الرقم الكودي «٩»!
كان على الشياطين أن ينزلوا أولًا في مطار «صنعاء» الدولي في «اليمن». ومن هناك يتجهون إلى ميناء «صلالة» في «عمان»؛ حيث يكون في انتظارهم عميل رقم «صفر». وتكون هذه هي البداية، وهذا ما حدث بالضبط؛ فعندما وصلوا إلى الميناء العربي، كان أول ما فعلوه أن اتصلوا بالعميل الذي رحَّب بهم … ثم قال: إن التقاء النقطة «م» مع النقطة «ر» يوضح المكان الذي ستنزلون فيه، والعنوان تحدِّده النقطتان. وداخله سوف تجدون كلَّ شيء. وأنا في انتظار اتصالاتكم!
انطلق الشياطين إلى العنوان الذي حدَّده عميل رقم «صفر»، وهناك بالقرب من الشاطئ كان يوجد مبنى قديم له عراقة التاريخ. قبل أن يتقدَّم منه الشياطين. وقف «بو عمير» يقول: إنه مبنًى رائع؛ فهو على الطراز الإسلامي …
أضاف «خالد»: كيف لا نفكر في قضاء إجازة في هذا المكان البديع؟!
عندما وقف «أحمد» أمام باب المبنى. انفتح مباشرة، حتى إن الشياطين نظروا إلى بعضهم البعض.
قال «أحمد»: يبدو أنه مجهز بأحدث الأجهزة!
ابتسم «فهد»، وقال … وهو ينظر إلى أعلى الباب: إنها بالتأكيد لا تخفى علينا!
تساءل «باسم»: ماذا تعني؟
قال «فهد» وهو يتقدَّم: هيَّا بنا ندخل أولًا، ثم أُخبرك!
وما إن دخل الشياطين حتى انغلق الباب وحده، فابتسم «فهد» قائلًا: هذا تأكيد آخر! مرة أخرى تساءل «باسم»: هل اكتشفتَ شيئًا؟
قال «فهد»: إن مبنى يدخله رجال رقم «صفر» لا بد أن يكون مجهَّزًا فعلًا بهذه الطريقة! ثم ضحك قائلًا وهو يوجِّه الكلام إلى «أحمد»: هل اكتشفتَ شيئًا؟
ابتسم «أحمد» … وهو يرقب الزخرفة العربية على جدران المكان: طبعًا، ولا أدري كيف فات ذلك على «باسم»؟!
كان «باسم» ما زال يقف حائرًا، بعد قليل قال: إنني أمامكم، كأني أواجه اختبارًا. مع ذلك، دعوني أَقُل لكم إنَّ فتْحَ الباب يخضع لتحكُّم داخلي. ونحن لم نستخدم رموزًا لفتح الباب ولا بد أنه يعمل بأشعة تبعًا لحرارة الأجسام …!
ضحك «أحمد»، وقال: لا بأس مما قلت. إن هناك عدسات سحرية، لا أظن أنها تغيب عن الشياطين تنقل صور الواقفين على الباب إلى محطة استقبال صغيرة في الداخل ثم تنقلها بدورها إلى محطة استقبال أخرى في مقر عميل رقم «صفر» الذي يُعطي أمرًا إلكترونيًّا فيفتح الباب.
ظهرَت الدهشة على وجه «باسم»، وقال: إنه شيء مدهش، خصوصًا في هذا المبنى. فهو لا يُوحي بهذا أبدًا.
تنقَّل الشياطين في أركان المبنى الصغير المجهز. كانت هناك شاشةٌ تليفزيونية كبيرة تتوسط حجرة المكتب. وقف «أحمد»، وقرأ بعض التعليمات، ثم ضغط أحدَ أزرار الجهاز، فظهرَت صورة الميناء على الشاشة. كانت الحركة نشيطة في الميناء، ناقلات البترول، وبواخر محملة بالبضائع تأخذ طريقَها إلى رصيف الميناء، وركاب من كل جنس ولون.
قال «أحمد»: يبدو أن العدسات وُضعت في مكان مرتفع، وأعتقد أن زاوية الكاميرا من أعلى!
ظلوا يرقبون الحركة في الميناء. فجأة قال «بو عمير»: لا أظن أن إحدى العصابات سوف تبدأ من هذه المنطقة التي سنبدأ منها!
أجاب «أحمد»: بالتأكيد، فهم سوف يأتون من «المحيط الهندي»، ولا أظنهم سيدورون حول «رأس الرجاء الصالح»؛ فالمسافة طويلة وتحتاج إلى وقت طويل، ولا بد أنهم سيأخذون طريق «قناة السويس»؛ فالبحر الأحمر إلى حيث نقطة البحث!
ثم أضاف بسرعة: ما لم يتجهوا إلى «الهند»، ومن ميناء «بومباي» إلى نقطة البحث أيضًا!
تساءل «خالد»: ألَا يستخدمون الطيران المائي؟!
ردَّ «بو عمير»: لا أظن؛ فحمولة الكنز ضخمة جدًّا، وهي تحتاج لباخرة، وليس شيئًا آخر!
تساءل «خالد» مرة أخرى: هل يمكن استخدام غواصة مثلًا!
ردَّ «أحمد»: أستبعد ذلك، فهذه مسألة مكلفة جدًّا! ثم أضاف إن الطريق التقليدي هو الذي سوف يُتبع فيما أظن. فالمسألة لن تتمَّ بين يوم وليلة … هذه مسألة تحتاج إلى وقت.
قال «باسم»: متى سنرحل؟!
ردَّ «أحمد»: عندما نعرف من العميل إمكانياتنا في التحرك.
سأل «فهد»: لقد فكرت في حكاية ظهور الريالات السعودية. ماذا كان يعني رقم «صفر»؟!
قال «أحمد»: إن ذلك يؤكد من جهةٍ وجود الكنز. ومن جهة أخرى أن هناك مَن وصل إلى الفضة فعلًا. وأن ما هو موجود يستحق عناء المغامرة!
ثم أضاف: علينا الآن أن نجهِّز أنفسنا استعدادًا للرحيل!
نظر في ساعة يده … ثم قال: باقٍ من الزمن ساعة على ظهور أول شعاع ضوء. وهذا يعني، إما أن نتحرك خلال هذه الساعة، أو نؤجِّل تحرُّكَنا إلى بداية ليل الغد!
ولم ينتظر «أحمد»؛ فقد رفع سماعة التليفون، وضغط زرًّا، فجاء صوت العميل يقول: إن أحدًا لم يَصِل إلى نقطة البحث بعد. وهذا يعطيكم فرصةَ الراحة اليوم. هذا إذا قررتم الانتظار. أما إذا قررتم الرحيل، فإن ذلك ينبغي أن يتمَّ فورًا قبل طلوع النهار.
انتظر لحظة، ثم قال: إن الرقم الكودي هو «٩٠ – ٥ – ٩٠»، والمكان عند النقطة «ل». هل أستطيع أن أعرف اقتراحاتكم؟!
قال «أحمد»: سوف نتصل بك مرة أخرى!
وضع السماعة ونقل للشياطين ما سَمِعه من العميل. ثم سأل: هل نرحل الآن؟!
قال «باسم»: إن ذلك يتوقف على سرعة اللنش الذي سننطلق به!
ثم أكمل «فهد»: هذا صحيح. فإن كان متوسط السرعة، فإن ذلك يستدعي أن نتحرك فورًا، وإن كان فائقَ السرعة، فإننا نستطيع أن نبيت الليلة، وننطلق غدًا!
في النهاية استقر الرأي على العودة إلى العميل رقم «صفر» الذي يستطيع أن يحدد المسافة والسرعة. رفع «أحمد» سماعة التليفون وضغط زرًّا، فجاءه صوت العميل يقول: هل اتخذتم قرارًا؟!
نقل «أحمد» له مناقشاتِ الشياطين، فقال العميل: إذن تستطيعون المبيت الليلة، والانطلاق غدًا ليلًا، وليكن بعد انسحاب آخر ضوء في النهار!
ثم تمنَّى لهم نومًا هادئًا. نقل «أحمد» للشياطين ما قاله العميل. فقال «باسم»: هذا قرار طيب؛ فأنا في أشد الحاجة إلى النوم.
لم تمضِ دقائق، حتى كان الشياطين قد غَرِقوا في نوم عميق؛ فقد أجهدَتهم الرحلةُ وطولُ السهر. مع ذلك فقبل أن ينتصفَ النهار، كان «أحمد» يفتح عينَيه ليرى الشياطين كلَّهم غارقين في النوم. ابتسم وقال في نفسه: إنها رحلة شاقة فعلًا، ولا أحدَ يعرف متى يمكن أن ننام مرة أخرى! وفي هدوء، غادر الغرفة إلى الحمام. حيث أخذ حمَّامًا ساخنًا، دفع النشاط إلى عروقه.
ثم اتجه إلى نافذة في صالة المكان فتحَها … فجاءَته نسائمُ «بحر العرب». كانت المياه ممتدة إلى مرمى البصر. وتردَّدَت في ذهنه كلمات: كم في أعماقك من أسرار أيها البحر العظيم. وارتسمَت ابتسامةٌ هادئة على وجهه، فاستغرق في زرقة المياه متأملًا. ولم يقطع عليه تأملَه إلا صوتُ «فهد» يقول: صباح سعيد يا صديقي العزيز!
التفتَ إليه «أحمد» مبتسمًا ابتسامةً عريضة، وقال: صباح الخير يا صديقي. لعلك نمتَ جيدًا!
ابتسم «فهد»، وقال: لقد نمتُ نومًا عميقًا!
سأل «أحمد»: هل استيقظ الزملاء؟
أجاب «فهد»: إنهم يجهِّزون طعامًا سريعًا؛ فقد قررنا أن نقوم بجولة في بلادنا العظيمة!
لم تمضِ سوى ربع ساعة، حتى كان الجميعُ حول عدد من الساندوتشات. كانوا يأكلون برغبة حقيقية، وعندما انتهوا غادروا المقرَّ إلى الميناء في جولة سريعة، قبل أن يستعدوا للرحلة. وانقضى الوقتُ سريعًا. كانت حركة السيارات والناس تستنفد الوقت، فلم يشعروا به. خصوصًا وأن الميناء جديدٌ عليهم. وعندما مالَت الشمس إلى المغيب، كان عليهم أن يعودوا بسرعة ليجهزوا أنفسهم. وعندما انسحب آخرُ ضوء من النهار. كان الشياطين يتجهون إلى النقطة «ل»، وعندما وصلوا إليهما، أخرج «أحمد» جهاز الاستدعاء، وضرب الرقم الكودي «٩٠ – ٥ – ٩٠».
ولم تمضِ سوى لحظات، حتى خرج من الماء لنش ضخم، اقترب من الشاطئ بسرعة. كانت أضواء خفيفة تنبعث منه فتُضيء المكانَ قليلًا؛ فقد كان الظلام في تلك الليلة كثيفًا. وفي هدوء، أخذ الشياطين طريقَهم إليه، وقفزوا فيه الواحد بعد الآخر. وعندما استقروا داخله. جلس «فهد» عند عجلة القيادة، واتجه إلى داخل البحر في اتجاه «المحيط الهندي». وكانت هذه هي الخطوة الأخيرة إلى مغامرة «كنز الفضة».