الجلسة
وكان ألفونس قد ضاقت أنفاسه من القناع المنسدل على وجهه فرفعه وتنفس الصعداء ثم أرخاه، وإذا بيعقوب قد وقف وهمس في أذنه أن يفعل مثلما فعل بعد فتح الباب، ومهما رأى فلا يخاف، ثم قرع بابًا قرعًا متواليًا سبع مرات على أسلوب خاص، ولبث برهة ثم طرقه ثانية ثلاث مرات بنسق آخر، فانفتح الباب عن دهليز قصير فيه نور ضعيف، وإلى كلٍّ من جانبَي الباب رجل بمثل جلبابيهما، وبيده سيف مسلول، والسيفان كالقوس فوق عتبة الباب، فأجفل ألفونس وتقهقر، فسمع يعقوب يقول: «شالوم عليخم» فقالها هو أيضًا، ودخلا والسيافان لا يتحركان كأنهما صنمان، فمشى يعقوب في ذلك الدهليز المشية الخاصة التي علمها لألفونس في ذلك النهار، فمشى ألفونس مثلها وهو يتعثر لاضطرابه وارتباكه، حتى وصل إلى بابٍ مغلق فقرعه بنسق خاص خمس قرعات، فانفتح الباب وانطفأ النور معًا، فأجفل ألفونس ولكنه تذكر وصية يعقوب فثبت جنانه، وسمع صوتًا يخاطبه بلغة لم يفهمها، وسمع «يعقوب» يقول له: «أوهيل موعيد» فقالها هو أيضًا، ومشيا في تلك الظلمة وألفونس يحسب نفسه صاعدًا على سلم، ثم انفتح لهما باب آخر وعند فتحه أحس ألفونس بهواء دافئ خارج منه تخالطه رائحة الأنفاس، فشعر بالدفء ونسي ما كان يشعر به من البرد في السرداب، ودخلا من الباب فأشرفا منه على قاعة كبيرة في وسطها شبه مائدة عليها سراج مضيء وبجانبه درج كبير، وحول الجدران مقاعد عليها أشباح سوداء بمثل جلبابه ووجوههم مغطاة بمثل نقابه، وأمام كلٍّ منهم سيف مسلول وفِرِنْدُهُ يلمع بنور السراج الضعيف؛ فاضطرب لذلك المنظر الهائل، وظن نفسه في حال مزعج إذ لم يخطر له أن يرى مثل ذلك المنظر في حياته ولا الدخول في مثل هذه المخاطرات.
على أنه التفت إلى جانبه فإذا بيعقوب قد مشى بخطوات كان قد علَّمه إياها، فمشى مثله حول المائدة والسراج مرتين، وقبَّل الدرج هو عبارة عن لفافة غليظة من جلد، ثم مشيا إلى كرسيين في صدر القاعة خاليين، فجلسا عليهما وأمامهما سيفان مسلولان.
فالتفت ألفونس إلى ما حوله فلم يرَ إلا أشباحًا سوداء بشكلٍ واحدٍ وقيافةٍ واحدةٍ، وندم لمجيئه على تلك الصورة مخافة أن يكون في خطر، ثم تذكَّر ثقته بيعقوب، فاطمأنَّ باله ولبث ساكتًا والجميع سكوت برهة، ثم نهض أحد الحضور عن كرسيه وتقدم إلى المائدة وتناول الدرج وفتحه أمام المصباح، فرأى ألفونس عليه كتابة لا يفهمها، ولَمَّا أخذ الرجل في القراءة وقف الجميع وألفونس في جملتهم حتى إذا أتم قراءته قبَّل الدرج ورجع إلى مكانه، وجلس فجلس الباقون لا ينطق واحد منهم بكلمة.
ثم تكلم الرجل بذلك اللسان كلامًا طويلًا أجابه عليه بعض الحضور، ثم تكلم يعقوب باللسان القوطي قائلًا: «يسمح حضرة الرئيس فيعقد جلسة خاصة يحضرها هو ومن شاء للمداولة في أمر هام …»
فوقف الرجل الأول وبيده سيف صغير وأشار به إشارة خاصة فوقف الجميع، ثم تقدم منهم ثلاثة وقفوا بإزائه وتقدم يعقوب وألفونس حتى وقفا معهم، ثم اتجه الرئيس إلى بابٍ وراءه ففتحه ودخل وتبعه الباقون إلى دهليز مظلم وصلوا منه إلى باب فتحه بيده ودخل إلى حجرة مظلمة، ووقف ببابها وتكلم فجاءه من بين الجماعة رجل بشمعة مضيئة مرتكزة على طبق من البرونز، فتناولها منه ورجع الرجل وأغلق الباب وراءه، فدخل الرئيس بالشمعة حتى وضعها على حجر مرتفع في أحد جوانب المكان.