افتتاح الجلسة
ثم وقف شماس عليه ثوب أبيض ناصع وبين يديه كتاب ضخم على حمالة بجانب مجلس كاتب السر، وقد فتح الكتاب في مكان اختاره، وكان الأساقفة وسائر الحضور ينتظرون ما سيتلوه ذلك الشماس ليعرفوا منه موضوع الاجتماع؛ لأن ذلك الكتاب هو قانون المملكة، وكان من عادتهم إذا التأم المجمع أن يقرأ الشماس فقرات من ذلك القانون، تتعلق بالغرض الذي اجتمعوا من أجله، فإذا هو يتلو موادَّ متعلقةً بانتخاب الملك وبمن يسعى في إفساد نيَّات الشعب عليه أو يتعمد خلعه ونحو ذلك؛ فأدرك الجمع الغرض من ذلك الاجتماع على وجه التقريب.
فلمَّا فرغ الشماس من تلاوة تلك المواد، وقف كاتب الجلسة ووجَّه حديثه إلى الحضور قائلًا: «ربما تستغربون ما تلوناه على مسامعكم، والأحوال على ما يتراءى لكم هادئة، ولكنني أبلِّغ قداستكم أننا اجتمعنا للنظر في تهمة موجَّهة إلى أخٍ من إخواننا، وللأسف إنه أسقف من الأساقفة. وربما استغربتم عدم حضوره هذه الجلسة مع أنه مقيم في طُلَيْطلة، ولا شكَّ أنكم عرفتموه.»
فلما قال الكاتب ذلك ضجَّ الأساقفة وتهامسوا في شأن أوباس، وأكثرهم لم يستغرب اتهامه بخلع رودريك، لما يعلمونه من علاقته بالملك السابق وطمعه في المُلْك لأبنائه. ثم قال الكاتب: «وسنقدمه كي يقف بين أيديكم وقفة المتهم، فإما أن يبرِّئ نفسه أو يجري عليه القصاص.»
•••
فلما فرغ الكاتب من كلامه تكلم أحد الأساقفة الجالسين في المقعد الأول وقال: «لا بد لكل تهمة ممن يوجهها وممن توجَّه إليه، وقد علمنا أن المتهم هو أخونا الميتروبوليت أوباس، ولكننا لم نعلم من يتهمه بذلك …»
فأجاب الكاتب: «إنكم ستعلمون ذلك متى حضر.»
فسكت الجميع ولبثوا ينتظرون قدوم أوباس وسماع محاكمته، وإذا بأحد الشمامسة يتوجه نحو غرفة تؤدي إلى باب سري، فتوجَّهت أنظار الأساقفة إلى تلك الجهة، ثم ما لبثوا أن رأَوْا أوباس داخلًا بمشيته المعهودة، وقامته المعتدلة، وجلال محيَّاه، وهيبته، وليس على وجهه شيء من دلائل الاضطراب أو الوجل. فلما وصل إلى الساحة الوسطى أمام مجلس الأساقفة أجال نظره فيهم، ثم التفت إلى مجلس الملك ولم يُعرِ الأب مرتين انتباهه كأنه لم يكن موجودًا هناك.