الشياطين … يصلون إلى احتمال!
عندما غادرت الطائرة مطار «روما» في طريقها إلى «كولومبيا»، كان الشياطين في حالة استرخاء كاملة؛ فقد كانت مغامرة «حرب المخدرات» قد أجهدتهم تمامًا. لقد غادر الشياطين؛ «أحمد» و«خالد» و«فهد» و«بو عمير» و«مصباح»، المقر السري، في طريقهم إلى «كولومبيا»، بعد أن شرح لهم رقم «صفر» مهمتهم، وهي البحث عن زعيم المافيا «بوجوتي»، بعد أن اشتعلت حرب «المخدرات» في «كولومبيا»، ثم اختفى «بوجوتي» فجأة، وهو من أكبر زعماء مافيا المخدرات، وكان على طائرة الشياطين أن تتجه مباشرةً إلى «أمريكا اللاتينية»، حيث تقع جمهورية «كولومبيا».
لكن فجأة، والطائرة في الفضاء، ظهر بين الركاب خمسةٌ من إحدى عصابات المافيا، وفجأةً أيضًا أعلنوا أنهم يخطِفون الطائرة، وأمروا قائدها أن يتجه بها إلى «روما»، كانت مفاجأةً أذهلت الشياطين، لكنهم في نفس الوقت كانوا يُدبِّرون خطةً لإنقاذ الطائرة ورُكَّابها، والقبض على أعضاء المافيا.
دارت معركة رهيبة، وكان عليهم أن يدخلوها، وفي نفس الوقت عليهم أن يتصرفوا بحذر لأن الطائرة تحمل عددًا كبيرًا من الركاب، وأي خطأ بسيط يمكن أن يكون قاتلًا. كان أعضاء المافيا مُوزَّعين؛ واحد في كابينة القيادة ليعطي أوامره لطاقم الطائرة، والثاني والثالث في مقدمة الطائرة، والرابع والخامس عند المؤخرة، ورغم ذلك استطاع الشياطين أن يُسيطروا على الموقف، وأن يقبضوا على أفراد العصابة. وكان من الضروري أن تهبط الطائرة في مطار «روما» لتسليم أفراد العصابة إلى السلطات الإيطالية، لكنهم ما كادوا يصلون إلى المطار حتى عرفوا أن هناك طائرةً أخرى مخطوفة، وأنها تقف في جانبٍ من المطار، حيث أُعلنت حالة الطوارئ القصوى؛ فقد أعلن المختطفون للطائرة الأخرى أنهم سوف يفجِّرونها ما لم تحقِّق السلطات الإيطالية رغبتهم في الاتصال بالسلطات «الكولومبية» لإطلاق سراح زعيمهم. إنها حرب رهيبة، هكذا عرف الشياطين؛ فالعصابات قد انتشرت في كل مكان، وأصبح وجودها لا يهدِّد دولةً واحدة فقط، إنه يهدِّد دول العالم كله.
وبسرعة أجرى «أحمد» اتصالًا برقم «صفر» يشرح له ما حدث، ثم جاءته الأوامر أن يتصل بسلطات المطار حتى يُنسِّق عمل الشياطين معهم. واستطاع الشياطين بخدعة أن يصلوا إلى الطائرة الأخرى، وأن يدخلوا في معركة رهيبة، كانت نتيجتها القضاء على أفراد العصابة الثانية، وقام الشياطين بتسليم من قبضوا عليهم إلى السلطات الإيطالية، ثم تزوَّدت طائرتهم بالوقود، وأخذت طريقها إلى «بوجوتا» عاصمة «كولومبيا»؛ لتحقيق المغامرة التي خرجوا من أجلها. لقد كانت مغامرة «حرب المخدرات» هي التي اعترضت طريقهم، وفرضت نفسها عليهم، أمَّا الآن فإنهم في الطريق إلى مغامرتهم الأصلية. لقد احتاجت المغامرة الأولى جهدًا ضخمًا، وهذا ما جعلهم في حالة الاسترخاء الآن.
نظر «أحمد» إلى «فهد» الجالس بجواره، وهمس: لقد كانت مغامرةً قاسية.
ردَّ «فهد» مبتسمًا: إنها لم تكن مغامرةً واحدة، لقد كانت مغامرتَين معًا.
تنهَّد «أحمد»: إن ما كان يُفزعني هو خوفي على رُكاب الطائرة ونحن في الفضاء.
صمت لحظةً ثم أضاف: لا أدري ماذا حدث في العالم، كأن كل شيء قد أصابه الجنون.
قال «فهد»: إنهم تُجار المخدرات الذين لا يُهمهم إلا تحقيق المكاسب الضخمة، حتى ولو كان ذلك على حساب الناس.
أضاف «أحمد» مبتسمًا: إنهم بشر أشرار، لكن من نوع رديء.
فابتسم «فهد» وسأل: إن اختفاء «بوجوتي» فجأةً مسألة حيَّرتني.
قال «أحمد»: ولماذا الحيرة؟ إنها مسألة طبيعية أن يختفي.
قال «فهد»: كيف اختفى وهم قد حاصَروا القصر الذي يسكنه؟! ولا بد أنك قرأت التقرير.
مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: إنني أحفظه عن ظهر قلب، وقد شغلتني طريقة اختفائه، وليس اختفاؤه نفسه، وتوصَّلت إلى عدة احتمالات.
اعتدل «فهد» في مقعده، ونظر إلى «أحمد» ينتظر أن يكمل حديثه.
قال «أحمد»: وهناك أضعف الاحتمالات، وهو أن يكون «بوجوتي» قد تنكَّر في زي رجال الشرطة «الكولومبية»، وفي هذه الحالة يمكن أن يهرب.
قال «فهد»: أظن أنه احتمال ضعيف.
ردَّ «أحمد»: حتى ولو كان ضعيفًا، إلا أنه احتمال قائم.
سأل «فهد»: وبقية الاحتمالات؟
أجاب «أحمد»: أن يكون من بين رجال الشرطة أنفسهم من يتعامل مع عصابة «بوجوتي»، ولقد قرأت أشياء مشابهةً لهذه الحالة.
قال «فهد» في حِدة: هذه كارثة! أن يكون رجال الشرطة أنفسهم في خدمة العصابات!
ردَّ «أحمد»: في الخارج يحدث ذلك كثيرًا، إمَّا بالتهديد، أو بالمال. والتقرير الذي معنا فيه مسائل مخيفة؛ فقد قتلت عصابات المخدرات عددًا كبيرًا من كبار رجال الشرطة.
صمت لحظةً ثم أضاف: على كلٍّ هو مجرَّد احتمال.
ثم أضاف: الاحتمال الثالث أن يكون «بوجوتي» هو أحد رجال الشرطة.
ظهرت الدهشة على وجه «فهد»، فقال «أحمد» مبتسمًا: لا تُدهش. إن عالَم العصابات رهيب فعلًا.
مرَّت لحظة ثم قال: يبقى الاحتمال الأخير وهو أن يكون «بوجوتي» قد أعدَّ نفقًا سريًّا في مكان ما لاستخدامه عند الضرورة كما حدث.
استغرق «فهد» في التفكير لحظةً ثم قال: هذا احتمال قوي.
أضاف «أحمد»: في هذه الحالة يكون علينا أن نصل إلى القصر، وأن ندخله، وأن نبحث فيه جيدًا؛ للوصول إلى الباب السري للنفق.
قال «فهد» شاردًا: هذا صحيح.
أكمل «أحمد»: فإذا كان هذا الاحتمال صحيحًا، فإن المرور في النفق إلى نهايته يمكن أن يحدِّد لنا أين يمكن أن يختفي «بوجوتي»، أو إلى أين يمكن أن يتجه.
ردَّ «فهد»: هذا صحيح أيضًا.
ابتسم «أحمد» وقال: إن إحساسي يقول إن هذا هو الاحتمال الصحيح.
همس «فهد»: أرجو أن يكون صحيحًا.
استغرق «فهد» في أفكاره. كان «أحمد» يراقبه وهو يُخفي ابتسامة؛ فهو يعرف أن «فهد» لن يترك المسألة تمر عند هذا الحد من حدود المناقشة فقط؛ سوف يُقلِّب الاحتمال من شتَّى جوانبه ليصل معه إلى حالةٍ من الوضوح الكامل. كانت ملامح «فهد» تنفعل فعلًا وتتغيَّر، فقال «أحمد» في نفسه: إن «فهد» سوف يضيف إلى أفكاري أفكارًا جديدة، وهو قادر على ذلك.
فجأةً نظر «فهد» إلى «أحمد» الذي ابتسم وقال: إن هناك احتمالًا مُكملًا لاحتمال وجود نفق سري.
سأل «أحمد»: ما هو؟
قال «فهد»: من الممكن أن يكون «بوجوتي» حتى الآن في مكان ما داخل النفق، ومن يدري؟ قد تكون هناك حياة كاملة داخل النفق أو عند نهايته أو حتى منتصفه.
أبدى «أحمد» إعجابه وهو يقول: احتمال رائع! خصوصًا وأن «بوجوتي» سوف يفكر ألف مرة قبل أن يظهر على سطح الأرض؛ لأنه يعرف أن حكومة «كولومبيا» قد أعلنت الحرب على عصابات المخدرات، بل إنها استعانت بأمريكا حتى تستطيع أن تقضي على هذه القوى الشريرة.
ابتسم «فهد» وقال: أعتقد أنه احتمال جيد، وأعتقد أن مغامرتنا سوف تكون تحت سطح الأرض.
قال «أحمد»: هذه ليست أول مرة نقوم بمغامرة تحت سطح الأرض، لكنها في النهاية سوف تكون مغامرةً جيدة.
مرَّت لحظات ثم قال «فهد»: ينبغي أن يفكر الشياطين معنا؛ فربما أضافوا شيئًا جديدًا.
قال «أحمد»: بل إنهم سوف يضيفون، خصوصًا في مرحلة التنفيذ.
تحرَّك «فهد» من مقعده وهو يقول: إذن، سوف أنقل لهم الاقتراح.
في الوقت الذي تحرَّك فيه «فهد» كان «خالد» يقترب مبتسمًا، فقال «أحمد»: ينبغي أن تنتظر؛ فمن الضروري أن يكون «خالد» قد جاء بشيء هام.
جلس «فهد» مكانه مرةً أخرى، ووصل «خالد» إليهما. نظر إلى «أحمد» مبتسمًا ثم قال: لقد توصَّلنا إلى احتمال.
سأل «أحمد»: ما هو؟
قال «خالد»: أن يكون هناك نفق.
وقبل أن يُكمل كلامه انفجر «أحمد» و«فهد» ضاحكَين. ظهرت الدهشة على وجه «خالد»، لكنه ابتسم بسرعة، وأضاف: لا بد أنكما توصَّلتما إلى نفس الاحتمال.
قال «أحمد» مبتسمًا: نعم … مع مزيد من التفاصيل.
قطع حديثَهم صوتُ مذيع الطائرة يقول: أرجو أن تربطوا الأحزمة؛ فقد اقتربنا من مطار «بوجوتا».
التفَّت أيدي الشياطين الثلاثة تشد على بعضها؛ فقد أثبتوا أنهم يتحركون ويفكرون بإحساس واحد.