مقدمة
ذات يوم حضرت حفل توقيع كتاب لسيدة إيرانية مسنة كتبت مذكراتها. وقد تحدثت لمدة ساعة عن حياتها الحافلة بالأحداث. ومع أنها لم تتطرق إلى السياسة فإنها ذكرت بصورة عابرة أن عائلتها ترتبط بصلة قرابة مع عائلة محمد مصدق الذي كان رئيس وزراء لإيران لمدة ستة وعشرين شهرًا في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وأطيح به في انقلاب نظمته المخابرات المركزية الأمريكية.
وبعد أن انتهت من حديثها لم أستطع أن أقاوم فضولي. فاندفعت قائلًا: «لقد ذكرت مصدق. ما الذي تتذكرينه عن الانقلاب الذي أطاح به، هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن ذلك الأمر؟» وعلى الفور تأثرت السيدة واضطربت.
وصاحت: «لماذا فعلتم تلك الفعلة الشنعاء أيها الأمريكيون؟ لطالما أحببنا بلادكم. وكانت الولايات المتحدة في نظرنا هي الدولة العظمى، الدولة المثالية، الدولة التي قدمت لنا يد المساعدة في الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى تستغلنا. ولكن بعد ذلك الحدث لم يثق أي إيراني بالولايات المتحدة مرة أخرى. وأؤكد لك أنكم لو لم تفعلوا ذلك، لما حدثت مشكلة الرهائن الذين احتُجزوا في سفارتكم في طهران. لقد بدأت كل مشكلاتكم عام ١٩٥٣. لماذا فعلتم ذلك؟»
عكس ذلك الانفجار وجود فجوة كبيرة في المعرفة والإدراك تفصل بين معظم الإيرانيين وغير الإيرانيين. ففي إيران يعلم الجميع تقريبًا منذ عقود أن الولايات المتحدة مسئولة عن إنهاء الحكم الديمقراطي عام ١٩٥٣ وتنصيب الدكتاتور محمد رضا شاه الذي استمر حكمه فترة طويلة. وقد أدى ذلك الحكم الدكتاتوري إلى نشوب الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ التي أتت إلى السلطة بدولة ثيوقراطية معادية لأمريكا اعتنقت الإرهاب بوصفه إحدى أدوات الحكم. وقد ألهم تطرف تلك الدولة المتعصبين ضد الغرب في دول عديدة، خاصة أفغانستان حيث وجدت القاعدة وجماعات إرهابية أخرى موطنًا لها.
وتعد تلك الأحداث تحذيرًا صارخًا للولايات المتحدة ولأي دولة تحاول فرض إرادتها على دولة أخرى. وغالبًا ما تتصرف الحكومات التي تدعم الانقلابات أو الثورات أو الغزو المسلح من منطلق أنها سوف تكسب في نهاية الأمر، وغالبًا ما تفعل. ولكن أشباح تلك الانتصارات قد تعاودها، وأحيانًا تكون مدمرة ومأساوية. وينطبق ذلك الأمر بوجه خاص على الشرق الأوسط الحالي ذي الأوضاع المعقدة والمتقلبة، حيث تساهم التقاليد والتاريخ والدين في تشكيل الحياة السياسية بطرق لا يفهمها العديد من الأجانب.
لقد صدم معظم الناس في الولايات المتحدة بالموجة العنيفة من العداء لأمريكا في أعقاب عام ١٩٧٩. فلم يكن لدى الأمريكيين فكرة عن سبب تفجُّر مشاعر الكراهية العميقة تجاههم في دولة كانوا يتخيلون أن شعبها يكنُّ لهم مشاعر الود. ذلك لأنه لم يكن أحد في الولايات المتحدة يعلم ما الذي فعلته المخابرات المركزية الأمريكية عام ١٩٥٣.
كان محمد مصدق رجلًا عظيمًا في زمانه. فقد تسبب في هز إمبراطورية وتغيير العالم. وكان اسمه معروفًا للناس في كل أنحاء العالم. وحاول قادة العالم التأثير عليه ولاحقًا خلعه. ولذلك لم يفاجأ أحد عندما اختارته مجلة «تايم» من بين هاري ترومان ودوايت أيزنهاور ووينستون تشرشل كي يحصل على لقب رجل العام عام ١٩٥١.
لقد كانت عملية أياكس — وهو الاسم الكودي الذي أطلقته المخابرات الأمريكية على الانقلاب ضد مصدق — صدمة كبيرة لإيران والشرق الأوسط والعالم الاستعماري. فقد كانت تلك أول مرة تساهم فيها المخابرات المركزية الأمريكية في الإطاحة بحكومة أجنبية. وقد وضعت نموذجًا يحتذى به للأعوام القادمة، وغيرت الطريقة التي ينظر بها ملايين الناس إلى الولايات المتحدة.
إن هذا الكتاب يقص علينا قصة توضح الكثير عن مصادر التيارات العنيفة التي تجتاح العالم الآن. وهو ليس قصة مغامرة رائعة فقط، بل هو رسالة تحذيرية من الماضي ودرس عملي للمستقبل.