الفصل الأول
٧ مشاهد
المشهد الأول
(د. شرف الدين طبيب المصنع جالس إلى مكتبه. يدخل التمورجي شُهدِي حاملًا أحد العُمَّال
يُساعده اثنان من العُمَّال. يَضعون المريض على السرير. د. شرف الدين يُسرع إلى إسعافه.
شُهدِي
يساعده. المريض في حالةٍ سيئة يتنفَّس بصعوبةٍ. شفتاه زرقاوان.)
(د. شرف الدِّين يَجسُّ النبض.)
د. شرف الدين
:
هات لي حُقنة كورامين بسرعة.
شُهدِي
:
حاضر يا دكتور.
(يجري شُهدِي، يُحضر الحقنة، وشرف الدين يعطيها للمريض في
ذراعه.)
(العاملان لا يزالان يقِفان، ينظُران إلى زميلهما المريض في
حُزن.)
شُهدِي
:
اتفضَّلوا انتُم يا رجَّاله شوفوا شغلكم عشان احنا نشوف شُغلنا.
أحد العمال
:
فيه أمل يا عمِّ شُهدِي؟
شُهدِي
:
طول ما هو بيتنفس يبقى فيه أمل، مفيش أمل ازَّاي؟ فيه أمل. فيه.
(يخرج العاملان.)
(د. شرف الدين يَجسُّ النبض.)
د. شرف الدين
:
هات كمان حُقنة يا شُهدِي.
(شُهدِي يجري ويُحضر الحُقنة الثانية.)
(المريض يموت قبل أن يأخُذ الحُقنة.)
(د. شرف الدين يقِف أمامه حزينًا مُمسِكًا بالحُقنة في
يدِه.)
(شُهدِي يُغطِّي الميِّت بالمُلاءة.)
(الاثنان يَقِفان في صمتٍ وحزن.)
شُهدِي
:
البقيَّة في حياتك يا دكتور، الموت مكتوب علينا، ما حدِّش بيموت ناقِص عُمر.
د. شرف الدين
:
أيوه.
شُهدِي
:
بس أنا بفكَّر في ولاده ومراته، كان هو اللي بيجري عليهم ويوَكِّلهم، مالهوش حد
غيره، حيعملوا إيه بعد ما راح؟
د. شرف الدين
:
لازم نجمَّعلُهم حاجة يا شُهدِي لغاية ما يصرِفوا المعاش.
شُهدِي
:
معاشه هيِصرِف على عيِّل واحد من خمسة؛ ربنا معاهم، أنا حلمِّلْهم من العُمَّال قرشين
لحدِّ ما ربنا يفرجها.
(يسكت لحظة.)
أنا لسه لامِم منهم الأسبوع اللي فات عشان ولاد المرحوم متولي وقبل كده لميت
منهم عشان …
(يسكت لحظة.)
أهو كله بثوابه، مفيش حاجة بتضيع، القرش اللي تدفعه النهارده بيتحوِّش
لولادنا بكرة، حد عارف بكرة حيحصل إيه.
(يعود إلى حيث يجلس د. شرف الدين ساهِمًا حزينًا.)
شُهدِي
:
عاوز أقولك حاجة يا دكتور.
د. شرف الدين
(بصوت حزين)
:
إيه يا شُهدِي؟
شُهدِي
:
أنا ملاحظ …
د. شرف الدين
:
ملاحظ إيه يا شُهدِي؟
شُهدِي
:
ده رابع واحد بيموت الشهر ده يا دكتور.
د. شرف الدين
(بصوتٍ قلِق)
:
أيوه الرابع يا شُهدِي.
شُهدِي
:
قبليه كان محمد وقبله كان علي، ومتولي.
د. شرف الدين
:
أيوه يا شُهدِي.
شُهدِي
:
أنا ما بقولش حاجة يا دكتور، الأعمار بيد الله، لكن أنا لاحظت إن كلهم …
د. شرف الدين
(ينهض)
:
كلهم إيه يا شُهدِي؟
شُهدِي
:
مش عارف يا دكتور. هو حضرتك ما لاحظتش إنهم الأربعة تقريبًا …
د. شرف الدين
(قلِقًا)
:
تقريبًا إيه يا شُهدِي؟
شُهدِي
:
بقول يعني تقريبًا ماتوا موتة واحدة.
(شُهدِي يبدو عليه التوتُّر والقلق.)
د. شرف الدين
:
انت كمان لاحظت يا شُهدِي؟ أنا كنت باكدِّب نفسي وأقول إنها جايز تكون صُدفة، لكن
انت كمان لاحظت؟
شُهدِي
:
أيوه لاحظت يا دكتور.
د. شرف الدين
:
قولِّي لاحظت إيه؟
شُهدِي
:
شفايفهم يا دكتور ازرقت.
د. شرف الدين
:
هيه، وإيه كمان؟
(الدكتور يكشِف الملاءة عن وجه العامل الميِّت الراقد على
السرير. يَنظُر في وجهه لحظةً ثم يُغطِّيه.)
شُهدِي
:
لمَّا «محمد» شفايفه ازرقت قُلت لازم من رطوبة المصنع والدُّنيا شِتا، وهو طول عمره
خفيف وما يستحملش حاجة. ولمَّا «علي» شفايفه ازرقت قُلت يمكن برضه الشِّتا ورطوبة
البلاط اللي بيقف عليه سبع ساعات. ولما «متولي» راخَر قُلت إيه الحكاية؟
والنهارده، الرابع في شهر واحد؛ الفار لعب في عِبِّي.
(د. شرف الدين يمشي في قلقٍ وتوتُّر، يُفكِّر.)
د. شرف الدين
:
أنا برضه شكيت.
شُهدِي
:
شكيت في إيه يا دكتور؟
(شرف الدين صامت لا يرد.)
شُهدِي
:
طمِّنِّي يا دكتور عشان أطمِّن العمَّال أحسن …
د. شرف الدين
:
أحسن إيه، حد منهم لاحِظ كمان؟
شُهدِي
:
حضرتك عارف يا دكتور العُمَّال مشغولين على الآخِر وكل واحد منهم مَلهي في حاله
وعياله، كل واحد فيهم مِش لاحِق ياخُد نفَسه عشان يجيب لقمة العيش لولاده، لو طبِّ
اللي واقف جنبه ما حدِّش حيلاحِظ حاجة. أنا يا دكتور اللي لاحظت الزَّرَقان الغريب ده
في الشفايف.
د. شرف الدين
:
ولاحظت إيه كمان يا شُهدِي؟
شُهدِي
:
مفيش غير زَرَقان الشفايف. هو إيه ده يا دكتور؟ مرض ده ولا إيه؟
د. شرف الدين
:
ما لاحظتش الكُحَّة تاني يوم؟
شُهدِي
:
لا يا دكتور؛ أصلهم كلهم بيكُحُّوا. فيه حد ما بيكُحِّش كُحَّة طبيعية كده أو كُحَّة
سجاير.
د. شرف الدين
:
لا، بسِّ دي كُحَّة من نوع تاني؛ زي ما يكون حاجة مشروخة في الصدر، وتالت يوم نَفَسهم
ينكرِش.
شُهدِي
:
دي حاجة غريبة يا دكتور، تفتِكر هُمَّ الأربعة ماتوا بعَيا واحد؟
د. شرف الدين
:
ده اللي مخوِّفني يا شُهدِي؛ وعشان كده لازم آخُد عيِّنة من الرِّئة المَرَّة دي
وأبْعتها المعمل عشان تتفحص. هات لي مَشرط يا شُهدِي.
شُهدِي
:
حاضر يا دكتور.
(يُناوِله المشرط. د. شرف الدين يكشِف صدر الميِّت ويأخُذ
العيِّنة.)
(ظلام.)
المشهد الثاني
(د. توفيق في مكتبه، جالس وأمامَه الميكروسكوب، ينظر فيه. د.
شرف الدين واقِف إلى جواره.)
د. توفيق
:
تعالى يا شرف الدين بُص كده!
(د. شرف الدين ينظُر في الميكروسكوب.)
د. توفيق
:
شايف إيه؟
(شرف الدين يرفَع وجهَه إلى توفيق في صمتٍ وقلَق.)
د. توفيق
:
إيه؟ شُفت إيه؟ ساكِت ليه؟
د. شرف الدين
:
أنا مش ساكت.
د. توفيق
:
ما انت ساكت اهُه!
د. شرف الدين
:
بس عاوز اتأكد تاني.
(د. شرف الدين ينظر مَرَّة أُخرى في الميكروسكوب.)
د. توفيق
:
باينة زي الشمس.
د. شرف الدين
:
الزر…
د. توفيق
:
الزَّرقا.
د. شرف الدين
:
الزَّرقا؟
د. توفيق
:
أيوه الزَّرقا.
د. شرف الدين
:
المسألة تبقى خطيرة يا توفيق.
د. توفيق
:
طبعًا خطيرة، أنا مش عارف الميكروب ده جه للمصنع مِنين؟
د. شرف الدين
:
يمكن من دفعة الأرانب الأخيرة التي جت من استراليا.
د. توفيق
:
لازم هيَّ دُفعة الأرانب الأخيرة. وحتعمِل إيه يا شرف الدين؟
د. شرف الدين
:
دي مشكلة كبيرة؛ الزرقا مرض مُعدي، الأرانب تنقله للإنسان في تلات ايام يكون
انتهى.
د. توفيق
:
ومالوش علاج لغاية النهارده.
د. شرف الدين
:
مفيش علاج، لكن مُمكن نحمي العُمَّال من العدوى.
د. توفيق
:
ازَّاي؟
د. شرف الدين
:
طبعًا في المصنع الحالي مش مُمكن؛ المصنع قديم، أصله ماتبناش عشان يبقى مصنع،
المصنع ده لازم ينهد، رطوبة وضلمة وغير صحي بالمرة، لازم ينهد ويتبِني مصنع جديد
يفصل بين الأرانب والعُمَّال، انت عارف الزَّرقا بتنتقل عن طريق الهواء، ولو فصلنا
الأرانب عن العمال حنمنع العدوى منهم. المصانع في استراليا كلها بالشكل ده. إيه
رأيك يا توفيق؟
د. توفيق
:
والله أنا مافْهَمش في الحاجات دي، إحنا لازم نروح نقول للدكتور فهيم؛ هو
المسئول وعليه هوَّ اللي يفكر ويشوف الحل.
د. شرف الدين
:
يالا بِينا بسرعة.
(ظلام.)
المشهد الثالث
(الوالي جالس إلى مكتبه الفاخر. الأستاذ الدكتور فهيم جالس
أمامه في تأدُّب واحترام.)
الوالي
(قلق)
:
والأرانب يا دكتور فهيم، مفيش أي خطر على الأرانب؟
د. فهيم
:
لا يا فندم زي ما أكدت لسيادتك الأرانب تحمل الميكروب بس ولا تِعياش أبدًا.
الوالي
:
برضه مش قادر أفهَم إزاي الميكروب يعيش جُوَّه رئة الأرانب وما يعملش حاجة ولما
ينتقل للبني آدم يجبله الزَّرقا، أو البلا الأزرق ده؟
د. فهيم
:
دي حاجات معروفة في الطب يا فندم، وفيه ميكروبات كتير بالشكل ده؛ تعيش جُوَّه
الحيوان ولما تنتقل للإنسان تسبِّبله المرض.
الوالي
:
الأرانب هُمَّ ثروة البلد، راسمالنا الوحيد، مش عاوز يكون عندي أي شك إنها ممكن
تكون مُعرَّضة لأي خطر.
د. فهيم
:
من ناحية الأرانب يا فندم مفيش أي خطر، الخطر على العُمَّال.
الوالي
:
احنا عندنا كام أرنب السَّنَة دي؟
د. فهيم
:
١٣ مليون يا فندم.
الوالي
:
أفتكر انهم بيزيدوا بمُعدَّل كويس.
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
يبدو إن حبوب زيادة النسل إلي انتم بتدُّوها لها من السَّنة اللي فاتت جابت
نتيجة.
د. فهيم
:
أيوه يا فندم، الحبوب زودت نسل الأرانب إلى حوالي ٥٠٪.
الوالي
:
كويس خالص، والنسل الجديد قوي وصحته كويسة؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
والدفعة الجديدة من الأرانب الأسترالي كلها كويسة؟
د. فهيم
:
كلها كويسة.
الوالي
:
وهي اللي جابِت الزَّرقا؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
انتم مش بتاخدو منها عيِّنات قبل ما تحطُّوها مع الأرانب التانية؟
د. فهيم
:
أخذت عيِّنات يا فندم، وكانت كلها سلبية. سعادتك عارف إن العينة وبالذات في
الزرقا جايز تكون سلبية لكن الميكروب يكون كامن جُوه الرئة.
الوالي
:
شيء غريب فعلًا! ومفيش أي أرنب ظهرت عليه أي أعراض؟
د. فهيم
:
لا يا فندم مش مُمكن تظهر عليه أي أعراض لأن الأرانب مش بتعيى بالزرقا. من
ناحية الأرانب سعادتك تكون مطمِّن وعلى مسئوليتي أنا، الخوف على العمال.
الوالي
:
ازَّاي؟
د. فهيم
:
الزرقا في ٣ أيام بتقضي على العامل.
الوالي
(قلق)
:
يعني مُمكن تخلص على العمال بتوعنا؟
د. فهيم
:
لا يا فندم، الزرقا مش بتنتِشر بسرعة، انتشارها بطيء.
الوالي
:
بطيء ازَّاي؟
د. فهيم
:
يعني بتصيب عدد قليل من العمال؛ العامل القوي اللي صحته كويسة مُمكن يقاومها،
لكن العامل اللي جِسمه ضعيف بتقضي عليه، وكمان الميكروب ميتحملش الحرارة والشمس؛
وعشان كده تقريبًا بيموت في الصيف.
الوالي
:
لله في خلقه شئون.
د. فهيم
:
الشهر اللي فات مات أربعة من العمال.
الوالي
:
اشمعنى يعني أربعة؟
د. فهيم
:
كان مُمكن يبقى أقل من كده أو أكثر شوية، لكن على العموم تقريبًا نسبة انتشار
الزَّرقا زي ما قُلت لسعادتك انتشارها بطيء لكن بتستمر سنوات كتيرة.
الوالي
:
سنوات طويلة؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
وكل شهر تموِّت أربع عمال؟
د. فهيم
:
تقريبًا يا فندم.
الوالي
:
أربعة في ١٢ شهر يعني حنفقد حوالي خمسين عامل في السنة.
فهيم
:
تقريبًا يا فندم.
الوالي
:
وقُلت لي إن مفيش علاج لها لغاية النهارده؟
د. فهيم
:
أيوه.
الوالي
:
إذن مفيش في إيدنا حاجة نعملها يا د. فهيم.
د. فهيم
:
مفيش، لكن … مُمكن نمنع المرض.
الوالي
:
مش فاهم.
د. فهيم
:
المصنع الموجود مصنع قديم زي ما سعادتك عارف، ماتبناش في الأصل عشان يبقى
مصنع.
الوالي
:
لكن بقى مصنع وشغَّال كويس والإنتاج بيزيد. مش كده ولا إيه؟
د. فهيم
:
أيوه بيزيد يا فندم.
الوالي
:
إحنا زِدنا أد إيه السَّنة دي؟
د. فهيم
:
حوالي ٥٠٪ يا فندم.
الوالي
:
يعني زي نِسبة زيادة الأرانب.
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
كويس خالص.
(الوالي يصمت ويفكر لحظة.)
الوالي
:
تعرف يا دكتور فهيم؟ أنا لسه مش مُتصور ازَّاي الميكروب يعيش جُوه رئة الأرانب،
وما يسبِّبش لها أي مرض.
د. فهيم
:
ربنا خلَقه كده يا فندم.
الوالي
:
ربنا كبير، عالم بحالنا، لو جرى أي حاجة للأرانب البلد تضيع يا دكتور فهيم.
فاهم تضيع يعني إيه؟
د. فهيم
:
فاهم يا فندم، سعادتك تكون مطمِّن خالص على الأرانب، أنا احب افكر سيادتك إن
احنا فقدنا أربعة من العمال.
الوالي
:
اشمعنى الأربعة دول اللي جالهم الزرقا؟
د. فهيم
:
جايز جسمهم أضعف، جايز مناعتهم أقل، سنهم أكبر …
الوالي
:
يعني الميكروب بيختار الأضعف؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
ميكروب عنده عقل! والميكروب ده يستمر كده؟
د. فهيم
:
هو بيزيد في الشِّتا عشان البرد والعطس؛ الميكروب زي ما قلت لسعادتك بينتقل عن
طريق الهوا.
(الوالي ينظُر إلى الهواء في قلقٍ وفزَع.)
الوالي
:
الهوا؟ يعني مُمكن يوصل لغاية عندنا؟
د. فهيم
:
لا يا فندم مش مُمكن؛ الميكروب بيموت بسرعة في الجو، وخصوصًا إذا كان فيه شمس
وهوا، الميكروب لا يمكن يقدر يخرج بره المصنع.
الوالي
:
الكلام ده أكيد مية المية؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم، دي حاجة معروفة في الطب.
الوالي
:
يعني مفيش خطر علينا، أي احتمال لأي خطر؟
د. فهيم
:
مفيش أي خطر يا فندم، الخطر بس على اللي جُوه المصنع، أو اللي يدخل المصنع.
الوالي
:
كان لازم تنبِّهني للمسألة دي يا د. فهيم؛ أنا كنت نازل مرور للمصنع بُكرة.
د. فهيم
:
ما كُنت حقول لسعادتك.
الوالي
:
وانت كمان يا د. فهيم بلاش تروح المصنع، إدِّي تعليماتك من مكتبك؛ إنت راجل كفء
ومُخلص للبلاد ولازم نحافظ عليك.
د. فهيم
:
أشكرك يا فندم.
الوالي
:
انت قُلت حنخسر كم عامل تقريبًا في السنة؟
د. فهيم
:
حوالي ٥٠ عامل.
الوالي
:
عدد مش كبير بالنسبة لعدد العُمَّال عندنا، ومُمكن تعويضهم من الدُّفعات الجديدة
اللي بتاخدوها كل سنة، بيتقدِّم لكم طلبات كثيرة مش كده؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
الأيدي العاملة عندنا كثيرة قوي، وكل سنة بتزيد عن السَّنة اللي قبلها،
وإمكانياتنا محدودة ومَصنعنا ما بيقدرش يشغل كل دول، بنواجه مشكلة بطالة،
ومشكلة عيال بيتوِلدوا وبيزيدوا يوم ورا يوم، لا لهم شغل ولا لهم أكل، أجيب منين
يا د. فهيم؟ أنا قلت لك تشُفلي حل في المشكلة دي.
د. فهيم
:
أنا كلفت الدكتور المُختص اللي اكتشف الحبوب اللي زودت نسل الأرانب، إنه يعمل
بحوث ويحاول يشوف دوا يقلل نسل البني آدمين.
الوالي
:
وعمل إيه؟
د. فهيم
:
هو اكتشف دوا تشربه الست من دول معلقة تلات مرات في اليوم الواحد، بعد أسبوع
واحد نسلها يقل ٥٠٪.
الوالي
:
يعني الست من دول اللي كانت بتولد عشر عيال تولد خمسة؟
د. فهيم
:
أيوه، النسبة طلعت كده من التجارب بتاعتنا.
الوالي
:
برضه مش كفاية يا د. فهيم، أنا عاوز الست الي كانت بتولد خمسة تولد واحد بس.
كفاية عيِّل واحد؛ احنا عندنا نسبة بطالة كبيرة. انت بيتقدم لك كام طلب كل سنة
عشان يشتغلوا في المصنع؟
د. فهيم
:
حوالي ألفين طلب يا فندم.
الوالي
:
وبتقدر تشغل كام؟
د. فهيم
:
حوالي ٢٠٠ أو ٢٥٠، بالكتير ٣٠٠ حسَب حاجة المصنع.
الوالي
:
يعني بتشغل العُشر.
د. فهيم
:
تقريبًا.
الوالي
:
يبقى عيِّل واحد برضه كتير يا د. فهيم. احنا عاوزين نخفض عدد الناس للعُشر؛
يعني الست اللي كانت بتولد عشرة تولد واحد بس، واللي بتولد خمسة تولد نُص.
د. فهيم
:
نص؟
الوالي
:
النسبة لازم تبقى كده عشان نقضي على البطالة.
د. فهيم
:
أنا حكلف الدكتور المُختص يبحث عن دوا تاني أكثر فاعلية.
الوالي
:
متشكر يا د. فهيم. لازم وراك شُغل.
د. فهيم
(ينهض)
:
أيوة يا فندم، بس كنت عايز آخد رأي سعادتك في موضوع الزَّرقا.
الوالي
:
رأي في إيه؟
د. فهيم
:
قصدي حكاية أربعة أو خمسة من العُمَّال يِعيُوا ويموتوا كل شهر دي جايز تخلِّي
العُمَّال يلاحظوا إن فيه حاجة مش طبيعية.
ثم إن الدكاترة حللوا وعرفوا الميكروب.
الوالي
:
وإيه فايدة ما عرفوا؟ هل عندهم علاج؟
د. فهيم
:
مفيش علاج للمرض نفسه، لكن الدكاترة بيقولوا إن العلاج الوحيد هو إن احنا
نمنع المرض.
الوالي
:
إزاي؟
د. فهيم
:
كان عندهم اقتراح؛ بيقولوا إن احنا نهد المصنع القديم ونبني مصنع جديد يتصمم
بطريقة حديثة، بحيث إن الأرانب تعيش في غُرفة خاصَّة معزولة عن العُمَّال. أستراليا
عملت كده.
الوالي
:
واحنا زي استراليا يا د. فهيم؟! أنا مش عارف الدكاترة بتوعك عايشين معانا ولا
في المريخ. تفكيرهم ده يدل على إنهم يجهلوا الواقع بتاعنا، يجهلوا إمكانياتنا.
التفكير العِلمي هو التفكير اللي يتمشى مع الواقع، أما الأحلام والأفكار الخيالية
دي كلها دليل الجهل والرعونة. أنا حاهِدِّ المصنع وابني مصنع جديد بأدِّ إيه وعشان
إيه؟ حادفع كام وآخُد كام؟ الهد والبُنا يكلفنا أد إيه؟
د. فهيم
:
حوالي ١٠ مليون جنيه.
الوالي
:
أدفع عشرة مليون جنيه منين وعشان إيه؟ عشان أوفَّر خمسين أو ستِّين عامل في السنة
بيجيلي بدلهم كل سنة ألفين؟
د. فهيم
:
هو فعلًا اقتراح خيالي شويه يا فندم؛ أصلهم شباب.
الوالي
:
مش خيالي بس، ده اقتراح يدل على عدم الوعي. أنا مش عارف الدكاترة ليه دايمًا
أفكارهم قاصرة بالشكل ده؟ ده لأنهم معزولين عن المجتمع، مش فاهمين المشاكل اللي
بتواجهنا.
د. فهيم
:
أصلهم محصورين في أبحاثهم الطبية. هم يفهموا في الميكروبات والأمراض
والهرمونات ده تخصُّصهم يا فندم.
الوالي
:
وهم عرفوا إن فيه زَرقا في المصنع؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم؛ هُمَّ اللي حللوا وعرفوا.
الوالي
:
تدِّي أوامر لهم إن ما حدِّش يقول حاجة للعمال؛ مش عاوز العُمَّال يعرفوا. لو عرفوا
حيهربوا من المصنع والبلد كلها تجوع. احنا كلنا عيشين على المصنع. مش كده ولا
إيه؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
صوف الأرانب بتعنا واخد سُمعة طيبة في كل حتة، مش عاوز العُمَّال تعرف حاجة، لو
عرفوا حيهربوا والمصنع يقفل، العُمَّال مش حيفكروا في مصلحة البلد، هم حيفكروا بس
ازَّاي يهربوا من المصنع، مفيش عندهم رُوح التضحية من أجل البلد، كل واحد حيفكر
في نفسه وبس. مش كده ولا إيه يا د. فهيم؟ وعشان كده عاوزكم تعملوا لهم توعية
وطنية، والعامل منهم لازم يبقى فوق مصلحته الخاصة، يبقى عنده إحساس بالصالح
العالم ومُستعد يموت وهو واقف قُصاد آلته في المصنع، عشان مصلحة البلد، بالظبط زي
الجندي اللي بيموت على مدفعه وهو بيحارب من أجل الوطن. فاهِمني يا د. فهيم؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم.
الوالي
:
والدكاترة بتوعك يا د. فهيم لازم يعرفوا إن مفيش حاجة اسمها زرقا في مصنعنا،
مصنعنا نضيف زي الفل وشغال عال العال؛ إذا كان فيه تلاتة أو أربعة من العمال
بيِعيُوا أو بيموتوا كل شهر فده شيء طبيعي، ما حدِّش ما بيعياش ومفيش حدِّ ما بيمُتش.
في كل بلاد العالم فيه ناس بيِعيُوا وناس بتموت، ربنا اللي بيموِّت مش الزرقا، لا
يمكن حتة ميكروب مفعوص يموِّت بني آدم واحد من غير إرادة ربنا. مش عارف ليه يا
دكتور فهيم أنا بلاحظ إن الناس اللي بيدرِسوا الطب بيبعدوا شويه عن ربنا! غرور
يا د. فهيم، غرور؛ بيتصوَّروا انهم ما دام عرفوا حاجة عن الأمراض أو الميكروبات
أو قِدروا ينقذوا بعض الأرواح، خلاص عرفوا سر الكون، مع إني مُتأكد ومؤمن إيمان لا
يَقبل الشك إن مفيش رُوح واحدة يقدر الدكتور ينقذها إلَّا إذا ربنا أراد، وإذا
ربنا ما أرادش لازم العيَّان يموت غصْب عن أي دكتور. مش كده ولا إيه يا د. فهيم؟
د. فهيم
:
تمام يا فندم.
الوالي
:
عشان كده أنا عاوزك تعمل شوية توعية دينية للدكاترة بتوعك؛ أنا بصراحة حاسس
إنهم بيبعدوا عن الدين شوية شوية.
د. فهيم
:
لا يا فندم، كلهم مؤمنين وكويسين والحمد لله، لكن برضه زي ما سعادتك أمرت؛
نعمل لهم توعية.
(الوالي ينهض. يقترِب مع د. فهيم ناحية الباب.)
الوالي
:
وزي ما قلت لك، تدِّي أوامرك من مكتبك وما تنزلش المصنع، أنا عارف إنه أحيانًا
بتجيلك نوبات عاطفية غريبة، أنا شخصيًّا بسمِّيها تهور، تقوم تتهوَّر وتنزل مرور
المصنع. أنا بمنعك بالأمر من نزول المصنع؛ حياتك مش مِلكك، دي ملك البلد، ولازم
نحافظ عليها، لازم نحافظ على العقول البشرية تمام زي ما أنا مؤمن باستثمار
الثروة القومية بتاعتنا. فكرتني! أنا كنت عاوز أسألك سؤال صغير؛ يا ترى هل
الحبوب اللي بتزود نسل الأرانب ممكن تزود نسل الإنسان؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم، بس بدل ما نستخدم هرمون أرنب نستخدم هرمون إنسان.
الوالي
:
يا سلام! الطب ده علم عظيم خالص. الحقيقة أنا عاوز اسألك كمان سؤال؛ انت يا
دكتور راجل علمي ولا حياء في العلم، الجماعة بتاعتي، قصدي يعني السيدة زوجتي
تموت موت في الأطفال، ومش مكفيها الولدين اللي عندنا، ودايمًا تزن على دماغي
عاوزة عيال تاني، عاوزة تاني، وتقعد تقولي: واحد والي عظيم زيَّك لازم يجيب عشر
عيال على الأقل يورثوه ويحملوا اسمه ومجده. لكن مش عارف يا د. فهيم، انت دكتور
وراجل علمي ولا حياء في العلم، مش عارف، أنا يظهر عجزت (يبتسِم في حياء) أو يمكن من الإرهاق وكُتر الشغل،
الواحد ما بقاش زي الأول، لكن الغريبة يا د. فهيم، وانت راجل عِلمي ومفيش
حياء في العلم، الغريبة إن الرَّغبة زي ما هي، بل بالعكس يمكن زادت عن الأول،
الرغبة عندي كويسة خالص إنما (يبتسِم في
حياء) انت فاهمني يا د. فهيم؟
د. فهيم
:
أيوه فاهِم سعادتك.
الوالي
:
تفتِكر يا د. فهيم الدَّوا ده اللي بيزوِّد النسل يفيد في الحالة بتاعتي؟
د. فهيم
:
أيوه يا فندم، لازم يفيد، وإن ما كنش يفيد أكلِّف الدكتور المُختص إنه يبحث عن
حاجة أكثر فاعلية.
(الوالي يضحك.)
الوالي
:
مُتشكر قوي يا د. فهيم، أنا باعتبر الناس اللي عندهم عقل زي عقلك ثروة، ثروة
قومية لازم الحِفاظ عليها.
(الوالي يضحك بانشراح.)
المشهد الرابع
(د. فهيم جالس وأمامه الميكروسكوب ينظر فيه، في حجرة الطبيب
بالمعمل، د. شرف الدين والدكتور توفيق واقفان إلى جواره.)
(د. فهيم يرفع رأسه ببطءٍ من فوق الميكروسكوب وينظر إليهما وهو
يبتسِم ابتسامة الأساتذة الكبار.)
د. فهيم
:
مين اللي قال إن ده ميكروب الزَّرقا؟
د. شرف الدين
:
أنا يا فندم.
د. توفيق
:
وأنا كمان شُفته.
د. فهيم
(بلهجة الأساتذة الكبار)
:
انتم نِسيتم الطب ولا إيه؟ ميكروب الزَّرقا طويل زي العصايا مش مُمكن يكون بيضاوي
بالشكل ده، وكمان مالوش ديل، ومش ممكن يكون «أسد
فاست» بالشكل ده، ماقدرش أقول إن ده زرقا، ماقدرش أحلف إن ده
زرقا؛ انتم عارفين إن في الأمراض الخطرة زي الزَّرقا الدكتور مِننا لازم يتروى
وما يصدرش أي حكم إلا وهو متأكد كل التأكد.
د. شرف الدين
:
والعُمَّال الأربعة يا د. فهيم، الأربعة جات لهم نفس أعراض الزَّرقا، شفايفهم ازرقت
والكحة.
د. فهيم
:
هي كل شفايف تزرق تبقى من الزَّرقا يا شرف الدين؟! فيه ناس شفايفهم تزرق من
البرد، وانت عارف المصنع بلاط ورطوبة والعُمَّال بيهملوا في صحتهم، وطبعًا حالتهم
المالية تعبانة، ما يقدروش يشتروا بلوفرات صوف زي ده (يشير إلى بلوفر توفيق)، وما يقدروش ياكلوا زبدة في الفطور،
زائد انهم بيبقوا مُرهقين من الشغل والإرهاق طبعًا بيقلل مُقاومتهم للبرد، وجسمهم
ضعيف وخصوصًا إذا كانوا كبار شوية في السن. الزرقا مش لعبة، ده مرض قاتل وخطير
وعشان أقول إن في زرقا لازم أكون متأكد. أنا كأستاذ طب لازم أكون متأكد، أنا
كأستاذ طب لا يمكن أقول إن ده ميكروب الزَّرقا مية في المية.
د. توفيق
:
مفيش حاجة مية في المية يا دكتور فهيم، مفيش حقيقة في الدنيا لا تقبل
الشك. ومع ذلك فإن كل الأعراض والتحليل بتقول إنها زَرقا.
د. فهيم
:
مين قال مفيش حاجة مية في المية؟ مين قال إن مفيش حقيقة لا تقبل الشك؟ انت
مثلًا، انت توفيق، الدكتور توفيق مية في المية. حد يقدر يقول غير كده؟ أهي
دي حقيقة مية في المية. إنما إنك تبُص لي في الميكروسكوب وتشوف حاجة طويلة زي
العصايا تقوم تقول عليها زرقا! فيه ستين حاجة طويلة زي العصايا بنشوفها تحت
الميكروسكوب، فيه ستِّين سبب في الطب بيخلي الشفايف تزرق في الشِّتا، فيه ستين سبب
للموت، والأمراض عندنا كتيرة والميكروبات أشكال وألوان، اشمعنى بس الزَّرقا اللي
جت في دماغكم؟ إحنا ناقصين أمراض؟ انتم مش مقدرين خطورة المرض ده، مش عارفين
زرقا يعني إيه! زرقا يعني المصنع يتقفل. مش فاهم ازَّاي تقولوا ببساطة كده وبدون
أي إحساس بالمسئولية إن دي زرقا؟ (ينظر إلى شرف
الدين) وانت كمان يا شرف الدين، تلميذي اللي علمته الطب واللي
علمته ازَّاي يفكر كويس قبل ما يصدر أي حكم؟!
د. شرف الدين
:
كل إنسان بيغلط يا د. فهيم؛ أنا آسف.
د. توفيق
:
وحنعمل إيه دلوقت يا د. فهيم؟
د. فهيم
:
حنعمل إيه في إيه؟ كل حاجة تمشي زي الأول، وعاوزكم تطمِّنوا العُمَّال خالص، ولو
حد سأل عن أي حاجة تفهِّموهم إن ده كله من برد الشِّتا والشِّتا عمره قصير وقرَّب يخلص
وكل حاجة تبقى عال، وعاوزكم تقعدوا مع العمال وتثقفوهم؛ لازم تبقى عندهم ثقافة
عامة، ويهتمُّوا بالمسائل العامَّة أكتر من اهتمامهم بمسائلهم الشخصية. أنا عمري ما
قعدت مع العُمَّال في اجتماع إلا وكل طلباتهم مطالب خاصَّة. (ينظر في ساعته) ياه، أنا ضيَّعت وقتكم. (ينهض) أسيبكم بقى عشان تشوفوا شغلكم وربنا
يوفقكم.
(يخرج.)
المشهد الخامس
في نفس المكان
(د. شرف الدين ود. توفيق وحدهما ينظران إلى بعضهما البعض في
صمت.)
د. شرف الدين
:
إيه رأيك يا توفيق؟
د. توفيق
:
رأيي هو رأي د. فهيم.
د. شرف الدين
:
يعني الميكروب اللي شُفته مش الزَّرقا؟
د. توفيق
:
د. فهيم بيقول إنه مش زرقا يبقى مش زرقا، ده رأيه. إيه رأيك انت؟
د. شرف الدين
:
د. فهيم أستاذي وماقْدرش غير إني أصدقه، لكن الحقيقة الواحد اتلخبط؛ أنا شُفته
بعيني، زي الزَّرقا تمام، لكن د. فهيم مش مُمكن يغلط في حاجة زي دي.
د. توفيق
:
طبعًا هو مش مُمكن يغلط في حاجة زي دي، لكن مُمكن إنه ما يقولش الحقيقة.
د. شرف الدين
:
هو ما قلش الحقيقة؟
د. توفيق
:
طبعًا ما قلش الحقيقة. أنا مُتأكد إنها زرقا، متأكد زي ما أنا متأكد اني واقف
قدامك كده.
د. شرف الدين
:
مش معقول! وليه ما قلتش للدكتور فهيم كده؟ ليه سكت؟
د. توفيق
:
وانت ليه سكت؟
د. شرف الدين
:
أنا لما سمعت كلامه غلَّطت نفسي، قلت لازم هو اللي صح وأنا اللي غلط، هو أستاذي
ويعرف أكتر منِّي في الطب، لكن انت ازَّاي تبقى مُتأكد أنك صح وتسكت؟
د. توفيق
:
حقول إيه يا شرف الدين؟ أنا فهمت كل حاجة.
د. شرف الدين
:
فهمت إيه؟
د. توفيق
:
د. فهيم جاي من عند الوالي ودي أوامر عُليا لازم نقبَلها.
د. شرف الدين
:
مش مُمكن يا توفيق، د. فهيم ما يعملش كده، مش ممكن يكدب علينا بالشكل ده، مش
ممكن يكون عارف إنها زرقا ويقول إنها مش زرقا.
د. توفيق
:
ده شايفها بعينه يا شرف الدين، وده أستاذ كبير ومش ممكن حاجة بسيطة زي دي
تفوت عليه، دي باينة زي الشمس.
د. شرف الدين
:
د. فهيم مش مُمكن يكدب في حاجة خطيرة زي دي، لو كان واحد غير د. فهيم كنت أنا
أصدق، لكن أنا أعرف الدكتور فهيم من ١٥ سنة، كان أستاذي واشتغلت معاه كتير، كان
مَثلي الأعلى، كان يشجعني على إني أكون صادق دايمًا، مش ممكن د. فهيم يكذب علي.
د. توفيق
:
ما تحكمشي عليه كان زمان إيه، احكم عليه دلوقت بعد ما قعد على الكرسي وبقه
مسئول كبير؛ الكرسي بيغير الناس يا شرف الدين.
د. شرف الدين
:
مفيش أي كرسي يقدر يغير د. فهيم. كان دايمًا يقوللي الناس نوعين يا شرف
الدين؛ ناس الكرسي يغيرها وناس هي اللي تغير الكرسي.
د. توفيق
:
كلهم كده، طول ما هُمَّ على البر شاطرين في الكلام. ويا سلام الواحد منهم يتهيأ له
إن آخر قوة. اللي على البر شاطر يا شرف الدين ولمَّا الواحد منهم يقعد على الكرسي
ويحس بيه ويملاه ويريح جُواه، خلاص بقه واحد تاني.
د. شرف الدين
:
مش كلهم يا توفيق؛ فيه ناس بتقاوم.
د. توفيق
:
أيوه يمكن تقاوم القوة اللي تقدر تقاومها، لكن القوى اللي أكبر منها ما تقدرشي
تقاومها، وده بالطبع منطق راجل علمي زي د. فهيم؛ الدكتور فهيم راجل عنده عقل،
مش مجنون، عاوزه يقاوم الوالي؟! وانت عارف الوالي يعني إيه! الوالي يعني الجيش
والبوليس والمباحث والفلوس والعلم والفن والحرية والهوا والميه والأكل، أكلنا
وأكل ولادنا وكل حاجة في حياتنا؛ مفيش غير المجنون هو اللي يقدر يصارع كل
القوة دي، ده كأنه بيصارع الطبيعة تمامًا.
(د. شرف الدين يُطرق مُفكرًا لحظة ويهزُّ رأسه بالنفي.)
د. توفيق
:
برضه لسه ما اقتنعتش يا شرف الدين؟
د. شرف الدين
:
مش قادر اقتنع يا توفيق، مش قادر أتصور إن د. فهيم عارف إنها الزَّرقا ويقول
مش زرقا، مش ممكن يسيب العمال يِعيُوا ويموتوا.
د. توفيق
:
لاحظ إن الزرقا بتمشي ببطء، وكون أربعة أو خمسة يِعيُوا ويموتوا في الشهر مسألة
بسيطة، الناس عندنا على قفا مين يشيل والعدد في اللمون، البني آدم عندنا رخيص
يا شرف الدين، رخيص لأنه موجود ومتوفر وزيادة عن اللازم، زي قطع الغيار
الموجودة في السوق في أي وقت وبأي تمن، لما تخسر قطعة غيار من دول ترميها
وتشتري غيرها؛ لأن تمن الجديدة أرخص من تصليح القديمة، المسألة في كل حتة في
العالم بتتحسب بالشكل ده، هو ده الحساب المنطقي في كل الأسواق العالمية، العرض
والطلب، المكسب والخسارة.
د. شرف الدين
:
الدكتور فهيم تفكيره مختلف يا توفيق؛ د. فهيم عمره ما حسب المسائل بالشكل
ده، طول عمره يحترم الإنسان وعمره ما استرخصه حتى وهو عيَّان أو غلبان، لسه فاكر
ازَّاي كان بيغطِّي العيَّان لما يكشف عليه قدَّامنا واحنا طلبة، لسه فاكر ازَّاي كان
بيخلي تلاتة بس منَّا يكشفوا على العيَّان عشان ما يتعبش. غيره من الأساتذة كانوا
بيعملوا إيه؟ مش فاكر الأستاذ اللي كان يسيب خمسين طالب يضغطوا بالسماعات على
قلب الطفل الصغير لغاية ما تحفر السماعات على صدره حفرة مدورة غويطة وحمرا؟ مش
فاكر الأستاذ اللي ضرب العيَّان الشاب قلَم على وشه لأنه رفض يقلع هدومه كلها قُدَّام
الطلبة والطالبات؟ مش فاكر الأستاذ اللي كان يعرِّي العيَّانة قصادنا كلنا في عزِّ
البرد وخمسين واحد مننا يفعص بصوابعه في جسمها؟ الدكتور فهيم ما كانش بيعمل
كده، عمره ما عمل كده، ولولا الدكتور فهيم أنا كنت كرهت الكلية وسبت الطب لكن
هو اللي خلَّاني أكمل.
د. توفيق
:
يا سلام على السذاجة والبراءة! لولا إنك كنت زميلي في الكلية ولولا إني عارف
مية المية إنك اتخرَّجت معايا من الطب، لا يمكن بتفكيرك ده أقول عليك دكتور. انت
دخلت الطب ليه يا ابني؟ اللي زيَّك دول ما ينفعوش في الطب، أحسن لك تروح تكتب
روايات أو شِعر أو حاجات كده من بتاعة الخيال والعواطف؛ الطب علم، والعلم واحد + واحد
= اتنين، اتنين بالظبط، لا يمكن يكونوا تلاتة ولا يمكن يكونوا واحد ونص،
اتنين بالظبط، ده علم الحساب، الدكتور فهيم راجل عِلمي وشاطر في الحساب ولولا
إنه شاطر في الحساب ما كانش نجح في عالم بيحسب ليل نهار، ما كانش نجح ووصل في
وسط ناس بيجروا ويتنافسوا والأشطر يكسب. وطبعًا مفيش مانع من شوية عواطف كده
زي البهارات تتحط من فوق وما تكلفش حاجة، زي إنك تغطي عيان غلبان عشان ما
يبردش، أو ما تحطش رجلك على سرير العيان، حاجات كده ظريفة وإنسانية ترضي ضمير
الواحد وتخليه يحس بالسعادة، زي ما تدي قرش لشحَّات وانت ماشي في السكة، صدقة
حلوة تخلي أمثالك من السُّذَّج يبصوله بإعجاب وحب. إنما عند الجد، لما الكرسي اللي
قاعد عليه يهتز، لما رزقه ورزق عياله يبقى مُهدَّد بالقطع، المسألة تبقى عاوزة
تفكير وعاوزة عقل وعلم وحساب، حساب دقيق جدًّا جدًّا، واحد + واحد = اتنين،
اتنين بالظبط، لا يمكن يكونوا تلاتة ولا يمكن يكونوا واحد ونص. وفي الحالة دي
مفيش حاجة اسمها عواطف، مفيش حاجة اسمها إنسانية، مفيش زرقاء. العواطف
هنا اسمها سذاجة، رعونة. والإنسانية هنا طيش، جنون. إنما العقل، يا سلام على
عقل الدكتور فهيم فهمي؛ أحسن واحد يعقل في الحالة دي.
(د. توفيق يضحك بسخرية.)
د. شرف الدين
:
انت طول عمرك كده يا توفيق، ما تفرَّقشي بين الإنسان الكويس والوحش، كل الناس
عندك وحشين، كل الناس عندك يضعفوا قصاد الفلوس والدرجات والكراسي. أنا معاك فيه
ناس كتيرة كده، لكن الدكتور فهيم غير دول مش مُمكن أنخِدع فيه ١٥ سنة، مش ممكن.
انت دخلت عيادته؟ لو دخلت عيادته تلاحظ إنه مش معلق يافظة الأسعار زي ما
الدكاترة بيعملوا؛ ده بقرش وده بقرشين. عمره ما تاجر بالطب، عمره ما أخد فلوس من
عيَّان غلبان مش قادر يدفع. أظن يعني كل الناس عارفة عنه الحكاية دي.
د. توفيق
:
ما هي برضه ضمن العواطف اللي تنفع أكتر ما تضر؛ على السُّمعة الحلوة دي عيادته
مليانة كل ليلة زي الرُّز واللي يقدر يدفع أكتر من اللي ما يقدرشي يدفع. دول ناس
بحورهم غويطة يا شرف الدين، ناس يعرفوا يحسبوا كويس، كل حاجة عندهم لها تمن
ولازم تجيب تمنها حتى ولو كانت عاطفة كده، عابرة.
شرف الدين
:
كلامك دايمًا يتعبني يا توفيق، كلامك دايمًا يخنقني، بيخلِّي كل حاجة في عيني
وحشة والدنيا كلها وحشة، ازَّاي انت قادر تعيش بكل الأفكار السودة اللي جُوَّاك دي؟
توفيق
:
انت بتسمي الأفكار الواقعية العلمية أفكار سودة؟ بقول لك يا شرف الدين يا
ابني انت أطيب من انك تفهم العلم! ظلموك اللي عملوك دكتور. الناس اللي طيبين
زيك يروحوا يشتغلوا بالمسائل الرُّوحانية أو في الفن، ده انت كمان أطيب من انك
تكون فنان؛ لأن الفنان لازم يكون شرير عشان يفهم شرور الحياة ويصورها للناس،
انت أطيب من انك تكون حاجة خالص، أطيب من إنك تكون إنسان. حقك تكون ملاك بجناحين
وتطير فوق فوق وتعيش في السما.
شرف الدين
:
أنا مانيش ملاك ولا حاجة يا توفيق، أنا عارف كويس إن الدنيا مليانة شرور،
لكن بالنسبة للدكتور فهيم بالذات … انت ما تعرفشي الدكتور فهيم في نظري إيه!
أنا كنت باعتبره مَثلي الأعلى في الحياة، أنا كنت بَلِفِّ وادُور في الحياة وبعدين
أرجع ألاقيه الإنسان الوحيد اللي يقف جنبي وانا مهزوم، كان هو الشيء الوحيد
اللي بيخليني أحس إن الدنيا فيها خير، وفيها حب وإنسانية. كان هو إيماني الوحيد،
كانت بتمر بي ظروف قاسية وخت مقالب كتيرة من ناس كتيرة لكن هو! أفتكر إنه بس
موجود كنت باطمِّن واستريَّح. أرجوك يا توفيق ما تهِزِّش ثِقتي فيه، وخصوصًا في حاجة
خطيرة زي دي، لا يمكن الدكتور فهيم يسيب العمال تِعيا وتموت، لا يُمكن يكدِب عليَّ
ويقول مفيش زرقا. مش يكدب، حيكدب ليه؟!
توفيق
:
حيكدب ليه؟! أما انت ساذج صحيح! حيكدب لأنه مش قادر يعمل حاجة. حيعمل إيه؟ فكرة
إنك تهد المصنع وتبني مصنع جديد مش مسألة سهلة، فين الفلوس اللي حيبني بها؟
شرف الدين
:
يعني مفيش عشرة مليون جنيه في البلد، يعني ما نقدرش نبني مصنع جديد؟
توفيق
:
ما نقدرش نبني، وفيه حاجات كتيرة بنقدر نبنيها، فيه بيوت جميلة بتتبني ويسكن
فيها ناس محترمين، فيه بيوت زي القصور بتنبني للناس المحترمين الغاليين، اللي
تمنهم غالي قوي، مش زي قطع الغيار الرخيصة، بني آدمين كل حتة فيهم غالية؛
بيوتهم غالية، هدومهم غالية، ضوافرهم غالية، اللون اللي بيدهنوا بيه ضوافرهم
غالي، كُحتهم غالية؛ الواحد منهم يكح كحة واحدة بس ويصرف عليها الآلافات. فيه
فلوس مش مفيش يا شرف الدين، لكن هي فين ومع مين وبتندفع في إيه؟ فيه أولويات
للدفع يا شرف الدين، أولويات. مش عارف أولويات يعني إيه؟ باين عليك ما درستش
تخطيط.
(شرف الدين شاردًا صامتًا.)
توفيق
:
سرحان في إيه يا شرف الدين؟
شرف الدين
:
برضه أنا متأكد إن الدكتور غير دول كلهم؛ د. فهيم لا يمكن يسيب الزَّرقا بين
العُمَّال في المصنع ويسكت، لا يمكن يسيبني أنا (يسكت
لحظة) لا يمكن يسيبني أنا كمان أروح المصنع وهو عارف إن فيه زرقا،
كان على الأقل ينبهني. صدقني يا توفيق لازم تصدقني، أنا متأكد من د. فهيم،
أعرفه أكتر ما اعرف نفسي، أقسم لك بشرفي وحياتي، أقسم لك بكل ذرَّة من وجودي وكل
فكري وكل قلبي إن د. فهيم إنسان مختلف عن اللي انت بتصوره، إنسان مختلف، لا
يمكن يِسبني أرُوح المصنع وهو عارف إنه بيعرض حياتي للخطر، كان على الأقل يقولي
أو ينبِّهني عشان آخد احتياطي.
(توفيق يسكت طويلًا مُفكرًا مُتأثرًا.)
توفيق
(بصوت رقيق)
:
كلامك خلَّاني اتلخبط، يمكن صحيح مفيش زرقا يمكن، مش ممكن! فهيم يكدب ويكدب
عليك بالذات في حاجة خطيرة زي دي، أنا قرَّبت اعتقد فعلًا إنه مش ممكن يكدب،
إيمانك القوي بيه عدَاني، الإيمان القوي زي المرض المُعدي، أنا ابتديت أحس إن
اللي أنا شُفته بعيني في الميكروسكوب مش الزرقا، أنا حاسس دلوقت براحة، يمكن
لأول مرة أحس بالراحة دي، تستعجب يا شرف الدين لو قلت لك إن الراحة اللي أنا
باحسها دلوقت عمري ما حستها أبدًا، لأ وانت صادق حسيتها مرة واحدة بس لما شفت
اسمي في كشف الناجحين في نهائي الطب، حسيت إن عبء كبير بيتشال من على أكتافي
وحسيت براحة، لأ برضه ما كانتش زي دي، فاكر إني اتضايقت ساعتها لأني ما كنتش من
الأوائل وعرفت إن النيابة في القصر العيني راحت منِّي (يسكت لحظة مُفكرًا) لكن أنا متأكد إني حسيت الإحساس ده مرة قبل
كده، امتى وفين مش فاكر بالظبط، أيوه افتكرت (يبتسم
لنفسه) كنت في أولى طب وأول ليلة أروح فيها لواحدة ست، حسيت زي
ما يكون جسمي ده تقل جسمي كله بينشال من على كتافي، (يسكت لحظة) لأ برضه ما كانش زي دي، فاكر إني ساعتها اتضايقت.
(يضحك) كانت أول تجربة في حياتي وما كنتش عارف إني لازم أدفع قبل ما امشي، الحقيقة كنت عارف
بس نسيت أو انكسفت
أديها فلوس، وتصوَّر هي اللي فكرتني، فكرتني بصوت غريب وحاد لسه في وداني،
أحيانًا أسمعه، لما بيجي العيَّان يخرج من الباب وينسى يدفع أقوم أفكره وأقول له
هات الكشف، لحظتها صوتي يرن في وداني غريب وحاد شبه صوتها. تصور أول مرة أقول
الحكاية دي لحد، ويمكن أول مرة أقولها لنفسي، عمري ما فكرت فيها وتصورت إني
نسيتها (توفيق ينظر في ساعته) يا خبر أنا
ضيَّعت وقتك يا شرف الدين في كلام فارغ، كان لازم تكون في المصنع (يسكت لحظة مُتذكرًا) انت رايح المصنع برضه؟
شرف الدين
:
أيوه.
(توفيق يتَّجِه ناحية الميكروسكوب.)
توفيق
:
طيب استنى لما ألقي نظرة أخيرة.
(توفيق نظر في الميكروسكوب لحظة، ينهض فجأة.)
توفيق
:
هو بعينه الزرقا، مش ممكن عيني تخدعني بالشكل ده، مش ممكن تضيع سبع سنين طب
وسنتين دبلوم وتلاتة دكتوراه، أنا شايف إنها الزرقا يا شرف الدين. تعالى بص
تاني كده.
(شرف الدين يسير إلى الميكروسكوب وينظر بهدوء.)
د. شرف الدين
(بصوت هادئ يُشبه صوت د. فهيم)
:
ميكروب الزَّرقا يا توفيق زي العصايا، مش ممكن يكون بيضاوي بالشكل ده، وكمان
مالوش ديل، ومش ممكن يكون «آسد فاست» بالشكل ده.
(يتجه ناحية الباب) أنا تأخرت ولازم أروح المصنع بسرعة.
المشهد السادس
(في حجرة د. شرف الدين بالمصنع.)
(د. شرف الدين والتمورجي شُهدِي يُسعفان عاملًا يُحتضَر راقدًا على
السرير، العامل يموت، شُهدِي يُغطيه بالملاءة، د. شرف الدين يجلس مُنهارًا من التَّعب
على
الكرسي، العرق يتصبَّب منه، يبدو عليه الإرهاق الشديد.)
(شُهدِي ينظر إليه طويلًا في صمت وتأثُّر.)
شُهدِي
:
تعرف يا دكتور شرف الدين انت وانت قاعد كده بتفكرني بمين؟
د. شرف الدين
(في إعياء)
:
مين؟
شُهدِي
:
الدكتورة نادرة، كانت في شغلها زيك بالظبط، تموِّت نفسها من الشغل، ليل نهار،
كانوا العمال يحبُّوها حب، ما كناش نِحسِّ انها دكتورة؛ تاكل معانا وتسهر معانا،
ووشها دايمًا يبتسم، عمرها ما كشرت في وش عيَّان. والله يا دكتور شرف الدين اللي
يشوفك يقول أخوها ولا قريبها. حضرتك تعرف الدكتورة نادرة؟
شرف الدين
:
لأ، ما عرفهاش يا شُهدِي؛ الدكاترة كتير والدكتورات كتير.
شُهدِي
:
لأ لأ، هي مش زي الدكاترة، ولا الدكتورات، هي واحدة تانية خالص يا دكتور شرف
الدين، خسارة انك ما تعرفهاش، خسارة يا دكتور شرف الدين لأنها الخالق الناطق
شبهك بالظبط، حتى قعدتها على الكرسي ده لما كانت يا عيني تقع من التعب، تمام
هي القعدة، يا سلام ربنا ده كبير يخلق من الشبه أربعين!
(يسير شُهدِي نحو العامل الميِّت ويُحاول أن يحمله.)
المشهد السابع
المسرح مُظلم. ضوء خفيف يظهر عند مدخل المسرح من ناحية اليمين. يظهر في الضوء شُهدِي
حاملًا العامل على كتفَيه ويسير به ببطء مُجتازًا خشبة المسرح. موسيقى حزينة، يخرج شُهدِي
بحمله من الناحية اليسرى.
المسرح يظلُّ مُظلمًا خاليًا، ضوء خفيف يظهر، تظهر من ناحية اليمين امرأة ترتدي السَّواد
تجري بسرعة المذهولة ومن خلفها أطفال صغار يجرُون خلفها، يجتازون المسرح بسرعة ويخرجون
من الناحية اليسرى.
المسرح مُظلم وخالٍ تمامًا، صمت.
تُسمَع صرخة امرأة مكتومة: آه يا ضنايا.
صمت وظلام والمسرح خال.
يُسمَع صوت نحيب مكتوم: آه يا ربي.
صمت وظلام.
تُسمَع صرخة طفل صغير يبكي.
صمت وظلام والمسرح خالٍ.
يضاء المسرح في استراحةٍ قصيرة.