صراع الطائرات!
ففي الوقت الذي بدأ فيه الدخان ينتشر، تردَّد في الفضاء صوت طائرة … قال «عثمان» بسرعة: إنَّها الطائرة التي تحدثوا عنها!
رفع «أحمد» وجهه إلى السماء، يبحث عن الطائرة، غير أنَّه لم ير شيئًا، وإن كان الصوت لا يزال يتردَّد. قال: إنَّ الطائرة التجريبية هي هدفهم في البداية، وعلينا أن ننضم إلى «باسم» و«بو عمير»، ونطير على الطائرة، إنَّ هذه سوف تكون معركتنا الأخيرة!
قال «عثمان»: و«فالدي» ورجاله؟!
ردَّ «أحمد»: هؤلاء ليسوا على درجة من الأهمية الآن، وسوف نَلتقي بهم في المعركة الأخيرة!
أخرج جهاز الإرسال، وأرسل رسالة إلى «باسم» و«بو عمير»، كان يقول في الرسالة: ما هو الموقف الآن؟
وبسرعة، جاءه الرد: إننا نقف في مكان يسيطر تمامًا على الطائرة، وهناك بعض الرجال داخلها!
أرسل لهما يسأل: أين تقفون … إننا سوف ننضم إليكما!
جاءه الرد: نقف في النقطة «ط» …
همس «أحمد» متحدثًا إلى «عثمان»: لا بأس، ينبغي أن ننضم إليهما سريعًا!
وتوالت قفزاتهما بين الصخور، إلى أسفل الجبل، في اتجاه النقطة «ط»، التي حددها «بو عمير». لكن عندما وصلا إلى السهل، أصبح أمامهما مكانٌ مكشوفٌ. فكَّر «أحمد»: هل يصنع ساترًا من الدخان يُعطيهما الفرصة لقطع المسافة الصحراوية المكشوفة!
عرض فكرتَه على «عثمان»، الذي قال: هذه هي الطريقة الوحيدة!
فكَّر «أحمد»: إنَّ الغروب يَقترب، ويمكن أن ينتظرا قليلًا، ثم يتقدما تحت ستار الظلام.
لكن، صوت الطائرة كان قد اقترب تمامًا، ثم ظهرت تدور حول المكان … وقد انعكست عليها أشعة الشمس الغاربة … كان الجو قد بدأ يميل إلى البرودة، بطبيعة المناخ الصحراوي …
همس «عثمان»: إنَّ تقدمنا الآن ضروري، ما دامت الطائرة قد وصلت، وهذا السهل الواسع يعطيها فرصة الهبوط دون خوف. في نفس الوقت ينبغي أن نصل إلى النقطة «ط» … حتى تكون سيطرتنا كاملة على الطائرة التجريبية.
فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: هذا صحيح».
وبسرعة، أخرج عدة كرات من الدخان، ثم ألقى واحدة … وعندما بدأ الدخان يتصاعد منها، أخرج واحدة أخرى، ودحرجها إلى مسافة بعيدة، وعندما بدأ دخانها ينتشر، أسرعا تحت ستار الدخان إلى حيث الكرة الثانية. وعندما وصلا إليها، ألقى ثالثة على مسافة أبعد … وعندما تصاعد دخانها انتقلا إليها … غير أنَّ الطائرة اتجهت إلى حيث يتصاعد الدخان، ثم أخذت تقترب … نظر «أحمد» في اتجاهها، وهمس: لقد كانت تقديراتنا خاطئة، فقد جذب الدخان الطائرة!
ظلَّت الطائرة تقترب، ثم فجأة، هبطت بشكل عمودي، في المكان الذي يقفان فيه. لم يكونا يريان الطائرة، لكن اقتراب صوتها كان يعطيهما فرصة الانقضاض عليها.
فجأة، دوَّت سلسلة من الطلقات وسط الدخان، فخرجا منه مسرعين. كانت الطائرة قد ابتعدت، وأصبحت واضحة أمامهما. نظر «أحمد» في اتجاهها. كانت تدور لتعود إليهما … أسرعا جريًا إلى حيث النقطة «ط»، إلا أنَّ الطائرة كانت قد عادت، وأصبحا هدفًا مكشوفًا أمامها …
هبطت الطائرة في شكل انقضاض عليهما … فجأة، فجَّر «أحمد» عدة كرات من الدخان حولهما. وعندما كانت الطائرة قد اقتربت تمامًا، وبدأت تُطلِق نيرانها. قفز الاثنان خارج الدخان. ومن جديد ابتعدت الطائرة. قال «أحمد»: ينبغي أن نصل إلى الطائرة التجريبية، قبل أن تُنهي الطائرة دورتها وتعود إلينا!
أسرعا إلى الطائرة التي لم تكن بعيدة عنهما بمسافة كبيرة. كان «أحمد» قد فكَّر: إنَّ طائرة العصابة لن تطلق نيرانها على الطائرة التجريبية حتى لا تُحطِّمها فتفقد العصابة خطتها ولا تتمكَّن من خطفها.
لم يكن يفصل بينهما وبين الطائرة التجريبية سوى أمتار قليلة. إلا أنَّ طائرة العصابة كانت قد وصلت إليهما، وفي قفزة واحدة، كانا منبطحين أسفل الطائرة، فلم تستطع طائرة العصابة إطلاق نيرانها. لكن طلقات أخرى كانت تخرج من الطائرة التجريبية، حتى كادت تصيب عثمان، إلا أنَّه كان حذرًا، فجاءت في طرف حذائه. في نفس الوقت، أسرع «أحمد» بإلقاء قنابل الدخان على الطائرة التجريبية. وكانت هذه إشارة لينضمَّ «بو عمير» و«باسم» إليهما، حيث يختبئان في مكان قريب، وهو النقطة «ط».
وعندما تصاعد الدخان، لفَّ الطائرة كلها. في نفس الوقت، شاهد «أحمد» و«عثمان» طائرة العصابة، وهي تهبط في نهاية السهل الواسع. قال في نفسه: إنَّهم سيبدءون الهجوم، وعلينا أن نسيطر على الطائرة التجريبية، ونكون بداخلها.
لم يكد ينتهي من تفكيره، حتى كان «باسم» و«بو عمير» يغوصان في الدخان، مقتربين من «أحمد» و«عثمان». قال «بو عمير» عندما واجه «أحمد»: ينبغي أن يصعد اثنان منا إلى الطائرة!
قال «أحمد»: إنَّهم يَرفعون السلَّم.
فكَّر «بو عمير» لحظة، ثم قال: سوف نضع السلم بأنفسنا!
وبسرعة، أخرج حبلًا من حقيبته السحرية، وثبت خطافًا في نهايته، ثم ثبته وقذف به، فتعلَّق في مقدمة الطائرة، نظر إلى «أحمد»، ثم قال: سوف أتسلَّق الحبل!
إلا أنَّ «أحمد» أسرع إلى الحبل، وتعلق به. في نفس الوقت، كان «بو عمير» يرفعه، حتى أصبح يقف على كتفيه، وعندما أمسك بالمقدمة، قفز قفزة رشيقة، فأصبح فوقها. في نفس الوقت، كان «باسم» يرفع «بو عمير»، الذي تسلق بالحبل، حتى أصبح قريبًا من «أحمد». وبحركة سريعة كان يقف بجواره.
نظر «أحمد» في زجاج الطائرة الأمامي، فرأى اثنين يقفان عند باب الطائرة. فكَّر: هل يكسر الزجاج، ويدخل؟ …
لكنَّه تراجع؛ فكيف يمكن أن تطير بعد ذلك؟
أشار إلى «بو عمير»، فشبَّك أصابعه في بعضها. ووقف «أحمد» فوق يدي «بو عمير» … كان يرى الآن ظهر الطائرة بوضوح، فكَّر: هل يكون للطائرة باب للطوارئ، يُفتح لأعلى؟
قفز قفزة سريعة، فأصبح فوق سطح الطائرة. وكما فكَّر تمامًا كان هناك بابٌ مُغلقٌ. نظر إلى «بو عمير»، ثم أشار له إشارات فهمها … أسرع «بو عمير» وجذب الحبل، ثم ألقى به إلى «أحمد»، الذي أمسك به، فتعلَّق به «بو عمير»، ثم أخذ يجذبه بقوة، حتى صعد «بو عمير» هو الآخر … كانا منبطحين فوق السقف، وأمامهما على مسافة بعيدة كانت تقف طائرة العصابة. أخرج «أحمد» من حقيبته السحرية جهازًا دقيقًا، وجَّهه إلى باب الطائرة، ثم ضغط زرًّا فيه، فارتفع باب الطائرة قليلًا … وبسرعة أمسك الباب، ثم أخذ يفتحه بهدوء، حتى انفتح تمامًا.
ألقى نظرة سريعة على الداخل، فلم ير أحدًا. وفي هدوء انزلق نازلًا دون صوت، ثم تبعه «بو عمير» … تقدم إلى حيث يقف الحارسان. وفي لحظة سريعة، انزلق على أرض الطائرة في اتجاههما، حتى اصطدم بهما، فوقعا على الأرض. وقبل أن يفيقا من المفاجأة، كان «بو عمير» قد ضرَب أحدهما ضربة قوية، فلم يتحرَّك بعدها، أمَّا الآخر، فقد رفع يديه مستسلمًا مذعورًا. أسرع «أحمد» يُنْزِل سلم الطائرة، من مُنتصفِها تمامًا. وفي دقيقة، كان «عثمان» و«باسم» قد صعدا. قال «أحمد» بسرعة، وهو يرفع سلم الطائرة: إنَّ فرصتنا أن نُدير المحرك!
ردَّ «عثمان»: هل نسيت أنَّ غباء أحدِهم قد أفسد الجهاز!
قال «أحمد»: إذن، عليكم بالحراسة، وسوف أحاول!
أسرع إلى كابينة القيادة، ثم وقف فجأة. ظهرت الدهشة على وجهه، لقد كان كابتن الطائرة، ومساعده مربوطَين بالحبال. أسرع ليفكَّ وثاقهما، فقال الكابتن: لقد أخذوا بعض المعاونين، وبينَهم أحد الباحثين الذين اشتركوا في اختراع جهاز الطائرة الجديد!
قال «أحمد»: ألا تستطيع إدارة المحرك الآن؟
ردَّ الكابتن: إنَّ معي إرشادات لذلك، من حسن الحظ أنَّ أحدًا منهم لم يفكر في تفتيشي!
وبسرعة، أخرج الكابتن مفكِّرة صغيرة، ثم أخذ يقرؤها … فجأة صاح «بو عمير»: إنَّ الهجوم قد بدأ، إنَّهم يقتربون بالسيارة الجيب!
أسرع إليه «أحمد»، ومن إحدى نوافذ الطائرة، شاهد السيارة الجيب وهي تقترب. فجأة، جاء صوت مرتفع يقول: إذا لم تستسلمُوا فسوف نُفَجِّر الطائرة!
كان الغروب قد بدأ يحيط المكان، وإن كان ضوء النهار لم ينته بعد. فجأة، سمع «أحمد» صوت محرك الطائرة وهو يدور، ثم أخذ صوتُه يعلو. فجأة، مرة أخرى، تحركت الطائرة، ثم بدأت سرعتها تزداد. وبعد مسافة قليلة، ارتفعت في الجو. أسرع «أحمد» إلى قائد الطائرة، ليقول له: أعطني مكانك، إننا لن نترك الرهائن معهم!
نظر له القائد لحظة، ثم تساءل: ماذا ستفعل؟
قال «أحمد»: أعطني مكانك، إنَّ أمامنا أكثر من مهمة، فلا تُفسد مغامراتنا!
نظر له القائد، وهو لا يفهم ماذا يقصد، فأخذ «أحمد» مكانه. وبعد أن كانت الطائرة قد ابتعدت، عادت مرة أخرى، لكنَّه هذه المرة، أخذ اتجاه العصابة، ثم استدعى «بو عمير»، واتفق معه على خطة سريعة.
عاد «بو عمير» إلى حيث مكان سلَّم الطائرة. وعندما اقترب «أحمد» من طائرة العصابة، وأصبح فوقها تمامًا، ألقى «بو عمير» بقنبلة حارقة فوقها، وما هي إلا لحظات، حتى أضيء المكان بضوء كأنَّه النهار، فقد اشتعلت الطائرة. ولم تمضِ دقائق … حتى دوَّى في المكان صوتُ انفجار رهيبٌ، فقد انفجرت طائرة العصابة.
كان قائد الطائرة ينظر إلى «أحمد» في إعجاب. التفت «أحمد» إليه، وسأل: هل المعاونون والباحث على درجة عالية من الذكاء والفهم!
تردَّد القائد لحظة، ثم قال: بالتأكيد!
ابتسم «أحمد»، وقال: إذن عليهم أن يفهموا إشاراتي!
اتجه «أحمد» بالطائرة، إلى حيث تقف السيارة الجيب. ويبدو أنَّ من فيها قد أصابتهم الدهشة، فلم يفعلوا شيئًا.
أضاء «أحمد» كشافات الطائرة، ثم تحدَّث في مكبر الصوت، عندما اقتربت الطائرة من السيارة تمامًا، قال: استسلموا قبل أن أفجِّر السيارة هي الأخرى!
وفي ضوء الطائرة المشتعلة، شاهد الجميع ينزلون من السيارة، فقال للكابتن: أين المعاونون والباحث!
وصف الكابتن شكل المعاونين والباحث … نظر لهم الجميع، وهم يقفون في الضوء، ثم قال «أحمد» في مكبر الصوت: طاقم الطائرة يلزم اليمين!
وبسرعة، انفصل أربعة عن المجموعة. أعطى «أحمد» إشارات خضراء متتابعة … فاتجهوا إلى حيث كانت الطائرة تقترب من الأرض، حتى توقفت. فأسرعوا إليها … أنزل «أحمد» السلم إليهم، فصعدوا، ثم رفع السلم مرة أخرى.
وقال ﻟ «بو عمير»: فجِّر السيارة هي الأخرى!
ارتفع بالطائرة، ثم اتجه إلى السيارة، فألقى «بو عمير» قنبلة حارقة عليها. ولم تمضِ لحظة، حتى دوَّى انفجار وازداد الضوء في المكان، فقد انفجرت السيارة.
وقال «أحمد» في مكبر الصوت: أتمنى لكم قضاء ليلة سعيدة في هذا الليل الهادئ!
ثم ارتفع بالطائرة، في طريق العودة إلى «جابرون». بينما كان القائد يقول: أرجو أن أنال بعض الدروس على يديك!
ترك «أحمد» مكان القيادة، وانضمَّ للشياطين، الذين كانوا يتناولون الشاي، فقد انتهت المغامرة.
قال «عثمان»: هل نترك الموتوسيكلات؟
ضحك «أحمد»، وقال: هذه رحلة الغد، احتفالًا بالمغامرة.
ومن بعيد لمعت أضواء مطار «جابرون»، حيث يقضون الليلة في فندق «بلازا»، الذي نزلوا فيه.