الملاحق
ملحق رقم (١)
عهد
-
(١)
تأسست في ١٧ أكتوبر سنة ١٩٤٤م، «جماعة النهضة القومية» ومقرها مدينة القاهرة.
-
(٢)
ترمي الجماعة إلى بعث الشعور الوطني الحق، وإدعام النهضة المصرية على أسس سياسية واجتماعية واقتصادية سليمة، وتسعى بوجه خاص إلى تكوين رأي عام مستنير يتقبل مبادئها عن اقتناع، ويضطلع بنشر رسالتها.
-
(٣)
وضعت الجماعة المبادئ العامة لبرنامج قومي تلتقي عنده كلمة المصلحين، ويرسم للشباب معالم الغد، ويكفل للأمة استكمال استقلالها، ورفع مستوى حياتها الروحية والمادية.
-
(٤)
تُعوِّل الجماعة في تحقيق أهدافها على كل ما من شأنه توجيه الرأي العام نحو عهد وحياة جديدة، وتعتمد في ذلك على مختلف وسائل النشر والتوجيه كالصحافة، والاجتماعات الدورية، والمحاضرات العامة، والأبحاث، وغير ذلك.
-
(٥)
ترحب الجماعة بكل من يرغب في معاونتها على أداء مهمتها ومشاركتها في نشر رسالتها وفقًا لمبادئها.
-
(٦)
تشرف على الجماعة لمدة سنة هيئة إدارية مكونة من أعضائها الموقِّعين أدناه، فتتخذ هذه الهيئة جميع التدابير اللازمة لإدارتها وتنظيمها.
-
(٧)
يُعمَل بهذا الاتفاق إلى أن يوضع قانون الجماعة النهائي، وتُقره الجمعية العمومية المكوَّنة من جميع الأعضاء.
(توقيعات)
إبراهيم مدكور – مريت غالي – محمد زكي عبد القادر – يحيى العلايلي – محمد – علي الغتيت – محمد سلطان – عبد الملك حمزة – وديع فرج.
ملحق رقم (٢): برنامج الدراسات الإنسانية
أولًا: الناحية السياسية
(١) المسائل الخارجية
-
(١)
تحديد مركز مصر من الناحية الدولية إزاء بريطانيا وما عداها من الدول.
-
(٢)
موقف مصر من الشرق العربي.
-
(٣)
مصر والسودان.
-
(٤)
الجنسية المصرية، الهجرة، تحديد مركز الأجانب.
-
(٥)
الدفاع الوطني (الجيش).
(٢) المسائل الداخلية ونظم الدولة
-
(١)
السلطة التشريعية، مراجعة الدستور، وقانون الانتخاب في ضوء التجارب الماضية، وعلاقات السلطات.
-
(٢)
السلطة التنفيذية.
-
(أ)
تكوين الحكومة، ومدى تدخلها في المرافق العامة، تحديد اختصاص الحكام (المركزية والهيئات الإقليمية)، وضع النظم التي تكفل إنتاجًا إداريًّا وافيًا.
-
(ب)
تعيين الموظفين، وترقيتهم، وتأديبهم، تحديد أجورهم، ومعاشاتهم.
-
(جـ)
رقابة الإدارة الحكومية، الرقابة الإدارية (مجلس الدولة)، والرقابة المالية (ديوان المحاسبة).
-
(أ)
-
(٣)
السلطة القضائية:
- (أ)
توحيد جهات القضاء، توحيد التشريع ومراجعته.
- (ب)
وضع النظم التي تكفل للقضاء اختيارًا سليمًا، ولرجاله استقلالًا تامًّا، ولعمله إنتاجًا سريعًا وافيًا.
- (أ)
-
(٤)
ميزانية الدولة، تنمية الإيرادات، وتنظيم المصروفات.
ثانيًا: الناحية الاقتصادية
(١) الثروة الزراعية
-
(١)
الملكية الريفية (ملكية الأراضي الزراعية): توزيعها – ملكية الأشخاص المعنوية – تجميع الملكيات الصغيرة وبسطها وحمايتها – علاقة المالك بالمستأجر والمزارع – العامل الزراعي.
-
(٢)
تنمية الإنتاج الزراعي: استصلاح الأراضي البور – طرق الاستثمار – التعاون وطرق الزراعة الحديثة – تربية الحيوان – غرس الأشجار – الصناعات الزراعية والأحياء المائية – الائتمان العقاري الزراعي – النقابات الزراعية.
(٢) الصناعة
-
(١)
إنهاض الصناعة وحمايتها، الائتمان الصناعي – تكوين البيئة الصناعية.
-
(٢)
الثروة المعدنية: استعراض الثروات المعدنية الهامة والصناعات المتصلة بها – ما يمكن تنميته وما يمكن إضافته.
-
(٣)
استخدام مساقط المياه وغيرها من مصادر القوة.
-
(٤)
تكوين الصانع ومشكلة مصانع الحرب.
-
(٥)
الصناعات الزراعية والأحياء المائية.
(٣) التجارة
-
(١)
تنمية الروح التجارية:
-
(أ)
توجيه التعليم التجاري لتحقيق هذا الغرض.
-
(ب)
تنظيم الغرف التجارية تنظيمًا يساعد على نمو الروح التجارية.
-
(جـ)
الكشف عن مَواطن التجارة التي لم يمارسها المصريون إلى الآن، كالوساطة، والسمسرة في البورص، والملاحة، والتجارة المرتبطة بالسياحة.
-
(أ)
-
(٢)
الاحتكار ومظاهره في السوق المصرية – تعقب الأصناف المحتكرة، وبحث أسباب الاحتكار، ودراسة مواضيعه.
-
(٣)
وسائل النقل المائية والبرية والجوية.
-
(٤)
فتح أسواق للتجارة المصرية، وعلى الخصوص في البلاد المجاورة.
(٣) المسائل المالية
-
(١)
التعاريف الجمركية وأثرها في التجارة والزراعة والصناعة.
-
(٢)
دراسة موضوعات التأمين عمومًا.
-
(٣)
النقد – نظام البنوك، والبنك المركزي.
-
(٤)
كيفية استغلال الأموال المكدسة في الإصلاح العام.
-
(٥)
رءوس الأموال الأجنبية.
ثالثًا: الناحية الاجتماعية
(١) خير السبل لرفع مستوى المعيشة
-
(١)
تحديد الأجور.
-
(٢)
تخفيض أسعار الحاجيات الضرورية (الرسوم والضرائب غير المباشرة).
-
(٣)
الملكيات والثروات الكبيرة (توزيعها – الضرائب التصاعدية).
-
(٤)
قوانين العمل – نقابات العمال – العلاقات بين العمال وأصحاب الأعمال.
-
(٥)
التأمين الاجتماعي.
-
(٦)
محاربة البطالة والتعطل.
-
(٧)
توزيع السكان.
(٢) العناية بالصحة العامة وقاية وعلاجًا
(٣) التربية والتعليم بمختلف درجاته وأنواعه ومعاهده
-
(١)
التربية البدنية.
-
(٢)
تنظيم الأسرة.
-
(٣)
تهذيب العادات والتقاليد الاجتماعية.
-
(٤)
الشعور القومي ووسائل تنميته.
-
(٥)
اتجاه الحضارة المصرية.
ملحق رقم (٣): برنامج جماعة النهضة القومية صوت مصر
بني الوطن
في غمرة خصوماتنا المتلاحقة التي بددت الجهود، وشوَّهت الحقائق، وقلبت الأوضاع، وضلَّلت العقول، تنبعث الشكوى من كل جانب. وفي غمرة هذه الخصومات التي فرَّقت الشمل، وأفسدت النفوس، وأضعفت العزائم، يرتفع صوت مصر. وهو يدعونا لأن نلقي نظرة على ماضينا، ونتدبر حاضرنا، ونستحضر جليًّا المستقبل الذي ننشده. فأما الماضي فيشهد في وضوح على أن نهضتنا الأخيرة قد قامت على وحدة الأمة الأكيدة، وشعورها الوطني الصادق، وهدفها القومي المحدود، وبذا سارت في طريقها غير هيَّابة ولا وجِلة، فأَقنعَت بسلامة حجتها، وأَفحمَت بقوة إرادتها، واحتُرِمَت من خصومها؛ لأنها عرفت لنفسها حقها. وكم أُريدَ تفريق كلمها، وإضعاف شعورها، وتشويه أهدافها، ولكنها استطاعت بيقظتها، وتنبهها أن تقضي على كل ما اعترض طريق جهادها من بطش وقوة، أو تخاذل وتواكل.
وما أن وجدت الخصومة العمياء سبيلها إلى صفوفنا، وتحكم حب الذات في آرائنا وتصرفاتنا، حتى فقدت هذه النهضة المباركة الكثير من وزنها، وهُنَّا على أنفسنا؛ فكنا أهون على غيرنا، وشُغلنا بأقوال هذا أو ذاك عن مشاكل الوطن وشئونه الكبرى. فأصبحنا وحاضرنا صارخ بأن وحدة الأمة في تداعٍ، وشعورها الوطني في فتور، وهدفها القومي الذي كانت تردده صباح مساء في تذبذب واضطراب.
وما ذاك إلا لأنَّا تعلقنا بالأشخاص دون الآراء، وصُرفنا عن الأعمال بالأقوال، وصرنا شيعًا وأحزابًا لا تعنيها العقيدة والمبدأ بقدر ما يعنيها إرضاء الرؤساء وإطراء القادة والزعماء. فتخبطنا في سيرنا، وأنكر اللاحقون صنيع السابقين، وقُدِّر للأمة أن تقضي ربع قرن أو يزيد دون أن تحقق من الإصلاح ما تنشده، أو تقيم من دعائم النهوض ما تطمح إليه. ولو استكملنا وسائل الحياة لغفرنا شيئًا من هذا التخبط، ولو استحوذ الوطن على كل حقوقه لتسامحنا في بعض هذه السفاسف والمُهاترات، ولكنا في فقرنا أحوج ما يكون إلى أي مجهود، وفي ضعفنا لا يمكن أن نعيش إلا بالتعاون والتآزر.
ولن نستطيع أن نرفع كلمة الأمة عالية إلا إذا استعادت نهضتنا المجيدة معالمها الحقة ومميزاتها الأولى، ولن نعد العدة للمستقبل الذي ننشده إلا إذا غذينا هذه النهضة بغذاء جديد، وبعثنا منها روحًا متوثبة. وسبيل ذلك فيما نعتقد أن نتفاهم على آراء محدودة وأفكار واضحة، وأن نصعد بسياستنا من أفق الأشخاص الشائك العقيم إلى مستوى العقائد والمبادئ السامية. ولو فعلنا منذ زمن لمنعنا الخصومة الجامحة من أن تعوق سيرنا، وأفسحنا المجال لتبادل الآراء السليم، وتباين الأفكار القائم على الحجة والمنطق، ولو فعلنا أيضًا لاهتدينا بدل أن نتخبط، ولبنينا بدل أن نهدم. وما أحوجنا إلى أن نفعل اليوم أكثر من ذي قبل؛ لأن مشاكلنا العامة قد أضحت من التعقد بحيث لا يمكن حلها إلا بعد درس عميق، وتنفيذ متواصل.
بني الوطن
في جو الآراء والأفكار نستطيع أن نتغلب على ما بُلينا به من إحَن وأحقاد، وأن نقضي على سوس الفُرقة والتشاحن الذي ينخر في عظامنا، وأن نتلاقى عند رأي جامع وأهداف معينة. وفي جو الآراء والأفكار يمكننا أن نتعهد الشعور الوطني، ونعود به إلى حماسه وقوته، وأن نشغل الأذهان بأمور أسمى وأنفع، وخاصة في ظروف تُقرَّر فيها مصائر الأمة لآماد بعيدة. وفي جو الآراء والأفكار نجد السبيل إلى تحديد مطالبنا الوطنية، وتوضيح أهدافنا القومية، ومن الخطأ أن يُظَن أن هذه الأهداف واضحة كل الوضوح، أو أنها معروفة لدى الرأي العام تمام المعرفة؛ ذلك لأنَّا أمام عالم جديد، ومشاكل دولية طارئة يجب أن يُحسَب لها حساب في رسم سياستنا الخارجية ووسائل تحقيقها. وإذا كنَّا لا نختلف على دعائم هذه السياسة، فما أحوجنا إلى أن نلم بأطرافها، ونبرزها أمام الرأي العام قوية واضحة في منطقها وحججها.
وأما أهدافنا الداخلية المتصلة بالنهوض الاقتصادي والاجتماعي، فهي حائرة ومُضيَّعة: حائرة بين الإيمان بها والتظاهر باسمها، ومُضيَّعة بين الإهمال المقصود، والحلول المرتجَلة غير المُجدية. فليس كل من تغنوا بالعدالة الاجتماعية يؤمنون بها، ولا كل من نادوا برفع مستوى المعيشة يدركون تمامًا ما نادوا به، أو يرسمون الوسيلة الناجحة لتحقيقه، وبذا قضينا الشهور والسنوات بين رجعية قاتلة، أو تظاهر بالتجديد دون ثمرة واضحة.
وإنا لنتساءل كيف تجرؤ الرجعية على الإعلان عن نفسها وقد انقضى حينها، وكيف تقنع بالتظاهر بالتجديد والعالم سائر. وحاجات الشعب في تزايد مطرد. ولم يبقَ بد من أن نعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية بشتى وسائلها، فتُوفَّر لكل فرد حياة تليق بكرامة الأمة. وليس هذا باليسير في بلد ضيق الرقعة، مزدحم بالسكان، محدود الموارد، لم تُتَح له الفرصة ليتأهب على نحو ما ينبغي ثقافيًّا واقتصاديًّا. وكم يبدو هذا خطيرًا في أعيننا وثقيلًا على كواهلنا إذا ما رأينا أُممًا أخرى تستعد لمستقبلها استعدادًا أتم وأكمل، مع أن ظروفها الاقتصادية دون نزاع أحسن، ومشاكلها الاجتماعية أيسر، بيد أن هذا نفسه يستحثنا على المسارعة إلى وضع الخطط، والمبادرة إلى تنفيذها.
لهذا — ولهذا وحده — قامت جماعة النهضة القومية وعمادها الدراسة والبحث، وهدفها الخطة والبرنامج. فالتقى أعضاؤها على الرأي والعقيدة، وعقدوا العزم على أن يبقوا على ذلك حتى النهاية. وليست هذه الجماعة بنت اليوم والساعة، بل يرجع التفكير فيها إلى قيام الحرب؛ استعدادًا للمستقبل ورغبة في أن نواجه عالم السلم بعدة للإصلاح كاملة وعزيمة على النهوض صادقة، وها هي ذي الساعة قد حانت.
وكان لا بد لهذه الجماعة الناشئة من زمن تتعارف فيه وتتآلف، وتقيم بنيانها على أساس من الثقة والإخلاص المتبادل. وكان لا بد لها أيضًا أن توطد العزم منذ البدء على السير الهادئ. والغاية البعيدة المرمى؛ لأن شئوننا العامة قد بُليت فيما بُليت به بالكثيرين ممن يتهجمون عليها، ويدَّعون الإلمام بها لأول وهلة، ويحاولون أن ينتهزوا قبل الأوان فرصها، ويقتطفوا بعض ثمارها.
ويوم أن انتهت المرحلة التمهيدية تأسست الجماعة فعلًا في ١٧ أكتوبر ١٩٤٤م، منذ ذلك التاريخ وهي تُوالي اجتماعاتها في جلسات متعاقبة ومحاضر منتظِمة. وقد درجت على أن تستعرض كل موضع في مختلف أطرافه، معنية بأصوله ومبادئه، وباحثة عن الحلول العملية ووسائل التنفيذ، ومتحاشية النظرات الجزئية، والمقترحات غير الصريحة، ومستنيرة في كل هذا بالواقع والتجربة، ومهتدية بهدى الشعور الوطني الصادق.
وقد وُفِّقت إلى إقرار مجموعة من الآراء والحلول التي تحيط بالمشاكل القومية، والأهداف الوطنية خارجية كانت أو داخلية، ثم استخلصت منها برنامجًا كاملًا ترجو أن يكون فيه ما يسد فراغًا كثيرًا ما شكونا منه، ويرسم سُنَّة ما أحوجنا إلى الأخذ بها؛ لأن معالجة الشئون العامة دون نظرة شاملة، وخطة منسقة، ومبادئ صريحة تخبُّط يضر في الغالب أكثر مما ينفع. ويسرها أن تتقدم الآن بهذا البرنامج، راجية أن يلقى من التأييد والنصرة ما يخرج به إلى حيز العمل والتنفيذ.
على أن الجماعة لم تَقنع بنشر هذه المبادئ في عمومها، بل حاولت أن تُبسِّط للجمهور ما سبق أن أقرته من شرح لها وتفصيل. فرأت أن تعالجها في سلسلة من البحوث الخاصَّة التي تُلم بأطراف الموضوع، وتُبين مشاكله، وترسم وسائل علاجه، وتضع خطط التنفيذ العملية. وبذا يزداد برنامجها وضوحًا، وتبدو غاياتها ومراميها جَلية، ويشترك معها الرأي العام في وزن الشئون الوطنية وتقديرها، ولم يبقَ بعد هذا إلا أن تُوضع مشروعات عملية لمُدد معينة، يقدمها الجميع ويتضافرون على تنفيذها؛ كي تخطو في سبيل النهوض خطوات سديدة ومتلاحقة.
وقد ظهرت الحلقة الأولى من هذه السلسلة، وهي رسم خطة كاملة للإصلاح الزراعي في نواحيه الثلاث: الملكية والإيجار والعمل. ويَسر الجماعة أن هذا البحث قد صادف موافَقة تبعث على التفاؤل، وتأييدًا يدعو إلى الغبطة ويحفز إلى المضي في السير. وهي كبيرة الأمل في أن تمتد هذه السلسة وتطول، بحيث تستوعب مشاكلنا السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، الواحدة تلو الأخرى. وقريبًا تظهر الحلقة الثانية التي تنصب على دراسة مشكلتنا الخارجية في نواحيها المتعددة، على أن تليها بمشيئة الله حلقات أخرى تمس النهوض الصناعي، والإصلاح الاجتماعي في مختلف مظاهره.
وتعول الجماعة فوق هذا في تحقيق أهدافها على كل ما من شأنه أن يزيد الرأي العام نشاطًا ويقظة، كالصحافة والاجتماعات الدورية والمحاضرات العامة، ومختلف وسائل التوجيه والنشر. ولا يساورها شك في أن صحافتنا الرشيدة، وهي أعرف ما يكون بالجمهور، وأعرف بميوله واتجاهاته، تدرك قبل غيرها أنَّا في مفترق الطرق بين تيارات شتى تتجاذبنا، وفي حيرة من أمر المشاكل والصعاب التي تعترضنا، فهي تُقدِّر تمام التقدير ما للتوجيه من أثر في ظروف كهذه. ولئن لم تحمل هي راية النهوض والإصلاح، فلن يحسن حملها أحد سواها. وأملنا وطيد في أن تتغلب الصحافة الحزبية على تلك النزعات الخاطئة، وتخرج من تلك المُهاترات المؤلمة؛ لتساهم بنصيبها — وما أجدرها — في توجيه الرأي العام وقيادته.
ويعني الجماعة أن تعلن في صراحة أنها لا ترمي إلى مناهضة هيئات قائمة، بل تأمل على العكس أن يكون في منهجها ما يُصوِّر الأخطاء التي تتهددنا على تحقيقها، فيحمل أبناء الوطن على تعاون صادق وأخوة حقة، ولا تدَّعي بحال أنها أُلهمت الصواب، بل تبغي أن تؤدي بعض واجبها، وتساهم بما تستطيع في علاج المشاكل القومية، وتضع يدها في أيدي ذوي العزائم الصادقة ممن يودون في إخلاص خدمة هذا الوطن. وهي على بينة من أن هناك جماعات تتكون وشبابًا يتحفَّز، وكم يسرُّها هذا النشاط الذي توحي به الساعة، وليست بغافلة عما يتطلبه من ربط وتنسيق.
بني الوطن
هذه هي دعوتنا — لا بل دعوة مصر — ولا قيمة لها إن لم تحظَ بتلبيتكم، وهذه هي رسالتنا — لا بل رسالة الوطن — ولا وزن لها إن لم تنعم بتأييدكم. وقد جد الجد وحق العمل، فلنُسدل على الماضي ستارًا، ولننظر إلى المستقبل فكله أمل ورجاء، ولنبنِ ولنجدد؛ فحياتنا في التجديد والبناء. وإنَّا لنهيب خاصة بمن سئموا الركود والفوضى — وما أكثرهم — وحاولوا البحث عن طريق واضح يسيرون فيه أن يمنحوا هذه الصفحات قسطًا من عنايتهم، وإنهم لفاعلون. فإن اطمئنوا إلى الروح، وارتضَوا المنهج، وأقروا المبادئ، فلم يبقَ محل لإمهال أو تسويف؛ لأن كل ساعة تمر تبعد بنا عن الهدف الأسمى الذي نصبو إليه. وكم نكون سعداء بأن نتآزر، ونتكاتف على اختلاف ألواننا السياسية، ونسير على بركة الله وفي سبيل الوطن.
وإن جماعة النهضة القومية ليطيب لها أن تقرر أنها إنما حاولت أن تعبر عن رأي سائد وشعور مشترك، وأن تبرز تلك الأماني والآمال التي تجول بكل خاطر، وتنسق مجموعة من أفكار النهوض والإصلاح التي أملاها الواقع واقتضتها الظروف الحاضرة، فهي من مصر وإلى مصر. لهذا نشعر شعورًا أكيدًا بأنها عن الرأي العام صدرت، وإليه اتَّجهت، وعليه وحده تُعوِّل. ويقينها أنه لا أمل في مستقبل بدونه، ولا رجاء في نهضة إلا إن اتجه اتجاهًا صحيحًا وفرض إرادته على القادة والمصلحين.
بني الوطن
إن أجيال الماضي تشرف علينا، وأبناء الغد يرمقوننا، وبقدر ما نعتز بمصر يجب أن نتفانى في سبيلها، وبقدر ما ندعي قيادة في الشرق ينبغي أن نتأهب لها. والعبء عبئنا والثمرة لا يمكن أن تنتج إلا عن جهودنا، فلْنعوِّل على أنفسنا ولنعمل ولنثابر. ويوم أن نتضافر على ذلك فلا محل ليأس أو قنوط، فإن الخطة الواضحة والعزيمة الصادقة كفيلتان بتذليل كل صعب وتحقيق أية غاية.
لنعمل، فالعمل رائد الجميع ورمز الحياة.
برنامج النهضة القومية
(أ) السياسة الخارجية
-
(١)
تأييد قضية السلام والأمن الدولي، والمساهمة في القانون العالمي على أساس العدل، والمساواة، وحرية الشعوب.
-
(٢)
استكمال الاستقلال السياسي والاقتصادي، وعدم الاعتراف بأي مركز ممتاز لدولة أجنبية، وتعديل معاهدة التحالف بين مصر وبريطانيا على هذا الأساس.
-
(٣)
حل مشكلة السودان على أساس وحدة شطري وادي النيل، واحترام المصالح الحيوية للمصريين والسودانيين على السواء.
-
(٤)
إدعام الجامعة العربية بما يعود على أعضائها من مزايا سياسية، واقتصادية، وثقافية.
-
(٥)
إحلال مصر محلها اللائق في مجموعة أمم البحر الأبيض، وتوثيق العلاقات بين الوادي جميعه والبلاد المجاورة له.
(ب) نظم الدولة
-
(١)
إدعام النظام السياسي، وضمان نزاهة الانتخاب والفصل في الطعون.
-
(٢)
توسيع اختصاص المجالس الإقليمية والمحلية وتعميمها.
-
(٣)
إنشاء محكمة عليا للنظر في دستورية القوانين والمراسيم، والفصل في تنازع الاختصاص بين السلطات.
-
(٤)
تقوية النظام الإداري بقصر سلطة الوزير على السياسة العامة، وتحديد مسئولية الموظفين على أساس اختصاص واضح.
-
(٥)
إقامة التوظيف على دعامة المسابقة العامة، وإنشاء مجلس للدولة يكفل حسن سير الأداة الحكومية.
-
(٦)
توحيد جهات القضاء توحيدًا يظهر العدالة على وجهها، ويُسوِّي بين أبناء الوطن.
(ﺟ) النهضة الاقتصادية
-
(١)
إنماء الثروة العامة الزراعية والصناعية والتجارية، والإشراف عليها بدرجة تكفل استغلال مرافق البلاد على اختلافها، وتضمن سلامة توجيهها وحسن تنسيقها، وتدعمها على أساس المصلحة القومية دون سواها.
-
(٢)
توطيد الاستقلال المالي على دعائم بنك مركزي وطني تحت إشراف الدولة، وتشجيع رءوس الأموال المصرية على المساهمة بنصيبها الكامل في النهضة الاقتصادية.
-
(٣)
زيادة الإنتاج الزراعي باستخدام أحدث الوسائل العلمية في بسط المساحة المزروعة، وتحسين غلة الأرض وتنويع محاصيلها.
-
(٤)
إنهاض الصناعة بتدبير القوة المحركة الرخيصة وتيسير طرق المواصلات والنقل، وتوفير سبل الائتمان الصناعي.
-
(٥)
إنعاش التجارة المصرية في الداخل والخارج، بمحاربة الاحتكار، وتنظيم السوق الداخلية، وفتح أسواق جديدة في البلاد الأخرى.
(د) الإصلاح الاجتماعي
-
(١)
بث روح العدالة الاجتماعية في الحياة المصرية، وتأييد حق كل فرد في أن يعيش عيشة تتفق مع كرامة الإنسان، وأن يُحمى ضد البطالة والعجز عن العمل.
-
(٢)
رفع مستوى الفلاح بنشر الملكية الصغيرة والمحافظة عليها، وتقييد الملكية الكبيرة، وتنظيم الإيجارات الزراعية، وإدعام الحركة التعاونية في الإنتاج والاستهلاك.
-
(٣)
حماية العمل الزراعي والصناعي، والتوسع في تشريعات التأمين الاجتماعي، وتحديد أجور تكفل للعمال حياة مقبولة.
-
(٤)
تحقيق مرحلة من التعليم العام، موحدة في ثقافتها القومية وتوجيهها الوطني، تتحمل الدولة أعباءها، ويشترك فيها أبناء مصر جميعًا دون استثناء، والتوسع في التعليم الفني والعالي بما يتناسب وظروفنا العامة.
بني الوطن
هذا هو البرنامج، وقد شئنا به أن ننسق نواحي الإصلاح، ونجمل الأهداف والمقاصد، ونجمع معالم النهوض الحقة. على أنَّا لا نقنع بهذا العموم والشمول، ونرى أن وراء كل نقطة من نقط البرنامج مشروعات يجب أن تُوضَّح وتُفصَّل، وأن يتضافر على إعدادها الفنيون والسياسيون، ونأمل أن نساهم في إعدادها بنصيب بما نقدم من دراسات وبحوث. ولا قيمة لهذه المشروعات إن لم تكن عملية تتمشَّى مع ظروفنا، وتلائم بيئتنا وقومية نسلم بها جميعًا ونواصل تنفيذها مهما تباينت الميول السياسية، والاتجاهات الحزبية، ومحدودة الأجل؛ كي يحاسب منفذوها على خطواتهم ويقاس في دقة مدى نجاحهم.
هذه المشروعات هي طريق النجاة وسلم الوصول، استطاعت أن تخطو ببعض الأمم خطوات فسيحة في سبيل النهوض والتقدم. وأضحى العالم اليوم وكله مشروعات دقيقة محكمة، لِنحذُ حذوه ولْنَسلك مسلكه؛ كي نسير على هدًى وبينة، ونعمل دون تردُّد أو تراجع.
جماعة النهضة القومية
ملحق رقم (٤): جماعة النهضة القومية – القانون الأساسي
تكوين الجماعة وأهدافها
- م١: تكونت «جماعة النهضة القومية» في ١٧ أكتوبر سنة ١٩٤٤م من الأعضاء الموقِّعِين على هذا القانون، وممن ينضمُّون إليهم مستقبلًا وفق أحكامه، ومقرها الرئيسي مدينة القاهرة.
-
م٢: أهداف الجماعة تتلخص فيما يلي:
- (أ) توجيه الشعور الوطني وجهة الفهم الصحيح لمشاكل البلاد، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية، وإقامة حلولها على قواعد الدراسة والبحث والنظر المجرد عن التحزب.
- (ب) العمل على تكوين رأي عام مستنير.
- (جـ) وضع المبادئ العامة لبرنامج يحقق رغبات الأمة في النهوض والتقدم، ويكفل استكمال استقلالها السياسي والاقتصادي، ورفع مستوى حياتها المادية والأدبية.
- (د) الجماعة مستقلة عن الأحزاب ومحظور فيها الجدل الحزبي.
- م٣: تُعوِّل الجماعة في تحقيق أهدافها على كل ما من شأنه توجيه الرأي العام كالصحافة، والاجتماعات الدورية، والمحاضرات العامة، والرسائل، والبحوث.
أعضاء الجماعة
- م٤: أعضاء الجماعة هم الموقِّعون على هذا القانون، ومن يقرِّر مجلس الإدارة قبولهم.
- م٥: يترتب على قبول انضمام العضو للجماعة خضوعه لأحكام هذا القانون.
- م٦: قيمة الاشتراك السنوي للعضو تحددها الجمعية العمومية.
- م٧: لا تسقط عضوية أحد الأعضاء إلا إذا ثبتت مخالفته لقانون الجماعة أو تقاليدها، على أن يَصدر بذلك قرار مسبَّب من مجلس الإدارة بأغلبية ثلثي الأعضاء، وبعد إعلان العضو لإبداء أقواله.
مالية الجماعة
-
م٨: تتكون مالية الجماعة مما يأتي:
- (أ) قيمة اشتراكات الأعضاء.
- (ب) نصيب الجماعة فيما تنشره من مطبوعات.
- (جـ) الموارد الأخرى التي يقرها مجلس الإدارة.
- م٩: أموال الجماعة ليست ملكًا لأحد من أعضائها، بل هي ملك لشخصها المعنوي، وتُودَع باسمها بالمصرف الذي يختاره مجلس الإدارة، وليس لأحد من الأعضاء أن ينتفع بأموال الجماعة، أو يستعملها في غير الحدود التي يقررها مجلس الإدارة. والتزامات الأعضاء وتصرفات الجماعة وممثليها لا تتعدى بأي حال قيمة ما دفعوه للجماعة مضافًا إليه ما في ذمتهم لها إلى وقت المطالبة.
- م١٠: تبدأ السنة المالية للجماعة في أول يناير، وتنتهي في آخر ديسمبر من كل سنة.
إدارة الجماعة
- م١١: يدير شئون الجماعة مجلس مكوَّن من اثني عشر عضوًا تنتخبهم الجمعية العمومية بالاقتراع السري لمدة ثلاث سنوات، يجدد ثلثهم كل سنة على أن يُعيَّن من يخرج منهم في السنتين الأوليين بالقرعة. وإذا خلا محل أحد أعضاء مجلس الإدارة لأي سبب كان قبل انتهاء مدته اختار المجلس خلفًا له لتكملة مدته.
-
م١٢: يختص مجلس الإدارة بالمسائل الآتية:
- (أ) وضع اللائحة الداخلية للجماعة وتعديلها عند الاقتضاء في حدود القانون.
- (ب) النظر في طلبات الانضمام إلى الجماعة.
- (جـ) مراقبة تنفيذ قانون الجماعة ولائحتها الداخلية.
- (د) إدارة شئون الجماعة والعمل على تحقيق أغراضها بما يراه من الوسائل في حدود القانون.
- (هـ) إقرار تعيين، وترقية، وفصل الموظفين الإداريين بناء على ما يعرضه الرئيس.
- (و) النظر في استقالة الأعضاء، وفصلهم وفقًا لأحكام هذا القانون.
- (ز) دعوة الجمعية العمومية.
- (ﺣ) تشكيل اللجان الفنية المختلفة، ومتابعة أعمالها.
- (ط) تقديم مشروع ميزانية السنة المالية الجديدة إلى الجمعية العمومية لمناقشته وإقراره.
- (ي) تقديم الحساب الختامي للسنة المالية المنتهية إلى الجمعية العمومية لمناقشته وإقراره.
- (ك) إعداد التقرير السنوي عن أعمال الجماعة، وتقديمه للجمعية العمومية.
- (ل) اقتراح تعديل قانون الجماعة واقتراح حلها.
- (م) بحث الاقتراحات التي تُقدَّم من أحد الأعضاء أو جماعة منهم، وإحالتها — إذا رأى ذلك — إلى الجمعية العمومية، على أنه إذا كان الاقتراح مقدمًا من جماعة من الأعضاء يزيد عددهم على العشرة وجب في هذه الحالة إحالته بعد بحثه للجمعية العمومية.
- م١٣: يجتمع مجلس الإدارة مرة على الأقل في كل شهر بدعوة من الرئيس. ويجوز انعقاده فوق ذلك عند الاقتضاء بدعوة من الرئيس أيضًا، أو إذا طلب ذلك ثلاثة من أعضائه. ولا يصح اجتماع مجلس الإدارة إلا إذا حضره سبعة أعضاء على الأقل. وتصدر القرارات بأغلبية الآراء فإذا تساوت الأصوات، رُجح الرأي الذي في جانبه الرئيس.
- م١٤: يختار مجلس الإدارة من بين أعضائه رئيسًا ووكيلًا وأمينًا للصندوق وسكرتيرًا، وإذا خلا مركز من المراكز السابقة من شاغله قبل نهاية مدته لأي سبب كان، اختار مجلس الإدارة بدله لتكملة مدته.
-
م١٥: يختص رئيس مجلس الإدارة بما يأتي:
- (أ) الإشراف على جميع الأعمال الفنية والإدارية والمالية للجماعة.
- (ب) دعوة مجلس الإدارة للاجتماع، ورياسة جلساته، وتوقيع محاضرها، والإشراف على تنفيذ قراراته.
- (جـ) رياسة جلسات الجمعية العمومية، وتوقيع محاضرها، والإشراف على تنفيذ قراراتها.
- (د) تمثيل الجماعة أمام القضاء، والجهات الإدارية، والمالية، والهيئات الأخرى.
- (هـ) النيابة عن الجماعة في إبرام العقود، وفي كافة المعاملات مع الغير، وفي توقيع المكاتَبات.
- (و) توقيع الشيكات المالية، وأوراق الصرف مع
أمين الصندوق.
وينوب الوكيل عن الرئيس في جميع اختصاصاته المقدمة إذا منع الرئيس مانع.
- م١٦: يختص أمين الصندوق بحفظ أموال الجماعة، ومراقبة حساباتها، وإمساك دفاترها، وإعداد مذكرات الصرف التي تُعرَض على مجلس الإدارة، وإمضاء الشيكات وأذون الصرف مع الرئيس، وتحصيل الاشتراكات وسائر إيرادات الجماعة، وإيداع أموالها باسمها بالمصرف الذي يختاره مجلس الإدارة، وكذلك إعداد الحساب الختامي للسنة المالية المنتهية، وعرضه على مراقب الحساب؛ تمهيدًا لتقديمه لمجلس الإدارة، وعليه حفظ مستندات الصرف.
- م١٧: يختص السكرتير بتحرير محاضر جلسات مجلس الإدارة والجمعية العمومية، وتنفيذ قرارات كل منهما بإشراف الرئيس، وإرسال الدعوة إلى الأعضاء لحضور جلساتهما، وعليه حفظ أوراق الجماعة، ومراقبة أعمال الموظفين الإداريين.
الجمعية العمومية
- م١٨: تتكون الجمعية العمومية من جميع الأعضاء.
-
م١٩: تنظر الجمعية العمومية فيما يأتي:
- (أ) انتخاب أعضاء مجلس الإدارة.
- (ب) انتخاب مراقب الحسابات.
- (جـ) التصديق على اللائحة الداخلية، وتعديلها.
- (د) مشروع ميزانية السنة المالية الجديدة وإقراره.
- (هـ) الحساب الختامي للسنة المالية المنتهية وإقراره.
- (و) الفصل في تعديل قانون الجماعة، وفي حلها.
- (ز) التقرير السنوي المقدم من مجلس الإدارة عن أعمال الجماعة.
- (ﺣ) فيما عدا ما تقدم من المسائل التي يعرضها مجلس الإدارة.
- م٢٠: تجتمع الجمعية العمومية اجتماعًا عاديًّا مرة كل سنة في ميعاد يحدده مجلس الإدارة لا يتجاوز شهر فبراير من كل سنة، واجتماعًا غير عاديٍّ كلما دعت الظروف إلى ذلك بناء على طلب مجلس الإدارة أو عشرة أعضاء.
- م٢١: تُرسل الدعوة إلى جميع الأعضاء في مقر الجماعة أو في مكان آخر يعينه مجلس الإدارة قبل موعد اجتماع الجمعية العمومية بأسبوع على الأقل.
- م٢٢: لا يكون اجتماع الجمعية العمومية صحيحًا إلا إذا حضره على الأقل ثلث الأعضاء، فإذا لم يتوفر هذا العدد أُجِّل الاجتماع، ودُعيت الجمعية العمومية ثانية في ظرف ثمانية أيام على الأقل من تاريخ الاجتماع الأول، ويكون انعقادها في هذه الحالة صحيحًا أيًّا كان عدد الأعضاء الحاضرين. وتصدر القرارات بأغلبية الآراء فإذا تساوت الأصوات رُجح الرأي الذي في جانبه الرئيس.
- م٢٣: لا يجوز للجمعية العمومية — منعقدة بصفة عادية أو غير عادية — أن تنظر في غير المسائل الواردة في جدول الأعمال.
تعديل قانون الجماعة
- م٢٤: لا يجوز تعديل قانون الجماعة إلا بناء على اقتراح مجلس الإدارة أو ثلث الأعضاء بشرط عرض الاقتراح في هذه الحالة على مجلس الإدارة قبل انعقاد الجمعية العمومية بشهر على الأقل، والجمعية العمومية هي المختصة وحدها بالبَت والتعديل المذكور على أن يصدر قرارها بأغلبية ثلثي الأعضاء.
حل الجماعة
- م٢٥: لا يجوز النظر في حل الجماعة إلا بناء على اقتراح إجماعي من مجلس الإدارة، وفي هذه الحالة تُدعى الجمعية العمومية للاجتماع إلى جلسة غير عادية، ولا يكون اجتماعها صحيحًا إلا إذا حضره ثلاثة أرباع الأعضاء، ولا ينفذ قرار الحل إلا إذا حاز موافقة ثلثي الحاضرين.
حكم وقتي
- م٢٦: يتألف مجلس الإدارة الأول من الأعضاء الموقِّعِين على هذا القانون، وتنتهي مدته في نهاية سنة ١٩٤٧م.
ملحق رقم (٥): بيان
العالم سائر، وعزمُنا أكيد على ملاحقة رَكْبه، ورغبتنا صادقة في أن نقضي على ركود الأمس بنشاط مضاعَف ومجهود متواصل. ولا سبيل إلى السير اليوم إلا بعد رسم الخطة وإعداد العُدة، فقد تعقَّدت الشئون العامة بحيث أضحى من المغامَرة أن يواجهها المرء مرتجلًا، ومن ضياع الوقت أن يَتخبط فيها على غير بينة. فنحن في حاجة ماسَّة إلى رسم أهدافنا القومية جلية واضحة، وتحديد غاياتنا في النهوض والإصلاح كاملة؛ لأنها يوم أن تتحد وتتضح ستَجمع حولها من تجمَّع من مؤيدين وأنصار، وتكسب رأيًا عامًّا يسهر عليها، ويدعو إليها، ويرغب في تنفيذها.
وإذا كنا قد وُفِّقنا إلى تكوين رأي عام في بعض أهدافنا الخارجية المتعلقة بالسيادة والحرية، فإنا لم نحظَ بعدُ بفكرة واضحة عن كثير من أهدافنا الداخلية التي تتصل بالنهوض الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، وكثيرًا ما شُغلنا بأزمات مصطنعة ومجادلات عقيمة، وانقسمنا على أنفسنا في مسائل ما كان يَصح أن يُقام لها وزن، بينما تركنا الأمور الحيوية تُعالَج علاجًا مرتجَلًا، أو تُهمَل إهمالًا تامًّا.
وتؤمن جماعة النهضة القومية بأن هناك قدرًا من المبادئ الإصلاحية، إذا ما أُبرزت الإبراز اللازم، ووُضِّحت التوضيح الكافي، اجتمعت عليها الكلمة، وتضافرت العزائم، فبدت في ثوب المسائل الوطنية الكبرى، وصعدت إلى مرتبة تلك الأهداف المقدَّسة كالاستقلال والدستور، وسَمَت عن مستوى المشاكل العرَضية، وقضت على كثير من أسباب الخلاف والخصومة الشخصية.
وتؤمن الجماعة أيضًا بأن أهدافًا كهذه سيعتنقها رأي عام قوي تكون له كلمته في علاج مشاكلنا، وشأنه في تقرير مصير الوطن، ولا أمل في مستقبل بدونه ولا رجاء في نهضة حقَّة إلا إن اعتمدت على نُصرته وتأييده؛ لهذا أخذَت نفسها قبل كل شيء بالعمل على تكوين رأي عام مستنير حول برنامج وطني تلتقي عنده كلمة المصلِحين ويرسم للشباب معالم الغد. تلك هي رسالتها التي عزمت على أدائها، آملة أن يكون فيها ما يلم الشمل، ويوحد الجهود، ويزيل أسباب الخلاف. ولا يفوتها أن تعلن في صراحة، وبادئ ذي بدء أنها لا تتحيَّز لأي مذهب اجتماعي لذاته، أو نظرية اقتصادية من تلك النظريات التي تتقاسم العالم اليوم، إنما تَدين بأمر واحد هو أن النهوض الصحيح هو ذلك الذي يرفع مستوى الأمة ماديًّا وروحيًّا، وينشر ألوية العدالة بين أبناء الوطن. ولئن كان في تجارب الأمم الأخرى عظة ونفع، فإن الإصلاح الحقيقي ما استمد مبادئه من الحاجة التي دعت إليه وانطبقت وسائله على البيئة التي وُضع لها. وإصلاح كهذا لا بد أن نأخذ في أسبابه غير هيَّابين ولا وَجِلين، ولا مترددين ولا متراجعين، وندعو إليه باسم الوطن وفي سبيله غير مقيَّدِين بمصلحة خاصة.
على هَدْي هذا قضت الجماعة زمنًا في دراسة المشاكل القومية، ورسْم الأهداف الوطنية خارجية كانت أو داخلية، ووضْع مبادئ الإصلاح الذي تدعو إليه، وقطعت في ذلك شوطًا يسمح لها أن تتقدم إلى الجمهور ببعض ما استقر رأيها عليه؛ لذلك تبدأ عملها بإصدار سلسلة من البحوث على أساس تلك المبادئ التي درستها وأقرتها، وفي ضوء تلك الأهداف التي ترمي إليها، ونرجو أن يكون في هذا ما يحمل كل محب لبلده على أن يعاونها في عملها، ويشاركها في نشر رسالتها.
ويسرها أن تقدم اليوم الحلقة الأولى من هذه السلسة، وهي بحث عن الإصلاح الزراعي في نواحيه الثلاث: الملكية، والإيجار، والعمل. وليست في حاجة إلى أن تبين أهمية الموضوع وضرورة علاجه دون إبطاء بعد أن كثرت فيه الوعود والمقترحات، وترجو أن يكون هناك في هذه الصفحات وما اشتملت عليه من مبادئ رئيسية، ووسائل عملية ما يفتح أمامنا السبيل لإصلاح شامل، ويوجه التفكير نحو علاج ناجح، ويجمع الكلمة على حلِّ هذه المشكلة الحيوية، ويسلك بنا سبيل التنفيذ المتواصل والعمل المطرد.
(توقيعات)
محمد علي الغتيت – مريت غالي – عبد الملك حمزة – محمد زكي عبد القادر – يحيى العلايلي – محمد سلطان – وديع فرج – إبراهيم مدكور.
ملحق رقم (٦): مركز مصر في العالم بعد الحرب
(١٩ / ١٢ / ٤٤)
مقدمة
- (أ)
مصر مركز رئيسي في أوقات السلم وفي أوقات الحرب (المواصلات البرية والبحرية والجوية).
- (ب)
مصر تعتمد في حياتها على النيل وحده (أهمية منابع النيل وواديه الأعلى).
إبراز هذا العامل الجغرافي في مستقبل مصر الدولي — سواء في مركزها السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي.
الفصل الأول: المركز السياسي
-
(١)
نظرة مختصرة في تاريخ مصر منذ نهضة محمد علي، الحملة الفرنسية – فتح الشام، وجزيرة العرب، والسودان وما دونه – الاحتلال البريطاني، ثورة المهدي وإعادة فتح السودان – الحرب الماضية والحماية – الحركة الوطنية – تصريح ٢٨ فبراير والدستور – معاهدة سنة ١٩٣٦م – إلغاء الامتيازات – الحرب الحاضرة ووقوف مصر في صف الحلفاء، ومعونتها الصادقة لقضيتهم.
-
(٢)
ضرورة تكملة الاستقلال، خطوة طبيعية مُتمِّمة للمعاهدة (حل مسائل قناة السويس – السودان – الجيش – الموانئ والمطارات).
-
(٣)
مصر تريد أن تقوم بواجبها إلى جانب الأمم الأخرى في تنظيم العالم ومحاولة تدعيم السلم – مصر تستطيع بحكم مركزها أن تساهم في هذا بالشيء الكثير – يجب أن يكون لمصر شأن في كل ما يتصل بالوضع السياسي في البلاد المتاخمة لوادي النيل، ومتابعة البلاد الواقعة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط – أثر مصر المستقلة في حل مشاكل الشرق الأوسط.
الفصل الثاني: المركز الاقتصادي
-
(١)
نظرة مختصرة إلى الماضي: النهضة الاقتصادية في القرن الماضي – دور الأجانب في الاقتصاد المصري – الزراعة المصرية في المائة سنة الأخيرة – أعمال الري الكبرى وزيادة الزراعات – التقدم الصناعي في القرن الحالي – هبوط مستوى المعيشة والمشكلة الاجتماعية – التجارة بين الحربين — أثر الحرب الحاضرة في استهلاك آلات الصناعة والمواصلات، وإهمال المرافق العامة.
-
(٢)
ضرورة رفع مستوى المعيشة – صلته بالإنتاج والسوق الدولية – مصلحة الدول الأخرى في النهوض به:
-
(أ)
الحاجة إلى رءوس المال الأجنبية وخبرة الأجانب الفنية – ضرورة وإمكان التعاون الصادق بين المصريين والأجانب لمصلحة الفريقين – ضمان رأس المال وربحه.
-
(ب)
الحصول على ما تحتاج مصر إليه من آلات ومواد أولية – مسألة الدين المصري على بريطانيا.
-
(جـ)
إفساح المجال لمصر في اقتصاد الشرق الأوسط – أثر ذلك في رفع مستوى المعيشة العام في الأقطار المتجاورة.
-
(د)
التعويل على مركز مصر الجغرافي في المواصلات والنقل بين الشرق الأوسط والعالم – أثر ذلك في تضييق دائرة التنافس الدولي – أثره في تنمية الثروة ورفع مستوى المعيشة.
-
(أ)
الفصل الثالث: المركز الثقافي
-
(١)
نظرة إلى الماضي: نشر التعليم في القرن الماضي ودور الأجانب فيه – انتعاش الروح القومية – أهمية مصر من الناحية الثقافية (العالم العربي – العالم الإسلامي – أثيوبيا) القاهرة من أهم المراكز الثقافية في العالم.
-
(٢)
البرنامج الثقافي المصري بعد الحرب:
-
(أ)
نشر التعليم نشرًا كاملًا في داخل القُطر.
-
(ب)
الاستعانة بالبعثات إلى الخارج، وخاصة إلى أوربا وأمريكا.
-
(جـ)
تأدية رسالة مصر الثقافية في العالم، وخاصة في الأقطار التي تنظر إلى القاهرة كمركز ثقافي.
-
(أ)
خاتمة
- (أ)
ففي الداخل كانت الضيافة المصرية للأجانب في إقامتهم وأعمالهم وثقافتهم؛ أوسع ما يمكن — يريد المصريون أن يستمروا على هذا النهج مع عدم التضحية بمصالحهم الحيوية.
- (ب)
وفي الخارج كانت مصر دائمًا في حدود نفوذها نصيرة الضعفاء والمغبونين — مصر لا تريد لغيرها سوى ما تريد لنفسها من استقلال وكرامة — مصر مستعدة لقبول التضحيات التي تقبلها البلاد الأخرى لمصلحة السلم والتنظيم العالمي — ولكن يجب ألا يوجد في مصر نفوذ دولة أجنبية (سياسيًّا كان أو اقتصاديًّا) لأنه يضر الجميع ويجعل من مصر بقعة تَبرُّم وقلق، ويقف حجر عثرة في سبيل التعاون المنشود — أثر ذلك السيئ في الناحيتين السياسية والاقتصادية.
ملحق رقم (٧): مشروع قانون الإصلاح الزراعي
عنيت جماعة النهضة القومية منذ نشأتها عناية خاصة بمشكلة الفلاح في مختلف أطرافها الاقتصادية والاجتماعية، واتخذت فيها قرارات مبدئية وردَت في برنامجها الذي سبق أن أعلنته. ثم عهدت إلى أحد أعضائها (مريت غالي بك) بوضع بحث خاص لتفسير هذه القرارات وتفصيلها، مع عرض الحلول العملية التي تنطبق عليها، وقد نُشر هذا البحث في سنة ١٩٤٥م تحت عنوان «الإصلاح الزراعي» كما نُشر باللغة الفرنسية في مجلة جمعية فؤاد الأول للاقتصاد السياسي والقانون، في مجلدها الثامن والثلاثين الصادر في سنة ١٩٤٧م.
ولقد بدا للجماعة أنه حان الوقت لعمل حاسم يحل هذه المشكلة بعد كل ما قيل وكُتب فيها، فرأت أن تخطو خطوة إيجابية في هذا الصدد، وذلك بوضع مشروع قانون في ضوء دراساتها، وقراراتها ونشراتها السابقة. وعهدت إلى أحد أعضائها (الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، عضو مجلس الشيوخ) بتقديمه إلى البرلمان، وتم ذلك في ٢٣ فبراير ١٩٤٨م.
وتمشِّيًا مع خطتها المرسومة للاتصال المستمر بالرأي العام رأت أن تنشر المشروع بمذكرته الإيضاحية في سلسلة مطبوعاتها، وبذا يُتاح للجميع الاطلاع عليه، وتفَهُّم مضمونه، وتكوين رأي فيه. ولا شك أن الجمهور سيتتبع في اهتمام بالغ مراحله في البرلمان.
مشروع قانون لتنظيم الملكية والإيجار والعمل في الزراعة
نحن فاروق الأول ملك مصر
قرر مجلس الشيوخ ومجلس النواب القانون الآتي نصه، وقد صدقنا عليه وأصدرناه:
الباب الأول: ملكية الفلاح ووسائل نشرها
- مادة ١: ملكية الفلاح في حكم هذا القانون هي قطعة من الأرض الزراعية يملكها مزارع يستغلها بنفسه على أن يكفل إنتاجُها معيشته، ومساحتها فدانان على الأقل.
- مادة ٢: لنشر هذه الملكية تُوزَّع على صغار المزارعين الأراضي الزراعية التابعة لأملاك الدولة، سواء منها ما تم إصلاحه، أو ما يُستصلح مستقبلًا، ويُحظر بيعها لغيرهم. ولا يُستثنى من هذه القاعدة إلا الأراضي اللازمة للأبحاث والتجارب التي تقوم بها وزارة الزراعة، والهيئات العلمية ذات الفائدة العامة.
- مادة ٣: تعمر الأراضي المستصلحة بواسطة مستعمرات تشتمل على المنازل والمنشآت اللازمة للخدمات الاجتماعية والاقتصادية، وتقسم الأرض الزراعية في المستعمرة إلى وحدات تُملك للمستعمرين، على أن يربطها نظام تعاوني للإنتاج والتصريف.
-
مادة ٤: يُمنح المستعمر سلفة إنشائية تساعده على استكمال
ما يلزم لاستغلال وحدته، ويُقسَّط الدَّين الناشئ
عن قيمة الوحدة والمنزل والسلفة على أقساط يُراعى
فيها عدم إرهاق المدينين.
وإلى أن يتم التسديد يُحظَر التصرف في الوحدة بالبيع أو الرهن أو التأجير أو تقرير حق عيني عليها، وكل إجراء مخالف لهذا الحظر يُعَد باطلًا، على أنه يجوز للمستعمر إذا حدث ما يمنعه من استغلال وحدته قبل إتمام التسديد أن يتنازل عنها لغيره ممن تتوفر فيه الشروط، وذلك بموافقة مصلحة الإصلاح الزراعي.
-
مادة ٥: يشترط في المستعمر أن يكون مصريًّا بالغًا يزاول
مهنة الزراعة، وتكون الأولية في توزيع الوحدات حسب
الترتيب الآتي، على أن يُفضَّل في كل فئة من كان
متزوجًا وله أولاد:
- (١) من كان من أهل المنطقة الواقعة فيها الأرض المراد استعمارها أو كان مستأجِرًا فيها.
- (٢) من أخذ نصيبه الوراثي نقدًا، طبقًا لأحكام هذا القانون.
- (٣) من أراد استبدال أرضه طبقًا لأحكام هذا القانون.
-
مادة ٦: لا يجوز لمن يمتلك أرضًا زراعية أن يحصل على
وحدة في المستعمرة، ولا يجوز لأحد أن يحصل عند
التوزيع على أكثر من وحدة واحدة.
على أنه يجوز لمن يمتلك أقل من فدانين من الأرض الزراعية في أية منطقة من مناطق القُطر أن يستبدل بها وحدة في المستعمرة، ويسوي الفرق بين الثمنين.
وتُباع الأراضي المستبدَلة إلى أهالي النواحي الواقعة فيها بحيث تحقق نشر ملكية الفلاح.
الباب الثاني: حماية ملكية الفلاح
-
مادة ٧: يُحظَر التنازل عن أي جزء من الملكية الزراعية
إن كانت مساحتها فدانين فأقل، أو إن كانت أكثر من
هذا وأدى التنازل إلى نقصها عن هذا الحد.
ويسري هذا الحظر على البيع والهبة والبدل وجميع طرق انتقال الملكية ما عدا الميراث، وكل عقد مخالف لذلك يُعَد باطلًا ولا يجوز تسجيله.
-
مادة ٨: يُحظَر تقسيم الأرض الزراعية في حالات الإرث،
كلما أدى ذلك إلى تكوين ملكية أقل من فدانين،
ويُستثنى من هذا التركات التي تقل مساحة الأرض
الزراعية فيها عن فدانين.
وكل قسمة أو اتفاق مخالف لذلك يُعَد باطلًا ولا يجوز تسجيله.
-
مادة ٩: في حالة عدم الاتفاق بين الورثة تكون الأولوية
في تملك الأرض الزراعية على النحو
الآتي:
- (١) يُقدَّم أبناء المورث وبناته على جميع من سواهم من الورثة.
- (٢) يُقدَّم البنون على البنات.
- (٣) يُقدَّم الأبناء الكبار على الصغار والمشتغلون بالزراعة على غير المشتغلين بها.
- مادة ١٠: يدفع الوارث أو الورثة الذين تملَّكوا الأرض الزراعية إلى الوارث، أو الورثة الآخرين الذين أخرجوا منها قيمة أنصبتهم الشرعية فيها نقدًا بمجرد أيلولة الملكية إليهم.
الباب الثالث: تحديد الملكية الزراعية
-
مادة ١١: يحظر على كل مالك المائة فدان فأكثر من الأرض
الزراعية، سواء فردًا أو شركة أو وقفًا أهليًّا أو
شخصًا معنويًّا، وسواء أكانت الأرض في زمام ناحية
واحدة أو موزعة بين نواحٍ متعددة، أن يضم إلى
ملكيته أرضًا زراعية أخرى، على ألا يسري هذا الحظر
على الأرض الزراعية التي تَئول إلى الأفراد عن
طريق الميراث.
وكل عقد مخالف لذلك يُعَد باطلًا ولا يجوز تسجيله.
-
مادة ١٢: على كل مالك لِمَا يتجاوز ثلثي الأرض الزراعية
في زمام ناحية، سواء أكان فردًا أو شركة أو وقفًا
أهليًّا أو شخصًا معنويًّا أن يتخلَّى عمَّا
يتجاوز الثلثين في مدى ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ
العمل بهذا القانون، وذلك بالبيع لأهالي المنطقة
في وحدات لا تتجاوز عشرة أفدنة للشخص
الواحد.
وفي حالة عدم التنفيذ لغاية انتهاء هذه المدة تُنزَع ملكية الأرض التي كان يجب التخلي عنها.
-
مادة ١٣: يجوز تأجير الأرض البور التابعة لأملاك الدولة
لشركات أو أفراد يتولون إصلاحها، ويُعيِّن العقد
شروط التأجير، وخاصة الأعمال الواجب إنجازها في
الأرض، ومراحل الإصلاح، ومعاملة العمال، والجزاء
في حالة التأخير أو عدم تنفيذ الشروط، وعند انتهاء
الإيجار تستولي الدولة على الأرض وما عليها من
مبانٍ وآلات ثابتة بغير تعويض.
ويدفع المستأجِر إيجارًا اسميًّا، ويُعفى من مال الأرض، والضريبة على الأرباح الصناعية والتجارية، وتُستخدم أرباح الاستغلال في توزيع ربح لا يزيد سنويًّا عن عشرة في المائة من رأس المال المدفوع، وفي تكوين احتياطي يوازي مقدار رأس المال المدفوع، على أن تُتحدَّد مدة الإيجار بحيث تُمكِّن من إتمام الإصلاح مع تكوين هذا الاحتياطي.
الباب الرابع: تنظيم الإيجارات والأجور
-
مادة ١٤: يُشترط في الإيجارات الزراعية ابتداء من السنة
الزراعية اللاحقة لتاريخ العمل بهذا
القانون:
- (١) ألا يزيد إيجار الفدان عن اثني عشر مثلًا للضريبة المربوطة عليه إذا كان بمقابل نقدي، فإذا كان بمقابل عيني، أو بالمزارعة، أو بأية طريقة من طرق التأجير الأخرى وجب ألا يزيد نصيب المؤجر عن نصف غلة الأرض.
- (٢) ألا تقل مدتها عن ثلاث سنوات شمسية، ويستمر العمل بالعقد في حالة وفاة أحد الطرفين، أو انتقال ملكية الأرض المؤجرة إلا إذا رغب المستأجر، أو ورثته في إنهائه.
وتُستثنى من أحكام هذه المادة المشاتل وبساتين الفاكهة.
-
مادة ١٥: يجب إثبات عقود تأجير الأرض الزراعية بالكتابة
مهما تكن قيمتها، وتُحرَّر من صورتين، يَحتفظ كل
من الطرفين بواحدة منها، ولا يَتخذ العقد صفته
القانونية إلا إذا سُجِّل في المحكمة
المختصة.
ويبطل كل عقد، أو اتفاق، أو إجراء يؤدي مباشرة أو غير مباشرة إلى مخالفة أحكام المادة السابقة، وخاصة إلى استيلاء المؤجِّر على إيجار يزيد عن الحد الأعلى المبيَّن، وكل مخالفة يُعاقب مرتكبوها بغرامة لا تزيد عن عشرين جنيهًا عن كل فدان وقعت المخالفة فيه.
-
مادة ١٦: لا يجوز أن يَقل أجر العامل الزراعي البالغ عن
عشرة قروش في اليوم.
ويبطل كل عقد، أو اتفاق، أو إجراء يؤدي مباشرة أو غير مباشرة إلى أن يحصل على أجر يَقل عن هذا، وكل مخالفة يُعاقب مرتكبوها بغرامة لا تزيد عن خمسة جنيهات.
- مادة ١٧: يُعدَّل عند الاقتضاء وبقرار من مجلس الوزراء الحد الأعلى لقيمة الإيجارات الزراعية بمقابل نقدي، والحد الأدنى لأجر العامل الزراعي، وذلك على أساس الرقم القياسي العام لأثمان المحاصيل الزراعية إذا حدث في هذا الرقم تغيير بلغ متوسطه في ستة أشهر عشرين في المائة على الأقل زيادة أو نقصًا عما كان عليه في الستة أشهر السابقة.
الباب الخامس: أحكام عامة وختامية
- مادة ١٨: تُنشأ مصلحة للإصلاح الزراعي ذات ميزانية مستقلة تلحق بالميزانية العامة، يُعهد إليها بنشر ملكية الفلاح وحمايتها.
- مادة ١٩: يُعفى من رسوم التسجيل كل انتقال لملكية الأراضي الزراعية يجري بمقتضى أحكام هذا القانون.
- مادة ٢٠: على مصلحة الإحصاء والتعداد أن تُنظم في مدة لا تتجاوز سنة ابتداء من تاريخ العمل بهذا القانون إحصاء شاملًا ومستمرًّا لتوزيع ملكية الأرض الزراعية في القُطر.
- مادة ٢١: على وزراء المالية، والزراعة، والشئون الاجتماعية، والعدل تنفيذ هذا القانون، ويُعمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.
مذكرة إيضاحية
لا تنحصر المشاكل الزراعية في النواحي الفنية من ري وصرف وانتخاب بذور وما إلى ذلك، وإنما تمتد إلى الأوضاع الاجتماعية والقانونية التي تُنظم علاقة المزارِعين بالأرض التي يفلحونها. ولا تقل هذه الأوضاع عن المسائل الفنية أهمية وخطورة، بل تزيد عنها؛ لأنها تمس الإنسان في جميع مرافق حياته، ففي التشريعات والتقاليد المتصلة بحيازة الناس للأرض دخل كبير في ازدهار الزراعة أو ركودها، وفي رخاء الريف أو فقره؛ وفي تقدم الأمة أو تأخيرها.
وكم يبدو الأمر هامًّا وجوهريًّا في بلد كمصر، كانت مهد الحضارة الإنسانية؛ لأنها كانت مهد الزراعة المنظَّمة، فقام كيانها الاجتماعي والاقتصادي على الزراعة قبل أي شيء آخر. ولم تَفُت هذه الحقيقة المصلح الكبير محمد علي باشا؛ فبادر في سنتي ١٨١٢ و١٨١٣م إلى إصلاح النظام العتيق الموروث عن العهد التركي، وبدأ بمسح أراضي القُطر، وإلغاء الالتزام، واستمر هذا التوجيه القوي ممثَّلًا في سلسلة من الأوامر والقوانين طوال القرن التاسع عشر وانتهى في سنة ١٨٩٦م إلى زوال آخر آثار القرون الوسطى. فصارت حيازة الأرض الزراعية ملكًا أو إيجارًا مبسطة، وموحدة كما نعرفها الآن.
ومن ذلك التاريخ لم يُعنَ بمتابعة الإصلاح ليساير التطور السياسي والاجتماعي، ويلائم الظروف العمرانية والاقتصادية، اللهم إلا فيما يتصل بقانون الخمسة أفدنة الصادر في سنة ١٩١٣م، وبعض التجارب في استعمال الأراضي المتصلَّحة، أَخصُّها إنشاء مستعمرة بيله سنة ١٩١٣م ومستعمرة شالما سنة ١٩١٤م. وبدأ هذا الركود في عهد أخذ فيه تزايُد السكان المطرد يخلق مشاكل جديدة ومعقدة؛ فكان لها أثرها السيئ في معيشة الريفيين ومرافقهم، ولا بد الآن — وكاد يمضي من القرن العشرين نصفه — من دفع جديد لإصلاح الأوضاع الاجتماعية والقانونية المتصلة بالزراعة.
وكأن هبوط مستوى المعيشة الملحوظ لدى أهل الريف لم يكفِ للفت النظر إلى سوء حالهم، ولتوكيد العزم على علاجها، فقد شاءت الأقدار أن تدق ناقوس الخطر ثلاث مرات أثناء السنوات الأخيرة، وذلك في أوبئة الملاريا، والحمى الراجعة، والكوليرا. ولئن كان نزول هذه الأمراض بالقُطر من آثار الحرب المباشرة، فليس من الصُّدف بحال أن تفتك بأهل الريف ذلك الفتك الذريع، وما ذاك إلا لأنها نزلت على قوم ضعاف في أجسامهم، تنقصهم وسائل الصحة بالوقاية، وليس لديهم من المئُونة أو المال مُدَّخر يستطيعون به الوقوف أمام الصدمة الأولى.
ففلَّاح الوادي — وهو غالبية سكانه — في حاجة ماسَّة إلى رعاية قبل أن تزداد حاله سوءًا؛ فيُلحق بالأمة ضررًا لا سبيل إلى تداركه. وإذا كانت العناية بالصحة والتعليم تفيده بلا شك، فإن هذه الفائدة ستبقى محدودة ما دامت موارد رزقه لم تتحسن، ولن تؤدي الخدمات الاجتماعية، مهما يبلغ اتساعها وتنوعها، إلى رفع مستوى معيشته إن بقي مقيَّدًا في أغلال عوامل اقتصادية لا يقوى على مقاومتها.
ويرجع فقر الفلاح في أساسه إلى ضيق الأرض الزراعية في القُطر مع كثرة الذين لا يجدون سواها بابًا للعمل والرزق. ومما يدعو إلى أشد القلق في المستقبل أن التفاوت يزداد سنة فأخرى بين الأرض والسكان، فيزداد التوازن اختلالًا على اختلاله، والمزارعون فقرًا على فقرهم. ومن هذا كان هبوط مستوى المعيشة لدى أهل الريف في الجيلين الأخيرين، وسيستمر الهبوط لا محالة، والتيار سائر في انحداره ما لم تُتخذ خطوة إيجابية جريئة لإنقاذ الفلاح.
ويزيد هذه الحال أثرًا ووطأة ما أسفر عنه توزيع الملكية الزراعية منذ نصف قرن. فقد مالت إلى النقص الملكيات الصغيرة والمتوسطة، بينما احتفظت الكبيرة بنصيبها الغالب؛ لأنها تستطيع دائمًا أن تتكون من جديد، وزادت زيادة فاحشة تلك الملكيات الضئيلة التي لا تتجاوز بضعة قراريط، ولا تكسب أصحابها شيئًا من الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي. وهذا توزيع يتعارض مع المصلحة العامة التي تقتضي على العكس الإكثار من صغار الملاك ومتوسطيهم، وكان لهذا التطور شأن في تأخير القرى عن مسايرة النهضة القومية.
هذا إلى أنَّ فَقْد التوازن بين مساحة الأرض وعدد المزارِعين قد أدى إلى أن يستولي صاحب الأرض على النصيب الأكبر من إيرادها، بينما يحصل من يزرعها بيده ويفلحها على نصيب لا يتناسب مع دوره في الإنتاج. فالعامل الزراعي يقبض أجرًا زهيدًا لا يكفيه بحال لتدبير شئون بيته، أما المستأجِر الصغير — وهو الذي كان يجب أن يصعد إلى مرتبة أعلى من السلم الاقتصادي — فلا يخرج كثيرًا عن مرتبة العمال؛ وذلك لارتفاع الإيجارات، وقلة ما يُترك له من ربح، ولعدم استقراره في الأرض المستأجَرة مدة مقبولة. وفي كل هذا ما أدى إلى انتشار الفقر في الريف، وحرَم الصناعة الوطنية من سوقها الطبيعية.
ولو كانت هذه حال نفر قليل ما كانت سببًا لقلق وتخوُّف، ولكنها حال ثلثي الشعب المصري، ولن يجدي أي مجهود لرفع مستواه ما لم يستوعب هذا السواد الأعظم. والفلَّاح عماد الاقتصاد القومي، ولا جدوى لمصر من تقدُّم في بعض النواحي، ورخاء في بعض الأوساط ما دام هو لم يحصل على قسطه العادل منها؛ لأن التقدم الذي يجاوزه مبني على الرمال والرخاء الذي لا يشمله صورة كاذبة لن تلبث أن تضمحل وتنهار.
فالحاجة مُلحَّة إلى تغيير في الأوضاع الزراعية يجعلها أكثر ملاءَمة لمقتضيات العصر، وكان يجب أن تقترن نهضتها الوطنية منذ ربع قرن بهذا الإصلاح الحيوي، ولو تم ذلك لساير المزارعون التقدم طوال هذه المدة بدل أن يبقوا مع الأسف في مؤخرته. وليس ثمة بُد اليوم — بعد إهمال أضر بالمصلحة الوطنية أشد الضر — من وضع الأساس اللازم لتوجيه جديد في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بالفلاح، وهو الغرض من القانون المعروض.
ويعتمد هذا القانون على مبدأين رئيسيين: أولهما يضمن لمن يعملون في الأرض قدرًا مناسبًا من ملكيتها ونصيبًا عادلًا من إيرادها، وثانيهما أن توزع ملكية الأرض الزراعية ومنفعتها توزيعًا يؤدي إلى زيادة وسائل الإنتاج وموارد الثروة العامة. ومشكلة الفلاح واحدة سواء أكان مالكًا أم مستأجِرًا أم عاملًا، كما أن الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية مرتبطتان أوثق الارتباط في الإصلاح المنشود، فكان لزامًا أن يُنظَّم كل هذا في تشريع واحد؛ تحقيقًا للتناسق الذي لا بد منه.
وتتلخص وسائل هذا الإصلاح في نشر ملكية الفلاح وحمايتها؛ كي تستقر في الأمة طبقة من صغار المنتجين الزراعيين هم قوامها ومصدر قوتها وثباتها، وفي زيادة إيراد المستأجِرين والعمال، مما يعالج مشكلة الفقر، ويفتح أمام الصناعة الوطنية سوقًا واسعة لمنتجات الاستهلاك العادية، وفي تحديد الملكية الزراعية الكبيرة مما يفسح المجال أمام متوسطي الملاك وصغارهم، ويوجه كثيرًا من رءوس المال والجهود المصرية نحو الصناعة والتجارة، وفي تشجيع الإقدام على إصلاح الأرض البور؛ كي لا تُهمل الثروة الزراعية إلى جانب الاهتمام بالتقدم الصناعي، وأخيرًا في تنظيم الإدارة التي يُعهد إليها بتحقيق الإصلاح، وفي هذا التنظيم ما يضمن تنسيق العمل وحسن القيام به مع الاقتصاد في النفقات ما أمكن.
وتتعاون هذه الوسائل كلها على تحقيق إصلاح كامل، لم تُهمل فيه الحاجات العاجلة، وما تقتضيه الظروف الحاضرة، ولم يقصر في رسم سياسة بعيدة المدى ترمي إلى التخفيف من حال طال عليها الأمد، وظلم لم يَعُد يُحتَمل. وفي هذا التجديد الشامل ما يضمن تطورًا محكَم الخطوات، مرتَّب الحلقات، يُصلح حال المزارعين الاقتصادية والاجتماعية ويرفع مستوى معيشتهم، ويعود بأعظم الفوائد على الأمة والوطن، دون أن يحدث تلك التغييرات السريعة، والانقلابات العنيفة التي اقترنت بحل مثل هذه المشاكل في كثير من البلاد الأخرى.
•••
- (١)
بأن يضمن ملكية زراعية كافية لأكبر عدد ممكن منهم.
- (٢)
بأن يحافظ على ملكية الفلاح بحمايتها من التقسيم إلى ما دون حد الكفاية.
- (٣)
بأن يضمن للمستأجِر الزراعي نصيبًا عادلًا من إيراد الأرض، وللعامل الزراعي أجرًا عادلًا لعمله.
- (٤)
بأن يشجع على إصلاح الأراضي البور، وحسن استغلال الثروة الزراعية.
- (٥)
بأن يساعد على زيادة وسائل النشاط والإنتاج الاقتصادي، وإنماء الثروة العامة.
ويشمل القانون ٢١ مادة موزعة على خمسة أبواب:
تنص المادة ١ على أن يكون فدانان حدًّا أدنى لملكية الفلاح، أو الملكية الصغيرة، في جميع أحكام القانون. وقد دلت الدراسة، والتجربة على أن الإنتاج النباتي والحيواني لهذه المساحة — إن أُحسن استغلاله — يسد حاجات الأسرة الريفية في مصر، أما مساحة أقل منها — مهما تكن جودة الأرض — فلا تفي بضرورات الأسرة الريفية؛ ولذلك لا تكون ملكية ذات فائدة اجتماعية، ولا تجعل من صاحبها منتِجًا اقتصاديًّا مستقلًّا.
وتضع المادة ٢ مبدأ عامًّا في استخدام الأراضي الزراعية التابعة لأملاك الدولة والتي ليست من المنافع العامة، وهو أن توقف كلها على نشر ملكية الفلاح، ولا يحتاج هذا المبدأ إلى إيضاح أو دليل، وكان يجب الأخذ به منذ أول القرن الحاضر بدل التخبط الذي بُلينا به؛ فحاجة الفلاح إلى الأرض مُلحَّة بدرجة لا تدَع مجالًا لإعطاء أرض لأيِّ فئة أخرى، وفي تطبيق هذه القاعدة تطبيقًا كاملًا ما يهيئ فرصة عاجلة للإكثار من الملكيات الصغيرة.
وتنظم المواد ٣ و٤ و٥ و٦ تعمير الأراضي المستصلَحة، ونشر ملكية الفلاح، وقد اقتُصر فيها على القواعد العامة؛ كي تترك للمنفِّذِين حرية تصرُّف تمكِّنهم من مراعاة الفوارق بين المناطق والإفادة من تجاربهم. على أن هذه القواعد العامة قد وُضعت في ضوء دراسة دقيقة وتجارب سابقة كثيرة، بعضها في مصر والبعض الآخر في البلاد الأجنبية، وفيها ما يحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي يرمي إليها نشر ملكية الفلاح.
كان لا بد أن يشتمل الإصلاح الزراعي على حل حاسم لمشكلة تقسيم الملكيات الصغيرة. وهي مشكلة مزمنة؛ إذ يرجع أول عهدنا بها إلى سنة ١٨٦٩م حين صدر أمر عالٍ «بمنع فرز أطيان الأهالي بعد الوفاة»، وقد قُصد به تجنب الأضرار المترتبة على التقسيم. ولم يكن لهذه المحاولة أي أثر عملي، ومنذ ذلك التاريخ وأضرار التقسيم تمتد وتتضاعف، والمشكلة تزداد حدة وصعوبة، ولقد انتهت إلى درجة من الخطورة لا يمكن السكوت عليها. فكان عدد الملكيات الناقصة عن فدان واحد ٧٨٢٠٠٠ في سنة ١٨٩٦م ومجموع مساحتها ٣٦٤٠٠٠ فدان، وفي سنة ١٩٤٢م بلغ عددها ١١٧٧٩٠٠ ومجموعها ٧٢٢٠٠٠ فدان. وفي سنة ١٨٩٦م كانت مساحة ٩٩٣٠٠٠ فدان مقسَّمة إلى ملكيات لم يزِد متوسطها عن ١١ قيراطًا، فصعدت هذه المساحة بعد نصف قرن إلى ١٩٢٩٠٠٠ فدان (أي أكثر من ثلث الأراضي الزراعية في القُطر)، وهبط متوسط هذه الملكيات إلى ١٠ قراريط.
وليس هذا التطور سوى نتيجة أخرى لتزايد السكان، وفيه خطر مزدوج، اقتصادي أولًا؛ إذ إن الأرض المقسمة هذا التقسيم الزائد لا يمكن أن تُستغَل استغلالًا صحيحًا، وفي هذا خسارة فاحشة على الاقتصاد الوطني، واجتماعي ثانيًا؛ إذ إن ملكية من هذا النوع لا تفي بحاجات صاحبها فلا تكسبه استقلالًا واستقرارًا يُعوَّل عليهما في تحسين حاله. وسوف يستمر متوسط هذه الملكيات في الهبوط وعددها في الصعود كما تستمر في الزيادة نسبة أراضي القُطر التي تشغلها، والنتيجة الحتمية لهذا التطور إن أُهمَل علاجه هي أن تضعف قيمة هذه الملكيات الضئيلة في نظر الناس وأن يضطروا في نهاية الأمر إلى استغلالها بطريقة من طرق الشيوع. وكيف يمكن أن ننتظر غير هذا، وقد وصلت الحال إلى أن يقسم السهم الواحد، فتدُق المساحة حدائد يكاد يلتصق بعضها ببعض عند التحديد؟
فلا مناص إذن من وقف هذا التيار قبل أن يَستفحل أمره، وتنص المواد الأربع في هذا الباب على وسائل العلاج وكيفية تطبيقها. واقتُصر هنا أيضًا على القواعد العامة وتُركت تفاصيل التطبيق للائحة التنفيذية التي تُوضع في ضوء هذه المذكرة.
فتضع المادة ٧ مبدأ عامًّا، وهو أنه تحرم تجزئة الملكية بأيَّة طريقة إذا كانت أقل من الحد الأدنى المنصوص عليه لملكية الفلاح، أو إذا أدت التجزئة إلى نزولها عن هذا الحد.
أما المادة ٨ فتعالج مشكلة تقسيم الأرض الزراعية في المواريث، ويُلاحظ فيها أن الملكيات الناقصة عن فدانين قد استُثنيت من هذا العلاج؛ وذلك لأنه ليس ثمة فائدة من المحافظة على ملكيات ناقصة عن حد الكفاية، وخاصة أن تلك المحافظة تقتضي مساعدة وإشرافًا من الدولة، فالأجدى حصرهما فيما هو نافع وضروري.
وتنظم المادة ٩ اختيار الورثة الذين يتملكون الأرض الزراعية في التركة في حالة تطبيق المادة السابقة عند عدم اتفاق الورثة. وقد رُوعي في هذا الاختيار أن يتمشى مع تقاليد الشعب، فتنحصر صعوبة التنفيذ في أضيق نطاق ممكن.
أما تعويض من يبعدون عن الأرض الزراعية من الورثة المنصوص عليه في المادة ١٠، فهو نظام معمول به في بلاد أخرى فضلًا عن أنه الطريقة العملية الوحيدة لتحقيق الغرض المنشود بغير أن يُغبن أحد أو تُهضم حقوقه. ولا يختلف هذا الحل عما أُلف في قواعد الميراث من حق الورثة في أن يخرج بعضهم بعضًا مقابل قدر من المال، ونعني بذلك التخارج المعروف في الفقه الإسلامي.
وبذلك يتوقف تيار تضاؤل الملكية الزراعية، ويمكننا فيما بعد أن نعمل على علاج التضاؤل القائم. وقد ورد في الفقرتين الأخيرتين من المادة ٦ أساس لمحاولة في التخلص تدريجيًّا من الملكيات الناقصة عن فدانين، وذلك باستبدالها بوحدات في المستعمرات، ثم بيعها إلى أهالي النواحي الواقعة فيها من أصحاب الملكيات الضئيلة، وبهذا تضم هذه الملكيات الضئيلة بعضها إلى بعض بحيث تتكون منها ملكيات لا تقل عن الحد الأدنى اللازم. وهي محاولة يتوقف نجاحها على إيجاد مساحة كافية من الأراضي المستصلَحة كل عام، وعلى تَفهُّم الأهالي فائدة الاستبدال، ويمكن مستقبلًا وفي ضوء هذه التجربة وضع التشريع الذي يكفل التخلص من جميع الملكيات الضئيلة في القُطر.
لتحديد الملكية الزراعية دواعٍ قوية يحسن أن نشير إليها هنا، وأولها أنه لا يجوز أن تعتبر الأرض الزراعية مجرد وسيلة لاستثمار رءوس المال، بل هي أولًا وقبل كل شيء أداة لكسب الرزق، وطريقة من طرق المعيشة يجب ألا يُحرم منها من يقيم فيها أو من يفلحها بنفسه. هذا إلى أن قيمتها في مصر أضعافها في البلاد الأخرى، وما ذاك إلا؛ لأنها ضيقة والطلاب كثيرون؛ ولهذا تقضي العدالة بألا تتركَّز في أيدٍ قليلة كي يتمتع بها العدد الأكبر.
أما الداعي الثاني فهو أن الوقت قد حان للكف عن تلك المسابقة المألوفة على شراء الأرض الزراعية، وتكديس معظم المال المتوفر في اقتنائها، بينما تفتقر الصناعة الوطنية إلى المال المصري والجهد المصري، وما من سبيل لتحقيق هذا إلا أن يضيق المجال أمام من يريدون استثمار أموالهم في الأرض الزراعية وهم يقيمون بعيدًا عنها. ويلحظ أن هذا التضييق يحل مشكلة تملك الأجانب للأرض الزراعية حلًّا عمليًّا؛ لأن الأجانب الراغبين في شرائها هم في الغالب من أصحاب رءوس المال الذين يبحثون عن مساحات كبيرة، فلن يجدوا حاجتهم منها تحت ظل التحديد، وبهذا يتفادى إصدار تشريع خاص في هذا الشأن.
وأخيرًا لا يغيب عن البال أن في تحديد الملكية الزراعية معنًى وطنيًّا ساميًا وتوكيدًا للتضامن بين أبناء البلد الواحد في توزيع أعز شيء لديهم، وهو إصلاح يقضي به التطور العالمي وظروفنا الخاصة، وفي تجاهل هذا التطور خطأ سياسي، وفي إهمال هذه الظروف قِصر نظر يجب التنزُّه عنه.
والعدالة الاجتماعية، والمصلحة الاقتصادية، والحكمة السياسية توصي كلها بهذا الإصلاح الزراعي الشامل الذي أضحى لا مفر من تحقيقه. وكل ما في الأمر أن يُقصد فيه إلى علاج لا انقلاب، وتطور لا ثورة؛ ولذلك أخذ القانون بمبدأ تحديد زيادة الملكيات الزراعية في المستقبل مع عدم التعرض للقائم منها، وعدم المساس بالحقوق الوراثية.
وتنص المادة ١١ على أن تقف زيادة الملكيات الزراعية عند مائة فدان، وقد اتُّخذ هذا الحد حلًّا وسطًا بين تقييد يُضيِّق المجال أمام متوسطي الملاك، وإطلاق يَحول دون تحقيق الأغراض التي تدعو إلى التحديد. وسبق للجنة مجلس الشيوخ المكلَّفة ببحث الاقتراح بمشروع القانون المقدم من محمد خطاب بك سنة ١٩٤٤م لوضع حد لزيادة الملكيات الزراعية، أن وافقت على هذا الرقم، وإن كان المشروع قد رُفض فيما بعد جملة.
أما المادة ١٢ فهي علاج لبعض الحالات الخطيرة في نتائجها الاجتماعية والاقتصادية وإن كانت قليلة الانتشار نسبيًّا، وفي نصها ما يضمن ألا تُحرَم ناحية أو قرية من عدد من متوسطي الملاك وصغارهم، هم نواة الحياة الإدارية والاجتماعية فيها، وأساس الحركة والنشاط المنحل. وقد سبق للحكومة أن وعدت في خطاب العرش في نوفمبر ١٩٤٥م بأن تتقدم بمشروع لهذا العلاج، وكَرَّرت هذا الوعد في خطاب العرش الأخير.
على أنه لا بد من التنبُّه إلى أن في تحديد الملكية الزراعية ما يؤدي إلى امتناع الشركات والأفراد عن إصلاح الأراضي البور، فتُحرم البلاد من الدور الهام الذي قام به النشاط الأهلي في زيادة المساحة المزروعة. ولذلك وضعت المادة ١٣ أساسًا لنظام جديد يكفل استمرار هذا النشاط، ويشجع الشركات والأفراد على إصلاح الأراضي البور، مع تلافي تكوين ملكيات زراعية جديدة ذات مساحات شاسعة، ويلحظ أن الإعفاء من الإيجار والضرائب المنصوص عليه في الفقرة الثانية مساهمة من الدولة في الإصلاح المنشود، ولا مناص من تلك المساهمة ما دامت الأراضي لن تبقى ملكًا لمن يصلحونها وما دامت حيازتهم لها محدودة المدة.
يقتصر تنظيم الإيجارات الزراعية في المادة ١٤ على وضع حد أعلى لقيمتها مع إطالة مدتها. والمبدأ الذي أخذ به القانون هو أن يقسم صافي إيراد الأرض بين المؤجر والمستأجر مناصفة قدر الإمكان، وفي هذا ما يزيد دخل صغار المستأجرين دون أن يحرم المؤجر من نصيبه العادل. وقد اتُّخذ لتطبيق هذا المبدأ أساس واضح هو الضريبة المربوطة على الأرض المؤجَّرة، ويُلحظ في هذا الصدد أنه ينبغي إعادة النظر في فئات الضريبة في بعض المناطق كي تطابق الواقع تمامًا؛ فيضمن التناسب بين جودة الأرض والمال المربوط عليها، وبالتالي الحد الأعلى لقيمة إيجارها. وترمي تقييد حرية المؤجِّر في اختيار من يؤجر له، وفي هذا ما يمكِّن المستأجِر من تدبير اقتصاده الخاص على أساس سليم، ويحفزه إلى خدمة الأرض وصيانة مرافقها أكثر من قبل، ففيه مصلحته ومصلحة المؤجر معًا.
وتنظم المادة ١٥ مراقبة الإيجارات الزراعية بطريقة سهلة ميسورة؛ إذ تنص على إثبات العقود كتابة مع تسجيلها تسجيل تاريخ، وبهذا يضمن تنفيذ المادة السابقة دون أن يرهق أصحاب الشأن بفرض إجراءات معقدة ومضيعة لوقتهم.
وتضع المادة ١٦ حدًّا أدنى لأجور العمال الزراعيين لا يجوز أن تنزل عنه في أيَّة حال، وقد رُوعي فيه أن يتناسب مع ما وُضع لقيمة الإيجارات من حدود؛ وذلك كي يحفظ التوازن بين إيراد الفلاحين مستأجِرين كانوا أو عمالًا، وكي لا يؤدي تحديد قيمة الإيجارات إلى الإكثار من الزراعة على الذمة ونقص طبقة صغار المستأجِرين.
وفي تنظيم الإيجارات والأجور على هذا الوضع ما يضمن أن يحصل من يزرع الأرض بيده على نصيب معقول من إيرادها؛ فيرتفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي في الريف، ويُحفظ فيه ولمصلحة أهله كثير من الخيرات التي كانت تصرف بعيدًا عنه في المدن الكبرى، وتفتح أمام الصناعة الوطنية سوقها الطبيعية.
على أنه لا بد من إعادة النظر من وقت لآخر في الحدود الموضوعة، حتى لا تبقى جامدة وبمعزل عن الحركة الاقتصادية والمالية؛ فيختل التوازن بين نصيب كل من طرق الإنتاج، المؤجِّر أو الزارع على حسابه من جهة، والمستأجِر أو العامل من جهة أخرى. وتنص المادة ١٧ على أن يكون التعديل على أساس أثمان الحاصلات الزراعية كلما حدث فيها صعود أو هبوط محسوس ومستمر. وكان لازمًا أن تنظم طريقة التعديل في القانون ذاته وعلى هذا النحو؛ لكي لا يحتاج الأمر إلى إصدار قانون خاص كلما ظهرت الحاجة إلى التعديل، وليصبح هذا التعديل أشبه بعملية حسابية لا تدع مجالًا للشك ولا تقبل التلاعب، فلا تخضع لنفوذ سياسي أو حزب، ولا تُرعى فيها أية مصلحة غير المصلحة العامة.
هناك قوانين كثيرة لا تأتي بالنتيجة المقصودة، لا لشيء سوى أن أداة التنفيذ لم يُعنَ بإنشائها وترتيبها، أو لم توضع اختصاصاتها واتصالها مع سائر فروع الأداة الحكومية. ولا شك أن تنسيق العمل، وتوحيد الخطط، وتحقيق التعاون بين مختلف المصالح والإدارات ألزم في هذا القانون منها في غيره؛ لأنه يرمي إلى إصلاح واسع النطاق، وإلى تجديد شامل في ناحية هامة من نواحي النشاط الوطني. وإذا كان تنفيذ تحديد الملكية وتنظيم الإيجارات والأجور لا يستدعي إيجاد إدارة مستقلة، فليس الأمر كذلك فيما يتعلق بنشر ملكية الفلاح وحمايتها، ولا بد من إدارة خاصة لهذا العمل الدقيق والمتشعب الأطراف.
ولذلك نصت المادة ١٨ على إنشاء مصلحة للإصلاح الزراعي تضطلع بما يتصل بنشر ملكية الفلاح وحمايتها. والمفروض أنه ستوضع لهذا الغرض لائحة خاصة يُراعَى فيها أن يكون لتلك المصلحة الشأن الذي يتناسب مع خطورة عملها، وأن تتمتع بقسط وافر من الاستقلال في تصرفاتها وماليتها. ذلك أن طبيعة اختصاصها تستلزم عمليات كثيرة سواء في توزيع الملكيات والإشراف على المستعمرات أم في إقراض المحتاجين من صغار الملاك، وينبغي أن تُجمع في حساب واحد، بدل أن توزع على مختلف فروع الميزانية العامة. هذا إلى أن في ذلك الاستقلال ما يُشعر القائمين على هذا العمل بمسئولية تحفزهم إلى الإجادة مع مراعاة الاقتصاد، فإذا أساءوا أو أحسنوا كان تقصيرهم أو إجادتهم واضحة للجميع، ومحل تقدير خاص.
ويمكن تصوير مالية هذه المصلحة على النحو الآتي: تتكون مصروفاتها من المصروفات الإدارية العامة، وتكاليف إنشاء المستعمرات، والإشراف عليها، والسُّلف الممنوحة عند الحاجة للورثة الذين يتملكون الأرض الزراعية في التركات لدفع أنصبة الورثة الآخرين. أما الإيرادات فتكون من الأقساط التي يؤديها المزارعون عن الوحدات في المستعمرات وعن الأرض المباعة في المناطق الأخرى والتي تدخل في حيازة المصلحة بطريق الاستبدال مع الوحدات، وكذلك الأقساط التي يسددها الورثة عن السلف المقدمة إليهم لدفع قيمة أنصبة الآخرين.
ويقتضي تسيير هذا النظام أن تُسلَّم الأراضي المستصلَحة إلى مصلحة الإصلاح الزراعي بغير مقابل حسب حاجتها وبناء على طلبها، كما يقتضي أن يوضع تحت تصرفها مبلغ من المال يؤخذ من الاحتياطي العام؛ لتمكينها من البدء في العمل، على أن تستمر بعد هذا بغير حاجة إلى تمويل جديد فتغطي مصروفاتها بإيراداتها. وإذا أسفرت أعمالها عن زيادة الإيرادات على المصروفات، يمكن استخدام نصف الزيادة سنويًّا في تسديد المبلغ المأخوذ من الاحتياطي العام للدولة، والنصف الآخر في تكوين احتياطي خاص بالمصلحة.
وما من شك في أن هذه المصلحة ستكون وثيقة الاتصال بالبنك العقاري الزراعي في كل ما يتعلق بتصرفاتها المالية. هذا إلى أنه لا بد من توجيه عناية خاصة نحو إيجاد تعاون تام بينها وبين مختلف فروع الأداة الحكومية وبالأخص وزارات المالية، والزراعة، والشئون الاجتماعية، والصحة، والعدل، ويتحقق هذا الغرض بإنشاء مجلس يضم رئيس المصلحة، وممثلي المصالح والإدارات التابعة لهذه الوزارات والمتصلة بالإصلاح الزراعي، على أن يكون لهذا المجلس رأي قاطع في ميزانية المصلحة، ورسم برنامجها السنوي.
ويُقصد من الإعفاء المنصوص عليه في المادة ١٩ تسهيل العمليات التي تجري بمقتضى هذا القانون والتي ترمي كلها إلى نشر ملكية الفلاح.
أما الإحصاء المنصوص عليه في المادة ٢٠، فلا بد منه لتنفيذ القانون تنفيذًا صحيحًا ومعرفة النتائج التي يصل إليها هذا التنفيذ، وفيه سد لنقص واضح في الإحصاءات الرسمية.
ينبغي لفت النظر إلى أن الركن الأساسي في تحقيق الأهداف البعيدة التي يرمي إليها هذا القانون هو إصلاح الأراضي البور، وزيادة المساحة المزروعة في القُطر، وبقدر اطراد هذا الإصلاح وتلك الزيادة يكون نشر ملكية الفلاح والمحافظة عليها. وإن لم تتوفر لهذا الغرض مساحة مناسبة من الأرض المستصلَحة كل عام، لم يؤدِّ هذا التشريع غايته، ولا يبقى له مدد إلا ما ينتج عن تحديد الملكيات الكبيرة، وهو مدد ولا شك ضئيل. فضروري إذن أن يوضع برنامج لإصلاح الأراضي البور يمكِن التعويل عليه في وضع سياسة الإصلاح الزراعي، وإن كانت تجاربنا السابقة في هذا لا تبعث على تفاؤل كبير؛ إذ طالما تأخرت مراحل التنفيذ، فهذه على كل حال مسألة حيوية لمصر، ولا يُعقل أن تهملها حكومات المستقبل كما أهملتها بعض الحكومات بالأمس.
وقد تبدو بعض الحلول المنصوص عليها في هذا القانون غريبة وغير مألوفة، ولكن هذا هو شأن كل إصلاح هام. وهناك كثير من القواعد المعمول بها الآن كانت غريبة وغير مألوفة وقت إقرارها، فما لبثت أن أضحت عادية وطبيعية، ولا أدل على هذا من الانتقادات العنيفة والتنبؤات المتشائمة التي أُثيرت حول قانون الخمسة أفدنة عند إعلانه لأول مرة. هذا إلى أن كثيرًا من هذه الحلول له سوابق في بلاد أخرى، وفوق هذا وذاك فهي حلول عملية أمْلَتها ظروفنا الخاصة ومشاكلنا المعقدة.
وفي تنفيذ هذا القانون ما يضع الملكية الزراعية على أساس سليم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، بل والسياسة أيضًا، ويعالج حال الجزء الأكبر من المزارعين علاجًا ناجعًا سريعًا، مما يسهل بعدئذ علاج حال الباقين بما يفتح من سوق داخلية واسعة للصناعة الوطنية، وما يخلق من وسائل نشاط جديدة. وهو الأساس اللازم لكي تستوعب بعد تواصل الجهد والتنفيذ جميع سكان القُطر في نظام اقتصادي صحيح يجد فيه كل منهم مجالًا للعمل المنتِج والرزق الهنيء.
ملحق رقم (٨): اقتراح بمشروع قانون بمنع الأوقاف غير الخيرية وحل القائم منها
نحن فاروق الأول ملك مصر
- مادة ١: لا ينعقد الوقف إلا إذا رُصدت العين كلها على وجه أو
أكثر من وجوه البر بصفة الدوام والاستمرار من يوم
إنشاء الوقف، وهذا الوقف الخيري ابتداء.
فإن رُصدت جميعها أو جزء منها على شخص أو أشخاص معينين كانت وقفًا أهليًّا لا ينعقد بحال.
- مادة ٢: للمالك أن يوصي بما لا يزيد عن ثلث ماله لمن يشاء من
ورثته أو غيرهم، وتنفذ وصيته من غير إجازة
الورثة.
وله أن يوصي لفرع من تُوفي من ولده في حياته، بقدر ما كان يستحق هذا الولد ميراثًا في تركته لو كان حيًّا عند موته وإن زاد على الثلث، وإلا وجبت للفرع وصية بقدر هذا النصيب في حدود الثلث.
- مادة ٣: تنحل الأوقاف الأهلية المنشأة قبل صدور هذا القانون،
ما دامت لم تَؤُل إلى جهة بِر لا تنقطع، وتصبح وقفًا
خيريًّا انتهاء، وفيما عدا ما رُصد منها للخيرات من
قديم، فتزول عنها صفتها الحاضرة وتصير ملكًا خالصًا،
رقبة ومنفعة للمستحقِّين وقت العمل بهذا القانون، كل
على حسب استحقاقه.
تجري أحكام الأعيان الموقوفة على ما صار وقفًا تبعًا لها كالأطيان والعقارات المشتراة من الريع، أو مال البدل الذي لم يُوظَّف، أو المباني والأشجار، أو الآلات الزراعية والماشية.
ينحل الوقف أيضًا عن الأرض المُحكرة دون أن يُحرم المحتكِر من حق البقاء ما دامت أسباب الحكر قائمة.
- مادة ٤: يُفرَز نصيب الخيرات من الأوقاف المنحَلَّة وتشرف
عليه وزارة الأوقاف، فإذا كان هذا النصيب مَبالغ أو
مرتَّبات دائمة مُعيَّنة المقدار أو في حكم المعيَّنة،
فرزت حصة غلتها هذه المبالغ والمرتبات، على أساس متوسط
غلة الوقف في خمس السنوات الأخيرة العادية. وإن
تَعذَّر إفراز هذا النصيب بِيع واستُبدل به عين أخرى
تُضم إلى الأوقاف الخيرية.
ثم تُقسم الأعيان الباقية بين المستحقِّين على حسب استحقاقهم متى كانت قابلة للقسمة، فإن تضاءلت الأنصبة بِيعت الأعيان الموقوفة بالمزاد العلني ووُزع ثمنها عليهم.
ويكفي تَصادُق المستحقِّين على القسمة في تسجيل أنصبتهم ونقل تكاليفها إلى أسمائهم، وإلا رُفع الأمر إلى القضاء.
- مادة ٥: بمجرد القسمة ينتهي عمل النظار، ويسقط أجرهم أو ما
شُرط لهم الانتفاع به — بصفتهم هذه — من أعيان الوقف
أو ريعها على أن يوزع بين المستحقِّين.
وليس لهم — بعد صدور هذا القانون إلا أن يسلِّموا الأوقاف المنحلَّة إلى أصحابها — أن يستدينوا عليها، أو يُقيموا فيها منشآت جديدة، أو يؤجروها لأكثر من سنة، أو يقبضوا الأجرة مقدمًا إلا بإذن من القاضي.
- مادة ٦: لا يجوز الحجز على الأوقاف المنحلَّة، ولا على ما
يَنتج من ريعها بالديون السابقة على هذا القانون، إلا
إذا كان الدَّين لنفقة محكوم بها بحكم واجب التنفيذ،
أو كان متعلقًا بعين الوقف للحكومة، أو لذوي الحقوق
العينية عليها، أو كان على الواقف وشَرَط أداءه من ريع
الوقف.
على أنه في الحالتين الأخيرتين يجب أن تخضع هذه الديون لقانون التسوية العقارية، وقانون الخمسة أفدنة.
- مادة ٧: على وزراء العدل، والأوقاف، والمالية تنفيذ هذا القانون، ويُعمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.
مذكرة إيضاحية
-
(١)
كان الوقف ولا يزال في نظامه الحاضر مثار شكوى المستحقِّين، ومَوضع نقد القادة والمصلحين، وقد كانت الشكوى منه في بادئ الأمر فردية ومتقطعة تظهر من حين لآخر، ثم لم تلبث أن أضحت عامَّة ومُتصلة، فاشترك فيها جمهرة من العلماء والمفكرين ورجال القانون، وتابعها الرأي العام في شغف وعناية. وقد أُلقِيت في موضوع الوقف محاضرات ووُضِعت مؤلفات، وعُقدت مؤتمرات، ونُظِّمت جماعات تدعو إلى الإصلاح، وتُدافع عن حقوق المستحقِّين، وكان لبعض الأحزاب السياسية فيه رأي وموقف خاص. ولم يتردد البرلمان في أن يساهم في هذه البحوث والآراء، بل لعله أول من دق فيها ناقوس الخطر، ووقف عليها بعض الجلسات، وأثار شتى الملاحظات، وتقدم بطائفة من المقترَحات. ويمكن أن يُقال في اختصار إن مسألة الوقف تُعتبر من أهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي شُغلنا بها في العشرين سنة الأخيرة، ولا يزال الجمهور يرتقب لها حلًّا شاملًا وعلاجًا حاسمًا.
وبقدر ما أجمع الباحثون على ما في الوقف الخيري من بِر وصدقة، استنكروا ما في الوقف الأهلي من مفاسد أخلاقية، ومساوئ اقتصادية، ومضار اجتماعية، والواقع أن الوقف الخيري هو أول ما عُرف من الوقف في صدر الإسلام، وقد أخذت به الشرائع على اختلافها؛ لهذا ينبغي الإبقاء عليه في بلد يحتاج في نهوضه إلى كل معونة ومساعدة، خصوصًا وأوقافنا الخيرية لم تمتد بعد امتدادًا يُخشى منه على إنتاجنا الزراعي، فهي في جملتها بين إسلامية ومسيحية لا تكاد تتجاوز المائة ألف فدان.
-
(٢)
أما الوقف الأهلي، فإلى جانب ما يسبب من حقد وبغضاء، وما يَجر من قضايا وخصومات فإنه يقف حجر عثرة في سبيل نمو الإنتاج والتقدم الاقتصادي؛ ذلك لأنه على الرغم مما فيه من استبدال يحبس الأعيان الموقوفة عن التبادل، ويخرجها من التعامل؛ فتصبح في حكم المعدومة لا تصلح لضمان ولا تبعث على ثقة. هذا إلى أن المشرف عليه عادة لا يرعاه رعاية الملكية الخاصة، والمستحقِّين فيه لا يُشغلون إلا باقتناص الثمرة العاجلة؛ فيسارع إليه الخراب ويلحقه الدمار، وفيما اشتملت عليه الأوقاف من دُور خربة وأراضٍ بور، وفيما يُعطِي الصالح منها من غلة ناقصة وريع ضئيل خير شاهد على ذلك. وكثيرًا ما انتهت الأنصبة إلى أجزاء ضئيلة لا تسد حاجة ولا تحقق منفعة، ولا يظهر لها أثر يُذكَر في السوق الاقتصادي، وإذا كانت الثروات بالأمس إنما تُقاس بالملكيات الثابتة فإنها أضحت اليوم لا تنمو نموًّا سريعًا إلا عن طريق التبادل السهل والحركة اليسيرة.
وفوق هذا فالوقف الأهلي ضرْب من الحجْر على المستحقِّين يُفقدهم أهليتهم، فيحول دونهم وحرية التصرف فيما وُقف عليهم، ويضيع عليهم فرصًا كانوا يستطيعون أن يجنوا منها أرباحًا طائلة. وقد يكون إلى جانب هذا مدعاة بطالتهم وكسلهم، وباعثًا على الإسراف والبذخ والاستدانة الباهظة. ويكفي أن نشير إلى أن ٥٧٥ مستحقًّا في وزارة الأوقاف فقط قد حُجز عليهم في سنة ٤١ بمبلغ ١١٠١٠٨٣ جنيهًا، في حين أن استحقاقهم كله في هذه السنة إنما كان ٧٣٨٣٠ جنيهًا.
لهذا مَنع الوقف الأهلي كثير من الأمم التي مُنيت به، وأزيل بوجه خاص من بعض البلاد الإسلامية، وكان لمصر من قبل في منعه مواقف معروفة، وأخص ما يُذكَر منها تلك الإرادة السَّنِية التي أصدرها محمد علي باشا الكبير سنة ١٢٦٢ﻫ، والتي تقضي «بأن الوقف ممنوع من الحكومة المصرية من الآن»، وقد تقدم إلى البرلمان اقتراحان، أحدهما في سنة ١٩٢٧م والآخر في سنة ١٩٣٦م وهما يرميان معًا إلى منع الوقف في المستقبل، ولكن حالت انقلاباتنا المتلاحقة دون أن يصل إلى مرحلة العرض وأخذ الآراء.
ولا محل لأن نتردد اليوم في تقرير هذا المنع، إذا كنا نريد حقًّا تنمية الثروة العامة ورفع مستوى الإنتاج، لأنَّا لو تركنا باب الوقف الأهلي مفتوحًا على مصراعيه لتحولت أرضنا الزراعية إلى أوقاف، وأصابها ما أصاب الأرض الموقوفة الأخرى من ضعف وبوار. خصوصًا وقد وقفنا في الأربعين سنة الماضية ما يزيد عن ٤٠٠٠٠٠ فدان في حين أن الأرض التي رُبطت عليها ضرائب جديدة في هذه الفترة لا تزيد عن ٢٠٠٠٠٠ فدان، وحركة الوقف في الأطيان الزراعية أنشط من حركة التعمير وإصلاح الأراضي البور، وفي هذا ما يجعل الوقف عاملًا من عوامل انخفاض مستوى المعيشة الذي نشكو منه.
-
(٣)
وإذا تتبعنا بواعث الوقف الحقيقية وجدناها تتلخص في أمور ثلاثة:
أولها إيقاف الملكية عن استبداد الحاكمين وظلمهم، الأمر الذي أضحى لا داعي إليه بعد أن صارت الملكية الفردية مقدَّسة وحرية الأشخاص كاملة. وثانيها الرغبة في حماية بعض المستحقِّين الذين يخشى الواقف إسرافهم وتبذيرهم، ومن الظلم أن يُؤخذ بجريرتهم من لا ذنب لهم فيها، فيُضيق على خمسة أو ستة مثلًا من المستحقِّين من جرَّاء أخ لهم سيئ السلوك، وقد بيَّنَّا من قبلُ أن هذه الحماية الدورية لا تحول دون أن يغرق المحمي في ديون مستغرقة. على أن في سبيل الحَجْر والقيامة ما يكفي لحماية المبذِّر، ويُطلق لحسن التصرف كامل الحرية، وتربية اليوم الاستقلالية لا تقر هذه الحماية بحال. وثالثها ميل إلى محاباة بعض الورثة أو حرص على التركة من أن تخرج إلى أيدٍ أجنبية، ولهذا الباعث دون نزاع وزنه، ولعله السبب الجوهري لمعظم أوقافنا في العشرين سنة الأخيرة.
لهذا رأينا من متمِّمات مشروع هذا القانون أن يُنص فيه على جواز الوصية للوارث في حدود الثلث دون توقُّف على إجازة باقي الورثة، وهو مبدأ أخذ به مشروع قانون الوصية المعروض على البرلمان الآن. ورأينا أن ينص على الوصية الواجبة التي تحقق إعطاء بعض المحرومين ممن يرى المورث إعطاءهم عن طريق غير طريق الإرث. ولا شك في أن هذا يسد حاجة الناس ويغني عن الوقف غناء تامًّا؛ إذ بالوصية يستطيع الموصي أن يَزيد نصيب من يرى زيادة نصيبه من أبنائه، وأن يحفظ على ورثته جزءًا من التركة يمكن أن يخرج إلى أشخاص آخرين.
-
(٤)
وإذا كان للوقف الأهلي كل تلك الآثار السيئة التي بينها من قبل، فلا يكفي أن نمنعه في المستقبل، بل لا بد أن يُحَل الموجود منه، لاسيما وقد بلغت مساحته عُشر مساحة أراضي القُطر الزراعية تقريبًا، وفيه ما فيه من فساد وسوء إنتاج. وفوق هذا في توزيع هذه الأطيان على مستحقيها ما يدعم الملكيات الصغيرة والمتوسطة ويؤيدها، وفي دعمها وتأييدها ما يُغنينا من عدوى بعض الأفكار الثائرة والمتطرفة.
ولإعطاء فكرة عن أثر هذا الإلغاء يمكننا أن نلاحظ بوجه عام أن هناك نحو ٥٥٠٠٠٠ فدان أوقاف أهلية إذا ما حُلت وُزِّعت تقريبًا على الوجه الآتي:-
ملكيات كبيرة (أكثر من ١٠٠ فدان) ١٠٠٠٠٠ فدان.
-
ملكيات متوسطة (من ١٠ إلى ١٠٠ فدان) ٢٠٠٠٠٠ فدان.
-
ملكيات صغيرة (من ٣ إلى ١٠ أفدنة) ٢٠٠٠٠٠ فدان.
-
ملكيات ضئيلة (أقل من ٣ أفدنة) ٥٠٠٠٠ فدان.
ففي حل الأوقاف الأهلية القائمة تنشيط للحركة الاقتصادية، وتنمية للإنتاج الزراعي، ونشر للملكية الصغيرة دون أن تكلف الخزانة العامة شيئًا.
ومن الغريب أن الوقف الأهلي قد أُلغِي في مصر أكثر من مرة لنفس الأسباب والاعتبارات الاجتماعية التي قد أشرنا إليها، فألغاه قديمًا السلطان برقوق، كما ألغى كثيرًا منه المُصلِح الكبير محمد علي باشا، ثم عباس الأول، بحيث يمكن أن نقول إن الأوقاف الأهلية الموجودة الآن من أطيان، وعقارات تكاد ترجع كلها إلى السبعين سنة الأخيرة.
وقد تقدم إلى البرلمان في سنة ١٩٢٧م مشروعان بحل الوقف الأهلي وإلغائه، فأُحيل على لجنة الأوقاف التي وكلت درسهما إلى لجنة فرعية قررت بإجماع الآراء حل الوقف الأهلي، وما أجدرنا في سنة ١٩٤٦م — والدعوات الاجتماعية حارة قوية — أن نأخذ بهذا الذي قُرر في سنة ١٩٢٧م.
وليس شيء أيسر في حل الأوقاف الأهلية الموجودة من أن تصبح مِلك مستحقيها الحاليين، كل على حسب استحقاقه دون تغيير أو تعديل؛ لأن في التغيير ما يؤدي إلى رجعية لا مبرر لها، وما يحدث اضطرابًا في أوضاع قائمة وتقلقلًا في حياة أفراد مستقرة.
وفي إلغاء الأوقاف الأهلية ما يحل إشكال الاحتكار المزمن، وما يمكِّن المحتكِر من استكمال ملكيته بشراء الأرض التي أقام عليها مبانيه.
-
-
(٥)
بيد أن إلغاء الوقف الأهلي لا يَقضي على الأوقاف الخيرية المتصلة به أو المترتبة عليه، فيجب فرزها منه ووضعها كلها تحت إشراف وزارة الأوقاف إن كانت بالطبع أوقافًا إسلامية؛ لأنها وحدها القوَّامة على هذا النوع من البِر والصدقة بصرف النظر عن الواقفِين وشروطهم، وبذا نخلص من النظار وتصرفاتهم، إنْ في الوقف الأهلي أو الخيري.
وبحل الوقف الأهلي يجري على أعيانه ما يجري على الملكية العادية من جواز قسمتها اختياريًّا، أو إجبارًا إن دعا الأمر إلى ذلك ما دامت هذه الأعيان قابلة للقسمة ولا يترتب على قسمتها ضرر بيِّن، وإلا بِيعت بالمزاد العلني ووُزع ثمنها على المستحقين، وتُباع أيضًا إذا تضاءلت الأنصبة، بحيث لا يصلح كل واحد منها لاستغلال مستقل مُجدٍ، وتُعد ضئيلة كل حصة لا يصل ريعها إلى عشرين جنيهًا صافية في العام على أساس متوسط غلة ثلاث سنوات عادية، على أن تقدير ذلك موكول إلى المحكمة.
-
(٦)
قبل أن نتخلص من نظارة الوقف ونُظَّاره لا بد أن نُحدد موقفهم في الفترة التي يُطبَّق فيها هذا القانون، فنضيق دائرة تصرفهم، ونخضعهم لإشراف القضاء إلى أن يستلم ملاك الأوقاف المنحلَّة أملاكهم.
-
(٧)
قُصد بالمادة السادسة أن يُسد الباب على كل ما يُخشى من تبديد الأعيان التي كانت موقوفة بمجرد إلغاء وقفها، ولا شك في أن منع الحجز عليها وعدم بيعها جبرًا إلا في الأحوال القليلة المستثناة يحقق غرض الواقف، ويتمشى مع العدالة، فإن الدائن الذي يمنح ماله وهو على بينة من عدم وجود ضمان لا حق له في أن يفيد من طرف كان يُسلِّم بأن لا سبيل له إليه.
وزيادة في حماية مَديني الأوقاف المنحلَّة، رُؤي النص على أن تخضع ديونهم لقانون التسوية العقارية، وقانون الخمسة أفدنة.
-
(٨)
لا شك في أن تنفيذ هذا القانون يحتاج إلى إحصاءات دقيقة وإجراءات مختلفة يجب أن تضطلع بها إدارة مؤقتة تمثل فيها وزارة العدل، والأوقاف، والمالية، وفي هذا ما يكفل تصفية هذا الوقف في أقرب فرصة ممكنة.
عضو مجلس الشيوخ
عن دائرة الحوامدية
ملحق رقم (٩): اقتراح بمشروع قانون بفرض التزامات صحية واجتماعية على المُلَّاك الزراعيين
نحن فاروق الأول ملك مصر
- مادة ١: في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بعزبة التعريف الوارد عنها في المادة الأولى من القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٣٣م.
- مادة ٢: على كل مالك عزبة أن يتعهَّد أبنيتها ومرافقها بالترميم والإصلاح بحيث تبقى دائمًا صالحة للإقامة والاستعمال.
- مادة ٣: على كل مالك عزبة مُلحَقة بأرض زراعية لا تَقِل
مساحتها عن خمسين فدانًا أن يحقق الشروط الآتية في مدة
لا تتجاوز ثلاث سنوات من تاريخ صدور هذا
القانون:
- (١) توفير الماء الصالح للشرب، وإنشاء دورات مياه للرجال والحريم بها وحمامات بالعدد الكافي، ومغسل، وحوض لشرب المواشي.
- (٢) إنشاء مُصلًّى ومكان للاجتماعات.
- (٣) فصل المواشي من الأمكنة الخاصة بالآدميين فصلًا تامًّا إما بإجراء التعديلات المحقِّقة لذلك في داخل كل منزل، وإما بإنشاء حظائر مستقلة لإيواء مواشي السكان تحت حراسة خفير رسمي للعزبة.
- (٤) تخصيص محل لوضع السماد العضوي (السباخ البلدي).
- مادة ٤: على كل مالك عزبة ملحَقة بأرض زراعية تَقِل مساحتها عن خمسين فدانًا أن يوفر فيها الماء الصالح للشرب لسكانها ولمواشيهم في مدة لا تتجاوز سنة واحدة من تاريخ صدور هذا القانون.
- مادة ٥: علاوة على ما نُص عليه في القانون رقم ٦٩ لسنة ١٩٣٣م على كل من أراد إنشاء عزبة أن يحقق في التصميم والتنفيذ الشروط المبينة في المادة الثالثة من هذا القانون.
- مادة ٦: على كل مالك لأكثر من خمسين فدانًا وليس له بها عزبة أن يتعهَّد القرية الواقعة أرضه في زمامها بأن يُساهم في إنشاء مرافقها العامة وإدارتها بحصة متناسبة مع مساحة أرضه، فإذا كان مالكًا لزمام الناحية كله وجب عليه تحمل الأعباء عن القرية كلها.
- مادة ٧: تصدر وزارة الصحة العمومية (مصلحة الشئون القروية) البيانات والرسومات والمواصفات اللازمة لتوضيح الالتزامات المنصوص عليها في المواد السابقة.
- مادة ٨: ينظم كل مجلس مديرية بالتعاون مع مكتب الشئون القروية في المديرية تفتيشًا لمراقبة تنفيذ أحكام هذا القانون.
- مادة ٩: كل مخالفة لأحكام هذا القانون، أو القرارات الوزارية يُعاقَب عليها بغرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تتجاوز مائة جنيه، وتتعدد الغرامات بقدر عدد المخالفات. وعلى القاضي أن يحدِّد في الحكم المهلة التي يجب على مالك العزبة أن يزيل المخالفة فيها. فإذا انقضت المدة ولم تَزَل المخالفة قائمة، فعلى وزارة الصحة العمومية (مصلحة الشئون القروية) القيام على نفقة مالك العزبة بالالتزامات المفروضة عليه والتي هي موضوع المخالَفة، وللسلطة الإدارية أن تسترِد بطريق الحجز الإداري النفقات التي تحملتها في هذا الشأن.
- مادة ١٠: على وزارة الصحة العمومية، والشئون الاجتماعية، والداخلية، والعدل تنفيذ هذا القانون كل فيما يخصه، ولوزير الصحة العمومية أن يُصدر جميع القرارات الوزارية اللازمة لتنفيذه، ويُعمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.
مذكرة تفسيرية
يهدف هذا المشروع إلى تحسين أحوال السكن وأسباب الصحة لدى من يعملون في أراضي الملاك الزراعيين، سواء أكانوا مقيمين في العزب الملحَقة بتلك الأراضي في زمامها. ويبلغ عدد العزب نحو عشرين ألفًا ولا يقل عدد سكانها عن ثلاثة ملايين، وهناك مُلاك حائزون لجملة زمام بعض القرى أو جزء منه دون أن يتكوَّن لهم عزب ارتكانًا على أهالي تلك القرى في فلاحة أرضهم.
فينطبق هذا القانون على جميع عِزب القُطر وجزء من قراه ويشمل ما لا يقل عن نصف سكان الريف، وإذن فهو تشريع ذات شأن خطير، وحلقة هامة في برنامج رفع مستوى المعيشة العام.
ولقد أخذ الشعور بالتضامن الاجتماعي بين أبناء الأمة الواحدة يزداد وضوحًا وقوة في الجيل الحاضر، وتَعدَّدت آثاره في جميع نواحي الحياة القومية، سواء أكان ذلك عن طريق التشريع والمنشآت الحكومية، أو المؤسسات الاجتماعية الأهلية، أو أعمال الأفراد كل في محيطه الخاص. وفيما يتصل بأحوال المزارعين بوجه خاص، أضحى المصريون جميعًا — والملاك الزراعيون أنفسهم — يؤمنون بأن على صاحب الأرض واجبًا نحو من يقوم بفلاحتها لا بد أن يؤديه كاملًا.
إلا أنه لا يمكن الاكتفاء بهذا، ولا يجوز الارتكان إلى ازدياد هذا الرأي العام وضوحًا وانتشارًا وإلى ضمير كل واحد في تقدير الواجب المفروض عليه وتأديته، بل لا بد لذلك من تنظيم وإلزام. تنظيم لكي يقوم التنفيذ على أسس سليمة تضعها الدولة ويخضع لخطط عامة ترسمها الإدارة الفنية المختلفة وتراقب تطبيقها، وإلزام كي تَعم حركة الإصلاح جميع الجهات ويتم العمل في فترة من الزمن معقولة.
وإذا كان ضروريًّا بعد هذا أن نبحث عن أساس أدبي وقانوني لهذه الالتزامات فلا يمكن أن يكون هذا الأساس شيئًا آخر سوى أن ملكية الأرض الزراعية وظيفة اجتماعية تتبعها مسئولية وواجب. وليس الأخذ بهذا المبدأ وما يترتب عليه من قروض سوى أثر للشعور بالتضامن الاجتماعي وتوكيد له وتحقيق لنتائجه. وفي هذا ما يزيد بنيان الأمة قوة وتماسكًا. ويخطو بالشعب المصري خطوة أكيدة في سبيل محاربة الآفات الاجتماعية ورفع مستواه المادي والأدبي.
- (١)
لم تكن الاشتراطات الصحية كافية بالغرض، ولا متمشية مع مستلزمات النهوض بالريف والأخذ بيد أهله.
- (٢)
لم يفرض القانون شيئًا فيما يتعلق بالعزب الموجودة عند صدور القانون.
- (٣)
لم يكن هناك أي فرض على الملاك الزراعيين الذين ليس لهم عزب مهما تتسع أغلب العزب المنشأة بعد صدور القانون لا تمتاز في شيء عن العزب القديمة.
ولسنا هنا بصدد نقد القانون سالف الذكر، فهو تشريع يرمي أولًا وبالذات إلى تنظيم الناحية الإدارية وصيانة الأمن العام، والمشروع المقدَّم اليوم يوسِّع نطاقه ويكمله.
•••
ورؤي أن يقتصر إلزام الملاك الزراعيين على المنشآت المادية، وذلك بتحقيق أسباب الراحة والنظافة في المساكن، وتوفير الماء الصالح للشرب، وإنشاء المراحيض؛ رفعًا للكرامة الإنسانية، ومنعًا لانتشار الأمراض، وإيجاد الحمامات والمغاسل التي تمكن الأهالي من المحافظة على نظافة أجسامهم وملابسهم.
وقد اتجه التفكير في وقت ما إلى أن يضطلع الملاك الزراعيين بالخدمات الاجتماعية المتصلة بالعلاج الصحي والتعليم، إلا أن هذه الخدمات لا يمكن أن يُعهد بها إلى الأفراد؛ لأنهم لا يقومون على تنظيمها وإدارتها، سواء أنقصتهم المقدرة المالية، أو الخبرة الفنية، أو وسائل الحصول على الأخصائيين اللازمين والأدوية والأدوات الضرورية. هذا إلى أن قيام الأفراد بهذه الخدمات يستتبع رعاية وتفتيشًا واسع النطاق مما يتطلب نفقات كبيرة كان الأحق أن تُصرف مباشرة في العلاج والتعليم. وهي على كل حال خدمات لا يستطيع أن يقوم بها كما ينبغي إلا الدولة وحدها؛ صيانة للنظام، وضمانًا لتوحيد الخطط، واطراد الانتشار، والتواصل في التنفيذ، ولا مانع من أن يتحمل الملاك الزراعيون جزءًا أكبر من نفقات هذه الخدمات — إذا لزمت الحال — عن طريق زيادة الضرائب.
أما الالتزامات التي ينص عليها المشروع المرفَق؛ فهي أولًا من صميم واجب المالك إزاء من يعملون في أرضه، وهي ثانيًا سهلة في إنشائها وإدارتها ولا تتطلب خبرة فنية خاصة، وثالثًا فإن مراقبة تنفيذها بسيطة بحيث لن تتطلب كثيرًا من الموظفين.
والالتزامات معقولة في نفقاتها وليست مُبالغًا فيها، وهي على كل حال أقل ما يمكن الاقتناع به أمام الحاجة الملحة إلى تحسين أحوال المعيشة في الريف. وتشمل توفير المياه الصالحة أولًا وما يتبع هذا من مراحيض، وحمامات، ومغاسل، وحنفيات لشرب المواشي (مادة ٣ – (١) ثم إنشاء مصلًّى وصالة للاجتماعات تُستخدَم للأفراح والمآتم ومحو الأمية وما إلى ذلك. (٢) وتشمل أيضًا تحقيق شرط أساسي للصحة والراحة في السكن، وهو فصل أمكنة المواشي عن الأمكنة الخاصة بالآدميين فصلًا تامًّا، ففي هذا ما يُزيل كثيرًا من أسباب المرض ويسمح بالمحافظة على نظافة المنزل. (٣) وتقتضي النظافة أيضًا منع انتشار الأمراض بإيجاد مكان خاص لوضع السماد العضوي (السباخ المصري) (٤)).
وقد ميز المشروع بين الملاك الزراعيين، فجعل الالتزامات كاملة في العزب الملحَقة بأراضٍ زراعية بلغت مساحتها خمسين فدانًا أو أكثر، وفيما دون هذا القدر رُوعي أن مقدرة المالك قد تكون محدودة بحيث لا يقوى على تحمل الأعباء الملقاة على الآخرين، فاقتصر على توفير الماء الصالح للشرب (مادة ٤).
ونصت المادة ٥ على أن هذه الالتزامات كلها مفروضة على كل من أراد إنشاء عزبة جديدة. وذلك مهما تبلغ مساحة الأراضي التي تلحق بها، ومهما يكن حجم العزبة وعدد سكانها؛ إذ إنه لا يصح أن تُنشأ عزبة بعد الآن إلا إذا كانت كاملة من جميع النواحي.
وتسد المادة ٦ نقصًا واضحًا في أنها تلزم الملاك الزراعيين الحائزين لأكثر من خمسين فدانًا دون أن يكون لهم بها عزبة بأن يساهموا في مرافق القرية الواقعة أرضهم في زمامها، فلا يصح أن يُعفى هؤلاء من الالتزامات المفروضة على أصحاب العزب، بل يجب أن يُؤدوا واجب صاحب الأرض نحو من يقوم بفلاحتها. وطبيعي أن صاحب جميع الأراضي المكوِّنة لزمام قرية ما يجب أن يتحمل النفقات عن القرية كلها، وفيما عدا هذه الحالة، يساهم كل مالك في مرافق القرية بحصة متناسبة مع مساحة أرضه.
وعينت المادة ٧ الإدارة التي تختص بوضع المواصفات والرسومات اللازمة، وتفصيل الشروط الصحية وغيرها الواردة في المواد السابقة. كما أشارت المادة ٨ إلى طريقة المراقبة على تنفيذ القانون، وقد رُؤي أن يُعهد بهذا وذاك إلى مصلحة الشئون القروية التابعة لوزارة الصحة العمومية بالتعاون مع مجلس المديرية؛ لأن هذه المصلحة لها فروع في جميع المديريات وتتعاون منذ زمن مع مجلس المديريات في إنشاء المجموعات الصحية وعمليات المياه في القرى.
وهناك إدارة أخرى تتعهد النهوض بشئون أهل الريف وهي إدارة الفلاح التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية، ولها أيضًا خبرة بحاجات أهالي القرى والعزب، وقامت بإنشاء عدد من المراكز الاجتماعية في مختلف الجهات وتشمل هذه المراكز بعض الخدمات الصحية إلى جانب الخدمات الاجتماعية، إلا أن الالتزامات المفروضة على الملاك الزراعيين بموجب هذا القانون تمُت إلى أعمال البناء والمنشآت الصحية أكثر من أي شيء آخر؛ فطبيعي أن تشرف عليها مصلحة الشئون القروية.
وبهذه المناسبة يجب التفكير في تنسيق الأعمال والمشروعات التي ترمي إلى النهوض بالمستوى الصحي والاجتماعي في الريف، فهناك بعض التنافس، بل والتعارض أحيانًا بين مختلف الوزارات والمصالح والإدارات التي تتعهد هذه الناحية، ويحسن أن تُنسَّق جهودها وأعمالها تنسيقًا يحقق القصد في النفقات مع زيادة الفائدة التي يجنيها الريفيون.
ووضحت المادة ٩ طريقة المراقبة على مخالفة القانون والتقصير في تنفيذ الالتزامات المفروضة بموجبه، وقد رُؤي أن يُترك للقاضي شيء من الحرية في تقدير الغرامات فجُعل حدها الأدنى خمسة جنيهات فقط وحدها الأقصى مائة جنيه، على أن تعدد الغرامة بتعدد المخالفات، وبذلك يمكن للمحكمة أن تراعي في حكمها الاعتبارات الخاصة بكل حالة. ونصت المادة أيضًا على أنه في حالة امتناع المالك عن تنفيذ الحكم، وتحقيق الالتزامات المفروضة عليه تقوم الجهة الإدارية بتحقيقها على نفقته.