هجوم … بعد منتصف الليل!
كان وجه الرجل يبدو شاحبًا ومضطربًا. ظلَّ «أحمد» ينظر إليه في انتظار أن يقول شيئًا بعد دقائق، قال: سيدي …
ثم سقط على الأرض. أسرع «أحمد» إليه وانحنى فوقه. فجأةً شعر بشيء ثقيل يهبط عليه. دارت الدنيا حوله للحظات سريعة قبل أن يستردَّ وعيه، لكنه ترك نفسه يسقط على الأرض، في نفس الوقت كان يرى من بين أطراف عينَيه ذلك الرجل المضطرب وقد وقف كأنه عملاق، وبجواره كان يقف رجل آخر. تبادلا كلمات هامسةً لم يسمعها، لكنه كان قد اتخذ قراره. كان الاثنان يقفان عند قدمَيه في حركة سريعة ضربهما معًا، ثم قام واقفًا قبل أن يفيقا من المفاجأة. كان قد طار في الهواء وضرب أقربهما إليه ضربةً قوية جعلته يتراجع بشدة ثم يصطدم بالحائط، في نفس الوقت، كان الآخر يحاول الفرار إلا أن «أحمد» استطاع أن يلحق به في قفزات سريعة. وقف الرجل فجأةً ثم دار حول نفسه وهو يوجه ﻟ «أحمد» ضربةً مفاجئة، إلا أن «أحمد» كان يقظًا، فتلقاه بيده وأمسك بقدمَيه معًا، فطار الرجل في الهواء، ثم وقع بلا حراك.
نظر «أحمد» بسرعة إلى الرجل الآخر فلم يجده. فكَّر قليلًا، ثم سحب الرجل حتى غرفته، واتصل بأمن الفندق … في دقائق كان رجال الأمن أمامه. قال له ضابط الأمن: كان يجب أن تتبع التعليمات ولا تفتح الباب.
ردَّ «أحمد»: كيف؟ لقد طرق الباب أكثر من مرة!
قال الضابط: في هذا الوقت المتأخر من الليل كان ينبغي أن تشك في طرقات الباب.
هزَّ «أحمد» رأسه، ثم قال: كان هناك اتصال تليفوني أيضًا.
سأل الضابط: هل تحدَّث إليك أحد.
قال «أحمد»: لم أسمع صوتًا. كان رنين الجرس فقط هو الذي يتردد، وكلما رفعت السماعة لا أسمع صوت أحد.
مرَّت لحظة قبل أن يقول الضابط: سوف نعرف ونخبرك.
ثم أمر رجاله بحمل الرجل وانصرفوا، لكن بعد خطوة توقف الضابط وقال يخاطب «أحمد»: أرجو ألَّا تفتح الباب قبل الاتصال بنا؛ فنحن نعيش أيامًا قاسية.
شكره «أحمد» ثم دخل غرفته. كان السؤال الذي يتردَّد في خاطره: ماذا كانا يريدان مني؟ ألقى نفسه على السرير، ثم أخذ يستعيد ما حدث حتى وصول الضابط. فجأةً قفز جالسًا. لقد تذكر أن ملامح أحد رجال الأمن تكاد تكون هي ملامح الرجل الذي هرب. قال في نفسه: هل يمكن أن يكون رجال الأمن من بين أفراد العصابات؟!
أجاب بينه وبين نفسه: في عالم العصابات كل شيء ممكن.
تمدَّد مرةً أخرى في فراشه. فجأةً رنَّ جرس التليفون. انتظر وهو يقول لنفسه: هل تتكرر الحكاية مرةً أخرى؟
ظلَّ رنين جرس التليفون يتردَّد. قفز من السرير واتجه إليه. رفع السماعة فجاء صوت «خالد» يقول: يبدو أن شيئًا ما قد حدث.
سأل «أحمد»: أين؟
قال «خالد»: لقد سمعت ضجةً منذ قليل، وكنت بين اليقظة والنوم.
ابتسم «أحمد» وهو يرد: كان ينبغي أن تُسرع لتعرف.
قال «خالد»: إن تعليمات أمن الفندق تقول غير ذلك، وينبغي اتباعها؛ فالأمن يعرف بالتأكيد ما يدور.
ابتسم «أحمد» مرةً أخرى وقال: هذا صحيح، لكن أحدنا لم يُنفِّذ تعليمات رجال الأمن.
جاء صوت «خالد» مندهشًا: ماذا تعني؟!
ضحك «أحمد»، فقال «خالد»: لعلك أنت. وماذا حدث؟ حكى «أحمد» ما حدث له، فقال «خالد»: نحن فعلًا في مدينةٍ تسيطر عليها العصابات!
تنهَّد «أحمد» وقال: يبدو مع الأسف أنها حقيقة.
انتظر لحظةً ثم أضاف: ينبغي أن نُكمل نومنا؛ فالغد مشحون، وهذه المقدمات تقول إننا سوف نُفاجأ بأشياء لم تكن في حسابنا.
تمنَّى له «خالد» نومًا هادئًا. عاد «أحمد» إلى فراشه، وخلال دقائق كان قد استغرق في النوم؛ فقد كان يشعر بإجهادٍ شديد.
في السابعة صباحًا أيقظه رنين جرس التليفون. قفز إليه بسرعة ورفع السماعة، فجاء صوت «بو عمير» ضاحكًا: لقد نمت جيدًا هذه الليلة. يبدو أنك متعب.
ابتسم «أحمد» وقال: لعلني أقلُّكم نومًا.
سأل «بو عمير»: هل تعرف كم الساعة الآن؟
ردَّ «أحمد»: إنها السابعة، ومع ذلك لم أنَم جيدًا، وعندما نلتقي سوف تعرف السبب.
بسرعة أخذ «أحمد» حمامًا باردًا وهو يقول لنفسه: لعله يوقظني.
وبسرعة أيضًا ارتدى ثيابه، ثم أخذ طريقه إلى المطعم. كان الشياطين كلهم هناك. فجأةً تذكر «أحمد» رجال الأمن، فغيَّر طريقه واتجه إلى مكتب الأمن، وعندما ألقى تحية الصباح على الضابط الموجود لم يكن هو نفسه ضابط الأمن الذي كان موجودًا من قبل.
قال «أحمد»: لعل نَوبة الحراسة قد تغيَّرت.
ابتسم الضابط وقال: نعم، ومع ذلك فأنا في خدمتك.
قال «أحمد» في هدوء: شكرًا لك.
فكَّر لحظةً سريعة، وقبل أن ينطق بكلمة قال الضابط مبتسمًا: إن التحقيقات لا تزال مستمرة، والرجل المصاب لم يُفِق بعد، وربما عندما يُفيق نستطيع أن نعرف سبب هجوم الأمس.
مرَّت لحظة ثم أضاف الضابط: أرجو أن تطمئن؛ فرجال الأمن في المدينة يقظون تمامًا.
ابتسم «أحمد» وقال: أرجو هذا.
ثم حيَّا الضابطً وانصرف، لكنه ظلَّ يقول في نفسه: يبدو أن هناك اتفاقًا غير مفهوم؛ فكيف عرفني الضابط دون أن أتحدث؟!
عندما وصل إلى الشياطين كانوا قد طلبوا الإفطار وبدءوا يأكلون. حكى لهم «أحمد» ما حدث له أمس. قال «بو عمير»: لهذا السبب لم تنَم؟
قال «فهد»: هذا يعني أن هناك عيونًا ترقبنا.
تساءل «أحمد»: لماذا؟ وما الذي يجعلهم يشكون فينا؟
مرَّت لحظات. كان «أحمد» يمضغ لقمةً في سندويتش، بينما الشياطين قد استغرقوا في التفكير والبحث عن إجابة السؤال: لماذا؟
قال «مصباح» فجأة: ألم يفكِّر أحدكم في البطاقة الخضراء؟
توقَّف «أحمد» عن الطعام ونظر إلى «مصباح» قائلًا: إن هذا استنتاج مثير!
أضاف «مصباح»: إن الفندق يعرف أننا نحمل ما يفيد بأننا دبلوماسيون، وهذه مسألة لافتة للنظر، وبجوار أنك أمس أخرجت البطاقة لشرطي الحراسة في مكان انتظار السيارات، وما دامت العيون هنا ترصد كل شيء، فلا بأس من اكتشافنا.
تساءل «خالد»: إنني أسأل نفس سؤال «أحمد» مرةً أخرى: لماذا؟
قال «مصباح»: اسمحوا لي أن أشرح وجهة نظري.
كانوا جميعًا يُنصتون إليه، حتى «أحمد» ترك الطعام واستغرق معهم في الاهتمام بما يثيره «مصباح» من أفكار جديدة. قال «مصباح»: إذا كانت طائرتنا قد تعرَّضت للاختطاف في مغامرة «حرب المخدرات»، وإذا كُنا عندما وصلنا إلى «روما» قد وجدنا طائرةً أخرى مخطوفة؛ إذن فعمليات الخطف هي السائدة الآن. وإذا كانت الحكومة «الكولومبية» قد أعلنت الحرب على عصابات المافيا، فما المانع أن نكون نحن الهدف؟ خاصةً وأننا قد ظهرنا بمظهر رجال السلك الدبلوماسي، وبذلك نكون معرَّضين للخطف؛ فخطف واحد، أو اثنَين، أو حتى خطفنا جميعًا، يمكن أن يكون رهينةً طيبة يمكن أن تساوِم بها إحدى العصابات.
نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «فهد»: إنه احتمال قائم.
فردَّ «مصباح»: بل إنه احتمال قوي، وإلا فما معنى ما حدث ﻟ «أحمد»؟ … خصوصًا وأنه هو الذي يحمل البطاقة الخضراء.
مرَّت لحظة صمت، ثم بدأ «أحمد» يقضم لقمةً أخرى، ثم قال: إنني أُوافق تمامًا على وجهة نظر «مصباح»؛ فليس هناك تفسير آخر. ومن الصعب أن يكون ما حدث ليلة أمس مجرَّد صدفة، أو مجرَّد مغامرة. إن ما حدث يؤكد شكِّي في أن رجال الأمن في الفندق منهم من يعمل مع إحدى العصابات.
أنهى «أحمد» طعامه، ثم قال: ينبغي أن نتحرك الآن قبل أن نتعرض لأي هجوم يفسد مغامرتنا.
وخرج الشياطين من فندق «الجبل» إلى ساحة انتظار السيارات لتبدأ أولى خطواتهم في المغامرة الجديدة.