مقايضة
عندما اقتربت «إلهام» من الكافتيريا الزرقاء … وجدت رجال البوليس يَملئون المكان … وعندما سألت أحد المارِّين عن السبب … أخبرها بحادثة القتل التي وقعت … فعرفت أنها لن تجد «أحمد» هنا … وأنه الآن في أعقاب القاتل …
عندما انحرف «أحمد» خلف القاتل بين القاعات كان الظلام هناك حالكًا … لذا فقد أخرج بطاريته، وما كاد يضيئها … حتى انطلقت في الظلام قدم أطاحت بها من يد «أحمد»، أعقبتها لكمة مكتومة في وجهه … كادت تَخلع فكَّه السُّفلي … فجلس القرفصاء فجأة … فقد توقَّع لكمة أخرى من نفس الرجل … فطاشت اللكمة في الهواء …
ولم يتحرك «أحمد» من مكانه، فهو لا يرى الرجل … ولكن يشعر به … وبدهاء أخرج تليفونه المحمول وقام بالضغط على أحد أزراره، وما كادت شاشته تُضيء حتى انطلقت قدم الرجل صاروخًا في اتجاه «أحمد» … الذي طار في الهواء وأطلق قدمه في الاتجاه الذي أتت منه الضربة … وصرخ الرجل مُتأوهًا … فلحقتْها القدم الأخرى في اتجاه الصوت.
وسمع صوت ارتطام جسم الرجل بالأرض، فقام بإمساكه من ياقة البالطو وجرَّه على الأرض … حتى أخرجه من الظلام … ثم استكمل به المسير إلى أن دخل مِن أول بابٍ قابله … وكانت القاعة رقم ثلاثة … فدفعه بداخلها … فارتمى الرجل على الأرض … فقال له: مَن أنت؟
لم يجب الرجل … فكرر عليه السؤال قائلًا: هل أنت عميل المخابرات؟
لم يُجِب الرجل فعرف أنه لا يتحدَّث العربية … فسأله نفس السؤال بالإنجليزية: من أنت؟
نظر له الرجل دون أن يُجيب، ثم بصق عليه …
ثارت ثائرة «أحمد» … فقام بضربه ضربة قوية بقدمه اليُمنى … فتأوه الرجل فكرَّر عليه «أحمد» السؤال … فلم يُجب … فقال له: لماذا تفعلون لنا ذلك؟
نظر له الرجل بتبلُّد … ولم يبدُ عليه أي انفعال … فأخرج «أحمد» مسدَّسه … وصوَّبه تجاهه … وسحب زرَّ الأمان، وقال له وهو يستعد لقتله: سأعدُّ حتى ثلاثة، وإن لم تَقُل لي: مَن أنتم، ولماذا تفعلون بنا ذلك، فسأقتلك …
قرأ الرجل في عيني «أحمد» نيته لقَتله فقال له: هذا المعرض سيحترق كله …
شعر «أحمد» أنه يُلاعبه … ويُحاول أن يثنيه عن قتله فقال له: خطة الحريق لم تَكتمِل …
وفي إصرارٍ قال الرجل: خطة الحريق لم تبدأ بعدُ، وهي الخطة البديلة لظهوري بينهم … فإن لم أظهر فسيقومون بحرق المعرض …
تقصد أن حياتك ثمنٌ لعدم حرق المعرض؟!
الرجل: نعم …
أحمد: ومَن يُصدِّقك في ذلك؟
الرجل: أطلق سراحي وسوف أدلُّك على أماكن وجود القنابل.
وفي دهشة واستياء قال «أحمد»: هل زرعتم المعرض بالقنابل؟
الرجل: أطلق سراحي … ولن تكون خاسرًا.
أحمد: دلَّني أولًا.
الرجل: إذن أنت لا تنوي إطلاق سراحي.
أحمد: وأنا لا يمكنني إطلاق سراحك أولًا … فتهرب وتترُك خطة إشعال الحريق تنفذ.
في هذه اللحظة دخلت «إلهام» القاعة، وما إن رآها الرجل حتى صاح: ألا زلتِ على قيد الحياة؟
وفي حنقٍ صاح فيه «أحمد»، قائلًا: هل كنتَ وراء كل ما يحدث لها؟
لم يُجِب القاتل، وعنه أجابت «إلهام» قائلة: إنني أعرف هذا الرجل …
نظر لها الرجل في دهشة وتساؤل، وقال لها «أحمد»: هل قابَلناه في إحدى عملياتنا؟
إلهام: لا … بل رأيتُ صورته على ذراع الرجل الذي كان يخنقني في السيارة.
أحمد: تقصدين أنه كان يدقُّها كالوشم؟
إلهام: نعم …
أحمد: إذن فهذا الرجل هو زعيم هذا التشكيل العصابي المخابراتي …
إلهام: لا تتردَّد في قتله … فهو يستحق ذلك …
صرخ الرجل قائلًا في هلع: لن تستفيدوا من قتلي، ولكن إذا تركتموني أعيش … فقد أُفيدكم أكثر من ذلك.
وفي حسم قال «أحمد»: هل أمر الحريق حقيقي؟
الرجل: نعم!
أحمد: إذن دلَّنا على القنابل التي أخبرْتَنا عنها.
الرجل: وتُطلقون سراحي!
أحمد: لن نُطلق سراحك … ولكني أعدك ألا أقتلك …
مدَّ الرجل يده في جيبه … فوضع «أحمد» ماسورة المسدَّس على جبهته وقال له: أخرج يدك من جيبك فورًا …
ضحك الرجل في ثقة أغاظت «أحمد» … وأخرج يده من جيبه، فقال له «أحمد»: عم كنت تبحث؟
الرجل: عن كارت ذاكرة المحمول … مُخزَّن عليه العملية بكل تفاصيلها …
أحمد: لو كنتَ صادقًا فسأكون كريمًا معك.
الرجل: إذن دعني أبحث عنه.
أحمد: ابحث عنه، ولكن لا تَرفع يدك لأعلى وأنت تُخرجها من جيبك حتى لا أُخرجك من الدنيا …
ضحك الرجل مرةً أخرى، ممَّا أثار ريبة «أحمد» … وكاد لا يُصدِّقه فيما يقول لولا أنه لا يملك الآن غير تصديقه.
وبحذرٍ أخرج الرجل من جيبه علبة صغيرة ناولها ﻟ «أحمد» الذي أخذها منه بحذر … وناولها ﻟ «إلهام» التي انتحت جانبًا … وحلَّت غلاف تليفونها ووضعت الكارت … ثم أعادت التليفون إلى ما كان عليه … وعندما أدارته وجدت الكارت قد اتخذ لنفسه موقعًا وأنشأ لنفسِه ملفًّا على ذاكرة التليفون … وعندما انتقلت إلى بقية الملفات للاطِّلاع عليها … وجدت الملف هذا قد نسخ نفسه وحلَّ محل جميع الملفَّات الأخرى … فصاحت تقول ﻟ «أحمد»: إنها قنبلة إليكترونية …
وفي توتُّر قال «أحمد»: ماذا تقصدين؟
إلهام: لقد نسَخ الملف نفسه ومسح باقي الملفات.
صاح الرجل في جزعٍ عندما رأى نية «أحمد» في التخلُّص منه: إنه لم يمسحها، إنها موجودة ويُمكنني استعادتها لو شئتم.
بلَغ «أحمد» غيظه وقال لها: افتَحي الملف يا «إلهام»، وأخبريني بما ستجدينه.
قامت «إلهام» بالتنقُّل بين الأوامر حتى فتحت الملف … فرأت رسمًا كروكيًّا يحدد مواقع وممرات …
فقالت ﻟ «أحمد»: يبدو أنه صادق …
أحمد: وهل تبدو عندك مواقع المفرقعات التي أخبرني بها ذلك الزنديق؟
إلهام: نعم …
أحمد: إذن نَصحبه ونبحث عنها … ونتخلَّص منها، وبعد ذلك ننظر في أمره …
الرجل: هل ستُطلق سراحي؟
أحمد: هذه لا أعدُك بها.
وشعر في هذه اللحظة بوخزٍ في رسغه من ساعة يده … وبالنظر إلى شاشتها … عرف أنها «ريما»، فوضع السماعة على أذنه … وضغط زر الاستجابة وقال: «أحمد» معك يا «ريما» …
ريما: أين أنت يا «أحمد»؟
أحمد: في قاعة ثلاثة … هل حدث عندك شيء؟
ريما: لقد وقع انفجار في مخزن المعدات.
نظر «أحمد» للرجل في غيظ … فقال له: ماذا حدث؟
أحمد: انفجرت إحدى قنابلك.
الرجل: الخطأ ليس عندي … أنتم الذين تأخَّرتم … راجعوا الخريطة جيدًا … وتحركوا الآن لتُنقِذوا بقية المكان. قال «أحمد» ﻟ «إلهام»: هل رأيتِ انفجارًا في موقع المعدات على الخريطة الموضحة لديك؟
إلهام: نعم …
أحمد: إذن هو صادق …
إلهام: وماذا سيُهمُّنا من صدقه … ما دمنا لا نعرف مواعيد الانفجارات وقد يعرضنا ذلك للخطر؟!
وهنا تدخلت «ريما» قائلة: هل نسيتني على الخط؟
أحمد: لا يا «ريما» …
ريما: لقد اكتشفنا حاوية كتب كبيرة للغاية موضوعة في الناحية الخلفية للمعرض.
نظر «أحمد» إلى الرجل وقال له: لماذا لا تُخبرني بموضوع الحاوية هذه؟
تغير لون الرجل وتنقَّل من لون إلى لون و«أحمد» ينظر له في صمت … فقد تأكَّد هذه المرة من أنه يُلاعبه.
ولم يلزم الرجل الصمت هذه المرة … بل قال له: وما لي أنا وهذه الحاوية، إنها لا تُهمنا في شيء … فلا يمكن أن نزرع فيها قنابل.
لم يشعر «أحمد» هذه المرة أنه صادق … لذلك عاد إلى «ريما» يسألها بقوله: ومن تخصُّ هذه الحاوية؟
ريما: لا أعرف …
أحمد: أليس مكتوبًا عليها؟
ريما: حرفان فقط بالإنجليزية («إس» و«إم»).
أحمد: لا أرى لهما معنى حاضرًا إلى ذهني.
ريما: ولا أنا … وأعتقد أن الملصقات الحقيقية قد انتُزعت من عليها.
أحمد: وما مقدار حجمها تقريبًا؟ …
ريما: إن طولها عشرة أمتار وهو مكتوب عليها … وعرضها ستة أمتار … أما ارتفاعه فلا يقلُّ عن ثلاثة أمتار.
أحمد: إنها تصلح أن تكون شاليهًا.
ريما: هي كذلك بالضبط.
أحمد: ترى ماذا تُخفِي بداخلها هذه الحاوية؟