كنز من فضة!
كان الليل قد هبط منذ ساعة، والهدوء يخيِّم على كلِّ أجنحة المقر السري. لكن مراكز الأبحاث فقط كانت مضاءةً في ذلك الوقت، وكانت تعمل بنشاط غريب، حتى إن ذلك المنظر لفت نظرَ «أحمد»؛ ففي العادة تكون مراكزُ الأبحاث في مثل هذا الوقت قد ركنَت إلى الهدوء. كان «أحمد» يرقب مراكز الأبحاث المضاءة من نافذة غرفته، وهو يستعدُّ للذهاب إلى مطعمِ المقرِّ لتناوُل طعام العشاء.
قال في نفسه: لا بد أن هناك عمليةً جديدة، وأن مراكز الأبحاث تجهِّز لهذه العملية.
رغم أنَّ هذا شغَل تفكيرَه، إلا أنه في النهاية غادر الغرفةَ في طريقه إلى المطعم، وقبل أن يدخل كان صوتُ «فهد» يقطع عليه الطريق متسائلًا: أليسَت هذه مسألة لافتة للنظر؟!
ابتسم «أحمد» وهو يُخفي ما يفكِّر فيه، وأجاب بتساؤل آخر: ماذا تعني؟!
قال «فهد»: إن مراكز الأبحاث لم تُخفض إضاءتَها كالعادة، وهذا يعني أن هناك شيئًا ما!
نظر «أحمد» إلى «فهد» لحظة، ثم قال: لقد فكرتُ في ذلك فعلًا.
ثم أضاف بعد لحظة أخرى: هل توصلتَ إلى شيء محدد؟!
أجاب «فهد»: لقد تذكرتُ ما قاله رقم «صفر» في آخر اجتماع لنا، من أن عملاءَنا يُتابعون عمليةً ما، لم تتضح تفاصيلُها بعد!
هزَّ «أحمد» رأسَه وهو يقول: هذا صحيح، إنني أتذكَّر ذلك الآن فعلًا!
جاء صوتُ «إلهام» من داخل المطعم الصغير يقول: لا أظن أنكما تُخفيان شيئًا. يجب أن تنضمَّا إلينا، فهناك ما نناقشه. وأظن أنه يشغلكما أيضًا!
ابتسم «أحمد» و«فهد»، وعلَّق «أحمد»: لا بد أنهم يتساءلون كما نتساءل!
ثم دخل الاثنان معًا. كان المطعم الصغير مجهَّزًا بطريقةٍ تكفي لاجتماع الشياطين فقط على الطعام، فهناك المطعم الكبير، الذي يتَّسعُ لكلِّ العاملين في المقر السري. بالإضافة إلى المطاعم المنتشرة في الأقسام الأخرى. كان المطعم الصغير تصميمُه مختلفٌ؛ فهو عبارة عن نصف دائرة، حتى يتمكن الشياطين من الحديث معًا، أثناء تناولهم الطعام جاء مقعد «أحمد» و«فهد» في جانب من نصف الدائرة. وعندما جلسَا …
قال «عثمان»: ما رأيكما فيما يشغلنا من أفكار!
قال «فهد» ضاحكًا: نتساءل كما تتساءلون!
ضحك الجميع … وقال «بو عمير»: أعتقد أن الأمور لن تتأخر كثيرًا، ما دام العمل قائمًا على قدمٍ وساقٍ!
فجأةً تردَّدَت إشارة، جعلَت الشياطين يتوقَّفون عن أكل الطعام، ونظروا إلى بعضهم في دهشة. كانت الإشارة تعني أن هناك اجتماعًا سريعًا بعد نصف ساعة.
قال «عثمان»: إذن، فلنُكمل عشاءَنا بسرعة!
قالت «زبيدة»: يبدو أن مراكز الأبحاث قد انتهَت من عملها الآن!
مرة أخرى فجأة، ساد الصمتُ على كلِّ شيء … واستغرق الشياطين في تناول العشاء، بينما كان «أحمد» ينظر في ساعته بين كلِّ لحظة وأخرى. وقبل أن ينتهيَ الآخرون من عشائهم. كان «أحمد» قد سبقهم، ووقف استعدادًا للانصراف.
قالت «ريما»: هل ستذهب إلى قاعة الاجتماعات مباشرة؟
ابتسم «أحمد»، وقال: سوف أمرُّ على غرفتي أولًا!
ثم خرج مباشرة. كانت مراكزُ الأبحاث قد خفضَت إضاءتَها … ففَهِم «أحمد» أن المغامرةَ قد تحدَّدَت. دخل غرفتَه بسرعة. وما إن فتح دولاب الملابس حتى كانت شاشةُ التليفزيون تستقبل رسالةً من رقم «صفر»، ظهرَت مكتوبة. كانت الرسالة تقول: «يجري الآن تجهيز فرقة «فرنسية»، وأخرى «عمانية» للقيام بانتشال «كنز من الفضة» تزيد قيمتُه على ٣٠٠ مليون دولار … «كنز الفضة» موجود داخل حطام سفينة «أمريكية» غَرِقَت في المحيط الهندي بعد أن أصابها طوربيدٌ أثناء الحرب العالمية الثانية، واسمها «جون باري»، وتُقدَّر حمولة السفينة بأكثر من ألفَي طنٍّ من الفضة في شكل عملات كانت في طريقها إلى «السعودية» وسبائك أخرى كانت مرسلةً إلى البنك المركزي «الهندي».»
«كنز الفضة» موجودٌ الآن على عمقِ ثمانيةِ آلاف قدمٍ تحت مياه المحيط. قرأ «أحمد» الرسالةَ في دهشة، فهذه أولُ مرة يخصُّه رقم «صفر» بالمعلومات قبل الشياطين. لكن دهشتَه لم تستمرَّ؛ فقد جاء صوت رقم «صفر» يقول: لا تندهش، لقد أردتُ فقط أن أختصرَ الوقت؛ فهناك رسالة من عملائنا من «اليمن» يقولون إنهم أمام إضافة جديدة سوف تُفيدنا في عمليتنا!
صمت رقم «صفر» لحظة، ثم أضاف: سوف أجتمع بكم فقط كالقاعدة التي نتبعها، ثم أترك لك الفرصة، حتى تجهز كلَّ شيء، حتى يحين موعدُ الاجتماع، وفي تلك الأثناء ربما تكون المعلومات الجديدة قد وصلَتنا. إن العمليةَ كلَّها الآن، مَن يسبق الآخر في الحصول على «الكنز الفضي». فهناك عددٌ من العصابات قد بدأَت تتحرك، ويجب أن يكون الشياطين هناك، وإلا ضاعَت الفضة التي هي ملك «السعودية» من جانب، وملك «الهند» من جانب آخر، وهو بلد صديق.
ثم أضاف مرة أخرى: الآن، إلى الاجتماع، وسوف ألقاك هناك!
اختفى صوتُ رقم «صفر»، واختفَت الرسالة من فوق شاشة التليفزيون، لكن «أحمد» استعادها في ذاكرته بسرعة، حتى يؤكِّد أرقامها. وكانت الأرقام ألفَي طن من الفضة، قيمتها أكثر من ٣٠٠ مليون دولار، موجودة على عمق ثمانية آلاف قدم. ولم ينتظر طويلًا؛ فقد أخذ طريقَه إلى حيث الاجتماع في القاعة الصغرى.
كان الشياطين قد وصلوا جميعًا إلى هناك. ولم يبقَ سوى «أحمد» الذي ما لَبِث أن ظهر على باب القاعة، حتى اصطدم بنظراتِ الشياطين. كانوا وكأنهم يطلبون منه الكلام. لكنه نظر إليهم بابتسامةٍ صغيرة، ثم أخذ طريقَه إلى مقعده، وما إن جلس حتى جاء صوتُ رقم «صفر» يقول: مرحبًا بكم! وحتى لا نُضيعَ وقتًا، فتفاصيل المغامرة الجديدة عند «أحمد»، لكن الجديد الذي أُضيفه الآن، هو ما استجد من معلومات؛ فقد ظهرَت بعضُ الريالات الفضية في سوق العملات القديمة. وهذا يعني أن أحدًا قد وصل إلى «كنز الفضة»، هذا يعني في نفس الوقت، ضرورة التحرك من الآن فورًا!
صمتَ لحظة ثم أضاف: إن مجموعة مغامرة «كنز الفضة» سوف تجدونها في غُرَفِكم … بعد لحظات. توقَّف عن الكلام لحظة، ثم قال: أتمنَّى لكم مغامرة جيدة وانتصارًا، أعرف مقدَّمًا أنكم سوف تحققونه ثم اختفى صوته.
نظر الشياطين إلى «أحمد» الذي قال: هيَّا بنا؛ فالوقت الآن من ذهب. ثم ابتسم وعلَّق: وليس من فضة!
انصرف الشياطين مسرعين. لكن علامات الدهشة كانت تغطِّي ملامحهم، فهم حتى الآن لا يعرفون شيئًا، ولا يفهمون شيئًا. مع ذلك كان عليهم أن يَصِلوا إلى غُرَفِهم، حتى يعرف كلٌّ منهم مهمتَه؛ ولذلك، لم يسأل «أحمد» أحدٌ أيَّ سؤال؛ فقد انصرفوا في صمت.
في غرفة «أحمد» جاءَت الأسماء على شاشة التليفزيون، وكانت تضمُّ «فهد»، و«خالد»، و«باسم»، و«بو عمير». بعد أن قرأها «أحمد» أسرع يُعِد حقيبتَه السرية. لكن فجأة أعطى جهاز التليفون إشارةً جعلَته يضغط زرًّا فيه، فجاء صوت «فهد» يقول: متى نلتقي؟!
قال «أحمد»: بعد عشر دقائق!
لم يعلِّق «فهد» بكلمة، واختفى صوتُه بعد أن قال: إذن … إلى اللقاء!
في دقائق كان «أحمد» يأخذ طريقَه إلى حظيرة السيارات، حيث يلتقي مع الشياطين هناك، كان الصمت يُحيط بكل شيء هناك، وكانت نسمات الليل الباردة قليلًا تدفع النشاطَ في أجسام الشياطين.
كان الأربعة يقفون عند السيارة في انتظار «أحمد»، وما إن ظهر حتى قفزوا داخلها. جلس «خالد» إلى عجلة القيادة، فانطلقَت السيارة كالصاروخ، وما إن اقتربَت من البوابات الصخرية، حتى انفتحَت في صوتٍ مكتوم. وعندما تجاوزَتها انغلقَت مرة أخرى، وهي تُحدِث نفسَ الصوت. وعرف الليل سيارة الشياطين التي كانت تشقُّ الظلام، بينما تبدو أنوارها كأنها نجومٌ تجري في الفضاء.
فجأةً قال «فهد»: لم نعرف حتى الآن تفاصيل مغامرتنا!
استغرق «أحمد» في التفكير لحظة. ثم أخذ يشرح هدفَ المغامرة. كان الشياطين يسمعون في تركيز شديد، وقد امتلأَت ملامحُهم بالجدية. وعندما انتهى «أحمد» من كلامه … تساءل «باسم»: هل سننطلق إلى «الهند» أولًا؟!
قال «أحمد»: أظن أنه ينبغي أن نتَّجهَ إلى «عمان»، ومن ميناء «صلالة» نكون عند أقرب نقطة إلى حيث يوجد الكنز!
سأل «بو عمير»: لقد مرَّت حتى الآن سبع وأربعون سنة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فقد انتهَت عام ١٩٤٥م. أليس لهذه السنوات تأثيرٌ على وجود الفضة في قاع المحيط الهندي؟!
لم يردَّ «أحمد» مباشرة. لكنه قال بعد لحظة: إن ظهور الريالات الفضية كما قال رقم «صفر» يعني أن الفضةَ لم تتأثر بوجودها في هذا المكان. ولا بد أنها كانت منقولةً بطريقة تكفل لها السلامة. ربما كانت داخل صناديق حديدية، وربما كانت معالجة بطرق كيماوية تحفظها. فالشركات التي صدَّرت الفضة إلى «المملكة العربية السعودية»، كانت تعرف أن المنطقة خطرة. فاليابان كانت طرفًا في الحرب، كما نعرف. وكان تعرُّضُ السفينة «جون باري» للخطر موضوعًا في حساب هذه الشركات. واستمر الحوار بينهم، حتى لمعَت في الأفق أنوارٌ شاحبة. ظلَّت تظهر أكثر كلما … اقتربَت السيارة … وكانت هذه الأنوار للمطار الذي سينطلقون منه إلى حيث «كنز الفضة».