معارك أسماك القرش!
كان المنظر فعلًا مثيرًا للضحك؛ فالرجال الذين كانوا في جوف السفينة، كانوا قد التصقوا بهيكلها وكأنهم مربوطون بسلك غامض … في الوقت نفسه كان بعضهم يحاول أن يتخلص من سجنه الإجباري، لكن قوة المغنطة لم تكن تعطيه الفرصة لذلك … أشار أحدهم إلى الشياطين يطلب النجدة. اقترب «بو عمير» منه ووقف بجواره. كان الرجل يمدُّ ذراعه، وقد أصابه الفزع.
ابتسم «بو عمير» له ثم مدَّ يده إليه فتشبَّث بها الرجل. أشار له «بو عمير» أنه لا يستطيع عمل شيء له، وإنه إذا أراد أن يهرب فعليه أن يخلع أجهزة التنفس وأنابيب الغاز المعدنية، لكنه لو فعل ذلك فسوف يغرق؛ لأنه لا يستطيع أن يقطع ثمانية آلاف قدم إلى سطح الماء بدون تنفس. كان الشياطين يقفون ويتحدثون بالإشارة.
قال «أحمد»: لقد أصبحَت الفضة في أمان الآن، ولا يستطيع أحد أن يقترب من السفينة «جون باري». لكن تبقى مسألة مهمة، كيف ستعرف ذلك البعثة «الفرنسية» و«العمانية» وهما مشتركتان في البحث عن الكنز!
قال «فهد» عن طريق الإشارة: هناك حلٌّ واحد، أن نجرِّب اتصالًا بعميل رقم «صفر» في سلطنة «عمان» ليقوم هو بالمهمة.
ثم قال بسرعة: أستطيع أن أصعد إلى اللنش سريعًا وأُرسل الرسالة، ثم أعود إليكم!
ناقش الشياطين فكرة «فهد»، واتفقوا على تنفيذها. وفعلًا تحرَّك «فهد» وهو يودِّع الشياطين للقاء سريع، لكنه ما إن تحرك لمسافة عشرة أمتار حتى ظهرَت مجموعة من الضفادع البشرية تقترب مندفعةً كالسهم. توقَّف «فهد» بسرعة، وأدرك أنه لن يستطيع الاشتباك معهم وحده؛ فعددهم يزيد على عشرة. عاد مسرعًا إلي الشياطين ونقل إليهم الخبر. قال «أحمد» بلغة الإشارة: إذن، لقد بدأ الجميع يصلون. علينا أن ننتظر قليلًا، ثم نرى!
ظهرَت مجموعة الرجال في طريقهم إلى «جون باري»، لكن فجأة حدث ما لم تتوقعه مجموعة الرجال، وما يعرفه الشياطين جيدًا؛ فقد اندفع أولهم بسرعة رهيبة نحو جسم السفينة. كان يبدو وكأنه انطلق من مدفع لشدة سرعته ثم فجأة، تبعه آخر. وعرف الشياطين أنهم دخلوا المجال المغناطيسي للسفينة. أما بقية المجموعة، فقد وقفَت مذهولة تنظر إلى بعضها. لحظة، ثم اقترب اثنان منهم من الشياطين، لكن لم تكن هناك لغة ليتحدَّثَا بها، فاستخدمَا لغة الإشارة. قال أحدهما: هل رأيتم ما حدث؟
ردَّ «أحمد» بالإشارة: نعم، وأنتم لا تستطيعون الاقتراب من السفينة!
تساءل الرجل: لماذا؟!
قال «أحمد»: يبدو أنها مسكونة بشياطين البحر!
ظهرَت الدهشة على وجه الرجل، وقال: ماذا تقصد؟
قال «أحمد»: أقصد ما تراه!
لم يجد الرجل ما يقوله، ونظر إلى زميله، ثم عاد لينظر إلى «أحمد» من جديد، وبنفس لغة الإشارة سأل: مَن أنتم؟!
ردَّ «أحمد»: غواصون جئنا نبحث عن «كنز الفضة»!
قال الرجل بالإشارة: إذن. علينا أن نتعاون!
رد «أحمد»: إن هذا يُسعدنا تمامًا، ولكن كيف؟!
قال الرجل: نحاول الدخول إلى السفينة!
ثم فجأة، صاح الرجل من الرعب؛ فقد كان يتحرك بينما هو يتكلم. وأوصلَته حركتُه إلى حافة محيط المغنطة، فشعر أن شيئًا يجذبه. أمسك بيد زميله، لكن القوة المغناطيسية كانت تزداد، فتحرَّك زميلُه هو أيضًا معه، وفجأة مدَّ الرجل يده، وأمسك ﺑ «خالد» القريب منه، فانجذب هو الآخر معهما. ورأى الشياطين «خالد» والرجلَين وهم مندفعون في اتجاه السفينة، قال «أحمد»: لا بأس. فإن «خالد» لن يُصابَ بأذًى!
التصق الرجلان بهيكل السفينة، وهما يضربان الماء بأيديهم. في حين كان «خالد» ينظر إليهما مبتسمًا؛ لأن تأثير المغنطة لا يؤثر فيه. لكن الرجل الثاني، كان لا يزال متشبثا به. حاول «خالد» أن يتخلص منه، لكن يد الرجل كانت وكأنها قبضة حديدية، أما الرجل الأول الذي ظل مشدودًا إلى حديد السفينة. فقد حاول أن يتفاهم مع «خالد» عن طريق الإشارة. لكن «خالد» لم يُجِب عليه؛ فلم يكن هناك ما يقال. وبصعوبة شديدة استطاع «خالد» أن يُفلتَ منه، ثم أسرع مبتعدًا. انضم إلى الشياطين. وبلغة الإشارة قال «أحمد»: لا بد من تنفيذ خطة «فهد»، إلا أننا بهذه الطريقة لن نحقق شيئًا. إن عملية تأمين «جون باري» لجهاز المغنطة قد أنقذ مغامرتنا، وعلينا أن نستمر فيها حتى النهاية!
قال «خالد»: لا تنسَ أن هناك مجموعة أخرى ترقب الموقف، ولا بد أنها فكَّرَت في شيء ما أمام ما حدث لزملائهم!
قال «بو عمير» بإشارات سريعة: علينا أن نعطيَ «فهد» الفرصة، ولن يكون ذلك إلا بالصدام مع الآخرين!
واستقر الرأي على أن يتحرَّك الشياطين معًا، حتى يستطيع «فهد» الوصول إلى اللنش.
تقدَّم «أحمد» وخلفه بقيةُ المجموعة. كان بقية الرجال يقفون في حالة ذهول؛ فقد راقبوا كلَّ ما حدث. رفع أحدُهم يدَه علامةً لأن يتوقف الشياطين. وعن طريق الإشارة بدأ التفاهم بين الجانبَين. قال الرجل: ماذا فعلتم بالرجلَين؟!
ردَّ «أحمد»: لا شيء. لكن السفينة لها جاذبيةٌ خاصة، جذبَتهما!
سأل الرجل: لكنكم لم تقعوا تحت الجاذبية نفسها!
قال «أحمد»: لا ندري، وعليكم أن تجرِّبوا. ربما تكون بعضُ الأجسام غيرَ قادرة على تحمل الجاذبية. في حين أن هناك أجسامًا قادرة على تحمُّلِها!
أشار الرجل إشاراتٍ عنيفة حادة، تعني بالقول: أنتم حققتم خدعة ما، للحصول على «كنز الفضة» كله.
أشار «أحمد» بالنفي، لكن الرجل كان قد أخرج من حزامه حربةً حديدية صوَّبها تجاه «أحمد» الذي استطاع أن يتفاداها في اللحظة نفسها التي كانت تمر بجواره، فقد كانت حركة مفاجئة، في حين كان الآخرون قد انقضوا على الشياطين. أمسك أحدهم ﺑ «خالد» من ذراعه، ثم جذبه ناحيته. بينما كانت يده اليمنى تخرج في ضربة أصابَت «خالد»، لكن الضربة خفَّفَتها قوة الماء. وفي براعة، لفَّ «خالد» حول نفسه، ثم ضرب الرجل، فأصابه إصابة قوية. في الوقت نفسه كان «باسم» يطارد رجلًا حاول الفرار. أما «أحمد» فكان قد اشتبك مع زعيمهم الذي تحدَّث إليه. كان الرجل يحاول أن يُصيبَ أنبوبة الأكسجين التي يحملها «أحمد» خلف ظهره، وهو يُمسك في يده بلطة حديدية. لكن «أحمد» لم يمكنه من ذلك؛ فقد استطاع أن يقبض على يده ويضغط عليها بقوة.
فجأةً سقطَت البلطة من يد الرجل، وعاجلَه «أحمد» بضربة قوية فأصابه، أدرك بسرعة أن إصابة الرجل سوف تُثير أسماك القرش، فأسرع بإلقاء كرة حمراء انفجرَت في الماء بسرعة فلوَّنَت المكان باللون الأحمر.
ثم أدرك الشياطين ما فعله «أحمد»، وفهموا أن المنطقة قد أصبحَت خطرة، فسارعوا بالهرب منها ولم يكن صعبًا عليهم، وهم يُسرعون بالهرب، أن يرَوا أسماك القرش من كل الأحجام، وهي مندفعة إلى حيث الماء الملون، وحيث توجد مجموعة الرجال. وعندما ابتعدوا بمسافة كافية أسرع «فهد» يستدعي اللنش، الذي ظهر بسرعة.
في لحظاتٍ، كان قد اختفى داخله. أما بقية الشياطين، فقد حاولوا أن يقتربوا من مكان المعركة ليعرفوا النتيجة. كانت هناك معركة غريبة فعلًا؛ فقد كان الرجال مشتبكين مع أسماك القرش في معركة رهيبة. شاهد «أحمد» زعيمهم، وقد احتضن سمكة قرش ضخمة، وينهال عليها طعنًا بخنجر طويل. كانت معركة رهيبة بين الاثنين. في نفس الوقت شاهد «باسم» أحد الرجال وهو يصارع سمكة أخرى، لكنها استطاعت أن تتمكن منه، ثم تبتلعه، كان المنظر مؤثرًا. لكن هذا هو عقاب اللصوص.
ظلت المعركة مستمرة، فأشار «خالد» إلى «أحمد» بأن يبتعدوا؛ فالسفينة ضخمة، وينبغي أن يكونوا في حراستها، فمَن يدري، فقد يتعطل جهاز المغنطة، أو قد يكتشف وجودَه أحدٌ فيعملون على تعطيله. تقدَّم الشياطين إلى جانب آخر من السفينة. لم يكن هناك أحد. كانت هناك فقط أسماك القرش تدور حول السفينة، وتدخلها وتخرج منها. بينما كان لون الماء قد تغيَّر، ففهم الشياطين أن الرجال الذين جذبَتهم مغناطيسية السفينة قد انتهَوا إلى الأبد. لكن فجأة تغيَّر الموقف؛ فقد ظهرَت أشياء جديدة، لم يكن الشياطين قد فكروا فيها.