مهمة عاجلة جدًّا
انطلقِ الآن إلى ساحة انتظار السيارات بأرض المعارض بمدينة نصر …
عليك أن تصلَ قبل العاشرة … في تمام العاشرة سيصل الكاتب الألماني «فولف» ومعه أستاذ الأدب الألماني بالجامعة الأمريكية الدكتور «توفيق شكري» … وستَصحبُهما مُترجِمة تعمل لدى القسم الألماني بالإذاعة المصرية … تُدعى السيدة «نشوى الفقي» …
عليك بمُصاحبتِهم … وسأُرسل لك تقريرًا تسمعه وأنت في السيارة …
انزلق «أحمد» في نفق الطوارئ الذي أفضى به إلى جراج المقر … فاستقلَّ سيارته «اللاندكروزر» … وما إن أدار محركها حتى انفتح باب الجراج تلقائيًّا … فضغط برفق على بدَّال السرعة، وانطلق مغادرًا الجراج إلى الممر القاطع لحديقة الممر … والذي انتهى عند الباب الرئيسي الذي انفتح على مصراعَيه قبل أن يُغادره وينحرف يمينًا ليدور حول المقر، إلى أن وصل إلى الشارع الموازي للطريق الصحراوي، فسار فيه قليلًا … ثم انحرف يسارًا فيمينًا غازيًا الطريق الصحراوي، ومنه صعد إلى الطريق الدائري … وأطلق بعدها العنان ﻟ «اللاندكروزر» … ولحسن حظه لم يكن الطريق الدائري مُزدحمًا … فتمكن من إدارة كمبيوتر السيارة للاستماع إلى التقرير الذي تمَّ إنزاله على الهارد ديسك لا سلكيًّا بمعرفة إدارة مركز معلومات المقر … وانطلق صوت رقم «صفر» يقول: السيد «إمانويل فولف» مفكر وكاتب ألماني معروف … وله مقال أسبوعي في جريدة «ألمانيا اليومية»، ولهذا المقال جمهور عريض من القراء الألمان … وقد زار «فولف» المنطقة العربية أكثر من مرة … وهو يعود إليها هذه الأيام بدعوة من وزارة الثقافة المصرية لحضور معرض الكتاب المصري ضمن وفد من كُتاب ومثقَّفي «ألمانيا» … فهو ضيف شرف المعرض هذا العام …
ما يُهمنا في هذا كله أن «فولف» كان من المناقشين الجادين لحادث المحرقة التي اتُّهم فيها «هتلر» بإبادة الملايين من اليهود في أفران الغاز … وقد قُوبلت آراء «فولف» باستهجان اليهود في كل بقاع الأرض، وأقيمت ضده القضايا، وكيلت له الاتهامات … غير أنه لم يأبه لكلِّ ذلك … والآن أصبح مُتعاطفًا مع المسلمين وقضاياهم، ومُعجَبًا بتاريخ نبيِّهم وخصاله؛ فقد أهدر اليهود دمه … وهناك أخبار تقول إنَّ حادثًا ما سيقع لهذا الرجل في المعرض … وسأوافيك بالجديد من الأخبار أولًا بأول على تليفونك المحمول … انتهى …
وفي الوقت الذي كان «أحمد» يسمع فيه التقرير المسجَّل بصوت رقم «صفر» … تلقَّت «إلهام» اتصالًا هاتفيًّا من رقم «صفر» على تليفونها المحمول، فضغطت زر الاستجابة وقالت: أهلًا يا زعيم …
رقم «صفر»: أهلًا «إلهام» … هل أنت بخير؟
ردت «إلهام» في امتنان قائلة: بخير يا زعيم …
ورغم أنه يعرف الإجابة … فقد سألها قائلًا: هل تَعرفين الألمانية؟
شعرت «إلهام» أن وراء هذا السؤال مهمَّة سوف تُكلَّف بها … فقالت له: إنني أُجيدها يا زعيم …
رقم «صفر»: وهل تَعرفين المفكِّر الألماني «فولف»؟
إلهام: هل تقصد «إمانويل فولف»؟
رقم «صفر»: نعم …
إلهام: إنه ضيف معرض الكتاب هذا العام …
رقم «صفر»: وهذا هو الأمر الذي أُحادثك من أجله …
إلهام: هل سأَصحبُه كمُترجمة؟!
رقم صفر: نعم …
وبدهاء الشياطين سألته قائلة: هل هناك خطر على حياته؟
رقم «صفر»: نعم … وأحمد هناك الآن لنفس المهمة … وعليكِ أن تلحقي به، تقرير العملية تمَّ إنزاله على هارد كمبيوتر السيارة الخاصة بك، برجاء سرعة التحرُّك …
وفي هذه الأثناء تلقى كل من «عثمان» و«بو عمير» وأخيرًا «ريما» رسائل على ساعاتهم … يَطلُب منهم فيها رقم «صفر» سرعة التوجُّه إلى معرض الكتاب، وانطلق في سماء عقولهم جميعًا سؤال واحد هو … لماذا لم يُكلِّفهم رقم «صفر» بهذه المهمة بالأمس مثلًا؟
وعبر الأثير … فتح خط اتصال جماعي بين «أحمد» وزملائه المكلَّفين معه بنفس المهمة … وكان البادئ بالاتصال «أحمد» … لذا فقد تولى برنامج حاسبه التنسيق بين تردُّدات أجهزة الاتِّصال الخاصة بزملائه … وقد سمعوه جميعًا في نفس اللحظة يحييهم بقوله: صباح الخير لكم … وعليكم …
ثم سألهم قائلًا: هل سمعتُم تقرير المنظَّمة عن هذه العملية بإنصات؟
ردُّوا جميعًا تباعًا بنعم … فعاد إلى الحديث مرةً أخرى قائلًا: إننا الآن نبدأ مهامَّ أسرع عملية كُلفنا بها … فنحن الآن في قلب العملية … وقد ترَونها غير ذات ثقل … وأنا أراها خطيرة … وسأُبلغكم بمدى خطورتها …
- أولًا: اتساع مساحة أرض العملية … لاتساع مساحة المعرض وتعدُّد صالاته ومخيَّماته …
-
ثانيًا: الازدحام الشديد وتنوُّع الرواد …
وهذا يعطي فرصة لمن يريد أن يتخفَّى منهم أن يتخفى … ويظهر لنا فجأة، لذلك فنحن لا نعرف من أين ستأتينا الضربة!
- ثالثًا: كثرة أعداد العبوات التي تدخل المعرض محمَّلةً بالكتب، وأيضًا ضخامتها … وأنا أرى أن يتم تفتيش هذه العبوات بمعرفة متخصِّصين، وهنا قاطعته «إلهام»، قائلة: أعتقد أن هذا يحدث!
أحمد: أنا أعرف ذلك، ولكنه لا يكفي … فأنا أقصد أن يقوم بذلك مُتخصِّصون من عندنا نحن …
وكان ﻟ «عثمان»، طلبٌ مُلحٌّ بدتْ مدى خطورته في نبرة صوته وهو يقول: نحن نحتاج للمزيد من الزملاء … فمسرح الأحداث مُكتظٌّ بآلاف البشر …
كان ذلك ما يدور في رأس «أحمد»، أيضًا … فقال له: سأَطلُب ذلك من رقم «صفر»، ولكن في حينه.
اقترب «أحمد» من بوابات المعرض الرئيسية … فأبطأ من سرعته، حتى بلغ ساحة انتظار السيارات … فاختار لسيارته موقعًا يسمح لها بالتحرك والخروج إلى الطريق بسهولة، فأطفأ مُحرِّكها … وغادرها مُرسِلًا عينيه إلى آخر الساحة، فقد رأى سيارة جيب فخمة تتوقَّف وينزل منها رجل ألماني … إنه السيد «فولف» … إنه يعرفه … فقد رآه أكثر من مرة في مصر وألمانيا … وها هو الأستاذ الدكتور «توفيق شكري» … بأناقته المعهودة … وها هي السيدة «نشوى الفقي» بملابسها البسيطة الأنيقة.
ما لبث أن انتابته حيرة شديدة … فكيف لا يُصاحبهم حرس؟
إن اصطياد السيد «فولف» في هذه الساحة أمر يسير للغاية … إن في الأمر سرًّا، ويجب أن يَعرفه … فرقم «صفر» لم يطلب منه حراسته خارج المعرض … بل طلب منه فقط مصاحبتَه …
فقام «أحمد» إلى الأستاذ «توفيق شكري» مصافحًا … فمدَّ الأخير يده يصافحه على أنه أحد تلاميذه أو قرائه … فابتسم له «أحمد» ابتسامة ذات مغزى، وقال له: ما إن سمع اسمه … حتى شدَّ على يده بحرارة، ثم قدمه للسيد «فولف» قائلًا بالألمانية: السيد «أحمد»، سكرتير السيد وزير الثقافة.
مدَّ السيد «فولف» يده يُصافحه والابتسامة تعلو وجهه، وقال بالألمانية: شكرًا للسيد وزير الثقافة.
وشرع دكتور «توفيق» يُترجم ما قيل ﻟ «أحمد» … غير أن «أحمد» لم يُمهله لذلك … وقام برد التحية للسيد «فولف» … بل وأثنى على آخر مقال قرأه له في موقع جريدة «ألمانيا اليوم» على الإنترنت.
في هذه الأثناء كانت سيارة «إلهام» قد اتخذت لها مكانًا بجوار سيارة «أحمد»، وقبل أن يتوجهوا إلى بوابة دخول العارضين والضيوف … كانت «إلهام» قد لحقت بهم وقدَّمت نفسها ﻟ «أحمد» على أنها مندوبة عن وزير الإعلام للترحيب بالسيد «فولف»، وقدَّمت له بطاقةً فحَصَها سريعًا، ثم ردَّها إليها وقام بتقديمها للسيد «فولف» قائلًا: الآنسة «سارة» مندوبة وزير الإعلام.
مدَّ السيد «فولف» يده يصافحها … فصافحتْه قائلة بألمانية مُتقَنة: يُسعدني أن أتعاون معك اليوم في تقديم صورة جيدة لاحترام الألمان للمُسلمين وللعقيدة الإسلامية.
نظرت السيدة «نشوى» لها في دهشة … فهي مُنتدَبة من وزارة الإعلام لمصاحبة هذا المفكر … والعمل معه فترة المعرض كمُترجمة. فمن الذي ألغى هذا الانتداب ودفَع بهذه الشابة الصغيرة لتحلَّ محلها؟!
انتحى «أحمد» بالسيدة «نشوى» جانبًا وحادثها قليلًا … وعندما عادت ابتسمَت ﻟ «إلهام»، ومدَّت يدها تصافحها، فشدت «إلهام» على يدها.
اقتربت الساعة من الحادية عشرة … وازدادت طرقات المعرض وقاعاته ازدحامًا … وكانت الظاهرة اللافتة للنظر هي انتشار أسطوانات الليزر وبائعيها … ومحاولة الترويج للكتب الإليكترونية … وكان من بين هؤلاء المروِّجين شابٌّ أسمر … شقي النظرات اسمه «عثمان» …
ضحك «أحمد» في داخله وهو يرى «عثمان» يَقترب منه ويُقدِّم له مطبوعات ملوَّنة فاخرة تحوي بين طياتها صورًا أو معلومات عن محتويات أسطوانات الليزر التي تنتجها الشركة التي يعمل بها … ثم طلب منهم اصطحابه إلى القسم الخاص بشركتهم … وهناك رأى «أحمد» كلًّا من «ريما» و«بو عمير» يجلسان خلف منصَّة وأمامهما جهاز كمبيوتر يُجربان إحدى أسطوانات الليزر لأحد العملاء … فمَن كان هذا العميل؟!
إنه «بيتر» صديقهم الإنجليزي القديم … هذا الفتى الذي صاحَبَهم في أخطر عملياتهم «شبكة الموت»، و«ثورة الأخطبوط» … وغيرها …
ولفت نظر «أحمد» أن اللعبة التي يراها على الشاشة هي مُطارَدة تجرى في طرقات مكانٍ تُشبه طرقات المعرض بكل تفاصيله … إنها إذن ليست لعبة … إنها مطاردة إلكترونية حقيقية لأولئك المتطرفين من اليهود الذين يبغون إفساد هذا العرس الجميل … وتشويه سمعة الأمن المصري … وضرب العلاقة الجيدة بين مثقَّفي العالم و«مصر».
وبابتسامة ذات مغزى من «ريما» … اشترى منها «أحمد» كارت ذاكرة صغيرًا لجهازه المحمول … وانتحى جانبًا … وقام بفك غلاف التليفون والبطارية، ثم ثبَّت الكارت، وأعاد التليفون إلى ما كان، وأخيرًا اصطحب السيد «فولف» إلى سرايا المعرض رقم ثلاثة … فقد كانت تحوي هذه السرايا، بالإضافة إلى فتارين دور النشرة المختلفة … منصة ومجموعة من المقاعد … وأجهزة عرض شرائح … وأجهزة تكبير صوت … وما إن دخلها السيد «فولف» حتى تهافت عليه مجموعة من شباب الجامعات، فصافَحَ بعضهم في عُجالة، وانصاع سريعًا لرغبة «أحمد»، وتوجَّه معه إلى المنصة ومعهما «إلهام»، والمقرر العام للندوة الدكتور «توفيق شكري».
امتلأت المقاعد سريعًا بالرواد … وازدحم حولهم الواقفون من الجنسين … وبدأ مهندس الصوت يُجرِّب وحدات نقل الصوت … وأشار «أحمد» بكل ذراعه للجمهور كي يُخفِّفوا بعض الشيء من صوتهم، غير أن الضوضاء ازدادت، ولم يَعُد أحد يسمع أحدًا … ولاحظ «أحمد» تحرُّكات مريبة بين منافذ الدخول والخروج … فقام بالتحدث إلى «ريما» التي نقلت له على شاشة تليفونه المحمول كلَّ ما يدور خارج القاعة … وحولها وبمعاونة الزر الأوسط الذي يعمل عمل الفأرة في الكمبيوتر … استطاع «أحمد» التنقل من كاميرا إلى كاميرا … ومراقبة كل ما يدور في القاعة، فقد كانت شاشة تليفونه كبيرة.
ومن بين تلال الكتب المرصوصة في أحد الأقسام المواجهة للمنصَّة … لاحظ وجود جسم غريب لا يمكن أن يكون كتابًا … فقام بإرسال إشارة إلكترونية سريعة إلى «بو عمير» الذي حضر سريعًا ومعه بعض رجال الأمن بملابس مدنية … وبالنظر إلى «أحمد» … وببعض الإشارات والإيماءات فهم المقصود … وقام بالتحدث خلسة إلى المسئولين عن هذا القسم.