انطلاق … إلى صحراء مجهولة!
عندما أخذ كل واحدٍ منهم مكانه، كانت أعينهم تتعلَّق بالخريطة الموجودة أمامهم، لكن الخريطة لم تكن مُضاءة، ولم يكن أمامهم سوى الانتظار.
غير أنَّ «إلهام»، التي كانت لا تزال تَشعُر بالقلق، نظرت في اتجاه «أحمد»، الذي نظر إليها مُبتسمًا وهو يقول: لا تظني أنني أعرف شيئًا … إنني مثلك في انتظار الزعيم!
ولم يكدْ يَنتهِي من جُملته، حتى جاء صوت رقم «صفر» يقول: إنني فعلًا في الطريق إليكم!
ابتسمَ «أحمد»، وهو يقول ﻟ «إلهام»: أظنُّ أنَّه لا داعي للقلق الآن!
فجأةً، أُضيئت الخريطة الإليكترونية، فاتَّجهت أعين الشَّياطين إليها، كانت الخريطة لأفريقيا وهي تَغرق في مياه المُحيطات حولها … لحظة، ثم خرَج من المُحيط سهمٌ أحمر، اتَّجه إلى وسط القارة، ثمَّ رسم دائرةً كاملةً، ثم ظهَرت التقسيمات السياسية لعدد من الدول … زيمبابوي … زامبيا، أنجولا، ناميبيا … جنوب أفريقيا … وفي وسطها جمهورية بتسوانا.
ظلَّت الخريطة ثابِتة بعد ظهور هذه التقسيمات. نظر الشَّياطين بعضهم إلى بعض، إنَّ ذلك يعني أنَّ مكان المغامَرة يُمكِن أن يكون إحدى هذه الدول، لكن أيُّ دولة بالتحديد؟
كان «أحمد» يُتابع الخريطة باستغراق شديد، في نفس الوقت، كانت «إلهام» تُحاول أن ترى في وجهه شيئًا يُمكِن أن تفهمه، غير أنَّه لم يكن يرسم على وجهِه أيِّ تعبير، ولذلك فشلت في الحصول على أيِّ شيء.
فجأةً، قال «عثمان»: أظنُّ أنَّ «بتسوانا» سوف تكون مكان المغامرة الجديدة!
لم يَنطِق أحد من الشَّياطين، إلا أنَّ «زبيدة» تساءلت: ولماذا «بتسوانا» بالذات، لماذا لا تكون أي دولة أخرى!
ابتسم «أحمد»، فقالت «إلهام»: «أحمد» عنده إجابة!
اتَّجهت أعينهم إليه، وهو يقول: إنني أُرجِّح وجهة نظر «عثمان»!
تساءل «بو عمير»: لماذا؟
أجاب «باسم» بسرعة: إذا لم أكن مُخطئًا، فإنَّ وجهة نظر «عثمان» صحيحة؛ لأنَّ الخريطةَ جعلت «بتسوانا» في وسط الدول الأخرى، ولو كانت المُغامَرة في دولة غيرها، لحدَّد السَّهمُ ذلك!
قال «عثمان»: هذه فكرتي بالضبط!
فجأة، جاء الرد على الخريطة، فقد بدأت الدول تَختفي الواحدة بعد الأخرى، حتى بقيت «بتسوانا» وحدها … ثم فجأة، مرة أخرى، بدأت تفاصيل «بتسوانا» تظهر أكثر وضوحًا، ظهرت العاصمة «جابرون» وقريبًا منها مدينة «كايني»، ثم غطَّت مساحة كبيرة دائرة صفراء، وظهرت صحراء «كالاهاري».
ابتسم «أحمد» عند ظهور دائرة الصحراء. ولم تَفُت الابتسامة «إلهام»، فقالت: إذن سوف تكون الصحراء هي مجال المغامرة الجديدة!
قال «أحمد»، وهو يُخفِي ضحكة: ربما، وربما قد تكون الصحراء جزءًا من المغامرة!
سكت لحظة، ثم قال: إنَّ ما أضحكني، هو أنَّ تمارين اليوم على سباق الموتوسيكلات … يتوافَق تمامًا مع مغامَرة في هذا المكان … ولا بد أنَّ الزعيم كان يقصد ذلك!
قطع أحاديثهم صوت رقم «صفر» يقول: لقد اكتشفت ذلك مؤخرًا!
كان الشَّياطين يَسمعُون كلمات رقم «صفر» وهم يَبتسمون. في نفس الوقت الذي كانت خطواته تقترب، حتى توقفَت.
انتظر الشَّياطين في لهفة، تفاصيل مُغامَرتهم الجديدة … وجاء صوت رقم «صفر» يقول: من المؤكَّد بداية أنَّها مغامرة شاقة؛ فهي محدَّدة بمساحة كبيرة ترونها أمامكم، هي صحراء «كالاهاري»، وهي مساحة شاسعة كما ترون.
صمت قليلًا، ثم قال: إنَّ طائرة ركاب صغيرة سقطت، أو اختفت، في بطن الصحراء، وهذه مهمَّة يسيرة، لكن المهم، أنَّ الطائرة كانت تقوم برحلة تجريبية.
مرةً أخرى، صمت رقم «صفر»، وكان صمتُه طويلًا هذه المرة … كان الشَّياطين ينظرون إلى بعضهم البعض … فرقم «صفر»، لم يقل لهم شيئًا، فماذا لو سقطت طائرة في الصحراء، أو اختطفت فوقها …؟!
غير أنَّ «أحمد» كان يُفكِّر بطريقة أخرى … كان يقول في نفسه: ما دامت طائرة تجريبية فلا بد أنَّها تحمل شيئًا جديدًا، أو تحمل سرًّا، لا يجب أن يعرفه أحد.
ولم يتمادَ «أحمد» في تفكيره، فقد جاءت كلمات رقم «صفر» لتوقف ما يُفكر فيه … قال الزعيم: لقد استخدمت كلمة تجريبية، حتى تعرفوا أنَّها ليست مجرد طائرة ركاب.
ابتسم «أحمد»، فقد فكَّر بطريقة سليمة، مطابقة تمامًا لما قاله رقم «صفر».
عاد الزعيم يقول: إنَّ الطائرة مدنية وليسَت عسكرية، ولقد كان ذلك من قبيل التمويه، حتى لا يَكتشِف أحد أمرها، لكنَّها تحمل جهازًا جديدًا، يعطيها فرصة الطيران لمسافة أطول، دون الحاجة إلى وقود كثير. وإذا نجَح هذا الجهاز، فإنَّه يعني أن يُصبح وزن الطائرات أقل، وتصبح أكثر سرعةً. أيضًا، فإنَّ تكلفة صناعتها سوف تنخفض، وسوف يُؤدِّي ذلك إلى تخفيض نفقات السفر بالطائرات، التي ارتفعت في الفترة الأخيرة … أيضًا، سوف تكون هذه الطائرات هي مواصلات المستقبَل، لتكاليفها المنخفضة، فهي لا تحتاج أيضًا إلى مطارات متَّسعة … أي إنَّها يمكن أن تستخدم الطرق العادية في الصعود والهبوط.
سكت لحظة، ثم أضاف: إنَّها في النهاية، سوف تكون ثروةً جديدةً في المواصلات!
سمع الشَّياطين صوت أوراق تُقلب، فعرفوا أنَّ رقم «صفر» يعود إلى تقارير العملاء. بعد لحظة قال: إنَّ هذه الطائرة صناعة يابانية، وقد خرجت من مطار «طوكيو» لتطير من فوق آسيا إلى أفريقيا، ثم إلى أوروبا دون توقف.
صمت من جديد، ثم عاد يقول: بهذا تكون هذه الطائرة كشفًا جديدًا، وتعتبر سرًّا هامًّا، لكن إحدى العصابات توصلت إلى السِّر، وهي إذا استطاعت أن تحصل على الطائرة، فإنَّها يمكن أن تساوم عليها، ويمكن أن تبيعها لأي شركة طيران أخرى، وربما تُخفيها إلى الأبد.
انتظر رقم «صفر» قليلًا، ثم قال: كان آخر اتصال للطائرة ﺑ «جابرون» عاصمة «بتسوانا»، وعندما دخلت صحراء «كالاهاري» انقطع الاتصال فجأةً، ولا أحد يَعرف ماذا حدث، هل أسقطتها العصابة، أو أنَّ الطائرة اضطرَّت إلى الهبوط نتيجة أي عطل؟
توقف قليلًا، ثم عاد يقول: «إنَّ مغامرتكم يُمكِن أن تكون سهلة تمامًا إذا لعب الحظ معكم، ويُمكن أن تكون شاقَّةً تمامًا …، خصوصًا إذا كانت العصابة تلعب دورًا في الموضوع.
أضاف بعد دقيقتين: إنَّ لديكم أجهزةً حديثةً للكشف عن مثل هذه الحالات، وهي طبعًا تسهل لكم مصاعب المغامرة.
صمت لحظة، ثم قال: إنَّ عميلنا في «طوكيو» على اتصال بالشركة هناك لكي يمدَّنا بالمعلومات أولًا بأول. في نفس الوقت أيضًا، عميلنا في «بتسوانا» في انتظار وصولكم إلى «جابرون». ثم سأل بسرعة: هل لديكم أسئلة؟
لم يكن لدى الشَّياطين أي أسئلة؛ فقد تحددت المغامرة أمامهم. ولمَّا لم يسأل أحدهم … قال رقم «صفر»: سوف يقوم بالمغامرة «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» و«باسم» …
سكت لحظة … ثم أضاف: أتمنى لكم التوفيق!
ثم بدأ يغادر المكان، كانت خطواته تتباعد، وكان الشَّياطين يتابعون صوت الخطوات، التي تتلاشى شيئًا فشيئًا، حتى اختفت تمامًا … وبسرعة، بدءوا يُغادِرُون القاعة الصغرى في طريقهم إلى غرفهم … كان «أحمد» أول من غادر القاعة، وما إن وصل إلى حجرته، حتى أرسل رسالة إلى رفاق المجموعة، يقول فيها: سوف نَلتقي بعد ربع ساعة، في مكان انتظار السيارات. وبسرعة، بدأ يعد حقيبته السِّحرية. فكَّر قليلًا، ثم أخذ البوصلة، وعددًا من كرات الدخان، وبعض طلقات الإبر المخدرة، وعددًا من الحبال الدقيقة القوية، وجهازًا للكشف الدقيق، وجهازًا للإرسال والاستقبال.
فكَّر لحظة، ثم قال: إننا سوف نتحرَّك في صحراء مكشوفة تمامًا، وهذا يَستدعي أن نرتدي ثيابًا لها لون الرمال.
وبعد عشر دقائق، كان يغادر الغرفة إلى مكان اللقاء … قال لنفسِه: أرجو أن يكون الشَّياطين قد فكروا في نفس الفكرة.
وعندما كانت خطواته تقترب من مكان انتظار السيارات، ظهرت ابتسامة على وجهه، فقد كان الشَّياطين يرتدون نفس الملابس. بسرعة، قفزوا جميعًا داخل السيارة. وجلس «بو عمير» خلف عجلة القيادة، ثم أدار المحرك، وانطلقت السيارة تغادر المكان، في طريقها إلى بوابات المقر السريِّ، التي انفتحت عندما اقتربت منها السيارة، فتجاوزتها بسرعة إلى الخلاء. في نفس اللحظة، سجَّل الشَّياطين رسالةً شفريةً، عندما قرأها «أحمد»، ابتسم، وقال: مجموعة المقر السري تتمنَّى لنا التوفيق.
ردَّ «أحمد» على رسالتهم برسالة أخرى، يقول فيها: سوف نَذكُركم في كل خطوة … تحياتنا!
وعند الأفق، كانت سيارة الشَّياطين تتحرَّك، في طريقها إلى المغامرة الجديدة …