الصفقة!
عاد البحار جريًا ومعه بعض زملائه إلى حيث ترك الرجل في حراسة زميله، فلم يجد لا الرجل ولا زميله، فأين ذهب؟
المفروض أنه كان سيصطحبه إلى غرفة الماكينات … وهذا يعني أنه يجب عليه البحث هناك أولًا … فاصطحب مَن معه مِن الزملاء، وذهَب إلى هناك … وفي حذَرٍ شديد فتَح الباب، فلم يرَ إلا ظلامًا حالكًا … فأضاء كشافًا يدويًّا، ودار به بين الماكينات، فسمع صوت أنين مكتوم، فجرى يبحث عن صاحبه، فاصطدم بقدم مُمدَّدة في الطريق … فاختل توازنه ووقع على الأرض، وعندما حاول أن يقف … ضربته هذه القدم ضربةً أطاحت به ليصطدم بالماكينة المنتصبة خلفه … ويسقط على الأرض جالسًا … ثم يستلقي في سكون.
دارت الكشافات من بقية الزملاء تمسح المكان بين الماكينات حتى عثروا على الرجل مُمدَّدًا … فلم ينخدعوا لدهائه، وأمسكوا به وأشبعوه ضربًا، ثم قيَّدوه بسلاسل حديدية وربطوها بأحد أعمدة تثبيت الماكينات.
عادوا إلى «أحمد» وحكَوا له ما دار … فرفع يده آمرًا البحَّارة بعدم الصعود بالغارقين وجمعهم في قارب النجاة إلى أن يُصدر أمرًا آخر.
وانتظر حتى اجتمعوا كلهم في القارب … ثم صاح مناديًا: «مايكل»، الذي لم يجبه إلا بعد أن كرَّر نداءه كثيرًا … فقال له: أنا هنا يا سيد «أحمد» … وشكرًا للموقف الذي نقفه الآن.
ثار «أحمد» لهذا الاتهام بالتقصير، وقال له: لقد فعلتُ كل ما يمكن أن يفعله أحد في موقعي … ولكن أحد رجالك ضرب الرجل الذي أنقذه … وحبسه في غرفة الماكينات … وهذا ينمُّ عن سوء نية.
مايكل: هل تقصد أننا جميعًا ننوي الاستيلاء على اليخت؟!
أحمد: هذا هو التفكير المعقول … وفي دهاء شديد … أكسبَ صوته الصدق وهو يقول: هل بعد أن أنقذتنا نفعل بك ذلك؟!
لم ينخدع «أحمد» لأسلوبه، وقال له: لقد ضاعت منك السفينة والرأس النووي والعملات الأثرية … ومعك رجال سيفتكون بك إذا لم تعطهم حقهم.
مايكل: وهل ستتركنا كلنا في قارب النجاة نصارع الموت وحدنا … أم ستجر القارب أم ستطلق علينا النار؟
أحمد: سأترككم في قارب النجاة … واليخت سيجر القارب.
مايكل: إلى أين؟ وليس معنا أوراق … فكل أوراقنا ضاعت وغرقت بغرق السفينة.
أحمد: سأُبلغ السلطات بكل هذا.
مايكل: وهل ستسلمنا للسلطات؟
أحمد: وهل لديك حل آخر؟
مايكل: أنزلنا عند جزيرة الأحلام.
ضحك «أحمد» ساخرًا، وقال له: تقصد «مستعمرة الأوغاد»؟
مايكل: لا أعرف مكانًا بهذا الاسم.
رأى «أحمد» أنها فرصته لدخول الجزيرة … غير أن «إلهام» اعترضت قائلة: إنهم جميعًا الآن يمتلئون بالغيظ منك … وإذا ذهبنا إلى هناك فلن يتركونا أحياء.
فقال لها «أحمد»: سأترك القارب على بعد ميل بحري من الجزيرة … وبعد ذلك نرحل … ونخبئ اليخت في مكانٍ آمن … ونترك به بعض البحَّارة … ثم نعود سباحةً إلى الجزيرة لنبحث عن «هينو».
إلهام: وما أدراك أن هذا الرجل ليس هو بعينه «هينو»؟
أحمد: أتقصدين «مايكل»؟
قالت «إلهام» في إصرار: نعم … «مايكل» هو «هينو».
في هذه اللحظة، تدخَّل «عثمان» قائلًا: ولماذا لا نقبض عليه الآن … ولنعتبر أنفسنا في صميم العملية؟
أحمد: تقصد أن نُنهيَ العمليةَ من هنا؟
عثمان: نعم … فالهدف من العملية هو القبض على «هينو».
أحمد: ولكن أذياله في الجزيرة ما زالوا موجودين.
عثمان: إنها عملية أخرى لتنظيف «مستعمرة الأوغاد» … أما هذه العملية فيكفيها أنها للقبض على سماسرة البحر.
كان بعض رجال «مايكل» يختبئون تحت اليخت واختبَئوا في أكثر من مكان.
وكان «أحمد» قد أُعجب باقتراح «عثمان» بالقبض على «مايكل»؛ لذلك قال له: ما رأيك يا «مايكل» لو أنك تصعد إلى هنا لنتفاوض؟
وفي حذَرٍ قال «مايكل»: نتفاوض في ماذا؟!
أحمد: في شراء السلاح النووي الذي عرضت رسوماته.
وفي حنَق قال «مايكل»: ألم ترَ أنه غرِق؟!
أجاب «أحمد» في دهاء: أنت لم تتركه يغرق … وهذه الحقيبة التي يحملها رجالك بها هذا السلاح، وأنا سأشتري منك، ولكن بشروط جديدة … وهذه الشروط أنا الذي سيُملِيها … فأنا في موقفٍ يسمح لي بذلك.
رغم أن «أحمد» كان يلاعب «مايكل» … ويدفعه دفعًا لتسليم نفسه إليه ليقبض عليه إلا أن «مايكل» صدَّقه، ورأى أنها فرصته للنجاة من الغرق، وتحقيق مكاسبه التي خطَّط لها … هذا إن لم يحقق أكثر بالاستيلاء على اليخت وإلقاء مَن عليه في البحر، فقال له: أنا أوافق يا سيد «أحمد» على هذا الاتفاق … أرجو إيجاد وسيلة لصعودي إلى سطح اليخت، ولا تنسَ أن تكون وسيلة مريحة.
ابتسم «أحمد» وقال له: أرجو ألا تَحضُر وحدك.
اندهش «مايكل» وسأله مستفهمًا: مَن سأحضر معي؟!
أحمد: الرأس النووي.
صرخ «مايكل» رافضًا وقال في حزم: لا … سيظل الرأس مع رجالي إن وافقتم … وإن لم توافقوا … فلا داعيَ لشَغْل أنفسكم بنا … ومثله صرَخ «أحمد» يُحذِّره قائلًا: وهل تأمن ألَّا يطمع فيه رجالك؟
مايكل: هذا قراري الأخير … إن حضرت فسأَحضُر وحدي بدون الرأس النووي … كل هذا وكان اليخت يبحر جارًّا القارب، فقال «مايكل»: إلى أين تأخذنا؟
أحمد: إلى جزيرتك يا سيد «هينو».
انزعج الرجل كثيرًا عندما سمِع هذا الاسم … وقال له: مَن «هينو» هذا؟
ورأى «أحمد» أن يطرق على الحديد وهو ساخن، فقال له: ألست أنت «هينو» الهارب من السجن … والمتزعم حركة الشر على الجزيرة الملعونة؟!
تسمَّر الرجل في مكانه لدقائق قبل أن ينطق مُهدِّدًا ومتوعدًا، وأخرج من ملابسه سكينًا … ثم شرَع في قطع الحبل الواصل بين قارب النجاة واليخت … وحاول «أحمد» أن يَثنيَه عن ذلك بقوله: لا يهم مَن تكون … المهم أن بيننا صفقة أريد إتمامها معك.
هينو: أية صفقة؟! ليس بيني وبينك صفقات.
أحمد: لا تكن عنيدًا … واسمع ما أقوله لك لمصلحتك.
كان «هينو» منهمكًا في قطع الحبل رغم تحذيرات «أحمد» له … وما إن انتهى من الإجهاز عليه … رأى خيالات بعض رجاله تجري في حذَرٍ خلف بحَّارة اليخت … دون أن يكتشفهم أحد … فشعر أنه ضيَّع نفسه … وضيَّع فرصته في الاستفادة مما سيفعله رجاله الآن من السيطرة على اليخت … فصاح مناديًا «أحمد» طالبًا منه أن يُلقيَ إليه بالحبل مرَّة أخرى، فهو نادم على قراره … ويرى أن مصلحته فيما سيتم بينهم من اتفاق.
وكان «أحمد» قد لاحظ ما يدور على سطح المركب … فأصدر أوامره سرًّا بمتابعته للتعامل معه … وألقى هو بالحبل ﻟ «هينو» … وعندما أمسكَ به ثبَّته على ونش اليخت ثم أداره … وانجذب الحبل بشدة … فتطوَّح «هينو» في الهواء … واصطدم أكثر من مرة بجسم اليخت.
وعلا صراخه وهو يقول: ماذا تفعل أيها الشيطان؟
ضحِك «أحمد» وهو يُعلِّق قائلًا: كيف عرفتَني؟
صرخ «مايكل» قائلًا له في لهجةٍ آمرة: أوقِف هذا العبث.
أراد «أحمد» أن يُثيرَ أعصاب المتلصصين على المركب، فصاح ثائرًا في «هينو»: أخفض صوتك أيها الحقير … أنا فقط من يُصدِر الأوامر هنا.
وكما توقَّع التقطت أذناه أصوات تكَّات أزرار أمان عدَّة مسدسات، فعرَف أن رجال «هينو» يقفون خلفه، فقال لهم: هل تريدونه بينكم؟
فصرخَ أحدهم متوعدًا بقوله: تعامل مع الزعيم باحترام!
أحمد: هل ألقي به في الماء؟
في هذه اللحظة جرى أحدهم إلى سور اليخت … فأمسك بالحبل المُعلَّق به «هينو» … وكانت فرصة ﻟ «أحمد» … فقد أمسكه مِن رقبته … واحتمى به … مصدِّرًا إياه لزملائه من رجال العصابة … وصرخ فيهم قائلًا: ألقوا أسلحتكم على الأرض.
لم يتخذ أحدهم المبادرة … ولم يستسلم أحدهم للأمر … فأعاد «أحمد» تهديده قائلًا: إن لم تلقوا أسلحتكم قتلته!
ما كاد يُتم جملته حتى انطلقت رَصاصةٌ أصابت الرجل من ظهره … فخارت قواه … وارتخت قدماه … وشعَر «أحمد» أنه تحول إلى عبء … فأخرج مُسدَّسه في خفَّة ومهارة وسرعة جنونية … ثم ألقى الرجل في وجوههم، ومن خلفه أطلقَ مجموعةً من الطلقات أصابتهم في مقتل.
وفي هذه الأثناء، كان «هينو» معلقًا في الحبل يتابع ما يدور … فترك الحبل ليسقط في الماء … ومن خلفه صدر الأمر بملاحقته وإحضاره حيًّا … وقفزت مجموعة من البحَّارة خلفه … فوجدوه مغشيًّا عليه إثر اصطدام رأسه بمؤخرة قارب النجاة.
وبالاتصال برقم «صفر» حلَّقت أربع طائرات هليكوبتر في سماء المنطقة، والتقطت كلُّ واحدةٍ منها مجموعةً من الرجال … وهم غير مصدقين!
أما الطائرة الأخيرة فقد أقلَّت «أحمد» و«إلهام» و«عثمان»، وأنزلت بدلًا منهم طاقمًا كاملًا من المنظمة للعودة باليخت وإعداده للعملية القادمة في «مستعمرة الأوغاد».