هروب فولف!
هل القضية أكبر من مجرد اغتيال مفكر؟
هذا ما طرحه «أحمد» عليهم … وهذا ما أجابت عنه «ريما» قائلة: ليس هناك أكبر من جريمة اغتيال مُفكِّر … وبالذات إذا كان في حجم السيد «فولف»، وهنا قال «أحمد»: لا … هناك جريمة أكبر منها … إنها جريمة اغتيال فرحة شعب.
زبيدة: تقصد تحويل هذا العرس الثقافي إلى مأتم كبير؟!
أحمد: نعم … وعندما يكون الضحية مُفكرًا عالميًّا يعرفه المثقفون في أقطار الأرض كافة يكون الحدث جللًا، وتشوه صورة البلد الآمن الذي استضافه.
مصباح: إذن الضربة لن تَرتبط ﺑ «فولف» … يجب أن نتوقَّع أن الضربة في أيِّ موقع من المعرض …
إلهام: أو عدة مواقع مرةً واحدة.
إذن فالرجل الذي نَحميه هنا ليس هو المفكر العظيم، بل هو رجل أتى ليشغلنا عن مكان وقوع الحدث الأكبر والأهم … ويجب التحفظ على هذا الرجل بأيِّ شكل.
وهنا صاح «أحمد» بحماس قائلًا: برافو «عثمان» … هذا ما كنت أبغي الوصول إليه، الكاتب الكبير الذي بحوزتنا الآن هو عميل مخابرات يجب القبض عليه فورًا.
إلهام: القبض عليه قد يسبب لنا أزمة دبلوماسية.
أحمد: ولماذا؟
ريما: قد يكون هذا الرجل هو «فولف» الحقيقي.
أحمد: نتحفَّظ عليه ونطلب استدعاء السفير الألماني للتعرف عليه.
ريما: فكرة جيدة …
أحمد: إذن نُنهي اجتماعنا الآن … وعلينا أن نكون مُتيقِّظين … فاليوم في أوله … والضربة حتى الآن لا نعرف من أين ستأتي.
إلهام: وهل سنتحفَّظ على «فولف» حقيقة؟
أحمد: نعم …
عاد «أحمد» سريعًا إلى مكتب مدير المعرض، فوجَده مغلقًا … فظنَّ أنه في استقبال أحد الضيوف، أو أنه في إحدى الندوات يقوم بتقديم أحد المسئولين إلى الجمهور … غير أنه عندما سأل عليه رجل الأمن الواقف ببابه … قال له: إنه خرج في وداع السيد «فولف» … فصاح «أحمد» قائلًا في استياء: تقصد الضيف الألماني الذي كان هنا؟
رجل الأمن: نعم!
أحمد: منذ متى حدث هذا؟
الرجل: منذ عشر دقائق.
أحمد: أليس لديك رقم تليفونه المحمول؟
الرجل: لا …
أحمد: كيف أتحدَّث مع رئيسك هنا؟
رجل الأمن: ومَن أنت؟
أخرج «أحمد» بطاقته الأمنية … فأعطاه الرجل جهاز الاتصال اللاسلكي بعد أن أوصله بالضابط المسئول … فعرفه «أحمد» بنفسه وطلب منه الاتصال برجاله في كل البوابات وسؤالهم عن مدير المعرض … ومَن ضابط أمن البوابة الرئيسية؟ … أتته الإجابة … لقد كان هنا منذ دقائق في وداع أحد الضيوف … وقد عاد إلى داخل المعرض.
صاح «أحمد» في جزعٍ قائلًا: لقد فرَّ الرجل من بين أيدينا.
كانت «إلهام» قد لحقتْ به … فرأته في هذه الحالة فقالت له: ماذا جرى يا «أحمد»؟
أحمد: لقد هرب «فولف» المزيف …
إلهام: سنَقلِب المعرض بحثًا عنه.
أحمد: لقد فرَّ خارج المعرض.
إلهام: وكيف عرفت؟
أحمد: كان السيد «حسام» مدير المعرض في وداعه.
وفي هذه اللحظة وقفت سيارة خاصة، ونزل منها السيد «حسام» ومعه سكرتيره، وعندما رأى «أحمد» ابتسم مرحبًا، فبادره «أحمد» قائلًا: أين السيد «فولف»؟
«حسام»: لقد عاد إلى الفندق الذي ينزل فيه.
أحمد: ألم يكن مصرًّا على استكمال ندواته؟
«حسام»: لقد شعر ببعض التعب، وأنه لن يمكنه استكمال اليوم معنا.
أحمد: هل استقلَّ سيارة؟
قاطعه السيد حسام قائلًا: لقد استقلَّ تاكسيًا … هل حدث شيء يا سيد «أحمد»؟
أحمد: لا تشغل بالك سيد حسام …
انصرف «أحمد» ومن خلفه «إلهام» تشعر بالمأزق الذي وضعهم به هروب «فولف» المزيف … وعندما لحقت ﺑ «أحمد» قالت له: ما يُحيِّرني هو سبب هروب هذا الرجل … فهل عرَف أننا اكتشفنا زيفه؟
أحمد: بالتأكيد يا «إلهام»، وإلا استكمل يومه ونفَّذ مخططه إلى آخره.
إلهام: ولكن هروبه لا يعني أنهم لن يُنفِّذوا مخططهم.
أحمد: لا يا «إلهام»، بل سيكونون الآن أكثر خطورة، وعلينا أن نُضاعف جهودنا ويقظتنا …
وفجأة صاحت «إلهام» قائلة وهي تُشير بيدها لأعلى: «أحمد» انظر …
رفع «أحمد» رأسه إلى حيث تُشير … فرأى لوحة عملاقة تصطف فيها كشافات ضخمة … فقال لها: إنها كشافات الاستاد.
إلهام: أعرف … ولكني رأيتُ شيئًا آخر هناك …
انتبهت حواس «أحمد» … وجحظَت عيناه ووقف يَرقب صفوف الكشافات العملاقة، وقال ﻟ «إلهام»: لا أرى شيئًا غير عادي.
إلهام: لقد رأيتُ رجلًا يطلُّ من خلف أحد الكشافات.
أحمد: قد يكون أحد عمال الصيانة.
إلهام: رأيتُ على كتفه ما يشبه البندقية.
أمعن «أحمد» النظر … ثم قام بالاتصال بمقرِّ المنظمة … وأعطاه أمر مسح للمنطقة، إلى أن وصل إلى النقطة التي يقع بها الكشاف … وأعطاه أمر تصويره … فقامت كاميرات القمر بالتقاط عدة صور متتابعة … استقبلها «أحمد» على تليفونه المحمول، فلم يستطع تبيُّن وجود جسم غريب بين الكشافات … فحاول مرة وراء الأخرى … فلم يعثر على شيء … كانت «إلهام» قد وضعت تليفونها المحمول على نفس الخط، واستقبلت مع «أحمد» ما أرسله القمر من صور … فلم تجد منه شيئًا … غير أنها وجدت أن العارضة السفلية للوحة الكشافات بها انبعاج … فلفتَت نظر «أحمد»، ففحص الصور المُثبَتة على ذاكرة التليفون … فرأى نفس الانبعاج … فقام بالاتصال ﺑ «عثمان»، وطلب منه التوجُّه إلى هذا البُرج وتسلُّقه وفحصه جيدًا، على أن يصطحب معه «رشيد».
لم يكن هذا الإجراء كافيًا … كان هذا رأي «إلهام» … فإلى أن يصل «عثمان» يكون القابع فوق البرج قد أتمَّ مهمته.
وفي هذه اللحظة … شب حريق في أحد مخازن الكتب في منطقة الأكشاك … وسرَتْ شائعة عن أن فتاة زنجية قامت برش سائل من علبة بيدها على هذه الكتب، فاشتعلت فيها النيران واختفت هي …
ولم تمضِ دقائق … إلا وشبَّ حريق آخر في مخزن آخر، وكانت الشائعة هذه المرة عن أن الذي فعلها شاب أشقر، ويمسك بيده أيضًا أنبوبًا قام برشِّ سائل منه على الكتب.
تسبَّبت هذه الشائعة في نشر الفزع بين الناس، غير أنهم لم يُغادِروا المعرض، بل تزاحموا أمام المخزن المحترق يراقبون تداعيات الأمور … فأصدر «أحمد» أوامره إلى الشياطين بسرعة التحري عن مواصفات الفتاة والشاب المتسبِّبَين في الحريق، والبحث عنهما بكل ما أوتي الشياطين من دهاء، وكل ما لديهم من وسائل تكنولوجيا حديثة.
وبالطبع … انشغل الشياطين مع الحريق، ونسوا أمر هذا القناص القابع فوق برج كشافات الاستاد، ولاحظت «إلهام» ذلك … ورأت أن الأمر مُدبَّر حتى يتسنَّى لهذا القناص القابع إما تنفيذ مهمَّته … وإما الهروب المؤقَّت، فآثرت أن تبقى هي في مكانها مراقبة لذلك القناص … وأن تترك مُطاردة مُشعلي الحرائق لبقية الزملاء.
وكأنما قرأ القناص ما يدور في رأسها … فأطلق رصاصة اخترقت حقيبتَها الجلدية، وأصدرت فرقعة شعرت معها «إلهام» بأن تليفونها المحمول قد تحطَّم … وهذا ما وجدته بالفعل عندما وضعت يدها بداخل الحقيبة.
يا له من ماكر … ويا له من ماهر …! فقد تخيَّر أهم ما لديها … ولكن كيف تمكَّن من تحديد مكانه وإصابته … إن البندقية التي في يده … ليسَت بندقية عادية … إنها مزوَّدة بتكنولوجيا تصوير ورصد فائقة التقدُّم، وهذا يعني أنه يمكنه رصد وسيلتها الأخطر للاتصال … إنها ساعة يدها … ولو تمكَّن من تصويرها ورصدها … فإنَّ الرصاصة التي ستَخرج من بندقيته لن تصيب ساعتها فقط … بل ستُحطِّم ذراعها، وكان عليها في هذه اللحظة أن تتوارى … وبالفِعل قامت بالاختباء منه داخل صالة العرض التي كانت تقف قبالتها … غير أنها رأت أنها هنا ليست آمنة تمامًا، فهذا القنَّاص قد استطاع رصد تليفونها المحمول وهو في حقيبة يدها … فهل سيعجز عن رصدها وهي في هذه القاعة؟ وهل ستَحجبها هذه الحوائط عنه؟
هي لا تعرف قُدراته حتى الآن … لذا كان عليها أن تكون دائمة التحرُّك في القاعة حتى لا يتمكَّن من رصدها.
وفجأة … ارتج المحارب بداخلها فحوَّلت حقيبة يدها إلى حزام عريض … ارتدتْه على وسطها، وثبَّتت به كل أسلحتها … كل هذا في زاوية من القاعة تُحيطها الكتب ومن بابها الخلفي خرجت تُلملم شعرها خلف رأسها … وانطلقت في اتجاه الباب الرئيسي، وقبل أن تعبره، مرقت بجوار أذنها رصاصة … سمعت صفيرها وشعرت بدوامات الهواء التي تُحدثها، فعرفت أنه يَرصدها … لأنها اكتشفتْه إنما يُحاول التخلُّص منها.
وفي ساحة انتظار السيارات، وجدتْ سيارتها محاصَرة بين العديد من السيارات فقامت بدفع السيارات يمينًا ويسارًا حتى أفسحت لسيارتها مكانًا للمرور … ثم ركبتها وأغلقت زجاجها … وفتحت زجاج السقف … وضغطت على كلٍّ من بدَّالي السرعة والفرامل سويًّا … وأعطت السيارة أقصى قدرة لها … ثم رفعت قدمها عن بدَّال الفرامل … وقفزت السيارة في الهواء، فعبرت الرصيف … وما كادت تَنحرِف يمينًا حتى غابت عن باب المعرض … وما هي إلا دقائق حتى كانت تدور حول الاستاد، إلى أن رأت برج الكشافات القابع فوقه القناص … فأعدت بندقيتها وصوَّبتها إليه، غير أنها رأت أن تُفزعه أولًا … وأن يُسقطَه فزعه من أعلى البرج، لا رصاصتها، لذلك صوبت ماسورة بندقيتها على منظاره … وأطلقت رصاصة … أطاحت بالمنظار ليسقط على أرض ملعب الكرة شظايا.
وقبل أن يُفيق الرجل من صدمة الرصاصة الأولى … كانت الرصاصة الثانية تَنطلِق لتصيب بندقيتَه … فتُسقطها هي الأخرى من مكمنها … وكما توقَّعت … فقد تملك الفزع من الرجل … ولم يتمالك نفسه … فهوى من فوق البرج ليرتطم بأرض الاستاد وينام إلى الأبد.
نظرت له «إلهام» بحزن وقالت في نفسها: لولا أنك حرصت على موتي ما تسبَّبتُ في موتِك.
قالت هذا واستدارت لتعود إلى أرض المعارض … غير أنها رأت أن تحصل على البندقية التي سقطت من القناص … فتساعدهم في حلِّ كثير من الألغاز وفي الوصول إلى كثير من المعلومات عن «فولف» المزيَّف ورجاله، ولمن يعملون.
وقبل أن تُغادر سيارتها اتَّصلت برقم «صفر» عبر ساعتها … وأبلغته بما جرى … وطلبت منه ألا يبلغ أحدًا بهذا الحادث حتى تُتمَّ مهمتها وتُغادر الاستاد.