: لقد قال «أحمد» إنه نصاب وليس قرصانًا … فهو يدفعك لإعطائه ما معك على المركب وفي البنوك، وهو ينوي أن يكرر هذا دون مساءلة قانونية؛ ذاك أنها صفقات مشبوهة ولا يمكن أن يستعين أحد طرفيها برجال الأمن إذا ما اكتشف أنه خداع.
أحمد: وقد يكون سمسارًا نوويًّا حقًّا … وفي هذه الحالة لن يتركنا نفرُّ بما لدينا من معلومات.
إلهام: وإن لم يَكُن لدينا نقود لنشتري … فلماذا نتحمل نتيجة إفصاحه عمَّا لديه؟
أحمد: إنه ثمن المخاطرة.
عثمان: مخاطرة مَن؟! أنت لم تخاطر.
أحمد: ولكنه خاطَر بعرض ما لديه من معلومات علينا … لذلك سيدفع الثمن بأن يتحول إلى قاتل في حالة عدم إتمام هذه الصفقة.
إلهام: والحل الآن؟
أحمد: الحل هو أن أجاريَهم إلى النهاية.
إلهام: وعند النهاية يتم القبض عليهم؟
أحمد: أو علينا.
عثمان: تقصد من قادتهم؟
أحمد: هذا إن كان لهم قادة.
إلهام: وماذا ستفعل الآن؟
أحمد: سأدعوه إلى يختنا الفخم لنُنهيَ معه الصفقة.
عثمان: لن يحضر … فهو لا يشعر بسطوته إلا وهو بين رجاله وعلى مركبه.
أحمد: سيرضخ إن رآني مصرًّا.
إلهام: قد يظن أنك تلغم اليخت.
أحمد: تقصدين زرعه بكاميرات خفية وناقلات صوت؟
إلهام: نعم.
أحمد: وهذا ما سنفعله الآن.
عثمان: إن لم يأتِ؟
أحمد: سيأتي.
قالها في تحدٍّ وكأنه واثق من تأثيره على الرجل أو … تأثير النقود … لقد قرأ في عينيه أشياء كثيرة تجعله مطمئنًّا إلى أنه سيأتي … لذلك شرَع في تجهيز الأدوات والأجهزة التي سينفذ بها خُطته … وحثَّ من معه من الرجال على معاونته على الانتهاء سريعًا من هذه المهمة … أمَّا «عثمان» و«إلهام» فقد كان لهما مهمة أخرى … وهي الحصول على إحداثيات من القمر الصناعي … الخاص بالمنظمة … تُيسِّر لهم إيصال الصورة والصوت إلى مقار المنظمة المختلفة في نفس وقت نقلها.
إنها فكرة جهنمية.
هكذا قال «عثمان» وقال أيضًا: ستكون فضيحة دولية.
أحمد: نحن لن نعرضها لأحد غير رجال المنظمة والجهات الأمنية المختصة، وذلك لدواعٍ أمنية كثيرة.
وفي قلق مشروع، قالت «إلهام»: ألن يكتشفوا كل ذلك؟!
أجابها «أحمد» في ثقة بالغة قائلًا: هذا في حالة واحدة فقط.
نظر لها كلاهما في ترقُّب دون تعليق … فاستطرد قائلًا: إذا أخبرناهم نحن.
جرى العمل على قدمٍ وساق في فتح الأجربة الجلدية التي تحوي الشرائح التي تعمل ككاميرات والتي تعمل كناقلات صوت … وتم تجهيزها بإيصالها بهوائيات خاصة متطورة … وخلايا شمسية دقيقة حساسة.
وقام الفنيون العاملون على اليخت بزرعها في مواقعَ بعيدة عن الأنظار حتى يستحيل كشفها من «مايكل» أو رجاله.
وكان ﻟ «عثمان» رأي مهم وحيوي … وهو إعداد التجهيزات الدفاعية للعمل … ونصب جميع الأسلحة في مواقعها تحسبًا لأي عمل هجومي من رجال «مايكل»، وهم كثيرون كما رأى «أحمد».
وقد تفهَّم «أحمد» رأيه ووافقه عليه … رغم أنه واثق أن «مايكل» لن يُقدِم على عملٍ أخرق … ويخسر الصفقة التي يعقدها معهم … وقد علَّق «عثمان» قائلًا بسخرية: هذا إن كان هناك صفقة.
أحمد: يجب أن تُصدِّق أننا جادُّون في عَقْد هذه الصفقة مع «مايكل»، وإلا … فلن ننجح في الإيقاع بهم.
وعندما نقل عينيه إلى «إلهام» … لم تدعه حتى ينبهها هي الأخرى … بل قالت له: أنا سأجعله يعطينا الرأس النووي مقابل كلمة شرف.
ضحك «أحمد» وقال: هذا لن يحدث بالطبع … ولكن أتمنى أن أنقُل تفاصيل هذا اللقاء وأترك الباقي للمنظمة.
إلهام: إنها ستكون أغرب عملية قمنا بها.
وكعادته فجَّر «عثمان» قنبلته المدوية قائلًا: وما أخبار «مستعمرة الأوغاد»؟