لماذا تغضب المرأة؟
لئن كان آدم على ظهر الأرض لغزًا من الألغاز يصعب حله، فإن حواء لغز أكثر تعقيدًا وأصعب حلًّا، وكل السنين التي مرت عليها لم تزدها إلا غموضًا وتعقدًا، ومهما تقدم علم النفس وادعى أنه وضع يده على سر النفس الإنسانية، عاد فأقر بالعجز عن فهمها، وبخاصة نفس حواء.
ولنحاول في هذا المقال أن نكشف عن ظاهرة من ظواهرها تميزها عن آدم.
ففي نظري أن المرأة ساخطة ما لم تُسْتَرْضَ، والرجل راض ما لم يستسخط.
ولعل هذه الظاهرة تفسر لنا كثيرًا من سلوك المرأة في الحياة؛ فهي ملول، وهي ضجرة، وهي متبرمة، وهي كثيرة السخط على صديقها، وعلى أسرتها، وعلى زوجها، وعلى الدنيا بأجمعها، تريد في كل حين أن يبذل من يتصل بها الجهد في إرضائها بشتى الأشكال والألوان.
سل العاشق: كيف عانى من حبيبته وهجرها وسأمها ودلالها، وكم بذل من جهود في سبيل إرضائها، وكم لاقى من عذاب صد وهجران، وملال ودلال.
وسل رب الأسرة: كيف يجد زوجته كالبحر، يهدأ حينًا ويهيج أحيانًا، وكيف يتركها في البيت راضية ويعود فإذا هي ساخطة، لأتفه الأسباب أو من غير إبداء أسباب، وكيف تسخط عليه، وتسخط على الخدم، وتسخط على أبنائها وبناتها، وكيف تبحث عن أسباب السخط في كل زمان ومكان؛ حتى إذا وجد ألف سبب يدعو إلى الرضا وسبب واحد يدعو إلى السخط، غلبت السبب الواحد وسخطت كل السخط، والرجل — في الأعم الأغلب — على العكس من ذلك يرضى ويسترضى، ويحلم ويستحلم، ولا يغضب إلا إذا استغضب.
•••
واستعرضْ ما يتصل بالمرأة من الآداب والفنون؛ فماذا ترى؟ ترى الغزل في الأدب مملوءًا باستعطاف الرجل للمرأة، وشكواه الدائمة من صدها ومللها، وبكائه من هجرانها ووصفه لقسوتها، فإن هو نعم برضاها فلحظات في جحيم سنوات.
وترى الأغاني والموسيقى ملئت بالنغمات الحزينة مما أصيب به الرجال من النساء، من لوعة وضنى وعذاب أو شقاء، فإن رأيت من النساء من تشكو سأم الرجل وملله فالقليل النادر.
ويتجلى هذا الخلق في المرأة في مظاهر كثيرة؛ فهي أكثر من الرجل في طلب التسلية، من سينما وتمثيل وحفلات وما إلى ذلك؛ فإن وجدت فيها كثيرًا من الرجال فبإيعازها وإلحاحها وتشجيعها، فهي تحب أن تقتل سأمها بهذه الأشياء كلها، ثم هي تكره الوحدة أكثر من الرجل، وتكثر من الزيارات والمقابلات؛ لأنها تشعر أن الوحدة مع السأم والملل سم قاتل.
•••
ومن مظاهر هذا الخلق رغبتها المستمرة في تغيير الزي وابتكار البدع «المودة»، ففي كل سنة بدع جديد في الألوان والأشكال، وفي شكل الشعر، والقبعات، والأحذية ونحوها، على حين أن الرجل قد مرت عليه عشرات السنين لم يغير فيها شكل بذلته وقبعته أو طربوشه؛ تريد المرأة أن تقهر الرجل وترغمه على أن يزيل سأمها بملقه لها وتدليلها، وأن يبتكر لها دائمًا ما يجدد حياتها، فإن قصر في ذلك فالويل له كل الويل، ثم إذا ترأست عملًا فمستبدة قاسية، هي كذلك في البيت إذا تحكمت، وفي المدرسة إذا كانت ناظرة، وفي المصنع إذا كانت مديرة، وهكذا، كأنها تريد أن تبعد مللها بتحكمها واستبدادها، وهي على بنات جنسها أقسى منها على أبناء آدم؛ لأنها في داخل نفسها وفي وعيها الباطن تشعر أن الرجل مظنة أن يزيل سأمها، وليست كذلك المرأة أختها.
وبعد، فما السبب في سأمها هذا ومللها وضجرها؟
يخيل إلي أن أكبر سبب لذلك انطواؤها الدائم على نفسها وتفكيرها المستمر في شخصها، وقلة تفكيرها فيما هو خارج عن نفسها، إلا أن يكون ذلك في خدمتها.
والانطواء على النفس وطول التفكير فيها مدعاة للسأم دائمًا، ولذلك نرى من فقد بصره أو سمعه أو رجله أكثر سأمًا ومللًا؛ لأنه بعاهته أصبح أقل اتصالًا بالعالم الخارجي، وتفاهمًا معه، واستمتاعًا به.
فالمرأة من أول عهدها بالحياة كثيرة التفكير في جمالها وقبحها، كثيرة النظر في المرآة لتطمئن على شكلها، دائبة على تصفيف شعرها وتحلية منظرها، متطلعة دائمًا لمعرفة مستقبلها، كثيرة الحديث عن زواجها، متخيلة الخيالات العديدة لمن تتزوجه قبل أن تتزوج، متقصية كل حركة من حركاته بعد أن تتزوج، وإذا قرأت في كتاب فأحب شيء إليها فيما تقرأ ما يغذي عاطفتها الشخصية، ويصور حالاتها وحالات مثيلاتها؛ أما العالم الخارجي الذي لا يتصل بها من قريب، وأما المعاني المجردة وأما الفلسفة النظرية فأشياء لا تأبه بها، وقلما تمهر فيها؛ لأنها بعيدة عن شخصها.
فلما أكثرت من التفكير في نفسها، وجعلت شخصها مركز الدائرة التي حولها، وفسرت ما يحيط بها بمزاجها وميولها، ضجرت وملت وسئمت؛ خضوعًا للقانون الطبيعي الذي ذكرنا.
هذه ناحية من نواحي حواء، وما أكثر نواحيها وما أعجب شئونها.