ليلة غريبة في فندق الجبل!
عندما كانت الطائرة تهبط في مطار «بوجوتا» كان الليل قد انتصف، وكانت أضواء المطار تلمع وسط ظُلمة الليل. هبط الركاب وخلفهم كان الشياطين ينزلون السلم في هدوء. لفت أنظارهم أن المطار يخضع لحراسة مُشدَّدة، وأن بعض عربات الإسعاف والمطافئ تقف في جانبٍ من المطار.
همس «أحمد»: يبدو أن الحرب في «بوجوتا» ساخنة تمامًا.
وصلوا قاعة الانتظار. اقترب واحد من «أحمد» وهمس بكلمة: صفر.
ابتسم «أحمد» فقد عرف أنه عميل رقم «صفر» أو شخص يمثِّله. كان الرجل قد قال الكلمة واستمرَّ في طريقه. نظر «أحمد» إلى الشياطين ونقل لهم ما حدث. استمروا في طريقهم خلف الرجل حتى خرجوا من المطار. كانت هناك سيارة سوداء تقف أمامهم مباشرة، في نفس الوقت استقلَّ الرجل تاكسيًا وانصرف.
فهِم الشياطين إشارةً أشارها الرجل قبل أن يركب التاكسي، فاتجهوا إلى السيارة السوداء مباشرة. فتح «فهد» الباب الأمامي، فوجد المفاتيح في مكانها. أدار الموتور، بينما كان بقية الشياطين يأخذون أماكنهم، وعندما أغلق «خالد» آخر أبواب السيارة. جاء صوت يقول: مرحبًا بكم في «بوجوتا». إن بوصلة السيارة سوف تقودكم إلى فندق «الجبل» حيث تنزلون الليلة. لاحظوا أن المدينة في حالة طوارئ؛ ولهذا فإن المرور في الشوارع يحتاج إلى تصريح خاص، والتصريح موجود في التابلوه.
أسرع «أحمد» بفتح التابلوه، فوجد بطاقةً خضراء مكتوب عليها «مرور». كان الصوت قد سكت، وكأنه ينتظر وصولهم للبطاقة.
مرةً أخرى جاء الصوت يقول: إن الموجة التي سنتحدث عليها هي الموجة القصيرة «ن»، وهي موجة لا يمكن التقاطها؛ فالموقف في المدينة صعب جدًّا، والعصابات تسجِّل كل شيء.
صمت مرةً أخرى ثم قال: سوف نتحدث غدًا بعد أن تكونوا قد نِلتم قسطًا من الراحة.
انتظر لحظة ثم أضاف: أتمنى لكم نومًا هادئًا وسط مدينتنا التي أصبحت مزعجةً تمامًا.
ثم اختفى الصوت. قال «أحمد»: إنها حقًّا مدينة مزعجة.
فجأةً لمع ضوء قوي أمامهم جعلهم يُغمضون أعينهم ويضعون أيديهم فوقها. قال «خالد» وهو مغمض العينَين: يبدو أنها نقطة تفتيش، وينبغي تقديم البطاقة الخضراء بسرعة.
توقَّفت السيارة فعلًا عند نقطة تفتيش. كان الضوء قد اختفى. أبرز «أحمد» البطاقة الخضراء، فرفع الشرطي يده بالتحية في عسكرية لفتت أنظارهم وهو يقول: معذرة؛ فالمرور في الليل ممنوع.
رفع «أحمد» يده بالتحية، واستمرت السيارة في طريقها، عندما ابتعدوا قليلًا انفجر «بو عمير» في الضحك وهو يقول: عندما رفع يده بالتحية تصوَّرت أنه سوف يرمي علينا قنبلةً يدوية.
وضحكوا جميعًا. وقال «مصباح»: أتصوَّر أن هذه البطاقة الخضراء لها معنًى خاص، وإلا ما كانت هذه التحية الحارة.
أضاف «فهد»: لهذا يجب أن نعرف حتى لا نقع في مشكلة.
رفع «أحمد» سماعة التليفون في تابلوه السيارة، فجاءه صوت عميل رقم «صفر» مباشرة: مرحبًا. أظن أن شيئًا ما قد حدث.
ردَّ «أحمد»: ما معنى البطاقة الخضراء؟
ضحك العميل ضحكةً صغيرة جعلت «أحمد» يبتسم، وقال العميل: البطاقة الخضراء لا يحملها سوى الديبلوماسيين فقط.
ثم أضاف: سوف يَلقَونكم دائمًا بالتحية، فأرجو ألَّا تنزعجوا.
وانتهت المكالمة. نظر «أحمد» إلى المدينة التي تبدو وكأنها مدينة أشباح، وقال: الإضاءة هنا خافتة جدًّا، بل تكاد تكون منعدمة.
أضاف «خالد»: وسط هذه الحرب الساخنة مع مافيا المخدرات، لا بد أن تلجأ السلطات إلى ذلك.
فجأة، تردَّد صوت عدد من طلقات الرصاص. نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «بو عمير»: أظن أنها مسألة طبيعية وسط هذا الجو الغريب.
استمرت سيارة الشياطين في طريقها، ولمعت من بعيد بعض الأضواء، فعلَّق «خالد»: لا بد أنها نقطة تفتيش أخرى، ومن المؤكد أننا سوف نلقاها كثيرًا في الطريق إلى المدينة.
لمع ضوء قوي غطَّى السيارة كلها، فعرف الشياطين أنها نقطة تفتيش عندما وصلت إليها. السيارة توقفت، وأخرج «أحمد» الكارت الأخضر، فرفع الجندي يده بالتحية، ومن جديد، استمرت السيارة في طريقها. كان مطار «بوجوتا» يبعد عن المدينة حوالي خمسين كيلومترًا، ولمَّا كانت نقط التفتيش كثيرة، فقد كان من الضروري أن يسير «فهد» ببطء؛ ولذلك استغرقت المسافة بعض الوقت. أخيرًا … ظهرت المدينة. كانت هادئةً تمامًا، وكانت الإضاءة فيها خافتة، ولم يكن أحد يمشي في الشوارع.
قال «بو عمير»: أظن أن السبب هو تأخر الوقت؛ فنحن نقترب من الواحدة صباحًا.
ردَّ «أحمد»: هذه وجهة نظر صحيحة؛ فإذا أضفنا إليها حالة الطوارئ التي تعيشها المدينة، فإن الأمور تكون طبيعية.
اقتربت السيارة من نقطة تفتيش أخرى تقف في منتصف الطريق الذي يؤدي إلى فندق «الجبل». أخرج «أحمد» الكارت الأخضر، فارتفعت يد الجندي بالتحية. ابتسم «أحمد» وهو يرد التحية، ثم استمرت السيارة في طريقها إلى حيث ظهرت لافتة مُضاءة عليها «فندق الجبل».
اتجه «فهد» إلى الفندق، ثم أخذ طريقه إلى ساحة الانتظار. فجأة، ظهر في قلب الليل شرطي وقال: هل أنتم نزلاء في الفندق؟
فتح «أحمد» الباب وهو يمسك البطاقة الخضراء في يده، وقال: لقد وصلنا توَّنا من المطار.
ثم قدَّم له البطاقة الخضراء. وفي نشاط أدى الشرطي التحية العسكرية، فابتسم «أحمد» وهو يردُّها. انضم الشياطين إليه وأخذوا طريقهم إلى داخل الفندق. كانت الصالة الواسعة خاليةً تمامًا، ولم يكن يقف فيها سوى موظف الاستقبال. اتجه إليه «بو عمير»، بينما وقف الشياطين يراقبون المكان.
غاب «بو عمير» فتساءل «فهد»: يبدو أن هناك مشكلة!
ردَّ «أحمد»: لا أظن. ومن الضروري أن تكون هناك إجراءات أكثر شدةً وسط هذا الجو المخيف.
عاد «بو عمير» بعد قليل، وقال: إن الإجراءات صعبة هنا.
ثم أخذوا طريقهم إلى الدور الرابع، حيث تقع غرفهم جميعًا. عندما وضع «أحمد» مفتاحه في الباب وقال: الليلة سوف ننام نومًا طويلًا؛ فغدًا لا نعرف متى يمكن أن ننام مرةً أخرى.
ابتسم الشياطين وهم يتمنَّون أن يناموا نومًا هادئًا.
أغلق «أحمد» باب غرفته فوجد عدة تعليمات معلقةً خلف الباب. كانت التعليمات تقول: لا تفتح الباب لأي طارق. أغلق الباب بالمفتاح. إذا طلبك أحد بالتليفون يجب الاتصال بأمن الفندق. إذا حضر أحد موظفي الفندق أو عُمَّاله، فاطلب بطاقته التي تدل عليه. إذا حدث شيء فاضغط الزر الموجود عند طرف السرير.
قرأ «أحمد» التعليمات، ثم قال لنفسه في دهشة: إنها تعليمات تُثير الرعب.
فكَّر لحظةً ثم قال في نفسه: يجب أن يعرف الشياطين؛ فربما لم تلفت اللافتة نظر أحد منهم، وإذا كانت هذه تعليمات الفندق، فهذا يعني أن النزلاء مُعرَّضون للمفاجآت.
أسرع إلى التليفون وتحدَّث إلى «خالد»: هل قرأت التعليمات خلف الباب؟
ردَّ «خالد»: نعم، والشياطين أيضًا فعلوا ذلك.
قال «أحمد»: يبدو أن الحياة ليست آمنةً في «بوجوتا»، ما دامت فنادق الدرجة الأولى لها هذه التعليمات.
جاء صوت «خالد» يقول: يبدو هذا، وأرجو ألَّا يزعجني شيء؛ فأنا في حاجة إلى النوم فعلًا.
تبادلا التحية، وأغلق كلٌّ منهما تليفونه. أسرع «أحمد» إلى الحمام وأخذ دشًّا ساخنًا، ثم أسرع إلى السرير وألقى نفسه عليه. كان يشعر بالإجهاد، ومع ذلك لم يستطع النوم. كان عقله نشطًا جدًّا. قال في نفسه: إن فرصة النوم الليلة هي الفرصة الأخيرة قبل أن نبدأ المغامرة.
أخذ يؤدي بعض التمارين النفسية حتى غرق في النوم، لكن لم يمضِ وقت طويل، حتى أيقظه صوت طرقات على الباب. قفز من السرير إلى الباب مباشرةً حتى وقف خلفه، وسأل: من يطرق الباب؟
لكن أحدًا لم يرد. انتظر لحظةً فلم يسمع صوتًا. فكَّر قليلًا: تُرى من يكون؟! وهل يمكن أن يتعرض الشياطين للهجوم؟
فجأة، رنَّ جرس التليفون. قال في نفسه: هل هو أحد الشياطين؟ وهل تكون دقات الباب قد تكرَّرت مع أحد غيره؟ كان جرس التليفون لا يزال يرن. أسرع إليه ورفع السماعة، سأل: من يتحدث؟
لكن أحدًا لم يجِبه. وضع السماعة فرَنَّ الجرس مرةً أخرى. انتظر لحظةً ورنين التليفون يتردد. رفع السماعة فجأةً لكنه لم يسمع صوتًا. وضع السماعة وانتظر. كان يشعر أن شيئًا ما سوف يحدث. ظلَّ واقفًا في منتصف المسافة بين التليفون والباب. فكَّر: هل يحدث هذا مع الشياطين؟ وهل يتحدث إلى أحد منهم؟ لكنه لم يفعل. قال في نفسه: لو أن شيئًا قد حدث مع أي منهم فمن المؤكد أنه قد اتصل بي، وما دام أحد لم يتصل، فإنه وحده هو المقصود!
ظلَّ في مكانه يفكر، لكنه لم يصل إلى حل.
فجأةً ترددت طرقات على الباب. تقدم إليه في هدوء حتى وقف خلفه. كان يفكر: ماذا يفعل الآن؟ فتح الباب فجأة، ووجد نفسه وجهًا لوجه مع ملامح لم يرَها من قبل.